صفحات العالم

تراويح رمضانية


ساطع نور الدين

ما جرى في سوريا امس مرعب. وهو ليس منقطعاً عما تشهده الثورات الشعبية العربية من تحول نحو المزيد من الاختبارات الدموية لموازين القوى بين الثوار وبين الانظمة التي لم يسقط منها عملياً سوى نظام واحد هو النظام التونسي، والبقية لا تزال تقاوم بضراوة موجة التغيير الزاحفة على الوطن العربي.

هي بداية مفجعة لشهر رمضان توفر ذخراً إضافياً للإسلاميين وتياراتهم المتطرفة تحديداً وتدعوهم الى الاعلان عن أن أوان الحوار والاصلاح قد فات، في سوريا، كما هو تعثر في مصر وليبيا واليمن. القتلى الذين سقطوا برصاص اجهزة الامن السورية امس بأعداد قياسية، كانوا بمثابة هدية ثمينة الى تنظيمات وجماعات إسلامية لم تطلق الانتفاضة الشعبية، لكنها راقبت منذ البداية اولئك الشبان والشابات الحالمين بالتغيير، وتركتهم يختبرون انفسهم واسلوبهم وطموحهم لتحقيق مطالبهم بطريقة سلمية.. لكنها كانت واثقة من انهم سيعودون اليها يوماً جثثاً او مصابين باليأس من امكان تفادي اللجوء الى السلاح.

ما جرى امس كان نقطة تحوّل لا تسهم فقط في تجذير الثورة السورية ومطالبها بقدر ما تقرب الجميع من خطر الحرب الاهلية الذي كان يحوم حول كل تظاهرة معارضة وأي عملية امنية مضادة لها. قبل يوم امس كان الرهان على عزل المتطرفين داخل النظام من جهة وداخل المعارضة من جهة اخرى، رهاناً جدياً من جانب انصار الجانبين في الداخل والخارج. من الآن فصاعداً ستكون الكلمة الوحيدة المسموعة في اروقة السلطة وفي الشارع هي الأكثر تطرفاً والأشد قسوة، والأكثر ذكاء في الإفادة من رمضان.. وجعله شهر الحسم الموعود.

وهو ايضاً موعد مع الحسم في مصر وليبيا واليمن، وربما ايضاً في تونس التي انتصرت ثورتها المدنية لكنها تشهد نهضة اسلامية غير سارة ابداً، يمكن ان تستخدم شهر الصوم مناسبة لاختبار نفوذها وتوسيعه وتحويله الى برنامج سياسي يقود الى الحكم، على غرار ما يفعل الاسلاميون المصريون الذين يستعدون للشهر باعتباره فرصة للتعبئة والتنظيم والانقضاض على مكتسبات الثورة المصرية.. وعلى غرار ما يفعل الاسلاميون الليبيون الذين يعتبرون الشهر فرصة للإعلان عن انفسهم واحياء ثقافتهم التي طمستها عقود معمر القذافي ثم الاشهر الماضية من عمر الثورة الليبية.. وعلى غرار ما ينتظر ثوار اليمن من تحديات اسلامية اضافية، سواء من جانب شركائهم الاسلاميين الذين ظلوا حتى الامس القريب متواطئين مع نظام علي عبد الله صالح، او من جانب تنظيم القاعدة الذي يكسب ذلك النظام المزيد من الوقت.

الثورات العربية امام لحظة الحقيقة: لن يكون رمضان شهراً للصلاة والصوم، لا من قبل الانظمة المقاتلة من اجل وجودها والتي ترتاب في انه سيكون شهرها، ولا من قبل الإسلاميين الخارجين من تحت الارض بعد سنوات من القمع والملاحقة، لكي يجدوا مجتمعات تواجه واحدة من أشد حالات الضياع، وتترقب النداء الذي سيصدر اعتباراً من اليوم من المآذن، التي ستصبح طوال ثلاثين يوماً او اقل، مركز الثورة التي صارت أقرب الى حروب أهلية.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى