صفحات سورية

تجليات فينكس


أُبيّ حسن في فينكس الناطق الرسميّ باسم العلويين الغاضبين

يوفّر موقع فينكس للكاتب “أُبي حسن” شيئاً يفتقده الناقدُ السياسي في الكتابات السورية عن الطائفة العلوية. الرجل صريحٌ ويُسمّي الأشياءَ باسمها عندما تتوافقُ وهواه. كثيراً ما يتحرّج الكتّاب السوريون عند ذكر اسم الطوائف وبالأخص الطائفة العلوية. أبيّ لا يفعل هذا. له هنا علامةٌ عالية.

في الزاوية اليسرى للموقع تتستّفُ مقالاتُ الكاتب التي لا يتجاوز موضوعها النيلَ من الانتفاضة والمعارضة. والمُلفت أن الكاتب يكنّ ضغينةً جليةً تجاه الشخصيات الأنثوية والكاتبات اللواتي أبدين تعاطفاً أو اشتراكاً في نشاطات الاحتجاج والانتفاضة، فما السببُ يا ترى؟

علينا أن نتذكر حملات التشوية للشخصيات ذاتها في إعلام النظام، وعلى ألسنة “مَنبججيّة” النظام، والكلام المسفّ  بحقهنّ في صفحات الفيس بوك الموالية، ومنها صفحة الجيش الالكتروني السوري؛ الذي مدحه بشار الأسد.”أمّا رئيسٌ هذا الذي يمتدح كلاماً وأفعالاً في منتهى الانحطاط الأخلاقي!”.

غنيّ عن القول إنّ المرأة السورية تشارك بنشاط في فعّاليات الاعتراض والانتفاضة. ومن المرجّح أن تكون مشاركتها أكبر بكثير لو لم يكن مستوى القمع وسلوك الشبيحة والأجهزة همجياً ووحشياً. إن مشاركة المرأة السورية في الانتفاضة تعطي نكهةَ أمومة وحبّ وتضامن لا تخطئها العينُ الانسانية. أمّا الأهمّ في كلّ هذا هو أنّ النساء المشاركات ينحدرن من كل الفئات والمجموعات والطوائف والمنابت الفكرية. إنهن يصنعن بشكل ملموس وأيضاً بشكل رمزي طبيعة سورية المتنوعة، لا سورية التي يظهرها النظام. إنهن يصنعن حاضراً ومستقبلاً جميلاً. إنهن يُعلّمننا أنْ نحب وطننا أكثر وأكثر وأنْ نحبهن أكثر وأكثر.

لزغاريد النساءِ في دير الزور، ولكلام مي سكاف، ولمداخلات رزان زيتونة الرزينة، ولحماس سهير الأتاسي اقشعرّتْ وتقشعر جلودُ الشبّان الذين باتوا أشدّ اقتناعاً بأنهم يضحّون من أجل حياة أفضل وأجمل.

لذلك استمات النظام في أن يشوّه أو يغيّب أيقونة الانتفاضة؛ المرأة السورية.

لدى النظام روايتان واحدة عامة وعلنية، وأخرى خاصّة وسرية. والكاتب “أبي” الذي عيّن نفسه ناطقاً منْ أوفى الأوفياء لهاتين الروايتين.

رواية النظام العلنية موجّهة بالأساس للعالم الخارجي وتستخدم تكنيك “غوبلز”: إكذب إكذب فلا بد أنْ يصدقك أحد. وهي تتحدث عن العصابات المسلحة والسلفية والإخوان وقندهار سورية “حماة”، ومنذ قليل رشحتْ طرطوس لأن تكون قندهار سورية ثانية. والقصد هو ذاته قصد القذافي: اقبلوني متعهّداً أو يأتيكم الجهاديون والقاعدة. والمخاطبة للغرب. في الحقيقة لا جهاديين ولا قاعدة في الأفق. كذب وبيع رخيص في نخاسة السياسة.

أمّا الرواية السرّية فيسري بها النظامُ بين الطوائف لتخويفها من الانتفاضة مُروجاً أنها انتفاضة سنّية، وأن السنّة إلا القليل الذي لا يعتدّ به قندهاريون وعصابات وجهاديون، وأنهم سيفرضون الذمّيّة على الطوائف.

الروايتان كلاهما لا تطيقان، ولا يمكنهما تحمّل أن تكون المرأة السورية الحلوة النبيهة الفهيمة المُحبة الشغوفة بحب وطنها ومواطنيها في واجهة الانتفاضة، فما بالك إن كانت تلك المرأة لا تتحجب ولاتضع إشارباً، بل تلبس البنطلون والتنورة القصيرة وأقراطها تتلامعُ أسفل أذنيها، وفوق هذا هي شهيرة وفهيمة. حبوبة ومحبوبة. وجود صورة كهذه للمرأة السورية ينسفُ الروايتين من أساسهما تماماً

اجتهاد أجهزة النظام وكَتَبته ونابحيه في تشويه المرأة السورية لن يُغيّب وجهها التنويري الثقافي. لن يُغيّب وجه خولة دنيا، وخولة حسن حسن، وسهير الأتاسي، ورزان زيتونة، وندى الخش، وحنان البلخي، وهنادي زحلوط، وروزا ياسين حسن… والـ39 مثقفة وناشطة الذين اعتقلن في مظاهرة المثقفين، والنساء الرائعات والمضحيات في المحافظات وهن بالآلاف بل بالملايين.

عودة إلى تميّز كاتبنا في جرأته بتسمية الأشياء، حيث يظهر أبيّ في موقعه الالكتروني ناطقاً رسمياً عن الفئات الغاضبة من الطائفة العلوية. فهو يخشى على سورية من حرب أهلية، يثيرها بالطبع فقط القندهاريون السنّة لوحدهم ضدّ عموم المجتمع، وضد السلطات التي تبدو كملائكة ترفرف بأجنحة بيض وتثير نسائم عليلة. وأكثر…! يجد القارئ تحريضاً وحثاً على الحرب الأهلية وعلى الغلّ الطائفي، إضافة إلى كمّ هائل من الكراهية للقندهاريين السنّة. أما من هم القندهاريون؟! فإن للقارئ أن يستنتج بسهولة ويسر أن بضعة أصدقاء والعديد من الشبيحة والنبيحة وناهبي المال العام من السنّة ورجال الدين السلفيين الفعليين، هُمُ المستثنون من هذه القندهارية. أولاء مواطنون صالحون وأولهم البوطي وحسون. أما الغالبية المحتجة والمعترضة والتي فاض بها الكيّل، فهم وبكل تأكيد قندهاريون، وعلى ملائكة الأمن والشبيحة ذوي الأجنحة البيض أن يملصوا رؤوسهم من أجسادهم. ولذلك يصيغ الناطق المستجدّ في آخر مقال له على الموقع السؤالَ التالي :

“لماذا لا نحمل السلاح وندافع عن أنفسنا باعتبار أن المستهدف هو الطائفة العلويّة وليس النظام كما بينت أحداث ودلت الوقائع منذ اليوم الأول؟”

هذا كذب صريح. يعلمُ المتابع للانتفاضة أنها كانت في يومها الأول والثاني والثالث والرابع… وإلى الاسبوع الثالث محصورةً فيما جرى لأطفال درعا الذين عذبوا واقتلعت أظافرهم، ثم أهين أهلهم في كرامتهم. كما أن أحداً لم يستهدف الطائفة العلوية أبداً لا في اليوم الأول ولا الثاني ولا الثالث… ولا بعد خمسة أشهر. وإن حدث أن قيل كلامٌ أو هتاف يتناول العلويين، فإن الجميع يعلمُ أن من قال أو هتف عزل وأدين ومنع من قبل عشرات الألوف. وهذا دليل صحة الانتفاضة وليس دليلاً عليها. خطأها أخف من ريشة مقارنةً مع جبال الأخطاء من قبل السلطة والطائفيين الجدد والقدامى.

أثبتت اللانتفاضة السورية أنها سلمية وواعية وشجاعة ولا نظنّ إلا أنها ستكون زينة الثورات الانسانية على مرّ الزمن

محمد الحاج صالح

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى