صفحات الرأي

تدويل الدعشنة/ جهاد الرنتيسي

 

 

احتفاظ تنظيمات السلفية الجهادية بالقدرة على التمدد والانتشار والعودة بالمجتمعات إلى العصور الوسطى، تعبير عن نكبة حقيقية لحقت بدول المنطقة، وإن حالت بعض المقاييس الدولية، وأولويات الأقطاب المتصارعة، دون إعلان الدول التي تعاني بشكل مباشر أو غير مباشر، من ممارسات “داعش” و”النصرة” و”أنصار الشريعة” وغيرها، مناطق منكوبة .

مظاهر النكبة ليست خافية، فهي ظاهرة للعيان إلى الحد المثير لفزع المواطن العربي، من المحيط إلى الخليج، وقلق دول الجوار، والدول المشاطئة للدول العربية .

لا يغير من واقع الحال الجدل بين الميالين، إلى وقوف الولايات المتحدة خلف هذه الظاهرة لإعادة تقسيم المنطقة بطريقة تتلاءم مع تحولات المصالح الأمريكية، ونقاد البنى السياسية والاجتماعية العربية الذين يعيدون ظهور السلفية الجهادية وممارساتها البدائية الأقرب للتوحش، إلى تراكمات ناجمة عن انسداد آفاق الحداثة أمام العرب، وفقدان مقومات النهوض والتفاعل الحضاري، وغياب حرية التعبير، وتكريس شعور الدونية، وتسلط الآخر.

لكن الجدل الذي يأخذ بعض الأحيان منحى توفيقياً، بجمعه بين الأسباب الذاتية والموضوعية، التي أدت لظهور السلفية الجهادية وإفرازاتها، بصورتها الراهنة، لا يسقط في جميع الأحوال حضور “الآخر” الغربي من مقدمات المنعطف الذي تعبره المنطقة إلى المجهول .

فمن غير الممكن الخروج بنتائج صحيحة، في حال إخراج الأحداث والظواهر عن سياقاتها الظرفية والتاريخية، أو تجاهل حضور “الآخر” وتأثيره في الأوضاع الراهنة، واحتمالات المستقبل .

إلا أن حضور “الآخر” الغربي في الأسباب التي أدَّت إلى ظهور السلفية الجهادية، والنتائج المتمثلة في إفرازاتها المحتمل أن تطاله لاحقاً لا يتناسب مع دوره “الاستشراقي” في معالجتها .

ففي أفضل ردود فعله، يكتفي المجتمع الدولي المرتبك بوضع “داعش” و”النصرة” على لوائح المنظمات الإرهابية، أو توجيه ضربات موضعية لوقف تقدمهما، دون إغفال إدانة الانتهاكات التي تمارسها جماعات السلفية الجهادية بحق الأقليات، ما يبقي الحالة العربية المتآكلة، رهينة لعجز النظام الرسمي العربي، وعوامل تفكيك الكيانات، وإنعاش ذهنية الإقصاء، وإلغاء إمكانية التعايش بين الديانات والمذاهب والأعراق، واتساع احتمالات تكرار النموذج الطالباني في المنطقة.

” تعاويذ” و”رقى” السياسات الإقليمية النافرة من داعش، أثبتت فشلها في التعامل مع إفرازات القتل العشوائي، والحروب العبثية، والتطهير “الديني” و”العرقي” و”المذهبي” في المحافظات الشمالية العراقية، ومناطق واسعة من سوريا، مروراً بالمنزلق الليبي، ووقوف لبنان على حافة الكارثة، وانتهاء بالخلايا النائمة، في بقية البلاد العربية، انتظاراً لنضج ظروف توسيع موجة الرعب، مما يملي ضرورة تحمل “الآخر” الغربي مسؤولياته الأخلاقية، ومغادرة دائرة الشك والتردد التي يراوح فيها، بوضع تصورات شاملة للتعامل مع الظاهرة، وتوفير الآليات اللازمة لترجمة المواقف اللفظية إلى خطوات عملية، تتناسب مع قدرته على التأثير في القرار الأممي .

موقع 24

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى