بكر صدقيصفحات سورية

تركيا تعود لحكومة الحزب الواحد/ بكر صدقي

 

 

«بسبب ارتفاع منسوب العنف في الحرب التي تخوضها الحكومة، واستبعاد وزيري حزب الشعوب الديمقراطي من أواليات اتخاذ القرار» قدم كل من وزير التنمية مسلم دوغان ووزير شؤون العلاقات مع الاتحاد الأوروبي علي حيدر كونجة استقالته من حكومة أحمد داوود أوغلو، بالتنسيق مع قيادة الحزب. ولم ينتظر داوود أوغلو انقضاء يوم واحد على الاستقالة المزدوجة هذه ليعلن عن تكليف وزيرين «مستقلين» بدلاً من وزيري الحزب الكردي، كما لو كان البديلان جاهزين بانتظار هذه اللحظة.

الواقع أن هذا الافتراض لا يفتقر إلى أساس ملموس إذا تذكرنا تصريحات وزير السياحة والثقافة يالتشن توبجو، قبل أسابيع، وقال فيها إن على وزيري حزب الشعوب أن يقدما استقالتيهما من الحكومة «إذا كانا يتمتعان بقيم أخلاقية» وإلا وجبت إقالتهما. وعبثاً انتظر الوزيران المعارضان اتصالاً هاتفياً من زملائهما الوزراء في الحكومة يعلن التضامن معهما في مواجهة التصريحات العدائية لوزير الثقافة والسياحة، أو توبيخاً لهذا الأخير من رئيس الوزراء داوود أوغلو على إخلاله بالتضامن المفترض بين وزراء الحكومة.

وقبل هذه التطورات، لم يرف جفن لداوود أوغلو حين رفض حزبا المعارضة «الشعب الجمهوري» و»الحركة القومية» المشاركة في الحكومة المؤقتة التي تم تشكيلها بعد فشل محاولات تشكيل حكومة ائتلافية، فشكل حكومته «بمن حضر»، على رغم أن الدستور يقضي بمشاركة جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان، بحصص تتناسب مع حصصها من مقاعد، ما دامت مهمتها الوحيدة هي التحضير للانتخابات المبكرة.

وفي النتيجة، بقيت الحكومة الآن مقتصرة على حزب العدالة والتنمية الذي فقد غالبيته البرلمانية المطلقة في انتخابات السابع من حزيران الماضي، إضافة إلى وزيرين مستقلين من البيئة المقربة للحكم. ومن المتوقع أن تبدأ الحملة الانتخابية، بعد عطلة العيد مباشرةً، تحضيراً للانتخابات المكررة التي من المقرر أن تجرى في الأول من شهر تشرين الثاني المقبل، أي بعد نحو خمسة أسابيع من الآن. وتميل تقديرات كثير من المراقبين ومؤسسات استطلاع الرأي إلى توقع نتيجة لا تختلف كثيراً عن النتيجة التي أسفرت عنها الانتخابات السابقة، بل هناك من يتوقعون نتائج أسوأ من زاوية نظر الحزب الحاكم، أي هبوطاً أكثر في شعبيته ونسبة ناخبيه، بالنظر إلى تحميله مسؤولية تدهور الوضعين الأمني والاقتصادي.

الواقع أن الحزب ورئيسه المفترض أحمد داوود أوغلو كانا ضحيتين على مذبح الطموح السلطوي الجامح لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، كما ترى الأوساط المعارضة من مختلف الاتجاهات. فهو لم يخف طموحه لتغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي ليجمع في يده معظم الصلاحيات التنفيذية، بذريعة أنه أول رئيس للجمهورية التركية ينتخب من قبل الشعب. وهكذا أصبح أردوغان، منذ انتخابه رئيساً للجمهورية في شهر آب 2014، يعتبر نفسه ممثلاً لـ»إرادة الأمة» ناطقاً بلسانها، وأن من حقه أن يجير كل الوسائل للوصول إلى غايته. وكان يراهن على حصول حزبه السابق الذي ما زال يدين له بالولاء المطلق على عدد من المقاعد البرلمانية يكفي لتغيير الدستور. ولأنه لم يثق بقدرة خليفته في رئاسة الحزب داوود أوغلو على تحقيق النتيجة المرجوة، نزل إلى الساحات بنفسه ودعا مؤيديه علناً إلى التصويت للحزب الحاكم، على رغم أن الدستور يفترض حياد الرئيس تجاه الأحزاب السياسية. وبدلاً من أن يستفيد من مشاركته الكثيفة في حملة الترويج للحزب، انقلب الأمر ضده وخسر الحزب الغالبية المطلقة في الانتخابات. وعزا كثير من المراقبين سبب هذه الهزيمة إلى مساهمة أردوغان في الحملة الانتخابية، ضمن أسباب أخرى أهمها تهم الفساد التي لطخت سمعة الحكومة السابقة التي كان يرأسها، والصراع الضاري المحتدم داخل التيار الإسلامي بين أنصار الحزب الحاكم ومريدي الداعية المعتدل فتح الله غولن.

وبدلاً من أن يستخلص أردوغان الدروس الضرورية من هزيمة حزبه السابق، قام بإفشال جهود تشكيل حكومة ائتلافية، مع تمرير للوقت بأقصى ما تتيحه الثغرات الدستورية، دافعاً بالبلاد نحو انتخابات معادة على أمل «تصحيح الخطأ» الذي ارتكبه الناخب، وعودة الحزب إلى السلطة بمفرده. وإذ رأى أردوغان أن سبب فقدان حزبه «السابق» للغالبية المطلقة التي طالما تمتع بها في البرلمان، منذ وصوله إلى السلطة للمرة الأولى في العام 2002، هو تجاوز حزب الشعوب الديمقراطي لحاجز العشرة في المئة ودخوله البرلمان بثمانين نائباً (وهذا افتراض صحيح بالحسبة الرياضية) فقد ضحى بالحل السلمي للمسألة الكردية، بعد سنوات من الجهود والمفاوضات مع حزب العمال الكردستاني وزعيمه الأسير عبد الله أوجالان، وأطلق حرباً جديدة على «الكردستاني» لم توفر السكان المدنيين في مناطق نفوذه (يدور الحديث عن مجازر بحق المدنيين ارتكبتها قوات الجيش في مناطق كردية كبلدة جزرة، بينهم أطفال ونساء وشيوخ)، وعملت الماكينة الإعلامية الموالية بكامل طاقتها لشيطنة حزب الشعوب الديمقراطي الممثل في البرلمان، ومطابقته مع حزب العمال الكردستاني الموصوف بالإرهابي في عرف الحكومة.

والغاية من ذلك مزدوجة: فمن جهة يتم السعي إلى دفع الحزب الممثل للكرد في البرلمان إلى ما تحت حاجز العشرة في المئة، الأمر الذي يعيد للحزب الحاكم كامل مقاعد «الشعوب الديمقراطي» (80 مقعداً)؛ ومن جهة ثانية يعمل الحزب الحاكم على كسب أصوات قسم من ناخبي حزب الحركة القومية المتشدد (له أيضاً 80 مقعداً)، عن طريق هذا المسلك المتشدد ضد الكرد وتطلعاتهم. فإذا تحقق الهدفان معاً ضَمَنَ أردوغان الغالبية البرلمانية التي تتيح لحزبه تشكيل الحكومة بمفرده، وتكفي لتغيير النظام السياسي إلى نظام رئاسي.

الشهر القادم سيكون حافلاً بالأخبار التركية. وكلما اقترب موعد الانتخابات وأظهرت استطلاعات الرأي عدم تحسن في شعبية «العدالة والتنمية» ازداد احتمال تأجيل الانتخابات المكررة، ومواصلة الحكومة المؤقتة الممسوكة تماماً من الرئيس أردوغان البقاء في الحكم فترة إضافية قد تمتد إلى ما بعد رأس السنة.

ماذا لو جرت الانتخابات برغم الأوضاع الأمنية المتدهورة واستمرار العمليات العسكرية المتبادلة بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني؟

ستكون تركيا، نظرياً، أمام احتمالين: إما فوز الحزب الحاكم بغالبية مطلقة تتيح له تشكيل الحكومة بمفرده، أو الاتجاه نحو تشكيل حكومة ائتلافية لا مفر منها فيما لو تكررت نتائج الانتخابات السابقة كما تشير معظم التوقعات.

كل هذا في ظل تغيرات كبيرة على ساحة الصراع في سوريا: دخول الروس ورضوخ الأمريكيين للأولويات الروسية في سوريا.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى