صفحات العالم

تاريخ سوري لبناني

 


ساطع نور الدين

لأن التاريخ يؤكد أن الإصلاح في سوريا صعب جداً، ويمكن أن يسير في الاتجاه المعاكس تماماً، فإن الحكمة اللبنانية الوحيدة تقضي بالتزام الصمت المطبق والتعامل مع الحدث السوري التاريخي كما لو انه يجري في فنزويلا، وإلا فإن التاريخ لن يرحم احداً من اللبنانيين، التابعين لدمشق او التائهين عنها، طالما انه ليس هناك صنف لبناني ثالث.

الأمن سؤال جدي جداً. والرؤوس الحامية التي تطل هذه الأيام، يمكن ان تقود البلد الى كارثة حقيقية، سواء ظنت ان التغيير في سوريا هو خدمة لها او طعنة لها، وشرعت في محاولة تصفية حسابات قديمة، بعضها من عمر الحرب الأهلية وبعضها الآخر من عمر الطائف، وآخرها من عمر التمديد للرئيس إميل لحود وما تلاه من كوارث. والأخطر من ذلك أن يتورط بعض اللبنانيين، كما هو مرجح، في المعركة مع النظام السوري او مع معارضيه. فيكون الثمن باهظاً جداً على الاستقرار في لبنان الذي لا يمكن إلا أن يكون جزءاً من الاستقرار في سوريا، مهما كان شكل النظام في البلدين. وهذا درس لا يجوز لأي لبناني أن يجهله أو أن ينساه.

لا شك في أن النظام السوري ومعارضيه سيعمدون الى استخدام لبنان وحث الحلفاء اللبنانيين المختلفين على مد يد العون، بأي شكل من الأشكال، لكن هذه الخطوة ستكون عابرة ومؤقتة، وهي لن تخفي حقيقة أن الصراع عاد الى الداخل السوري، وصارت عناوينه محلية جداً، ولا يمكن لأي مساعدة لبنانية، حتى ولو خرقت الحدود الشرقية – الشمالية او الحدود الجنوبية، أن تغير مجرى ذلك الصراع، أو أن تحرفه عن مساره الطبيعي ومآله الحتمي.. الذي قد يؤجل بل ربما يعطل الكثير من المخاطر الخارجية على سوريا ولبنان معاً. ويمكن التقدير أن سلوك إسرائيل بشكل خاص سيكون أكثر انضباطاً مما كان ازاء الحدث المصري، وأكثر ترقباً بالتأكيد لما سيحصل في دمشق في الفترة المقبلة.

الاضطراب الأمني يلوح في الأفق اللبناني، وهو سيكون محصلة طبيعية للحدث السوري الاستثنائي يمكن احتواؤها بسرعة وبسهولة، إذا ما تم التعامل مع ما يجري في دمشق بتواضع شديد وبحياد أشد، وخصوصاً أن جدول أعمال سوريا المقبل، لن يأخذ في الحسبان أن لبنان جزء من المشكلة أو هو جزء من الحل كما يتوهم بعض اللبنانيين، بل سيكون تجربة تحتاج الى الكثير من المراجعة والمحاسبة من قبل النظام ومعارضيه على حد سواء.

الاختبار اللبناني صعب. وهو يخضع الكثير من النظريات التي شاعت في الأعوام الـ35 الماضية عن الشعب الواحد في دولتين أو عن النظام المشترك في فرعين، أو عن الحلف المقدس الذي يحكم البلدين، لتحديات استثنائية، ويضع لبنان واللبنانيين للمرة الأولى منذ حزيران عام 1976 أمام معضلات الهوية والوحدة الوطنية والتوزيع الطائفي للسلطة، كما يمكن أن يعرضهم لتجارب قاسية مع السياسة الخارجية، التي ظلت طوال العقود الأربعة الماضية نسخة طبق الأصل عما يتقرر في دمشق.

مهما كانت نتيجة الصراع الداخلي في سوريا، فإن تاريخاً جديداً سيكتب للبنان.

السفير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى