صفحات العالم

تركيا وروسيا.. كيف تعيد التحالفات الجديدة تشكيل المنطقة؟

 

 

ترجمة وتحرير شادي خليفة – الخليج الجديد

يشهد الشرق الأوسط تحولا شاملا قد يغير قواعد الحرب والسلام والاستقرار، ليس في المنطقة فحسب، وإنما في العالم أيضا. ويقود هذا التحول الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» والرئيس التركي «رجب طيب أردوغان».

وقد وقعت تركيا اتفاقا مع روسيا لشراء نظام الصواريخ المضادة للطائرات من طراز إس-400 الأكثر تطورا فى العالم، فى صفقة تقدر قيمتها ب 2.5 مليار دولار. ويهدف هذا التحرك إلى إقامة تحالف استراتيجي بين البلدين، وهو مؤشر على الضغط الذي تمارسه أنقرة على الغرب، وخطتها الاحتياطية المحتملة للتحالف مع روسيا بعد انضمامها إلى الناتو لمدة 55 عاما. ويوجد في نظام إس-400 مجموعة من الصواريخ يصل مداها إلى 400 كيلومتر (248 ميلا)، ويمكنها إسقاط ما يصل إلى 80 هدفا في وقت واحد، ويتم استهداف الهدف الواحد باثنين من الصواريخ.

وقال «فلاديمير كوزين»، المستشار العسكري لـ«بوتين»، إن التعاقد مع تركيا بشأن منظومة إس-400 «يتفق تماما مع مصالحنا الاستراتيجية». وأضاف أن العقد تم توقيعه، وقدمت تركيا دفعة مقدما. وهكذا، تجري الاستعدادات لتلقي تركيا الدفعة الأولى من هذه الصواريخ. وقد أكد «أردوغان» الاتفاق الذي أثار قلقا في واشنطن وبروكسل، وخصوصا عندما قال الرئيس التركي «نحن الوحيدون المسؤولون عن اتخاذ إجراءات أمنية للدفاع عن بلادنا».

وعلاوة على ذلك، كانت إيران قد وقعت اتفاقا مماثلا للحصول على نظام صواريخ إس-300 الأقل تطورا. ومع ذلك، كان على طهران الانتظار عدة أعوام قبل تسلمها النظام قبل بضعة أشهر بسبب الحظر. وفي حالة تركيا، قد يكون هذا مختلفا. فهي ليست خاضعة للعقوبات، ولم يتم اتهامها حتى الآن بتمويل الإرهاب ودعمه، وتعتبر حليفا للغرب وعضوا مؤسسا بحلف شمال الأطلسي (الناتو).

ولدى تركيا ثاني أكبر جيش في حلف الناتو، ومنذ إسقاط طائرة روسية فوق سوريا عام 2015، تعمل أنقرة على إقامة علاقات أوثق مع روسيا، بعد أن تدهورت العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. وقد أعلن «أردوغان» مرارا معارضته للدعم العسكري الأمريكي للمقاتلين الأكراد السوريين، مستشهدا بصلتهم بالمتمردين الأكراد في تركيا.

حلفاء جدد

وتنبع أهمية هذه الصفقة من عنصرين رئيسيين. أولا، رفضت روسيا بيع النظام إلى (إسرائيل) مرات عديدة. وثانيا، لم تنجح الزيارات المتكررة للمسؤولين الإسرائيليين إلى موسكو في إقناع القيادة الروسية بعدم بيع النظام إلى إيران وتركيا. ولم تكن القيادة الروسية لتقرر بيع هذه الأنظمة الصاروخية، جوهرة تاج صناعتها العسكرية، ما لم تكن إيجابية في تحالفها الاستراتيجي الجديد مع تركيا، ورغبة الأخيرة في تحويل ظهرها إلى الغرب والنظر شرقا نحو روسيا و الصين.

ويتحدث المقربون من «بوتين» الآن عن تغيير كبير في موقف الرئيس الروسي، مع التركيز على الحاجة إلى تحالف استراتيجي بين المسلمين و«الرومان»، والرومان، في عيون بوتين، هم الروس الأرثوذكس، مع وجود الكنيسة الأرثوذكسية الروسية كمركز ثقل. (تعتبر روسيا نفسها الوصي على المسيحيين الأرثوذكس في العالم، وخاصة في الشرق الأوسط). ويمتد التحالف المقترح من القسطنطينية (إسطنبول الحالية) إلى موسكو، ويشمل روسيا وإيران وتركيا. وسيساعد التحالف الجديد في منع سقوط سوريا في أيدي الأمريكيين، ويشمل منع قيام دولة كردية. ويبدو أن «أردوغان» يشترك في نفس الرؤية مع «بوتين»، كما يتبين من تعاونهما خلال محادثات أستانة وإنشاء منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب، بالقرب من الحدود التركية.

وتتقبل روسيا، ضمنا على الأقل، أي عملية تركية كبرى ضد الأكراد في المنطقة. وقد تبلور هذا خلال اجتماع أستانة الأخير، عندما أذنت موسكو للقوات التركية بالتدخل في إدلب. ويعد هذا ضوءا أخضرا آخر لتركيا للمشاركة في السيطرة على المناطق القريبة من حدودها مع سوريا، من إدلب إلى البوكمال في شمال شرق سوريا، التي تخضع لسيطرة القوات الكردية.

ومنذ بداية عام 2017، مع بدء المحادثات في أستانة، لعبت مشاركة روسيا وإيران وتركيا، جنبا إلى جنب مع ممثلي الفصائل السورية المسلحة ووفد من الحكومة السورية، دورا رئيسيا في التوصل إلى وقف إطلاق النار في معظم مناطق سوريا. ولم تكن الولايات المتحدة ممثلة في الاجتماع منذ البداية، لكنها حضرت في وقت لاحق. غير أن «هيذر نويرت» المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية قالت إن الأمريكيين كانوا دائما حذرين بشأن اتفاق أستانة بشأن مناطق خفض التصعيد في سوريا. وأضافت أن الولايات المتحدة لديها «سبب لتوخي الحذر»بشأن فرص نجاح الاتفاق.

وأظهرت تعليقات «أردوغان» في قمة منظمة التعاون الإسلامي الأخيرة أنه يعتزم تخفيف حدة التوتر مع رئيس النظام السوري «بشار الأسد»، عندما قال الرئيس التركي إن سوريا مهد الحضارة في المنطقة ولا ينبغي السماح للقوى الأجنبية بإعادة تشكيلها.

وقد يدفع هذا إلى تشكيل تحالف من أربع دول بين روسيا وسوريا وإيران وتركيا. ومن المحتمل أن ينظر التحالف الجديد في هجوم على إدلب لتحريرها من مقاتلي جبهة النصرة، بعد انتهاء معركة دير الزور. وبالتالي، ستواصل موسكو بلا شك الاستفادة من علاقتها مع طهران وأنقرة لتشكيل هذا التحالف، لتخفيف العقوبات المفروضة على روسيا وإيران من جهة، وإغراء تركيا بعيدا عن حلفائها الغربيين.

وعلى الرغم من أن كل من روسيا وإيران يتقاسمان تاريخا معقدا، إلا أن ما يجمع بين البلدين هو مصلحتهما المشتركة للحد من النفوذ الأمريكي والغربي في الشرق الأوسط. وقد وضعت طهران وموسكو جانبا خلافاتهما، واختارا التعاون في مختلف المجالات، بما فى ذلك الطاقة والتجارة. وتبين دراسة أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ما يلي:

«تهيمن الطاقة والتجارة على العلاقات الاقتصادية بين تركيا وروسيا وإيران. ولا تزال العلاقات الاقتصادية بين تركيا وروسيا مفيدة للطرفين. ومع ذلك، سيصعب على البلدين تحقيق الهدف بالوصول إلى 100 مليار دولار كإجمالي لحجم التجارة المتبادلة. وتعد تركيا ثالث أكبر سوق للغاز الروسي، وتستورد أيضا كميات كبيرة من البترول والفحم والمنتجات البترولية. ويتابع البلدان التعاون في تطوير الطاقة النووية، وقد يقومان بربط الشبكات الكهربائية حول البحر الأسود. وفي حين أن هناك فرصا اقتصادية كبيرة في روسيا وآسيا الوسطى، لا تزال تركيا غير قادرة على تغيير توجهها الاقتصادي والسياسي الخارجي بعيدا عن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة».

ومن ناحية أخرى، اتبعت إيران سياسة عملية لبناء علاقات اقتصادية وتجارية أوثق مع جيرانها المباشرين لتعزيز التعاون الإقليمي وتعزيز الأمن وخفض آثار العقوبات الدولية. وقد أدى ذلك إلى تقديم الدعم العسكري والاقتصادي والسياسي الروسي لإيران على الساحة الدولية. وكان تتويج هذا التعاون واضحا في أغسطس/آب عام 2016، عندما فاجأ الروس العالم حين استخدموا قاعدة همدان الجوية الإيرانية لضرب أهداف في سوريا. وكانت هذه هي المرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية التي تستخدم فيها دولة أجنبية قاعدة عسكرية إيرانية.

ليبيا أيضا

وبالمثل، يزداد مع الوقت موطئ قدم موسكو في ليبيا، مع دعم «بوتين» بشكل متزايد للجنرال «خليفة حفتر»، (يعارض حفتر حكومة الوفاق الوطني التي تم التوصل إليها بوساطة الأمم المتحدة والمعترف بها دوليا في طرابلس). وقد قام الجنرال بزيارات عديدة لروسيا في الأشهر القليلة الماضية سعيا للحصول على دعم عسكري وسياسي للسيطرة على كامل البلاد. وبعد سقوط نظام «معمر القذافي» في أكتوبر/تشرين الأول عام 2011، فقدت روسيا ليس فقط مليارات الدولارات من الاستثمارات، ولكن أيضا وصولها إلى ميناء بنغازي. وتعتبر روسيا حفتر عنصرا رئيسيا في وصولها إلى ليبيا من جديد. وعلاوة على ذلك، قدمت روسيا إلى حكومة طبرق الخبرة العسكرية، وفي مايو/أيار عام 2016، طبعت روسيا 4 مليارات دينار ليبي (2.8 مليار دولار) لمصرف ليبيا المركزي، حيث نقلت الأموال إلى حفتر في وقت لاحق.

وهناك مسألة مهمة أخرى، وهي أن «بوتين» و«حفتر» يتشاركان في استغلال قطاع الطاقة الليبي، للتأثير على تحديد أسعار النفط والغاز في العالم. ويعد هذا تفكيرا استراتيجيا لـ«بوتين»، حيث يرغب في السيطرة على قطاعي الغاز والنفط العالمي من أجل التحرر من الضغوط التي تفرضها عليه بلدان أخرى.

وتعد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا آخذة في التغير، ويجري إعادة رسم خريطة التحالفات والائتلافات بسرعة، في وقت يتعرض فيه مصير دول كثيرة في الشرق الأوسط للخطر. وقد تؤدي العديد من التحركات والصدامات السياسية إلى حروب بالوكالة، وربما إعادة ترسيم الحدود لدول جديدة في أجزاء من العراق وتركيا، مع إقامة شراكات جديدة تحدد مستقبل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لعقود قادمة.

المصدر | فير أوبسرفر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى