صفحات العالم

تدخّل بالشأن السوريّ!

 


حازم صاغيّة

بين فينة وأخرى تظهر نغمة لبنانيّة، قد تصدر عن 8 آذار وقد تأتي من 14، مفادها: نحن لا نتدخّل في شؤون سوريّا.

موقف كهذا ينمّ عن وعي تجتمع فيه “الضيعجيّة” الضيّقة الأفق التي تغدو مدعاة سخرية في عالم معولم وشديد التداخل، وتماهٍ مضحك مع السلطات السياسيّة وقاموسها الديبلوماسيّ. وبسبب هذا التماهي، يتصرّف قائل هذا الكلام، أيًّا كان، كما لو أنّه وزير خارجيّة، ناسياً أنّه إنسان قبل أن يكون لبنانيًّا: إنسان يتعاطف مع البشر في محنهم ومآسيهم.

لقائل أن يقول: نحن لا نريد التدخّل كي لا يتدخّل النظام السوريّ في شؤوننا، خصوصاً وقد ذقنا الأمرّين من تدخّل كهذا؟

لكنّ تلك الحجّة في غاية السخف، ليس فقط لأنّ النظام المذكور تدخّل ويتدخّل من غير استئذان، وبغضّ النظر عن المواقف التي يتّخذها اللبنانيّون، بل أيضاً لأنّ الشأن السوريّ فرض نفسه شأناً لبنانيًّا: هذا ما نراه في وادي خالد كما نراه في تشكيل، أو لا تشكيل، الحكومة الميقاتيّة. لكنّنا نراه أيضاً في تعدّي أزلام النظام السوريّ على حرّيّاتنا وحقّنا في التعبير. وهذا حتّى لا نذكّر بالاتّهامات الخرقاء لنوّاب لبنانيّين وُصفوا بلعب أدوار أساسيّة في الانتفاضة السوريّة، أو بمضحكة قيام “تيّار المستقبل” (وما أدراك ما القوّة القتاليّة لـ”تيّار المستقبل”) بقصف تلكلخ!

ومن أحبّ أن يتأكّد من التأثيرات السلبيّة الهائلة على حريّاتنا فليراجع قمع لقاء البريستول، وقبله قمع تجمّع صغير لإضاءة الشموع، في شارع الحمرا، تعاطفاً مع درعا وضحاياها (وبالمناسبة، كيف يستقيم الجمع بين برلمانيّة بعض الأحزاب اللبنانيّة وبين قيامها بهذه الأدوار الميليشيويّة الفظّة؟).

وهذه الأسباب والوقائع حين تؤخذ معاً تضعنا، للمرّة الألف، أمام الحقيقة الكبرى: لا يمكن للنظام اللبنانيّ أن يستقرّ، ولو على قدر ضئيل من الديموقراطيّة، من غير أن ينشأ نظام سوريّ آخر على قدر، ولو ضئيل، من الديموقراطيّة. فلنتذكّر أنّ سوريّا تحيط بنا من الشمال والشرق، وأنّ عبورنا البرّيّ إلى العالم، وعبور العالم إلينا، محكوم بسوريّا.

فلنكفّ، إذاً، عن هذه السخافة “الضيعجيّة” والعديمة الرحمة في آن، فضلاً عن امتلاكها صورة منتفخة جدًّا عن الذات! فلنكفّ عن ذلك، ولنفكّر في الوصول إلى بلدين جارين يجمع بينهما الاحترام المتبادل الذي يقوم على نظامي حكم كلّ منهما يحمل شعبه على محمل الجدّ، وعندها فقط يحمل جاره على المحمل نفسه. أمّا الطريق إلى ذلك فأوّله التضامن المرتفع الصوت مع ألم الشعب السوريّ الجار ومع توقه إلى الحرّيّة.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى