صفحات العالم

تركيا وأكرادها: فرصة سانحة للحل التفاوضي

 

وحدة تحليل السياسات في المركز

تتكوّن وحدة تحليل السّياسات في المركز العربي للأبحاث ودراسة السّياسات من مجموعة من الباحثين الذين يعملون بشكلٍ جماعيّ، ويلتقون دوريًّا، لتدارس المواضيع السياسيّة والإستراتيجيّة الرّاهنة ذات الأهميّة العالية، ومناقشتها، ورصدها، ومتابعة تطوّراتها، وتوقّع تأثيراتها المحتملة. تعمل الوحدة تحت إشراف الدكتور عزمي بشارة، وبتوجيهه، ويقوم باحث بتنسيق الاجتماعات والمواضيع والموادّ المقترحة للنّقاش. يكلّف باحث أو أكثر بصياغة ورقة، ويقدمها لتخضع للمناقشة في جلسة، ثمّ يعاد تحريرها في ضوء الملاحظات التي يبديها أعضاء فريق الوحدة. وتخضع قبل نشرها على الموقع الإلكتروني كورقة “تقدير موقف” أو ورقة “تحليل سياسات” لمراجعةٍ أخيرة.

أعلن عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني عن “انتهاء مرحلة تاريخيّة قديمة، وبدء مرحلة تاريخيّة جديدة”، وذلك في رسالة قرأها نيابة عنه أحد قادة حزب السلام والديمقراطية الكردي في تركيّا في الاحتفال المركزي الضخم الذي أقيم في مدينة ديار بكر ذات الأغلبيّة الكرديّة بمناسبة عيد النوروز في 21 آذار/ مارس 2013. ودعا أوجلان الجناح العسكريّ في حزبه إلى تجميد العمليات العسكريّة ضد الدولة التركيّة، وفسح المجال أمام الحل السياسي التفاوضي للمسألة الكرديّة.

جاءت هذه الدعوة “التاريخيّة” ثمرة للمفاوضات المباشرة بين رئيس جهاز المخابرات التركيّة هاقان فيدان وأوجلان في سجنه في جزيرة إيمرالي في بحر مرمرة، والتي بدأت في عام 2012، وأُعلن عنها رسميًا مطلع العام الحالي. ونجم عن هذه المفاوضات خارطة طريق لحل المسألة الكرديّة، كشف عن تفاصيلها، في 27 شباط / فبراير 2013، صلاح الدين دميرطاش زعيم حزب السلام والديمقراطيّة، الواجهة السياسيّة لحزب العمال الكردستاني.

تتضمن الخطة إعلان أوجلان رسميًا تجميد العمليات العسكريّة بمناسبة عيد النوروز، تليه خطوات من قبل الدولة التركيّة مثل إقرار تعديلات في القوانين تتيح إطلاق سراح بعض المعتقلين الأكراد في سجونها. يتبع ذلك انسحاب المقاتلين الأكراد من داخل تركيا إلى شمال العراق، وإعلان إلقاء السلاح نهائيًا مقابل إطلاق سراح المعتقلين الأكراد جميعهم، وإجراء تعديلات دستوريّة تعترف بالهوية الكرديّة، والتعلّم باللغة الأم، ومنح الأكراد ما يشبه الحكم الذاتي (الإدارة المحليّة)، وذلك بعد إقرار مشروع الدستور التركي الجديد. يعدّ هذا التغيير جذريًا في مقاربة موضوع الأكراد منذ صعود الدولة القوميّة التركيّة.

 وعلى الرغم من انتقادات حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القوميّة لحكومة حزب العدالة والتنمية باتهامها بعدم الشفافيّة، والسريّة في التعامل مع المسألة الكرديّة في تركيّا، فقد ساد التفاؤل الحذر تحليلات الصحف ومراكز الأبحاث التركيّة بشأن إمكانيّة إيجاد حلٍّ لهذه المسألة بشكل يختلف عما كانت تسفر عنه الحوارات والوعود والتعهدات السابقة.

تسلّط هذه الورقة الضوء على مسار التفاوض بين الحكومة التركيّة وحزب العمال الكردستاني الذي توّج بإعلان أوجلان تجميد العمليات العسكريّة ضد الدولة التركيّة، وكذلك على العوامل الداخليّة والخارجيّة التي ساهمت في صوغ الخطوط الرئيسة لنصّ الاتفاق بين أوجلان ورئيس المخابرات التركيّة.

عن المسألة الكرديّة في تركيّا

تعدّ المشكلة الكرديّة في تركيّا أكثر المشاكل المعقدّة التي أثقلت كاهل الدولة منذ تأسيسها عام 1923؛ فخلال القرن الماضي حصلت نحو 29 انتفاضةً أو تمردًا كرديًّا ضدها، وكان من أبرزها عصيان الشيخ سعيد بيران عام 1925. لكنّ دوافع هذه الانتفاضات كانت مزيجًا من الدوافع القوميّة وأخرى ذات طابع إسلامي ضد سياسات الدولة التركيّة العلمانيّة. ولم يظهر البعد القومي بشكل واضح في التمرد الكردي إلا بعد تأسيس حزب العمال الكردستاني عام 1978، عندما وضع الحزب في قائمة أهدافه السياسيّة “إقامة كردستان الكبرى”، واختار منذ عام 1984 الكفاح المسلّح نهجًا وحيدًا لتحقيق أهدافه.

اعتبرت تركيّا هذا الحزب “منظمة إرهابيّة انفصاليّة”، واعتمدت القوة العسكريّة للتعامل مع تمرده في جنوب وجنوب شرق البلاد. وبقيت المقاربة العسكريّة / الأمنيّة هي الأسلوب الوحيد في التعاطي مع المسألة الكرديّة خلال الفترة 1984-2009، باستثناء محاولات اعتماد بعض الحلول الأخرى في التسعينيات كان أبرزها:

    في عهد الرئيس السابق تورغوت أوزال في الفترة 1991-1993: أُلغي الحظر الكامل المفروض على استخدام اللغة الكرديّة في المدارس الحكوميّة ودوائر الدولة، وجرى تحويله إلى حظر جزئي. وقد حاول أوزال إطلاق مفاوضات غير مباشرة مع قادة حزب العمال الكردستاني، لكنّ وفاته المفاجأة عام 1993 حالت دون ذلك.

    في عهد رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان عام 1997: سعى أربكان أيضًا إلى إجراء مفاوضات غير مباشرة مع قادة الحزب نفسه، لكن مساعيه لم تتحقق بسبب إقصائه عن السلطة من قبل المؤسّسة العسكريّة.

بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، لم يتغيّر التعاطي الأمني/ العسكري مع المشكلة الكرديّة؛ فقد تجاهل الحزب في الدورة البرلمانية 2002-2007 عرض مقترحات أو حلول سياسيّة تخص المسألة الكرديّة تجنبًا لصدامٍ مبكرٍ مع المؤسّسة العسكريّة وبعض أحزاب المعارضة، ولا سيما حزب الحركة القوميّة المعروف بتطرفه وتصلبه تجاه مسألة الأكراد. كما أنّ حزب العدالة والتنمية لم يكن يمتلك أغلبيّة برلمانيّة كافية لتشكيل الحكومة بمفرده. ومن ثمّ، لم يكن بإمكانه عرض حلول لقضية إشكاليّة كالمسألة الكرديّة من دون التوافق مع الكتل الحزبيّة الكبرى في البرلمان مثل حزب الشعب الجمهوري والحركة القوميّة. يضاف إلى ذلك تداعيات الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وانتقال العراق من الصيغة الوحدويّة إلى الصيغة الفيدراليّة، وظهور كيان كردي في شمال العراق (كردستان العراق)، وتمركز مقاتلي حزب العمال الكردستاني فيه، وهي تطورات رأت تركيا أنّها تهدد أمنها القومي.

حدث تغيّر في هذا الواقع بعد الانتخابات البرلمانية التركيّة عام 2007؛ فقد نجح حزب العدالة والتنمية في الحصول على نسبة 48.8% من أصوات الناخبين، ما منحه أغلبيّة مطلقة في البرلمان خوّلته تشكيل الحكومة وحده. وفي هذا العام أيضًا، قامت حكومة رجب طيب أرودغان، زعيم الحزب، بفتح تحقيق قضائي في محاولة إنقلاب عسكري عليها، عُرفت بقضية “أرغينيكون”، ما مثّل سابقة في الحياة السياسيّة التركيّة من حيث تجرّؤ حزب سياسي على الحد من تدخلات المؤسّسة العسكريّة في شؤون الحكم خارج مهامها الدستوريّة.

منحت العوامل السابقة رئيس الوزراء أردوغان زخمًا شعبيًا وسياسيًا مكّنه من عرض مبادرة سياسيّة عام 2009 عُرفت بـ “مبادرة الانفتاح الديمقراطي”، وهدفت إلى إيجاد حل شامل ودائم للمسألة الكرديّة يخلّص تركيّا من ثقل الصراع مع الأكراد، والذي كلّفها منذ عام 1984 خسائر بشريّة تقدر بـ 50 ألف قتيل، وخسائر اقتصاديّة كبيرة تقدر بنحو 400 مليار دولار أميركي، إضافة إلى تعثّر كثير من الخطط التنمويّة في المناطق الجنوبيّة والجنوبيّة الشرقيّة. كما شكّل هذا الصراع – مع عوامل أخرى – ذريعة لرفض انضمام تركيّا إلى الاتحاد الأوروبي من قبل بعض الدول الأوروبية، على الرغم من حصولها على الاعتراف الرسمي كمرشح للعضوية الكاملة عام 2005.

وقد بدأ أردوغان منذ نهاية عام 2008 مفاوضات غير مباشرة مع قادة حزب العمال الكردستاني بوساطة نرويجيّة نتج منها هدنة عسكريّة بين الطرفين استمرت حتى منتصف عام 2011. لكنّ المواجهات العسكريّة عادت بين الطرفين إثر هجوم شنه مقاتلو الحزب ضد الجيش التركي في تموز/ يوليو 2011.

مسار الحل وفرصه

على الرغم من تجدد المواجهات العسكريّة، فإنّ الحكومة التركيّة لم تسقط إمكانيّة حل المسألة الكرديّة بالطرق السياسيّة والتفاوضيّة من أولوياتها.وبالفعل، فقد دخلت الحكومة في عام 2012 في عمليّة تفاوضيّة مع الأكراد، ولكن بأسلوب جديد، وهو التفاوض المباشر مع أوجلان، ومن دون وساطات أجنبيّة. كما أنّ أردوغان كلّف جهاز المخابرات التركي إجراء المفاوضات لإظهار أنّها تجري نيابة عن الدولة، وليست نيابة عن حكومته، وهو ما يمنحها شرعيّة أكبر، وفي الوقت نفسه يجنّب حزبه انتقادات المعارضة.

لقد بدأ رئيس المخابرات التركيّة هاقان فيدان في عام 2012 إجراء اتصالات مباشرة مع أوجلان في سجنه. وقد سُمح لأوجلان، وللمرة الأولى في تموز/ يوليو 2012، بالتواصل هاتفيًا مع قادة في حزب السلام والديمقراطية الكردي. تلا ذلك، في 3 كانون الأول/ يناير 2013، زيارة قام بها نائبان عن الحزب ذاته إلى سجن إيمرالي من أجل لقاء أوجلان، ما اعتبر إحدى النتائج الإيجابيّة للمفاوضات السريّة بين أوجلان وفيدان. ثم ما لبث أن سلم أوجلان، في 21 شباط / فبراير 2013، الحكومة التركيّة مسودة خارطة طريق لحل شامل ودائم للمسألة الكرديّة. أعقبه قيام الحكومة التركيّة، في 22 شباط / فبراير 2013، بعرض مجموعة من التعديلات القانونيّة لتغيير إجراءات الاتّهام والتقاضي بما قد يسهم في الإفراج عن آلاف المعتقلين الأكراد سواء من المناصرين أو المنتسبين لحزب العمال الكردستاني. وقد ساعدت هذه الخطوة في إفراج هذا الحزب عن الموظفين العمومين الأتراك الثمانية في 12 آذار/ مارس 2013 بناءً على تعليمات من أوجلان إلى قيادات حزبه العسكريّة في جبال قنديل شمال العراق، نقلها وفد حزب السلام والديمقراطية الذي زاره في 9 آذار/ مارس 2013. ومن ثمّ، أتى خطاب أوجلان كتتويج لمسار طويل من المفاوضات، والذي وضع – لأول مرة – تصورًا مفصلًا لحل المسألة الكرديّة في تركيّا.

 ثمة أسباب داخليّة وخارجيّة ساهمت في إطلاق الحوار وتسريع المفاوضات بين الدولة التركيّة وحزب العمال الكردستاني لحل المسألة الكرديّة، ويمكن توضيحها بالآتي:

أولًا: الأسباب الداخليّة

    مشروع 2023: يمثّل هذا المشروع الرؤية المستقبلية لحزب العدالة والتنمية؛ إذ يهدف إلى إحداث نهضة اقتصاديّة في تركيّا تجعلها ضمن الدول العشر الأولى من حيث الناتج القومي الإجمالي، ويتطلب ذلك – بحسب أهداف المشروع – إزالة العوائق الداخليّة والخارجيّة، ومن بينها حل المشكلة الكرديّة.

    رغبة أردوغان في تغيير نظام الحكم من نظام برلمانيّ إلى نظام رئاسيّ، ما يتيح له الترشّح لانتخابات الرئاسة عام 2014، واحتمال فوزه بمنصب رئاسي ذي سلطات وصلاحيات أوسع من تلك التي يتولاها الرئيس حاليًا، ومن ثمّ، تمكينه من قيادة تركيّا حتى عام 2022. وتواجه رغبته هذه معارضة شديدة من قبل حزبيّ الشعب الجمهوري والحركة القوميّة، وهو ما أدى إلى فشل لجنة التوافق الدستوري التي تضم جميع الكتل الحزبيّة في البرلمان في الاتفاق على مشروع دستور جديد يُفترض إقراره خريف هذه السنة. وفي حال فشل اللجنة في إتمام مهمتها قبل حزيران/ يونيو القادم، فإنّ حزب العدالة والتنمية سيجد نفسه أمام مسارين: أولهما، إقرار الدستور في البرلمان، وهذا يتطلب ضمان تأييد 367 نائبًا من أصل 550 نائبًا، وهو عدد يصعب توافره في ظل التوازنات الحزبية داخل البرلمان. وثانيهما، الحصول على موافقة البرلمان من أجل عرض مشروع الدستور على الاستفتاء الشعبي. وهذا المسار يتطلب تأييد 330 نائبًا؛ أي أكثر من عدد نواب كتلة حزب العدالة والتنمية في البرلمان (325 نائبًا) بخمسة أصوات. انطلاقًا من ذلك يسعى حزب العدالة والتنمية إلى ضمان تأييد حزب السلام والديمقراطية الكردي الذي يمثله 29 نائبًا، لتحقيق هذا الهدف. في المقابل، يتعهد أردوغان بالاستجابة لمطالب هذا الحزب، ومنها إجراء تغييرات في تعريف الأمة والمواطنة في الدستور التركي الجديد، من أجل فتح الباب أمام حل مستقبلي للمسألة الكرديّة. وبهذا، فهناك دافع شخصي لدى أردوغان يتعلق باستمرار زعامته.

    تداعيات الربيع العربي: فرضت ثورات الربيع العربي على قيادة حزب العمال الكردستاني مراجعة حساباتها وخياراتها في ما يتعلق باعتمادها “الكفاح المسلح” كنهج وحيد للضغط على الدولة التركيّة. وفي ضوء ذلك، كانت هذه القيادة، والمنظمات التابعة لها، ولا سيما اتحاد أهالي كردستان المحظور وحزب السلام والديمقراطيّة، تستعد لإعلان يوم النوروز في 21 آذار/مارس 2013 تاريخ انطلاقة الربيع الكردي في تركيّا. ويمكن لمتابعي الشأن التركي أن يلاحظوا محاولة أردوغان قطع الطريق أمام هذا التوجه من خلال قيامه بجولة في المناطق ذات الأغلبيّة الكرديّة في جنوب تركيّا في 16 شباط/فبراير الماضي؛ إذ حاول فيها الترويج لخطة السلام مع الأكراد. وقد نجح أردوغان في تحقيق هدفه، عندما أعلن حزب السلام والديمقراطية أنّه سيكتفي بتجمع مركزي في مدينة ديار بكر، وهذا ما حصل.

ثانيًا: الأسباب الخارجيّة

    تداعيات الثورة السوريّة: انسحب الجيش السوري النظامي في بداية آب/أغسطس 2012 من المناطق التي تقطنها أغلبيّة كرديّة في المنطقة الشماليّة من سورية (عفرين وقراها)، والشماليّة الشرقيّة (منطقة الجزيرة) المحاذية لتركيّا. ومع انسحابه، أصبحت هذه المناطق تخضع لإشراف الهيئة الكرديّة المشتركة التي تضم (المجلس الوطني الكردي، ومجلس شعب كردستان، وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني في سورية التابع لحزب العمال الكردستاني). وقد خشيت تركيّا أن يُسهم هذا التطور في قيام إقليم كردي على حدودها مع سورية يتصل جغرافيًا وبشريًا بالمناطق الكرديّة في تركيّا والعراق، وأن يشكّل هذا الإقليم حاضنة لمقاتلي حزب العمال الكردستاني في صراعه المسلح معها؛ فجاء التفاوض المباشر مع قيادة هذا الحزب كخطوة استباقية لأي تداعيات مستقبلية محتملة قد تترتب عن سقوط النظام السوري.

    التنافس مع إيران بشأن سورية: قطعت تركيّا علاقاتها السياسيّة والدبلوماسيّة مع النظام السوري منذ أيلول/ سبتمبر 2011، وطالبت بتنحي الرئيس السوري بشار الأسد. كما دعمت تركيّا المعارضة السوريّة، وفتحت حدودها لإمدادات السلاح أمامها، وكذلك للمساعدات الإغاثيّة القادمة إلى سورية. بالمقابل وقفت إيران إلى جانب النظام السوري ودعمته ماديًا ولوجستيًا لمواجهة الضغوط والعقوبات الدولية المفروضة عليه. وفي 24 كانون الأول/ديسمبر 2012، اتهم وزير الداخليّة التركي إدريس نعيم شاهين إيران بدعم مقاتلي حزب العمال الكردستاني من أجل الضغط على تركيّا في الملف السوري. ومن ثمّ، ترى أنقرة أنّ التفاوض المباشر مع أوجلان من شأنه سحب الورقة الكرديّة من توظيفها السياسي من قبل قوى إقليميّة.

    التحالف مع مسعود البرزاني لمواجهة نوري المالكي: تنظر تركيّا إلى الحكومة العراقيّة برئاسة نوري المالكي بأنّها “حكومة تابعة لإيران”، وأنّها حكومة معادية لها. وفي الوقت ذاته، تتهم حكومة المالكي تركيّا بالتدخل في الشؤون الداخليّة العراقيّة، وبأنّها تؤدي دورًا مشبوهًا في إذكاء الفتنة الطائفية في العراق. ونتيجة للعداء والخصام مع المالكي، اتجهت تركيّا، ومنذ عام 2010، إلى تطوير علاقاتها مع رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني في ظل حاجة الأخير إليها من أجل تصدير النفط المنتج في الإقليم عبر الأنابيب التركيّة، ما انعكس سلبيًا على علاقة البرزاني مع حكومة المالكي. لقد عملت تركيّا على توظيف علاقاتها الجيدة مع البرزاني من أجل لعب دور وسيط في المفاوضات بينها وقيادات حزب العمال الكردستاني العسكريّة التي تتخذ من شمال العراق مقرًا لها. والجدير بالذكر، أنّ خارطة الطريق لحل المسألة الكرديّة تتضمن قيام حكومة إقليم كردستان العراق باستقبال مقاتلي هذا الحزب في الإقليم بعد تسليم أسلحتهم. كما ترى تركيّا أنّ نجاحها في تسوية الأزمة الكرديّة بالتعاون مع البرزاني، يمنح الأخير رصيدًا سياسيًا في مواجهة المالكي ويدفعه إلى إقامة تحالفات انتخابية ضده في الانتخابات البرلمانية التي ستجري هذه السنة.

أخيرًا، يمكن القول إنّ الانفتاح على الأكراد، سواء كان تكتيكًا أم إستراتيجيًا، يشكّل فرصةً سانحةً تتوافر لها مقومات موضوعية لحل المسألة الكرديّة في تركيّا، وبخاصة أنّ الظروف السياسيّة داخل تركيّا وخارجها تتطلب تغليب الحل السياسي التفاوضي على استمرار الصراع العسكري. ومع ذلك، فلا يمكن التنبؤ بخواتيم الأمور بشأن مسار حل تلك المسألة، بسبب التعقيدات المتراكمة على مدى قرن من الزمن، ووجود قوى متشددة من الطرفين ترفض الخيار التفاوضي أو التوصل إلى حل وسط؛ لأنّه يتعارض مع مصالحها السياسيّة، والحزبيّة، وتوجهاتها الفكريّة والأيديولوجيّة. بالإضافة الى ذلك، ثمة قوى إقليميّة قد تعمل على عرقلة مسار الحل السياسي لأنّه يتعارض مع مصالحها القوميّة، أو استخدام ذلك الصراع للضغط على تركيّا في ملفات سياسيّة، أو استهداف دورها الإقليمي المتنامي في المنطقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى