المعارضة السوريةصفحات مميزةعبد السلام اسماعيل

تحديات الإئتلاف الوطني

 

عبدالسلام إسماعيل

يواجه الإئتلاف تحديات إرث القوى المشكلة له وعموم أمراض المعارضة السورية المكثفة في مسألتين: غياب ثقافة العمل الوطني الجماعي والثانية الأنا والبحث عن المكاسب الشخصية. بصرف النظر عن الترحيب الشعبي الحار بالتشكيل الجديد إلا أنه لا يوجد هناك ما يجعلنا نثق بأن المعارضة  قادرة على تجاوز تشوهاتها الأزلية، فكل ما استطاعت تقديمه خلال عمر الثورة جرعتين من التفاؤل واحدة انتهت بخيبة أمل مع أفول المجلس الوطني لانغماسه في المحاصصة والبحث عن الشرعية والصراعات الجانبية، والثانية كانت مع الإعلان عن تشكيل الإئتلاف الوطني. تكاد تكون قصة التشكيلين متشابهة كما لو كانوا توائم سيامية، سواء من حيث طريقة التأسيس والإحتفاء الشعبي أو من حيث الإستقبال الدولي، رغم أن حظوظ الإئتلاف كانت أكبر على مستوى الإعتراف الدولي. ولعل الرغبة الدولية وراء إنشائه ودعمه ليكون بديل جدي عن نظام الأسد هي من أهدته سفارتنا في فرنسا.

بالنظر إلى القوى التي شكلت الإئتلاف سنجده إصدار معدل عن المجلس الوطني مما يشي بأنه مرشح لمواجهة نفس المشكلات التي حكمت أداء سلفه ولا مبرر يدفع للقول أنه قادر ربما على التخلص من عقلية وعيوب المجلس. أيضا تسارع الأحداث على الأرض وانتصارات الثورة الكبيرة والكثيرة تضع الإئتلاف تحت ضغط ضرورة الإنجاز السريع بما لا يتيح له الوقت الكافي لتدبر أموره. لكن الحصافة والحرص على الثورة –إن كانا موجودان- يقتضيان أنه تعلم من التجربة السابقة بما يجعله قادرا على تجاوز تلك المشاكل، وأيضا ضيق الوقت ليس مبررا وجيها، الثورة بلغت قريب العامين وهي فترة كافية تجعل قيادته مدركة لما هو مطلوب منها خصوصا في ظل التضخم اليومي للمشاكل، عدا عن المشاكل القديمة والتي لم تلقى أية حلول ناجعة حتى اللحظة.

يمكن القول أن التصحر السياسي المديد في سورية حد كثيرا من قدرة الثورة على إنتاج قيادات تحظى بإجماع وطني وهو أمر يصب في صالح الإئتلاف ليلعب هذا الدور في ظل الثقة الشعبية التي حظي بها، إضافة للدعم الدولي الذي يبدو أكثر جدية عما مضى. ثمة قضايا راهنة ينبغي للإئتلاف العمل عليها، أولها ترك الإنشغال بتكوينه ومطامح أعضاءه في السلطة إلى الإنشغال بالثورة والداخل السوري نفسه، من خلال العمل بشفافية نفتقدها حتى اللحظة والتواصل الجدي مع القيادات المحلية للمناطق المحررة بما فيها كتائب الجيش الحر مع محاولة استثمار الإعتراف الدولي لتأمين السلاح والعتاد له ضمن إطار خطة لإدارة المرحلة الإنتقالية تشمل تسيير شؤون الناس في تلك المناطق أيضا. هذه مسألة ملحة وعاجلة، فكثير من المناطق خضعت لسلطة كتائب الجيش الحر لكنه عاجز  ولأسباب متنوعة عن حسن الإدارة فضلا عن تصرف بعض الكتائب مع الموارد الوطنية التي تقع بين أيديهم على أنها غنائم حرب، مما يزيد من معاناة الناس ونقمتهم على أوضاع ناشئة عن الثورة نفسها.

كما ينبغي العمل على معالجة الأسباب المؤدية لاحتمال إطالة الصراع بعد سقوط النظام، أبرزها سلاح الجيش الحر وعلاقة الكتائب ببعضها البعض، إذ أنها الآن ورغم الهدف الموحد تحدث بينهم مناوشات ليست بالقليلة حول مسائل متعلقة بالزعامة، فما الذي يمكن أن يحدث إذا ما سقط النظام؟ حتما ستزداد تلك الصراعات مع عدم إغفال إمكانية قيام الجهات الدولية الممولة لبعض الكتائب بالدفع في هذا الإتجاه إذا لم تحصل على امتيازات ترضيها في المرحلة المقبلة. قدرة الإئتلاف على تأمين الدعم العسكري من شأنها تنظيم هذه المشكلة وتسهل حلها أيضا.

أيضا لا بد من الإشارة لمحافظة الحسكة المهملة كليا سواء في عهد البعث أو في عهد الثورة، صحيح أن المحافظة متأخرة كثيرا على مستوى الثورة لكن لا يبرر هذا إهمالها، حيث أنها على شفير إقتتال كردي-عربي، تتزايد احتمالاته كل يوم بما يفضي إلى خطر الإحتراب الداخلي في سورية. ولا تأتي أهمية المحافظة من هذا الجانب فقط، بل وأيضا من حجم الموارد الطبيعية الموجودة فيها والتي تشكل عصب الإقتصاد السوري. وعليه ينبغي التواصل مع الناشطين والأعيان والأحزاب الكردية في المحافظة لاحتواء هذه التداعيات مع تصور واقعي لإدارة مواردها. للأسف ثمة أطراف لبست عباءة الثورة، تستثمر في الإحتقان العربي-الكردي وتغذيه لخلق زعامات على الطراز اللبناني، هذا أقل ما يقال عنه أنه لعب بالدم السوري.

ومن أسباب إطالة أمد الصراع، تداعيات عنف النظام المديد الذي فجر حساسيات طائفية ورغبة متجذرة في الإنتقام لدى شرائح واسعة من الشعب خصوصا في المناطق المتداخلة طائفيا مع العلويين، وهي معضلة وطنية كبيرة ستعصف بنا بقوة فور سقوط النظام.  قد تكون أكبر من إمكانات الإئتلاف على إيجاد حل لها، لكن هذا لا يعفيه من وضع تصور قانوني يساعد في الحد من انفلاتها العشوائي.

على صعيد آخر، يكاد يكون العمل الإغاثي على أهميته الملحة نسيا منسيا في حسابات عموم التشكيلات المعارضة. قد ينهمك الإئتلاف ويصرف جل وقته على تشكيل الحكومة الإنتقالية والتي غالبا ما تكون ذات طابع تمثيلي توافقي، ليصدّر إليها مسؤولية حل كل القضايا السابقة وغيرها، لكن هذا إن تم لن يكون سوى حلقة من حلقات التسويف ورمي المسؤولية على عاتق تشكيلات متلاحقة تتوارث نفس السياسة ونفس الوجوه كما يبدو، ولا يتكشف عنه عمليا سوى الرغبة في حجز مقاعد السلطة بيقين أن الثورة منتصرة في النهاية.

 عجلة الوقت المتخمة بالأحداث والمآسي لن ترحم الإئتلاف والتأييد الذي كسبه تحت الحاجة الماسة لملئ الفراغ السياسي مهدد بالضياع في أي لحظة ما لم يباشر بعمل ما هو مأمول منه.

خاص – صفحات سورية –

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى