صفحات سوريةفارس البحرة

بين حافظ وربّه


فارس البحرة

أدّى تفاقم عنف النظام وتوجيهيه فعلياً و إعلامياً ضد السنّة أكثر من غيرهم إلى تشكّل حساسية ذات طابع طائفي عند الأكثرية أشبه بحساسية الأقليات. وإلى نزوع إلى المطابقة بين التمييز ضد المسلمين الشائع في العالم منذ بضعة عقود وبين اضطهاد السنّة كطائفة

 

لحساسية المفرطة من التجديف أو قول عبارات تعبّر عن فهم لله غير مطابق للفهم الأكثر تقليدية يُرفض على أنه كفر ولكن الدافع الذي يحرّك المكفرين والذي يتواتر ظهوره أثناء النقاش معهم أقرب لأن يكون طائفياً، أشبه بجرح شخصي لأقلية_كبيرة تشعر بالاضطهاد

وفي الأمر، كما هو غير نادر الشيوع، لدى من يعانون الاضطهاد، شيء من العُظام، وتمادي تصوّر حدود الهوية الجمعية، وما يرافق ذلك، عندما يتجلى دينياً أو طائفياً، من نزوع لاحتكار الله. رغم أنه إسم الخالق في العربية لدى جميع الموحّدين.

بشيء من الصبر على هذه السطور وتجنب رد الفعل النزق، يلمح القارئ الشبه بين هذه الحال، وما لمسناه في مستهل الثورة خصوصاً من شعور بعض المنحدرين من الطائفة العلوية بأن القصد من وراء شتيمة حافظ الأسد طائفي بحت. لا مجال بالتأكيد للمقارنة بين الخالق و رئيس سابق رغم سعي الأخير في حياته وسعه لتأليه نفسه، لكن وجه المقارنة الذي أقصده هو في اعتبار الإساءة العامّة إساءة خاصة: فكما أن الله إله الجميع فقد كان حافظ الأسد رئيساً للجميع، فليس الله إله السنّة فحسب ولا حافظ الأسد رئيس العلويين فحسب. حتى لو قال قائل أن من العلويين من يؤلهه، فمؤلهه _إن صحّ ذلك_ يعلم أن ذلك التأليه محصور بالمؤلهين دون غيرهم لكن حساسيته تجعل هذه المعرفة نافلة. يشبه اعتبار شتيمة حافظ ذات محتوى طائفي يستهدف العلويين في قفزه عن الصلات المنطقية بدافع من مشاعر الاضطهاد و فرط الحساسية الطائفية شعور البعض بأن التجديف على الله أو تناول ذكره بما لا يطابق المعتاد أذية تستهدف السنّة بالذات دون غيرهم.

من زاوية نظر أخرى، كما أننا لا نعدم بين بعض شاتمي حافظ _بالفعل_ من لا يرى فيه إلا العلويّ، فهناك بين المجدّفين أو شاتمي الإله من يتقصدون من سيء كلامهم هذا السنّة بالفعل.

لكن الأكثر جوهرية في شتيمة حافظ هو برأيي تقصد رئيس الدولة الذي خرّب الدولة، فالشاتم يشتم رئيسه لا رئيس العلويين، كذلك فإن الأكثر جوهرية في التجديف على الإله هو في أسوأ الأحوال: إساءة الأدب إلى الإله الشخصي، أي أنه أمر بين الشخص وإلهه ظهر إلى العلن، فجهة المعنى في القراءة التي تبدو لي أكثر ثقلاً لا تستهدف إله السنّة.

لا بد في النهاية أن نعود فنؤكد على الفرق الجوهري بين الإله ومكانته لدى أغلبية السوريين: ذكره، لا سيما في هذا الظرف، يستحق التأني والتبصّر بمرامي الكلام، و بين بشر مثلنا كان رئيساً للسوريين جميعاً، وتسبب لأغلبهم أثناء حياته وبعدها بكوارث انسانية ووطنية كبرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى