صفحات سوريةغسان المفلح

تركيا تفضح نفسها

غسان المفلح

” الانتفاضة التركية” هذا المصطلح كرره ولايزال يكرره مناصرو النظام السوري المجرم, أو بعض الناقمين على الثورة السورية خصوصا. ما كان لحدث عادي في دولة ديمقراطية عادية بالمعنى النسبي للعبارة, أن يأخذ هذا الزخم من التغطية والتضليل, لولا وجود الثورة السورية إلى جواره, ووجود لوبي دولي معاد للثورة السورية, جعل تظاهرات احتجاجية عادية في دولة ديمقراطية, تأخذ بعدا تضليليا إلى هذا الحد المخيف, لولا موقف الحكومة التركية برئاسة السيد رجب طيب اردوغان والشعب التركي بغالبيته من الثورة السورية, حيث كان بالمجمل موقفا انسانيا عالي التضامن والتكافل, رغم ما سجلته من ملاحظات سياسية على هذا الموقف منذ بدء الثورة, اعود وأؤكد ما أكدته آنذاك, حيث كنت من ضمن أقلية في صفوف المعارضة, ترى في موقف الحكومة التركية السياسي, موقفا ضعيفا وشريكا في اللعبة الدولية التي كانت تصر على اعطاء مزيد من الوقت لنظام الاجرام في سورية, لقمع الثورة أو الخروج بحل اصلاحي كما كان يردد اقطاب هذه اللعبة الدولية, لكن نظام الاجرام رفض كل هذه الفرص, وولغ بالدم السوري أكثر فأكثر إلى غير رجعة. هذا ما جعلني ارفض أن تكون نشاطات المعارضة ومقارها في اسطنبول, إضافة الى أنني اسجل دائما موقفا سلبيا تجاه الدولة التركية كلها, وليس فقط الحكومة الحالية من عدم ايجاد حل عادل وديمقراطي للقضية الكردية, على العكس تماما فان حكومة اردوغان كان لها الفضل في إعادة طرح القضية الكردية داخل المجتمع التركي من أجل ايجاد مناخ لحلها, بغض النظر عن رؤية الاشقاء الاكراد لهذه الاجراءات. ولأول مرة تصبح هناك احزاب كردية التوجه وذات ايديولوجية قومية كردية في ساحة العمل السياسي الكردي التركي.

الطرافة في موضوع من نفخ في بوق تلك التظاهرات ليشوش على الثورة السورية, لو خرجت في أميركا الآن مظاهرة احتجاجية فيها مليونيا مواطن اميركي من أجل قضية مطلبية ما, او حتى من أجل اقالة حكومة السيد اوباما لاسباب معيشية ويومية, فهل تعتبر هذه القضية انتفاضة? أم أنه حق يصونه الدستور الاميركي كما يصونه الدستور التركي الجديد, حق التظاهر السلمي? ما أجج الوضع هو تعامل الشرطة المختلف هذه المرة مع المتظاهرين الذي شابه قليل من العنف, ومن ثم كان هذا الحادث هو الفرصة المبتغاة من المعارضة اليسارية واستغلالها لتحريك الشارع”. وماقامت به الشرطة التركية قامت به تقريبا الشرطة في السويد قبل فترة اسابيع, تجاه تظاهرات سويدية, لم يتطرق أحد لهذا الموضوع, لا “cnn ” ولا غيرها من المحطات الدولية, التي تحرص هذه المحطات على نشر كل خبر يسيئ للثورة السورية, وتتغاضى عن نشر جرائم المافيا الاسدية في سورية, واطلاع الرأي العام في البلدان الغربية على حقيقة ما واجهته وما تواجهه الثورة الدموية من عنف دموي قل نظيره في التاريخ, ولا حتى كلفت خاطرها هذه المحطات الاشارة لمشاركة مقاتلين من “حزب الله” في قتل السوريين, ماعدا تقرير ل¯ “bbc” وكان تقريرا مشوها تقريبا, لكنه اهتمام مشكور.

المعارضة التركية الهزيلة من يسارية, ومن حزب الشعب الجمهوري القومي, والتي افقدتها حكومة اردوغان مشروعيتها المرتبطة بما كان يعرف سابقا في تركيا بالسلطة السوداء في تركيا, وهي سلطة العسكر ومؤسسات المخابرات, افقدتها مشروعيتها لقاء ما قامت به هذه الحكومة من نقل تركيا خطوات نوعية إلى الامام على الصعد كافة الاقتصادية والسياسية, وعلى مستوى الحريات العامة والفردية. نغمة طريفة ان تسمى احداث تركيا الربيع التركي! على أساس أن قبل اردوغان كانت تركيا ماشاء الله عليها, في ظل رجالات يحكمون باسم السلطة السوداء. فساد وجريمة وفقر واقتصاد متخلف وملحق. على مناصري المافيا الاسدية, ليس من العامة بل ممن يدعي الثقافة, ان يخجل من نفسه وهو يقارن اردوغان بمجرم سورية, اردوغان لم تتلوث يديه لا بالفساد المالي ولا بالدم التركي. مرة أخرى القضية الكردية أظن ان اجراءات الحكومة التركية اعطت ثمارها, بحيث توجت بتقديم السيد عبد الله اوجلان مبادرته السلمية باتجاه حل عادل للقضية الكردية في اطار تطور الدولة التركية ككل.

وارتباط الحدث التركي هذا بالثورة السورية, يوضحه قيام بعض الاصوات برفع شعار” بشار باق واردوغان راحل” وهذا فخر لاردوغان ان يرحل نتيجة انتخابات نزيهة قادر عليها, لأن ليس لهذه المعارضة التركية مشروع سياسي ارقى من مشروع طيب اردوغان, ولايزال الفساد المرتبط بالسلطة السوداء البائدة, يعشش في مؤسساتها.

بعض المثقفين العرب, لمجرد ان يطيعهم ضميرهم المهني بالمقارنة بين اردوغان والمافيا الاسدية, أقول مجرد المقارنة هو خيانة للثقافة والفكر والقيم الانسانية. وبخاصة أولئك المحسوبين على اليسار السوري طائفيا. يحق لهم أن يكون نموذجهم آية الله بشاري. “يللي استحوا ماتوا”.

احساس التركي فخرا بتركيته المتطورة خلال سنوات حكم اردوغان, كافية لكي تقول للعالم, أنها نموذج ديمقراطي يحتذى به, بالنسبة الى دول الشرق الاوسط. ماذا كان احساس المواطن التركي بتركيته اثناء حكم السلطة السوداء عبر حكومات فاسدة تعاقب اشخاصها على حكم هذا البلد العظيم? هذا اليسار السوري المطيف كان يسمي تركيا “آنذاك” امبريالية طرفية, او حلقة ضعيفة في السلسلة الامبريالية, لأنها محكومة بالسلطة السوداء, مع ذلك يريدون اعادة تركيا للسلطة السوداء.

عشق مريب للبوط العسكري من علمانيي الموضة, ويساريي التواطؤ مع نظام مجرم في سورية. تركيا دولة تخطت عتبة السلطة السوداء, وإذا كانت المعارضة التركية شريفة الاغراض لتدعو لانتخابات مبكرة, وكي لايقول هذا اليسار شيئا أظن ان كل الانتخابات التي اتت بحكومة اردوغان, كانت تحت اشراف ورقابة دولية. الموقف اليساري العلماني العربي من حكومة اردوغان, والموقف اللوبي الدولي ضد الثورة السورية, مبني كله على موقف اردوغان من الثورة السورية, ولا تهمهم تركيا بفلس واحد, لا علماني, ولا اسلامي, ولا امبريالي…شيء هزيل فكريا وقيميا محصلة موقفهم..نعم بالحكم النزيه نسبيا والديمقراطي خارج سلطة العسكر, تركيا تفضح نفسها مقارنة, بما كان فيها من حكم, وبأنظمة منطقتنا العربية.

* كاتب سوري

السياسة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى