صفحات الناس

تجار الأنفاق: سرطان الغوطة/ مجد الخطيب

 

 

أعاد فتح الطريق بين حي برزة ودمشق، القليل من الراحة إلى الغوطة الشرقية التي تعتبر برزة المتنفس الاقتصادي الأهم لها عبر الأنفاق الواصلة بينها وبين الحي. الغوطة التي يضبط عجلتها الاقتصادية ما يعرف باسم “تجار الأنفاق” بعدما أطبقت قوات النظام الحصار عليها من أربع جهات، كانت أكبر المتضررين من تضيق الخناق على حي برزة الدمشقي؛ فالغوطة لا تعاني من قصف قوات النظام فقط وإنما تعيش بين فكي حصار قوات النظام وابتزاز التجار الذين يصفهم كثيرون من أهلها بالمتعاونين مع النظام.

أشهر هؤلاء التجار أبو خالد الدقر، والمعروف في الغوطة باسم أبو خالد الزحطة، الذي يُعتبر المُورِّد الأكبر للغوطة عبر نفقه الممتد بين مدينة حرستا وحي برزة. في البداية كان الزحطة يعمل تحت غطاء من “جيش الأمة” وقائده أبو صبحي محمد طه، وأسسا سوية مؤسسة “فجر الأمة التنموية” للأعمال الإغاثية. وبعد قضاء “جيش الإسلام” على “جيش الأمة” في كانون الثاني/يناير 2014، عمل الزحطة تحت غطاء “الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام” بالتنسيق مع قائد “المجلس الأعلى للاتحاد” أبو محمد الفاتح.

العضو السابق في “المكتب الطبي الموحد” عماد الغلاييني، قال لـ”المدن”، إن الزحطة انتقل للعمل تحت مظلة “فيلق الرحمن” بعد اندماج “الاتحاد الإسلامي لإجناد الشام” مع الفيلق، في شباط/فبراير، بحيث تكون الأولوية في العمل هي تأمين حاجيات المنتسبين للفيلق بأسعار رخيصة مقابل حماية الفيلق له. ويستطيع النفق ادخال 1000 طن يومياً من المواد الغذائية والطبية، في حال تم العمل به على مدارالساعة، وهو مجهز لذلك، لكن العمل في النفق يتراوح وسطياً بين 6 إلى 8 ساعات يومياً.

الزحطة وبحسب الناشط الغلايني، كان يمنع ادخال أية مواد غذائية عبر النفق الخاص به، ولكنه يسمح لبعض تجار حرستا فقط بادخال المواد بعد دفع ضريبة تتراوح بين 25 إلى 45 في المئة من السعر الأصلي للمنتج، كضريبة دخول مما يجعله المحتكر الأول للبضائع.

وأضاف الغلايني، أن ثلاث ورديات تعمل لحساب الزحطة، ليلاً ونهاراً، وتتحكم في أصناف كثيرة، ولا يسمح لا للمكاتب الإغاثية ولا العسكرية ولا حتى التجارية بتنزيلها، كلحم الدجاج والدخان والوقود والملح والفلفل. وأسعار تلك المواد بعد تهريبها عبر نفق الزحطة، تصل إلى عشرات أضعاف أسعارها الأصلية.

الغلايني أكد أن نفق الزحطة لا يستخدم فقط لايصال البضائع بين برزة والغوطة، وإنما لإخراج الأشخاص بين المنطقتين، بحيث يتم دفع 250 ألف ليرة سورية، للشخص الواحد، للعبور إلى الحي عن طريق النفق، ويتم هذا بموافقة الزحطة مباشرة. كما أن إخراج الأشخاص يخضع ليس فقط للاعتبارات المادية، وإنما الأولوية هي لأهالي حرستا التي يسعى الزحطة إلى كسب ودهم كحاضنة شعبية، في حين يتم التضييق على أهالي دوما و”جيش الإسلام” الذي يخاصمه الزحطة، بعد قضائه على “جيش الأمة” أبرز الداعمين له.

النفق الثاني الذي ينافس الزحطة، على احتكار تهريب المواد الغذائية، هو الممتد بين حي القابون في دمشق وبلدة عربين في الغوطة، وتديره “جبهة النصرة” من جهة القابون في دمشق و”فيلق الرحمن” في عربين، بحيث يتم إرسال المواد الغذائية من القابون إلى عربين ومنها إلى كفربطنا والبلدات المجاورة لها.

أما بالنسبة لمن يريد الخروج من الغوطة إلى القابون عبر النفق، فيتوجب حصوله على تقرير طبي من المراكز الطبية في الغوطة، يفيد بأنه “لا تتوفر إمكانية علاج حامله داخل الغوطة”، بالإضافة إلى ورقة “لا حكم عليه” من “المكاتب القضائية” لضمان أن الشخص الذي ينوي الخروج غير مرتكب لأي جرم وليس مطلوباً لـ”القضاء الموحد” في الغوطة، بحسب مصادر متطابقة في كل من عربين والقابون.

الناشط أبو عمر القابوني، قال لـ”المدن”، إنه في شباط/فبراير 2014 قامت كل من “جبهة النصرة” و”فيلق الرحمن” بحفر نفق مشترك، ودام الحفر حوالي شهر ونصف الشهر، بهدف تمرير المواد الغذائية، وإخراج الحالات الصحية الطارئة خارج الغوطة، لكن في تشرين الأول/اكتوبر 2014، قامت “جبهة النصرة” بإدخال كميات كبيرة من المواد الغذائية والوقود وبيعها بنصف ثمنها، في محاولة لكسب حاضنة شعبية لها، ما أثار حفيظة كل من خالد الزحطة و”فيلق الرحمن” فحدثت اشتباكات بين “النصرة” و”الفيلق”، وتم بعدها الاتفاق بين جميع الفصائل على خفض الأسعار داخل الغوطة، لتستقر الأسعار بزيادة مئة وخمسين ليرة عن الأسعار في دمشق، للسلع الغذائية الأساسية.

وتسيطر على منفذ “مخيم الوافدين” قوات النظام، ويختص بتجارة البضائع عن طريق رجلي الأعمال المواليين للنظام؛ جورج حسواني وأبو أيمن المنفوش. وحسواني المقيم في دمشق والحامل للجنسيتين الروسية والسورية والمقرب من الكرملين، يقوم بالتواصل مع تجار محليين في مدينة دوما يقومون بشراء البضائع منه. وبحسب مصادر محلية من المدينة يعمد النظام إلى بيع بضائع من الدرجة الثالثة أو الرابعة إلى أهالي الغوطة بسعر الدرجة الأولى.

وبحسب الناشط رائد الدوماني، فإن الحسواني كان قد باع خلال عام واحد، عشرين طناً من الشعير مسحوب الخميرة وغير الصالح للاستخدام البشري، عن طريق التاجر أبو سليم هارون، الذي لم يستطع رد الكمية بعد اكتشاف فسادها، فطرحها في السوق.

ويقول رائد إن الغوطة كانت تعيش حينها في حصار مطبق، وكان الجميع يأكل خبز الشعير، وعندما طرح هارون صفقة الشعير في الأسواق سببت العشرات من حالات التسمم، ليكتشف في ما بعد “المركز الطبي” أن الشعير بلا خمير، لا يصلح إلا للحيوانات.

ولا يزال الحسواني يعمل صلة وصل بين التجار في مناطق المعارضة والنظام، وهو يتحدر من يبرود في ريف دمشق، إلى الدرجة التي جعلته وسيطا في “صفقة الراهبات” الشهيرة في معلولا في العام 2013. وقد شملت عقوبات “الاتحاد الأوروبي” المفروضة على رموز النظام في آذار/مارس 2015، وتلتها العقوبات الأميركية أواخر تشرين الثاني/نوفمبر 2015، جورج حسواني. وتصفه إدارة “مراقبة الأصول الأجنبية” في وزارة المالية الأميركية، بالوسيط في تجارة النفط بين النظام وتنظيم “الدولة الإسلامية”، وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد اتهم جورج حسواني في كانون أول 2015 بإنه يد روسيا في سوريا، وبأنه مسؤول عن تسويق النفط بين النظام وتنظيم “الدولة”.

رجل الأعمال الثاني المشارك في إدارة التهريب عبر منفذ مخيم الوافدين، أبو أيمن المنفوش، هو صاحب سلسلة “شركة المراعي الغذائية” التي أسسها في العام 2003، وما زال مكتبها في دمشق على أوتستراد المزة، ومعملها في منطقة مسرابا يعمل بكامل طاقته الإنتاجية. ويتشارك المنفوش في الشركة، مع أربعة ضباط من المخابرات. إضافة إلى ذلك، فالمنفوش هو الوحيد القادر على إدخال أعلاف الأبقار إلى الغوطة، ويقوم باحتكارها مقابل الحصول على الحليب من مربي الأبقار، بحسب مصادر محلية من الغوطة.

بتلك التفاهمات يتم ادخال الغذاء إلى الغوطة الشرقية، وبحسب الأهالي فإن النظام حين عجز عن اجتياح الغوطة، وحين لم تتمكن طائراته من القضاء على جميع الناس التي باتت تعيش بين الركام، لجأ إلى ما يسميه الأهالي “سرطان الغوطة”، أي التجار. ويعتبر الأهالي المحاصرون التجار كحبل المشنقة يشده النظام كلما رأى أن هنالك ضرورة لتطويعهم. فالنظام فقد سلطانه ونفوذه على الأهالي، واستبدل الهراوة وفرع التحقيق بسوط اقتصادي يضرب به المحاصرين هنا.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى