صفحات المستقبل

بين ثقافتي الشعرة والمشط/ لما الخضراء – كمال جمال بك

إشتعل جبين العام الجديد بالأمنيات .. وما ترك الأهل والأصدقاء – واقعيين وافتراضيين – ومثلهم الجيران والمعارف , موقع شعرة لحلم , إلا وغرزوه فوق رأس السنة الجديدة كل على لونه وهواه .. 

وبنشاط محموم – يتصادف أن يتدفق دائما في مطلع كل عام , ويستمر وإن أقل صخبا على مدار السنة , قبل أن يخبو في نهايتها مع ثلاثمئة وخمسة وستين يوما من الخيبات – استحضر الجميع ثمانية وعشرين حرفا – هي ما للعربية من أصوات – وغزلوا من حروفها  في ليلهم , سجادة اتكأت عليها أحلام أدماها الوقوف ثلاث سنوات عجاف وراء بوابات من وجع وانتظار .

ومن وراء غلالة الفعل الشفيف ذاك ” نتمنى ” – الذي طال حتى صار يكسو العام الجديد بشعر الحلم من رأسه الى أخمص القدم –  ندخل مسرنمين ( كالسائرين في نومهم ) من بوابة سحره نحو مدينة فاضلة , وفي مستهل طلعتها ( السلام ) على بلاد الشام , وفي شوارعها التي عمّرها خير عمّ بلمح البصر من تحت الأنقاض ,لا أثر لظلم الدواعش ولا لجور جند النظام , في زنازينها لا أسرى ولا مفقودين وراء حجاب الغيب يشتاقهم نور الشمس , وفي أزقتها لا جوعى يقرص الحصار قلوبهم مثل بطونهم , وفي مشافيها لا جرحى يموتون تباعا , وفي بيوتها لا ثكالى تشهق على لحم الأبناء , ولا يتامى يصرخون بلا معين في ليل الدم والخوف .

وفوق جثة تمددت هامدة لسنة مضت , تتنزل أمنيات صواعق الغضب .. فلا كرامة لعام انكبت فيه كرامات البشر .. تصفق الجموع وراءه الأبواب مشفوعة بصيحات اللعن وقد صار – من بعد أن كان أرضا للأحلام والأمنيات قبل عام –  صورة لقتلة ظالمين سفحوا دماء عشرات الآلاف من بني البشر , وكانوا وراء تشرد الملايين في جهات أرض كانت بالأمس رحبة فضاقت اليوم بهم ..

ولا تبدو ثقافة الأمنيات هذه عابرة على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي أو في حديث اللغو الضائع في ليالي الثرثرة العابرة , حين تنعكس بنيتها غير بريئة بالاتجاهين – ضخا وتلقيا – على ما تصدّره وتستورده شاشات التلفزة وأثير الإذاعات في ليلة رأس السنة , فتعرضه مقسما بين تجارتين رائجتين إحداهما لشراء الأمنيات , والثانية لبيع التوقعات !!..

وعلى قياس المثل الشعبي السائر (من كان نهاره يا ليت , كان ليله يا حسافة ) لا تجد فلسفة التمني إلا أن تشتري المفتاح الوحيد الرائج في دكان ثقافة العجز .. فعلى الرغم من أن معظمنا غادرعالم الطفولة منذ زمن – وإن متحسرا على معرفته الأكيدة بأن مارد المصباح لا يستطيع أن يكسر الجدار العازل ليصل إلى عالمنا قادما من أرض الحكايات – إلا أننا مازلنا نتمرغ في ثقافة الحكاية – حين لا يجوز – ونتعلق على كتف الأمنيات – حين لا  يجب -.

في اللحظات الفاصلة بين عامين – أحدهما مضى متخما باللعنات, والثاني مثله على الطريق سيمضي ربما بمثل حظه – كنا نجهز أنفسنا لممارسة صنعتنا التاريخية لدخول عتبة عالم الأمنيات بكامل مهاراتنا التي اختبرناها على مدار نصف قرن , حين سد الأبواب في وجهنا حجر سؤال بسيط الى درجة الألم , رماه علينا في الغربة أصدقاء سويديون (عن الوعد الذي قطعناه على أنفسنا للعام الجديد) .. فتعثرنا .. (في المناسبات نحن لا نعد .. عادة نحن نتمنى !!) أجبنا … لكن ما سمعوه منا عن خيوط الأماني الحريرية نغزلها لغدنا بدا غير مفهوم – رغم الترجمة اللغوية الدقيقة – .. قالوا (في مطلع العام الجديد , نحن دائما نقطع على أنفسنا وعدا .. نفعل هذا على الملأ ليحاسبنا الأهل والأصدقاء.. نعمل لتحقيق وعدنا .. وفي مطلع العام الذي بعده نستعد لوعد جديد ..

على باب 2014 عدنا ندق حاملين أحلامنا .. .. وعلى رأس عامنا هذا  زرعنا شعرا كثيفا من أمنيات ..  فهذه لعبة نتقنها .. لكن كل سنة جديدة ستقف دوما على الباب في المسافات الشاسعة الفاصلة بين ثقافتين , إحداهما تغرقها بشعرات الأمنيات .. والثانية تعدها بمشط جديد ..

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى