صفحات العالم

تباين روسي- إيراني في سورية/ ألكس فاتنكا

 

 

عقدت محادثات السلام في جنيف بعد اسبوع على مؤتمر سوتشي في 22 تشرين الثاني (نوفمبر) الذي جمع أبرز اللاعبين في سورية- إيران، وتركيا، وروسيا. وكان من المفترض ان يكون منعطفاً في رسم مستقبل سورية. وهذا، على الأقل، ما أملت به طهران. ولكن المفاوضات سلطت الضوء على الشقاق بين أبرز داعمي الأسد، إيران وروسيا، وانقسامات داخل ايران نفسها بين حكومة حسن روحاني وقيادات الحرس الثوري.

والأخير بسط في سورية في الأعوام السبعة الماضية نفوذه من طريق ميليشياته ووكلائه المحليين. وهو قلق على مكاسبه ويخشى رداً إسرائيلياً وأميركياً وعربياً يقوّضه (النفوذ). وعليه، قد ينزلق قريباً الى نزاع مع روسيا وغيرها من اللاعبين، ومنهم روحاني الذي قد يرحب بحل سياسي متعدد الأطراف يطوي الحرب السورية. والحق يقال لا يسعى الحرس الثوري الى حماية نفوذ ايران فحسب في سورية ما بعد الحرب، ولكنه يريد ترسيخ ميليشياته السورية الحليفة قوةً عسكرية– سياسية تجلو على صورته وتحاكي دور «حزب الله» في لبنان.

وأجمع الإيرانيون والروس والأتراك في سوتشي على احترام وحدة الأراضي السورية. ونوقشت مسائل مثل سبل الإبقاء على مناطق خفض التصعيد التي اتفق عليها في آستانة في أيار(مايو) المنصرم. ورمت قمة سوتشي الى استعراض غلبة الشراكة الإيرانية– الروسية- التركية. ولكن طهران تنظر بعين الارتياب الى النوايا الروسية والتركية في سورية. ويدرك الإيرانيون ان موسكو تسعى الى التنسيق مع شركاء كثر في المنطقة، وهم يصلونها النقمة على المساعي هذه. فموسكو، على خلاف أنقرة وطهران، تجري حوارات مع كل من يملك دوراً يعتد به في مستقبل سورية، من اسرائيل الى الولايات المتحدة ومروراً بدول عربية.

وتخشى طهران ان الصفقات المبرمة تدور على «قطع رأسها» وتقويض مصالحها. وقبل يومين من قمة سوتشي، التقى الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، الأسد طوال 4 ساعات. وتشير التقارير عن الزيارة هذه في الصحف الإيرانية إلى أن طهران لم تكن على علم بها. ولكن إطلاع بوتين نظيره الأميركي على خطة موسكو قبل قمة سوتشي هو أكثر ما أزعج طهران. فالإيرانيون يرون ان الخطوة هذه محاولة لطمأنة اميركا. فواشنطن تعارض اي تسوية في سورية ترسخ المرابطة الإيرانية. وقلق الإيرانيين في محله. فالسبيل اليتيم الى تهدئة واشنطن هو تقويض نفوذ طهران ومصالحها في سورية ما بعد الحرب. وليس من بنات المصادفة أن الحرس الثوري بدأ يستعرض قدرات انتشاره وتجييش الميليشيات الإيرانية في سورية.

ولا شك في ان عرض العضلات هذا موجه الى جمهور واسع ضمنه بوتين ومستشاريه. ففي وقت تعد روسيا العدة للارتقاء الى مصاف الفيصل الديبلوماسي في آخر مراحل النزاع السوري، يذكّر جنرالات الحرس الثوري اللاعبين كلهم، وفيهم الأسد والروس، أن قوته ونفوذه لم يفترا. وتسعى طهران إلى تعظيم دورها في سورية ما بعد الحرب، ويريد الحرس الثوري حصد ثمار استثماراته في ميليشيات سورية وعربية.

وقائد الحرس الثوري الإيراني، محمد علي جعفري، لم يتستر، اخيراً، على سعيه الى إعلاء شأن الميليشيات الموالية لبلاده في سورية. ففي 23 تشرين الثاني (نوفمبر)، اعلن جعفري أن الأسد يعرف حق المعرفة انه «مدين» لـ «لميليشيات الشعب»، ويدرك أنها حيوية لبقائه السياسي. وقال إن الأسد سيدرج الميليشيات هذه في المؤسسات ويصون دورها في جبه الأخطار المقبلة. ويرى الجعفري ان الحرس الثوري هو من يحدد الأخطار هذه، والأغلب على الظن ان اميركا وإسرائيل مدرجتان على لوائح الأهداف. ويرمي الحرس الثوري الى تحويل الميليشيات السورية التي تأتمر بأمرته الى أشباه دول صغيرة ترسخ النفوذ الإيراني المستدام في سورية، مثل «حزب الله» في لبنان». وهذه الإستراتيجية غير مفاجئة. ففي 1979، إثر الثورة الإيرانية، أطلق الحرس الثوري مجموعة داعمة للخميني. ومع مرور الأعوام، تحولت الى دولة ضمن الدولة الإيرانية.

وليس التصعيد في خطاب الحرس الثوري موجهاً فحسب الى الخارج. فالنقاش حول مستقبل الميليشيات الإيرانية الولاء في سورية هو مسألة داخلية في طهران. فروحاني نأى بنفسه عن مشروع الحرس الثوري إسباغ مشروعية المؤسسات على ميليشياته في سورية. وعلى رغم انه لم ينتقد المشروع هذا نقداً مباشراً، لمحت وسائل الإعلام التي يسيطر عليها الحرس الثوري الى أن موقف حكومة روحاني من دعوة الغرب طهران الى التخلي عن ميليشياته أو على اقل تقدير نزع سلاحها، «ناعم». وفي وجه «سلمية» روحاني النسبية، يلتزم «الحرس» موقفاً مزدوجاً مفاده أن، 1) إبرام صفقة مع الغرب (أو روسيا) على مستقبل الميليشيات السورية، يفتقر الى الحكمة. وليس ما يسوغ التنازل عن مكاسب أحرزت في ميادين المعركة مقابل وعود دولية بالتعاون مع طهران في سورية. فطهران ترى ان ايران خدعت في الاتفاق النووي الإيراني في 2015، ولم تتقاض ثمناً مناسباً له. وعليه، 2) سارع «الحرس الثوري الإيراني» إلى إظهار تفوقه على الحكومة السورية في قيادة مساعي الإعمار للفوز بحصة من أموال إعادة الإعمار في سورية. وأعلن الجعفري أن فريقي روحاني والأسد أجمعا على أن شركات اقتصادية «حرسية» هي المرشحة الأولى لإدارة مشاريع الإعمار في سورية. وكفة الحرس الثوري راجحة في طهران في ملف الشؤون السورية، وهو يرى انه قادر على النجاح من طريق نشر نسخ من «حزب الله» حيث تسنح فرصة. ولازمة قادة الحرس الثوري مفادها أن المناخ الأمني الإقليمي يتغير وينقلب من حال الى اخرى، وأن الانقلاب هذا يقتضي تكييف الإستراتيجية العسكرية الإيرانية. وتعرف الإستراتيجية هذه بـ «الدفاع المتقدم» أو الدفاع على الجبهات الإمامية، ومحاربة اعداء إيران خارج حدودها للحؤول دون اندلاع النزاع على ارضها. والسيطرة على ميليشيات عربية في الخارج، على غرار تلك المتحالفة مع «الحرس» في سورية، هي من اركان سياسة «الدفاع المتقدم». ومن العسير توقع عودة السلام الى سورية في وقت تؤدي ميليشيات توالي كياناً أجنبياً وعدائياً وإيديولوجياً، دوراً راجحاً في العملية السياسية.

* باحث، صاحب «صناعة السياسة الخارجية الإميركية»، عن «فورين أفيرز» الأميركية، 29/11/2017، إعداد منال نحاس

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى