صفحات الناس

بين مخفر باسوطة ومعصرة الزيتون قصص سود في سجون الوحدات الكردية YPG

 

 

ياسين أبو رائد

إسطنبول – «القدس العربي»: «بسبب لحيتي سُجنت سبعة أشهر عند ميليشيات تدعي بأنها ديمقراطية»، هذا ما قاله محمود المحمد من حلب بعد سبعة أشهر قضاها في سجون الوحدات الكردية YPG في مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية شمال مدينة حلب في سوريا.

ويروي محمود قصته بعد اعتقاله على أحد حواجز مدينة عفرين في شتاء عام 2016، قائلاً: «جريمتي كانت اللحية وصور للثورة السورية»، إذ توقّف محمود على حاجز للوحدات الكردية في عفرين، فسأله أحد عناصر الحاجز عن سبب إطالة لحيته، وثم طلب منه النزول من السيارة والتوجه إلى إحدى غرف الحاجز والانتظار، وعاد إليه العنصر ليخبره عن صور محذوفة من جهازه المحمول، وهي عبارة عن علم للثورة السورية وصور للقصف على مدن وقرى ريف حلب.

يقول محمود لـ»القدس العربي»: «أخذني عناصر الحاجز إلى مخفر باسوطة قرب مدينة عفرين وسط شتائم وعبارات تم تكرارها كثيراً، يا مرتزق … يا إرهابي… خربتم البلد»، مضيفاً «لم اسمع هذه العبارات إلا في حواجز نظام الأسد».

الاعتراف

يقول محمود: «طال انتظاري أربعة أيام في المخفر، وتوالت جلسات التحقيق التي تعرضت خلالها للضرب والشتائم، حتى اعترفت أنني كنت مع الجيش الحر في بداية الثورة».

ويعلل محمود سبب ظلمه في هذه التهمة، «منذ فترة طويلة تركت القتال والتحقت بإحدى المدارس ومارست مهنة التعليم، وجاء الاعتراف بعد التعذيب والضغط النفسي وخداعي بالإفراج عني وبأنهم أخوتنا، وأنهم لن يؤذوني، وفي النهاية قاموا بتحويلي إلى ما يُعرف بالسجن الأسود».

سجن «معصرة الزيتون»

معصرة زيتون تحولت إلى سجن يدعى «الأسود» هكذا كان المحققون والسجانون يطلقون الاسم على البناء الذي عاش به محمود ثلاثة أشهر، طبيعة السجن وسمعته لما يجري داخله من ضغوط على المعتقلين كانت كافية لتحقيق البناء هذه السمعة السيئة، بالإضافة إلى إنارة السجن التي هي عبارة عن «لدّات» أي أضواء خافتة تعمل على البطاريات.

كان محمود في غرفة منفردة قبل نقله إلى المهجع، حيث تعرض لجلسة تحقيق مختلفة عن جلسة تحقيق المخفر الذي نقل إليه في بداية اعتقاله، وتسمى «المرحلة الثانية للتحقيق».

ويصف محمود «المنفردة» بأنها غرفة ذات جدران متشققة، تتساقط قطرات المطر من سقفها، وتتسرب المياه من جدرانها، ولم يسمح لأحد بالحصول على أكثر من بطانيتين رقيقتين للتمدد على واحدة، والتغطي بواحدة أخرى، ما سبب لي معاناة كبيرة مع البرد في فصل الشتاء وتعرضت لأمراض عدة. وتابع: «الدخول إلى الحمامات كان خلال وقت معين، وأحياناً خلال عد السجان للأرقام من واحد إلى عشرة، ويقوم السجان بتعبئة مياه الشرب للمعتقل من صنابير الحمامات».

محاكمة باسم الشعب

ويتابع محمود سرد قصته قائلاً: «نُقلنا بعد ثلاثة أشهر من الاعتقال في السجن الأسود إلى محكمة عفرين، وهي محكمة للنظام السوري سابقاً، وتمت إعادة التحقيق معنا من جديد، وهي المرحلة الثالثة، هُددنا بعقوبة المؤبد خلال الاعتقال والعبارة الأكثر تكراراً، والتي كانت تشكل رعباً لنا وهي تسليمنا إلى نظام الأسد كفرع المخابرات الجوية وفرع السياسية وغيرها من فروع الأسد، مع عبارات متطرفة دائمة ضد مدينتي التي انتمي إليها، وضد الريف الشمالي الذي انتمي اليه، إضافة على شجبنا بأننا خرّبنا البلد».

وأردف: «استمرت هذه الحالة شهرين ونصف حتى حاكمتني امرأة، وكالمعتاد نطقت حكمنا باسم الشعب»، يقولها ضاحكاً، و»الحكم الحبس عاماً كاملاً».

وبعد المحاكمة نُقل المعتقلين إلى مهجع في «السجن الأسود»، وتبلغ مساحة المهجع 40 متراً مربعاً، بداخله حوالي 60 شخصاً أي أقل من نصف متر واحد للمعتقل الواحد.

وقال: «لقد كنّا ننام في التناوب بسبب ضيق السجن ولعدم وجود مساحة كافية داخل المهجع»، وحسب محمود إن وحدات YPG خلال ستة أشهر قامت بتوسيع ما يدعى «السجن الأسود» من خمسة مهاجع إلى عشرة مهاجع، ليتسع السجن لأكثر من 600 معتقل بين مدنيين وعسكريين.

طفل يصبح يافعاً

ويروي الشاب قصصاً إنسانية مؤثرة عايشها مع سجناء آخرين وقال: «الغريب أنّ هناك أطفالاً داخل السجن، وبينهم طفل كان يبلغ من العمر 12 عاماً عند اعتقاله، وصار عمره الآن بالسجن 15 عاماً، واستغرق التحقيق معه ثلاث سنوات، وعند خروجي كان متواجداً ولم يفرج عنه».

وأردف: «كما يوجد طفل عمره 14 عاماً اعتقلته الوحدات الكردية أثناء سيطرتها على الهلك في حلب بتهمة الانتماء للجيش الحر، والطفل دائماً يردد العبارة المعروفة بالسجن وهو مبتسم… أنا حاطط بالأمانات «دحل» وهي لعبة اعتادها الأطفال في سوريا».

وتعددت القصص ومنها عن رجل كبير بالسن ويبلغ عمره حوالي 70 عاماً كان معتقلاً بتهمة الانتماء للجيش الحر، حيث يعاني الرجل من شلل نصفي، وتعرض المسن حسب «المحمد» لأزمة نفسية، ويدخل الرجل بحالة من البكاء والكآبة لأيام عدة. وأفرجت عنه الوحدات بعد أربعة أشهر من المعاناة داخل جدران السجن وفي ظلمته، لكن ورد خبر مفاجئ أنّه توفي أثناء توجهه إلى عائلته بعد خروجه من المعتقل بأيام.

نداء إلى المنظمات الإنسانية

ووجه محمود المحمد نداء إلى المنظمات الإنسانية، للدخول إلى تلك السجون، ومنها السرية كسجن «المغارة» وهو كهف يحوي معتقلين متهمين بالانتماء لـ»داعش» ومتابعة الأطفال وكبار السن، ومراجعة الحالة الصحية للمرضى، لعدم الاعتناء بالمعتقل، وجاء ذلك بعد تجربة شخصية نتيجة تعرضه لوعكة استمرت أسبوع بدون علاج من التسمم الغذائي.

وقضى المحمد سبعة أشهر متنقلاً بين المعتقلات التي وُجدت خلال السنوات الأربع الماضية، وأُفرج عنه بواسطة عملية تبادل أسرى بين فصائل الجيش الحر ووحدات» YPG».

واختتم محمود حديثه قائلاً: «في بداية الثورة حمل معظمنا السلاح دفاعاً عن المظلومين، ولاحقاً اتجه كل شخص إلى عمله ضمن اختصاصه، لكن اعتبرتها الميليشيات جريمة يعاقب عليها الشعب، وتمت محاكمتي باسمه!، لكن هل يعلمون بأنني عندما حملت السلاح في ثورتي دفاعاً عن الشعب لم تكن هذه الميليشيات متواجدة حينها؟».

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى