صفحات الحوار

بييتون لـ”النهار”: إدانة القمع السوري واجب أخلاقي

 


في ما لا يزيد على اسبوعين، برز تحرك ناشط جداً للديبلوماسية الفرنسية بعد اجتماع مجموعة الثماني في دوفيل، ترجم في تنقل وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه بين عواصم عدة وصولاً الى رام الله وتل ابيب من اجل الحض على استئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، ثم الانتقال الى واشنطن فنيويورك للإعداد لقرار في مجلس الامن يدين سوريا ثم الى ابو ظبي للمشاركة في اجتماع مجموعة الاتصال حول ليبيا على نحو تتقدم فيه فرنسا بقوة المجتمع الدولي في بعض من هذه الملفات.

هذا التحرك يبدو مثيراً للاهتمام، في ظل تطورات متسارعة في المنطقة، فيما الوضع اللبناني بين مد الحكومة المقبلة وجزرها، يفقد جاذبيته، ان لم نقل أهميته. لكن السفير الفرنسي في لبنان دوني بييتون لا يقلل في حوار مع “النهار” من الشأن اللبناني في موازاة الملفات الأكثر حرجا، مع اصراره على أهمية تأليف حكومة على قاعدة ان وجودها افضل من عدمه في ظل تحديات محلية وظروف اقليمية تحتم ذلك، ودعوته الى حوار بين اللبنانيين لا يقتصر على الاستراتيجية الدفاعية.

يعني تقدم الموقف الفرنسي على سواه من المواقف كموضوع سوريا مثلا وجود خلافات بين الدول الغربية؟

– لا خلاف بين دول الاتحاد الاوروبي على تقويم ما يجري في سوريا. فمواقف السيد جوبيه مستندة الى تقدير فرنسا ورئيس الجمهورية. نجد ان الوضع هناك خطير ويستحق الادانة وان القمع الذي يحصل فظيع ولا يمكن ان نشهد على كل ذلك العنف من دون رد فعل. هناك رابط بين ما يحدث في العالم العربي، لكن الوضع في ليبيا مختلف من دون ان يعني ذلك امكان اعتماد الطريقة نفسها. اذ انه في حال ليبيا كان هناك هدف محدد للعملية العسكرية وهي حماية المدنيين في ظل توافق في الجامعة العربية والاتحاد الافريقي، الامر الذي لا يتوافر في حال سوريا. لذلك ليس وارداً اللجوء الى اي عمل قسري. انما ما يهمنا هو ألاّ نشهد على ما يحصل من دون رد فعل وأعتقد ان هناك واجباً اخلاقياً بادانة ما يحصل. هناك مشروع قرار في مجلس الأمن قدمته فرنسا وبريطانيا اللتان تعملان معا بدعم من دول عدة، كالبرتغال مثلاً، التي هي عضو في المجلس، وألمانيا، ونحن على الخط نفسه والاميركيون يدعمون ذلك. وهذا صعب لان هناك معارضة في مجلس الامن، الاّ اننا نشعر انه لا يمكن الصمت على ما يحصل من دون ادانته على الاقل والدعوة الى الحوار والى اجراء اصلاحات فعلية.

لكن فرنسا بدت أنها اقفلت الباب في حين يطرح سؤال عما بعد في حال تمكن النظام السوري من ضبط الوضع؟

– اذا استمرت دورة العنف ونجح النظام في ضبط الامور، فإن ذلك سيكون تهدئة ظاهرية وموقتة. أعتقد ان ما قاله السيد جوبيه ان الوضع تجاوز الحدود المقبولة، هو في كونه لا يحق للمسؤولين ان يطلقوا النار على شعب أعزل وان الحل الوحيد في سوريا هو سياسي يكمن في اطلاق الحوار والاصلاحات الضرورية واطلاق معتقلي الرأي واجراءات جذرية وليس أنصاف اجراءات، وفي حال لم يحصل ذلك فان شرعية الرئيس الاسد هي التي ستكون مطروحة وفق تحديد واضح هو انه كلما استمر القمع، حتى لو ادى الى نتائج بمعنى تأمين استقرار من دون الاخذ في الاعتبار تطلعات الشعب السوري كما سائر الشعوب العربية التي طالبت بحرية وديموقراطية اكبر، فإن المشكلة تبقى قائمة. ان منع وسائل الاعلام من تغطية ما يحصل يمنع الوصول الى المعلومات الصحيحة بحرية. يجب على النظام ان يظهر اهتماما اكبر بتطلعات شعبه لأنه كلما استمر العنف اصبح التحاور صعباً. لهذه الاسباب اعتمدت اوروبا عقوبات لن ترفع ما لم يحصل تقدم ملموس وفاعل على صعيد الاصلاح. وهذا لا نراه يحصل. يمكن القول ان الباب لا يزال مفتوحا، لكن كلما استمر الوضع على هذا النحو اصبح الحل السياسي اكثر صعوبة. فاذا لم يتوافر محاورون من ضمن المعارضة يقبلون بالحوار مع النظام فان الوضع يكون كمن دخل نفقا من الصعب الخروج منه. سنكون سعداء جدا اذا وُضعت الاصلاحات التي أُعلنت موضعَ التنفيذ غدا.

هل ينتظر المجتمع الدولي انتهاء الوضع في ليبيا قبل الانصراف كليا الى الوضع السوري؟

– أعتقد كما قلت ان هناك تشابها بين الوضعين، لكن الاطار مختلف، وفي الوضع السوري البعد الطائفي المتعدد يجعل الوضع خطيرا والقلق كبيرا على الاستقرار هناك وعلى استقرار الدول المجاورة. هناك قرار دولي يوضع موضع التنفيذ في ليبيا وقد اظهر فاعليته وقد غدا القذافي في وضع صعب. ونحن اعترفنا بالمجلس الانتقالي في ليبيا وعدد من الدول فعل، وقد استقبل الرئيس سليمان وفدا منه اخيرا لكن الوضع مختلف ولا يمكن القول اننا نتتظر الانتهاء من الوضع الليبي للاهتمام بالوضع السوري لان الامور في العالم تحصل كلها في الوقت نفسه. ومقاربتنا للوضع السوري هي مقاربة سياسية وما نبحث عنه في مجلس الامن بعد العقوبات الاوروبية التي اتخذناها هو ادانة للقمع وتوجيه رسالة الى النظام السوري عن اهمية بدء حوار سريع، علما ان العقوبات لم تُتخذ الا بعدما وجهت رسائل تحذيرية عدة.

هل هناك ندم على الانفتاح الذي قادته فرنسا في اتجاه سوريا؟

– لا يمكن الندم في موضوع مد اليد. نحن الآن في مرحلة جديدة وقد اعتقد الرئيس ساركوزي ان التقارب يمكن ان يؤدي الى بعض النتائج الايجابية انما الطريقة التي حصل التعامل فيها مع الشعب لاحقا لم يعد معها ذلك ممكنا.

ماذا عن المخاوف على استقرار الدول المجاورة؟

– اعتقد ان اي مسألة لا يمكن اعتبارها مسألة وطنية داخلية. ونرى الامر مثلا مع ما حصل من نزوح سوري الى شمال لبنان والى تركيا. وتاليا لا يمكن التعاطي مع مسائل على انها محدودة من ضمن الحدود التي تقع فيها. المسألة السورية يمكن ان يكون لها تأثير على الدول المجاورة. لا يمكن الفصل بين ما يحدث في لبنان والاعتداء على “اليونيفيل” عما يحصل في سوريا. لقد ارتحنا جداً لما حدث في 5 حزيران في الجنوب، اذ تحمل الجيش اللبناني مسؤوليته وكذلك الفلسطينيون. اعتقد انه كان موقفاً مسؤولاً في حين ان الوضع في الجولان ادير بطريقة مختلفة. وقد انعكس ايضاً على الوضع بين الفلسطينيين وحكومة دمشق.

أعتقد ان المسألة الفلسطينية يجب ألا تعتمد اداة لاهداف سياسية داخلية او اقليمية. اما عن  مخاوف من حرب فهذه مسألة تطرح دوما في لبنان. ولا اود ان اطلق صفارات الانذار لكن لا ارى صراعاً محتملاً يحصل ونسعى جهدنا لمنع حصوله في الوقت الذي نسعى الى اطلاق مسار المفاوضات السلمية.

هل تخشى المزيد من الاعتداءات، وهل سيؤثر ذلك على المشاركة الفرنسية والاوروبية؟

– لا املك معطيات عن الاعتداء الا انني ألاحظ انه لم يحصل اعتداءات على القوة الدولية منذ اعوام ومع تعقد الوضع الاقليمي. نحن نتضامن مع زملائنا الايطاليين. لكن من المهم في ظل تعقيدات الوضع الاقليمي ان ينفذ القرار 1701 وان تواصل “اليونيفيل” دعمها للجيش اللبناني واؤكد كما فعل زملائي اننا سنواصل التزامنا العمل ضمن القوة الدولية حتى لو احتفظنا بالحق في مراجعة اسلوب مشاركتنا من وجهة النظر العملانية والمعدات، لكن التزامنا يبقى كاملا. نحن نعي ان مشاركة الاوروبيين مهمة للبنان كما لاسرائيل، وملتزمون نوعيا من حيث الوجود على الارض والمعدات لكن يمكن ان نعيد النظر في ذلك من دون ان يعني وجود مشروع ما في الافق بهذا المعنى، لكن حصلت مراجعة اخيرا اذ ابدلنا بعض المعدات ونعتقد ان هناك صدقية لدينا على الارض تجب المحافظة عليها وانه من وجهة النظر هذه دور الدول الاوروبية اساسي وهو على ما اعتقد موقف الايطاليين والاسبان ايضا. يجب ان يتوافر لـ”اليونيفيل” الوسائل لتنفيذ المهمات المنوطة بها. لذلك سنواصل القيام بذلك على رغم الصعوبات كما في حال الاعتداء على القوة الايطالية.

هل هذه رسالة ستؤثر على قراراتكم؟

– لا لأننا نعتقد ان من يوجه الينا رسالة عبر “اليونيفيل” يخطئ في العنوان في حال كانت هذه هي الحال. فوجود “اليونيفيل” هو توافق قوي بين الافرقاء اللبنانيين وهناك ارادة اسرائيلية على ما اعتقد ان تواصل القوة الدولية عملها، واذكر ان مهمتها الاولى هي دعم الجيش اللبناني لكن ايضا عبر اللجنة الثلاثية المساعدة في تحديد الخط الازرق وازالة الالغام ويجب عدم حصر مهمتها بانتشارها فقط، اذ ان دورها تقني سياسي.

كيف ترى الوضع الحكومي في لبنان؟

– من الصعب ان يكون لدينا رؤية واضحة حول ما يحصل لاننا شهدنا صعودا وهبوطا في جهود رئيس الوزراء المكلف. هناك اشارات حول التوجه الى تأليف حكومة. ما افهمه ان الرئيس ميقاتي حريص على ممارسة صلاحياته كرئيس وزراء مكلف وان تكون صلاحيات رئيس الجمهورية محترمة ايضا. اعتقد انه من المهم ان تتألف حكومة لانه من غير الصحي في ظل الوضع الاقليمي والصعوبات الاقتصادية وضرورة حصول تعيينات، البقاء بلا حكومة. ولا يمكن القبول بسهولة بعدم وجود حكومة وليس علينا ان نقول كيف يكون شكلها وتركيبتها انما ما نتطلع اليه هو برنامجها والبيان الوزاري وما ستقوم به ابعد من ذلك من حيث التزامات لبنان الدولية. السيد ميقاتي ملتزم احترام ذلك. ما اود الاشارة اليه في ما خص موضوع التمديد لحاكم المصرف المركزي رياض سلامه انه يجب احترام صلاحيات المؤسسات على قاعدة فصل السلطات وان التمديد لسلامه الذي سيكرم الاسبوع المقبل في باريس، وهو احتفال ساحضره انا ايضا، يمكن ان يحصل إما بمرسوم جوال او باجتماع استثنائي للحكومة مع وجوب الحرص على الوضع الاقتصادي والاستقرار المالي.

في لبنان من الصعب الفصل بين عوامل التعقيد الداخلية وعوامل التعقيد الخارجية. ما اتمناه كصديق للبنان ومراقب ان يتولى اللبنانيون امورهم بأنفسهم. مهمة السيد ميقاتي لم تكن سهلة بعد فشل خيار حكومة وحدة وطنية او حكومة تكنوقراط فضلا عن مطالب من العماد عون من اجل تثبيت دوره من ضمن الاكثرية. لذلك فان التوفيق بين هذه الضغوط لم يكن سهلا. واعتقد ان يكون هناك حكومة افضل من عدمها، لأن لبنان في حاجة الى سلطة سياسية تتحمل مسؤولياتها. والاهم هو ضرورة اقامة حوار بين الافرقاء السياسيين ليس على موضوع الاستراتيجية الدفاعية فحسب بل حول كل المسائل الاساسية العالقة.

هناك تحرك فرنسي ناشط في موضوع المفاوضات في ظل عدم تفاؤل برد الفعل الاميركي والاسرائيلي.

– نقطة الانطلاق ان الامور لا يمكن احتمال ان تبقى على ما هي عليه. فاذا لم يحصل التحرك قبل ايلول المقبل ونلاقي الطلب الفلسطيني الراغب في الحصول على اعتراف بالدولة الفلسطينية من خلال اعادة اطلاق المفاوضات، فان الامور يمكن ان تكون كارثية. وقد انطلقنا مما اعلنه الرئيس الاميركي اخيرا للبناء عليه والتقى الوزير جوبيه الرئيس محمود عباس في روما وحصل على موافقتهم كما وافق السيد طوني بلير في حين ان الاسرائيليين قالوا انهم سيبحثون في الموضوع، فيما لم يعط الاميركيون اشارات سلبية وان كان لديهم اسئلة حول تراتبية المواضيع لكن لم يعارضوا. والفرص ليست كبيرة كما قال الوزير جوبيه لكن يجب البدء من مكان ما.

حاورته روزانا بومنصف

النهار

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى