صفحات سوريةهوشنك أوسي

تحرير كوباني بين حقيقتين مرّتين/ هوشنك أوسي

 

 

قاومت مدينة كوباني الكرديّة السوريّة حصار «داعش» الإرهابي ما يزيد عن سنة. وقاومت غزوة «داعش» واحتلاله ما يزيد عن أربعة أشهر. وتكللت المقاومة بانتصار وتحرير كامل، وهروب إرهابيي «داعش». وهذا ما أعلن عنه الكرد في 27/1/2014 من داخل المدينة. هذا التحرير لم يكن أحادي الجانب، ولا يمكن تطويبه باسم فصيل كردي معيّن، حتى لو كان له دور استراتيجي ومحوري فيه. فلولا التغطية الجويّة لطيران التحالف الدولي – العربي، وتقديم قيادة كردستان العراق الدعم اللوجستي والعسكري بالبيشمركة والسلاح والأعتدة، والمشاركة الرمزيّة لبعض كتائب «الجيش الحرّ»، وإفساح أنقرة المجال أمام مرور البيشمركة، ولو على مضض (إذ لو منعت ذلك، لكشفت كل أوراقها في ما يتعلّق بدعم «داعش»)، لما أمكن الآن تحرير كوباني، ولأصبح اسم هذه المدينة الكرديّة «عين الإسلام» وألحقت بولاية الرقّة، كما خطط لذلك «داعش» وبعض القوى الإقليميّة. وعليه، حسناً فعلت سلطة حزب الاتحاد الديموقراطي في المدينة، بتوجيهها الشكر لكل من ساهم في التحرير، وذكرهم بالاسم، باستثناء أنقرة. وهذا ما أثار ثائرة المسؤولين الأتراك، فتحدّثوا عن ضرورة عدم نسيان «الدور التركي»!. علماً أنه سرعان ما سينسى الكرد، وخاصة الموالين للعمال الكردستاني، الضلوع التركي في احتلال «داعش» للمدينة، على خلفيّة المفاوضات والتفاهمات الجارية بين أنقرة وأوجلان، زعيم الكردستاني المسجون، في سياق عملية السلام الجارية بين الأكراد والأتراك في تركيا!.

وسوف يترتّب على تحرير كوباني، نتائج سياسيّة أكبر وأكثر مما ترتبَّ على المقاومة البطـــوليّة للكرد ضد «داعش». تلك المقاومة التي لفتـــت أنظار العالم، وأدهشته، وأزعجت وأقلقت «التيار التركي» أو «المتعثمنين» ضمن المعارضة السوريّة. فهي فتحت أمام الكرد قنوات اتصال دوليّة، حاول البعض ضمن المعارضة السوريّة سدّها. وهي ستفتح أبواباً دوليّة أخرى أمام الكرد أراد البعض أن تبقى موصدة. والسؤال هنا: هل يستطيع حزب الاتحاد الديموقراطي السوري، بتبعــيّته العمياء للكردستاني، والتي توازي تبـــعيّة «الإخوان» السوريين المتعثمنين للعدالة والتـــنمية التركي، تحقيق مكاسب سياسيّة خاصّة بالكرد السوريين وعموم سورية، أم مـــحـــاولة إحداث اختراق سياسي للكردستاني أوروبياً وأميركياً، وصولاً إلى إزالة اسمه من لائحة المنظمات الإرهابيّة؟!. وهـــل ستكون أولــــويته للكرد السوريين أم لتنصيب نفسه «ناطــــقاً» باسم الكردستاني، والترويج له؟. فلسان حــــال الكردستاني، طبقاً لتجربته النضاليّة لما يزيد عن ثلاثة عقود (وهذا موثق) كان وما زال إعطاء الأولوية لكرد تركيا وتوظيف باقي الكرد، حتى لو كانوا في المريخ، لهذا الشعار.

الحقّ أن مقاومة كوباني وتحريرها يمكن اعتبارهما المرآة التي كشفت حقيقتين مرّتين:

الأولى، أنه حين يكون الكرد متحدين فإنهم يشكّلون قوّة إقليميّة وازنة، تحظى بالدعم والاحترام الدوليين. وأي حزب كردي، مهما امتلك من جبروت وقوّة، لا يمكنه بمفرده فعل شيء في مواجهة تحدّي قوّة كـ «داعش» تحظى بدعم إقليمي. لكن سرديات الكردستاني تفيد بأنه حين يحقق انتصاراً ما فإنه يستخدمه سلاحاً ومنصّةً ضد المختلفين معه أو الرافضين لسياساته وانتهاكاته، للانقضاض عليهم، بعد تخوينهم، شأنه في ذلك شأن «حزب الله» اللبناني حيال باقي اللبنانيين.

وربما كان وجه الاختلاف أن الكردستاني يتعاطى، منذ سنوات، مع أنقرة وحكومات حزب العدالة والتنمية بكثير من الاعتدال والمرونة وتقديم التنازلات، بينما يزداد في تشدده وتسلّطه ورغبته في إخضاع البيت والمجتمع الكرديين. والخشية أن يؤدي تحرير كوباني، إلى مفاقمة نزعة التشدد والهيمنة لديه حيال باقي شركائه من الطيف السياسي الكردي في سورية وخارجها!.

ثانياً: كشفت مقاومة كوباني وتحريرها عن هشاشة الوعي في السلوك الوطني لدى قطاعات واسعة من الطيف السوري المعارض لنظام الأسد، خاصّة منهم المتعثمنين. وظهر بعض المعارضين وكأنّهم من اشتقاقات النظام أكثر من كونهم منشقّين عنه، لجهة تعاملهم العنصري الفجّ والوقح أحياناً مع الملف الوطني الكردي السوري. فقد طعنوا وشككوا في مقاومة كوباني، وقللوا من أهميّة تحريرها، ومن أهميّة الكرد في صناعة تاريخ سورية وحاضرها ومستقبلها. حتّى أن البعض منّى النفس بأن تنتصر «داعش» ويتحوّل اسم المدينة إلى «عين الإسلام»، بدلاً من كوباني. زد على ذلك، الحاضنة الشعبيّة التي ساندت غزو «داعش» لكوباني وريفها، وسلبت ونهبت ممتلكات القرويين الكرد، وهذه الحاضنة من أبناء المكوّن العربي، ولطالما ربطتها علاقات اجتماعيّة واقتصاديّة بكرد المنطقة!. هذا السلوك، وتعامي النخب المعارضة عنه عملاً بمقولة «أنا وابن عمّي على الغريب» فتحا الباب أمام ألف سؤال في ما يتعلّق بحقيقة الوحدة الوطنيّة والنسيج الاجتماعي الوطني السوري. فقد نشأ شرخ عميق لا يكاد يختلف عن الشرخ الحاصل بين السنّة والعلويين السوريين. ولعلّ أوّل هذه الأسئلة هنا هو: هل حقّاً الشعب السوري واحد، كما ردد المتظاهرون مطلع الثورة السوريّة؟. وهذه الحقيقة، على مرارتها وقسوتها، تملي ضرورة البحث عن السبل الأفضل لرأب الشرخ وتلافي تبعاته الوخيمة.

وليــــس الهــــدف مما سلف التقليل من مقاومة كوباني وتـــحـــريرها، ولا التهويل بما يمكن أن ينـــجم عــــن التحرير من حالات ثأر وانتقام معاكس بحــــق من قدّم الدعم لغزوة «داعـــش» وشــــارك فيها. بل الهدف عدم الاستثمار الحــــزبوي الرخيـــص لمقاومة كوباني وتحريرها، بما لا يخـــــدم القضيّة الوطنيّة السوريّة. فكلفة تحرير كوبانــــي كانت باهظة جداً، وجراح هذه المدينة ما زالت ساخنة، وينبغي ألا تُزاد التهاباً ونزفاً.

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى