صفحات سوريةفايز ساره

تحديات سورية عاجلة

فايز سارة

يمر الوضع السوري الراهن بفترة ربما كانت هي الاخطر في تأثيرها على السوريين وثورتهم ومستقبل بلدهم، والامر في ذلك ناتج طبيعي عن استمرار نظام القتل والدمار في سياسته الدموية، بالتزامن مع استمرار تردي السياسة الدولية والاقليمية ازاء الموضوع السوري، ليس في عدم اتخاذها مواقف حاسمة ازاء سياسة النظام بل تشجيعه بصورة غير مباشرة على الاستمرار في سياسته بالسكوت عنها.

والصورة اعلاه في عموميتها، لاتمثل جديداً في الوضع السوري، لكن في تفاصيلها ماهو شديد الخطورة. ففي الجانب المتعلق بسياسة القتل والتدمير التي يتابعها النظام، هناك ثلاث متغييرات مهمة. اول هذه المتغييرات انتقال حرب النظام ضد السوريين من المواجهات المباشرة الى المواجهة عن بعد، وباستثناء مناطق معينة ولاسباب محددة بينها منطقة القصير، فان حرب النظام مستمرة ومتصاعدة عبر القصف البعيد من خلال سلاح الجو والمدفعية والدبابات، وقد انضم الى هذه الاسلحة السلاح الكيماوي الذي يجري استخدامه بصورة شبه يومية في الهجمات على قرى الغوطة الشرقية ومحيط الطريق الدولي الذاهب من دمشق الى حمص في مناطق القابون وبرزة وحرستا ودوما، وهذه الحرب توقع مزيد من القتل والدمار في البلدات والمدن، دون ان تكبد النظام خسائر كبيرة، تخفف من خسائر النظام، كما انها تمنع اي شكل من الاستقرار في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، وتقيم المزيد من صعوبات الحياة اليومية بهدف دفع السوريين الى الاحباط واليأس، استعداداً للقبول باي حل يعرض عليهم.

والمتغير الثاني في سياسة النظام، هو دخوله الواسع على الاستعانة العلنية بحلفائه وبينهم حزب الله اللبناني والمليشيات الشيعية العراقية ومثلها الايرانية اضافة في المعارك اليومية على جبهات قتاله مع تشكيلات المعارضة المسلحة، وهي حرب قائمة وممتدة من جبهة القصير في الوسط السوري الى جبهة تتبلور جنوب حلب واخرى في الغوطة الشرقية وثالثة في ريف درعا. وقد تسربت تقارير عن جهود سورية لتجنيد مرتزقة في مناطق مختلفة في دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا لزجهم في جبهات الحرب في سوريا على نحو ماحدث في لبنان وفي ايران والعراق من تنظيم لـ”متطوعين” للقتال الى جانب قوات النظام.

ويترافق مع هذين المتغييرين في سياسة النظام، متغيرات في وضع المعارضة سواء منها المعارضة المسلحة في الداخل او المعارضة السياسية اذا جاز لنا هذا التقسيم. وفي الحالتين، فان واقع الانقسام مستمر في المستويين المسلح والسياسي، بل اخطر في التشكيلات المسلحة، اذا يعزز وجود السلاح فرص الاشتباك، وفي ظل تنامي الاختلافات الايدلوجية والسياسية، ونمو مصالح مباشرة لبعض التشكيلات ولبعض القادة، ووسط استمرار قنوات دعم مادي وسياسي للبعض، يتعزز واقع الانقسام، خاصة وان المعارضة السياسية، التي يفترض ان تشكل حاضنة ومرجعية للتشكيلات المسلحة تعاني هي الاخرى من واقع الانقسام والاختلاف.

ولاشك ان مشاكل المعارضة تتجاوز الانقسام والاختلاف الى وجود مشاكل داخلية، تتعلق بفكرة التمثيل وآليات صنع القرار وسلم الاهتمامات والاولويات في عمل ابرز تشكيلات المعارضة، وخاصة الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة الذي لم يخفف الاعتراف الدولي به ممثلاً للشعب السوري من حجم مشاكله، التي يظهر ان ثمة عقبات جديه تمنع معالجتها، او على الاقل وقف التدهور في مكانته ودوره المطلوب في ظل الوضع السوري القائم وتداعياته الداخلية والخارجية.

ولاتقتصر المتغيرات على الوضع السوري، انما تمتد الى محيطه الاقليمي والدولي، حيث تتواصل التجاذبات وسط القوى المؤيدة للنظام، فيعزز الروس والايرانيون تعاونهما مع النظام، فيقدم الاولون مزيداً من الاسلحة بما فيها صواريخ اس اس 300، ويوفر الاخيرون مساعدات تصل الى سبعة مليار دولار، فيما يفتحون ابواب تطوع الايرانيين للقتال في سوريا الى جانب قوات النظام، وفي المحصلة يسعى الاثنان الى تثبيت حضور ايران في مؤتمر جنيف 2 دعماً لحليفهما في دمشق.

ورغم ان ثمة تحسناً محدوداً في العقد الاقليمي والدولي المتعاطف مع ثورة السوريين، يمثله اندماج امريكي اكبر في معالجة الموضوع عبر تفاهم اميركي روسي في عقد جنيف 2، وعبر تأييد اميركي للقرار الاوربي السماح بتسليح المعارضة السورية، فان خلافات داخل الفرقاء المنتمين الى هذا العقد تتواصل، وكان بين ابرز تعبيراتها ماحصل أخيراً في استانبول لدى بحث التوسعة في الائتلاف الوطني السوري، والتي انتهت الى فشل ذريع بفعل مواقف الحلفاء ومصالح بعض الاطراف.

خلاصة القول، ان مشهد اللحظة السياسية السوري، يبرز خلاصات جوهرها، ان النظام يسعى الى تكثيف حربه ضد السوريين مستعيناً بكل ما امكن من قدرات داخلية وخارجية، في وقت تعاني فيه المعارضة بشقيها السياسي والمسلح من انقسامات ومشاكل داخلية ومحيطية، فيما يواصل المحيط الاقليمي والدولي تجاذباته حول الوضع السوري، وتأثيراته السلبية عليه، دون ان تتوفر له ارادة سياسية في معالجة الوضع بصورة جدية، وهذا كله يضع السوريين اما التحديات العاجلة التي تطرحها المرحلة، والتي يمكن القول، ان الاساس فيها ثلاث نقاط اساسية:

النقطة الاولى في التحديات السورية العاجلة هي اعادة النظر في اوضاع المعارضة السورية، ودفعها نحو الوحدة وهو امر مرهون باصلاح هياكلها وتعزيز التوافقات بين اطرافها، وايجاد سبل للعمل المشترك بما يحقق ارتقاء المعارضة الى مستوى تضحيات الشعب السوري، واهدافه في التغيير الديمقراطي نحو نظام يوفر العدالة والمساواة لكل السوريين.

النقطة الثانية، تعزيز روح الاستقلال الوطني للسوريين وهي التي كانت تمثل واحدة من مزاياه، قبل ان يفرط بها النظام ويفتح ابواب البلاد أمام كل ما أمكن من تدخلات في الشؤون السوري وعلى كافة المستويات على نحو ما يتمثل الحضور الايراني في سوريا، وهو امر ادى الى توفير بيئة تعزز التدخلات الاقليمية والدولية، انجرت بعض اطراف وشخصيات المعارضة الى الانجرار اليها، وبالتأكيد فان الاستقلال الوطني لايمنع علاقات تعاون مع مختلف الاطراف الاقليمية والدولية ولاسيما البلدان العربية مع تأكيد ان المصلحة الوطنية هي الاولى.

والنقطة الثالثة، واساسها ضرورة تكثيف وتناغم كل الجهود السياسية والعسكرية والشعبية في مواجهة النظام وسياساته المستمرة في قتل السوريين وتدمير قدراتهم وبلادهم، الامر الذي يتطلب تحركاً سياسياً واسعاً في المحيط الاقليمي والدولي من اجل اعادة صياغة مواقف الاطراف المختلفة في الموضوع السوري، ثم تقديم كل الدعم والمساندة لوحدة الجيش السوري الحر وادماج كل التشكيلات المعارضة المسلحة الاخرى فيه، وتوفير كل الدعم السياسي والمادي له في مواجهة سياسية الدمار والقتل التي يمارسها النظام، اضافة الى بذل الجهود في المستوى الشعبي الى تطوير حراك سياسي مدني يعيد الوجه الشعبي للثورة، ويكون رقيباً على قياداتها السياسية والعسكرية، وأكثر قدرة على المبادرة في معالجة المشاكل القائمة والطارئة في الحياة السورية.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى