صفحات الثقافةلقمان ديركي

بَيعة المسا/ لقمان ديركي

 

 

ليت البيع كان قطعياً وارتحنا في ما بعد، والتفاصيل آتية لتكمل عيشها بيننا. لكن أن يتم بيعك قطعة قطعة، وأنت ترى، وتشاهد، وتلمح، وتعاين، فهو ألم ما بعده ألم. لكنه ألم بلا قيمة تراجيدية، لأن كرامتك البشرية أبت حتى مجرد البوح به. ألم قدره أن يكابر عليه الجميع. ففي كل تفصيل من تفاصيل حياتك تشعر بما يدخل إلى جيب البيَّاع، وتفكر، هل يمكن أن يحدث في التاريخ البشري أن تحصل على دورين في آن معاً وهما البضاعة والزبون؟!!

يحدث. أنت لم تفكر أصلاً بذلك، أنت فقط لمسته ولمحته فجأة وهو يحدث. وبدأت تتلمس جسدك. طار الجاكيت في عز الشتاء، وجاءت ريح وخلعت عنك اللحشة فباعها اللي صارت من نصيبه. وتم بيع باقي ثيابك على مدار الفصول، حتى غدوتَ مثل طرزان. إيد من ورا، وإيد من قدَّام. بل إن اليدين “صاروا قدَّام”، نظراً لعدم حصولك على ميزة ورقة التوت، التي يوزعها قطاع الطرق النبلاء على الضحايا من نسوة ورجال.

أصبحت عارياً. يتأملك المريض نفسياً من شعوبك المباعة قبلك في مزادات أرخص. يتأملك المملوك الحديث براتبه التمام. ويبدأ بالتفكير في شراء شيء من عندك. صرت توزع الذكرى على الدول والأفراد، على شكل أيقونات طبع عليها اسمك. وتحت اسمك تباع معك أعلامك وراياتك، كما يباع معك بعض من هتافك، وبالتأكيد سيباع حلم الحرية الذي راودك ذات يوم مع ما كل نتفة من نُتافك.

أنت مجرد نُتاف الآن، حاصل على ميزة أنقذ نفسك بنفسك. لكن عليك أن تنسى ما تركت خلفك. أحسن ما يصير فوقك. بقى بياع والا ما لك بياع يا أخي؟!! بتتذكرو لهاد اللي هتف بالحرية ومات من كيسه؟! أنت كمان رح تعيش من كيسك. ادفع وعش. ادفع ثمن حياتك. هيا ادفع. الجزية على الجميع. لسنا بنظام طائفي أو إسلامي أو عنصري. ولسنا بمعارضة طائفية أو إسلامية أو عنصرية. لسنا بعنصريين. إننا من سلك البياعين الشرَّائين، نحنا تجار، وبضاعتنا تقارب على النفاد. بَيعة المسا.

أنت الذي تبعبع في وجهي الآن طلباً للحرية، لست أكثر من بيعة مسا. فإما أن تبايعنا، أو نبيعك. ولعلمك فحتى لو قررت أن تستشهد فإننا سنشتري حفل زفافك. عفواً يعني تشييعك يا غالي. يا شهيد الوطن، يا حامي الحمى، يا من رفض أن ينتصر الأعداء فمات. هل فهمتَ يا نفر، أنت اسمك نفر، مهما علا شأنك، مهما نفحك من قوةٍ القدر، أنت البضاعة وأنت الزبون. أنت اللي من دهنه سقِّيله.

هل فهمتَ يا مثقف، يا بالع الكتب؟ كان عليك أن تقرأ أسفار الشرق، لا أن تمد رأسك إلى أسفار غيرك. فإذا ناسبتك أسفارهم فما عليك سوى بالسفر إليهم، ولن ينفعك في ذلك لا فيزا ولا سفارة ولا مراكز لتسفير اللاجئين ولا هيئات لاحتضان المنكوبين. لن ينفعك إلا البلم. وفي سبيل ذلك خصصنا لك مهرباً كي تبيعه رغبتك بالسفر… يا أيها النَّفَر.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى