سلام الكواكبيصفحات سورية

بين غزة وسوريا: التضامن الانتقائي


سلام الكواكبي

مع عودة أعمال القتل ضد فلسطينيي قطاع غزة، والتي أدت إلى سقوط عشرات الشهداء ومئات الجرحى وتدمير هائل، عاد الشارع الثقافي العربي إلى الحياة مجددا وخرجت الأصوات والأقلام التي تنادي بالتضامن والشجب والتنديد لما تقترفه يد العدوان الآثم بحق شعب أعزل وبحق مقاومة شرعية ضد الاحتلال.

وكذا، سارع اليسار الأوروبي إلى تنظيم التظاهرات التي تدعو إلى وقف العدوان ورفع الحصار عن قطاع غزة. وامتلأت ساحات الجامعات بالتجمعات الطالبية التي توزع الصور والأخبار عما يحصل. وبالنسبة لشبكات التواصل الاجتماعية، فقد كان هذا الحدث هو الأكثر تعليقا عليه من قبل جموع المتضامنين. وقد أعطى هذا التوجه شيئا من الرضى لمن يراقب بغضب جمود العمل العربي المشترك والأدوار الهامشية التي تلعبها المنظمات الإقليمية والدولية في نصرة الشعب الفلسطيني ومحاولة وقف العدوان عليه.

لقد استل بعض مثقفينا سيوف النص المنمق ليكتبوا عن مشاعرهم حيال قصف غزة معبرين عن موقفهم الواضح من تصرفات هذا العدو الغاشم التي لا تجد رادعا لها من قبل مجتمع دولي منافق. وتوالت الملاحظات السياسية التي استندت إلى طبيعة النظام الإسرائيلي المتعطش للحروب من أجل تعزيز لحمته الداخلية وإلى رغبة مجرم الحرب بنيامين نتنياهو في تعزيز فرصه في الانتخابات المقبلة. عادت الحياة إذاً إلى الأقلام التي رافقت نضال الشعب الفلسطيني لاقتناع صادق مرتبط بقوالب أيديولوجية ومناهضة للإمبريالية وإنسانية، أو لمنفعة، كونها كانت تتلقى أموالا ممن يتاجرون بالقضية كصدام حسين أو معمر القذاقي.

■ ■ ■

لقد أتت الحرب المتجددة والمسعورة على غزة، كحجة مناسبة أو كجائزة ترضية لمن فاته قطار الالتزام الاخلاقي والإنساني والتقدمي ونأى بنفسه عن التضامن مع شعب سوريا الذي يسقط المئات منه يوميا منذ قرابة العشرين شهرا. واستغل كثيرون ممن لاذوا بصمت مريب ومطبق حيال المأساة السورية هذا الحدث الجلل وأعادوا انتاج خطابهم الصادق أحيانا والمتلاعب أحيانا أخرى. وفي المطلق، يعتبر هذا خيارا إنسانيا وعقائديا لا غبار كثيراً عليه. في المقابل، كان من الجارح للمعنيين من السوريين أن ينحرف هذا الخطاب ليكون توجيهيا واتهاميا أيضا في ما يتعلق بتبرير التضامن الانتقائي ورفض التعبير عنه في الشأن السوري ولو كلاميا، وهي رياضة المثقفين المفضلة، بحيث بدأت أحكام القيم والنيات في ما يخص الثورة السورية واعتبارها أو اتهامها بأنها احتجاجات مسيرة من قبل قوى خارجية (إمبريالية، صهيونية، ماسونية، قاعدية، إلخ) وهدفها زعزعة نظام “المقاومة والممانعة”.

إن التضامن الصادق مع شعب غزة ومع فلسطين عموما وقضيتها العادلة يعتمد أساسا على الإيمان بوزن عاملي الحرية والكرامة في بناء الفعل السياسي المؤثر. والتضامن الانتقائي والمقولب أيديولوجيا لا يحمل للقضية إلا الكلام، وربما هذا هو الهدف، فالكلام المكرر ذخيرة لا تنضب لمن أجَّل مساءلة موقفه. من باع الفلسطينيين الكلام وتركهم لمصيرهم، يترك السوريين لمصيرهم من دون حتى أن يبيعهم الكلام.

استاذ جامعي في باريس

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى