صفحات سوريةفايز ساره

تركيا وسوريا: حرب قد تشعل السهل كله


فايز سارة

أغلب التوقعات قالت ان احتمال حرب تركية ـ سورية هو أمر مستبعد. ودلل أصحاب تلك التوقعات على صحتها بالقول، ان الحرب تقابل في الداخل التركي بمستوى من المعارضة في أوساط سياسية وشعبية، كما انها تقابل بمعارضة في المستوى الاقليمي الذي يتخوف من نتائج حرب، لا يمكن تقدير تداعياتها في منطقة هشة وقابلة لانفجارات لا تحتاج سوى فتيل صغير، كما ان ثمة اعتراضات على حرب تدخلها تركيا من جانب شركاء الاخيرة في حلف شمال الاطلسي الذي لديه تحفظات في موضوع حرب في المنطقة، بما فيها حرب، هدفها إسقاط النظام في سوريا على الرغم مما يظهره أركان في الحلف من خصومة لنظام دمشق، ورغبة في إطاحته، ناتجة من معارضة سياساته وممارساته الدموية في مواجهة ثورة السوريين، إضافة الى أسباب تخص الخصوم أنفسهم.

غير ان العوامل السابقة التي تمنع اندلاع حرب تركية ـ سورية، تبدو غير كافية لدفع تركيا وسوريا عن خوض حرب محدودة أو خفية، حرب يجري خوضها على جبهات متعددة سياسية واقتصادية وعسكرية ايضاً، ولا يحتاج متابعو العلاقات التركية ـ السورية وتطوراتها الى جهد كبير للإمساك بخلفيات تلك الحرب ولا بمؤشراتها البينة.

لعل أهم المؤشرات في الجانب السياسي، هو استمرار الاشتباك السياسي بين الجانبين، وخاصة لجهة استمرار الأتراك في موقفهم المناهض لنظام دمشق وسياساته، وإصرارهم على دعم معارضته في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وكذلك في حصول حكومة أردوغان على تفويض البرلمان إرسال قوات خارج الحدود، وحتى في التصريحات التي قيل انها دليل ليونة تركية في الموقف من دمشق، وكانت منها الدعوة لهدنة ووقف إطلاق النار في سوريا بمناسبة عيد الاضحى، لم ينس المسؤولون الاتراك التنديد بسلوك النظام الذي يقتل شعبه، تأكيداً لاستمرار الهجوم السياسي الذي تتابعه أنقره حيال دمشق، ولا تتأخر الثانية في الرد عليه وصولاً الى تحميل تركيا مسؤولية كل ما يحصل في سوريا.

والحرب في الجانب الاقتصادي قائمة، ولعلها دخلت ميادين جديدة، الابرز فيها أمران، أولهما وقف الاستجرار السوري للكهرباء التركية في إطار الربط الكهربائي الاقليمي، والاستعاضة عنها بكهرباء تأتي من ايران عبر العراق، وهو إجراء لا يجعل سوريا خارج إطار ضغط سياسي ـ اقتصادي تركي فقط، بل يلحق ضرراً جديداً بالموارد التركية من تصدير الكهرباء الى سوريا، ربما تقارب قيمته أو تزيد عن مبلغ مئة مليون دولار كما كان في العامين 2007 و2008، كما يمكن القول إن منع الطائرات التركية (مقابل منع الطائرات السورية) من عبور الأجواء السورية سيكلفها زيادة خمسة وعشرين بالمئة من تكلفة الرحلات والمحصلة مبالغ كبيرة، وهذه ليست سوى مؤشرات، يمكن أن يضاف اليها إنفاق تركيا أكثر من ثلاثمئة مليون دولار على اللاجئين السوريين، ممن بدا وكأن السلطات السورية تدفعهم دفعا نحو تركيا، وهذه الكلفة مرشحة للزيادة مع استمرار تدفق اللاجئين.

واذا كانت مؤشرات حرب أنقرة – دمشق في الجانبين السياسي والاقتصادي محدودة أو متواضعة، فإن المؤشرات العسكرية تبدو مختلفة، سواء المباشر منها أو غير المباشر، ففي المؤشرات الاخيرة هناك حشود عسكرية كبيرة، لم يسبق لها مثيل من قبل، حيث ارتفع عدد الدبابات التركية الى أكثر من ثلاثمئة دبابة، ووضعت الطائرات F15 التركية في المطارات الاقرب الى الاراضي السورية، التي شهدت بدورها حشوداً، وان يكن بمؤشرات أقل مع تحاشي اقتراب الطائرات السورية من خط الحدود تجنباً لإسقاطها من الجانب التركي، لكن الاهم من المؤشرات السابقة، هو عمليات القصف السوري، والرد التركي المقابل والمتصاعد. وقد بيّن تقرير مقرب من مصادر عسكرية تركية، أن الجيش التركي أطلق قذائف على سوريا قرابة تسعين مرة في الاسبوعين الاخيرين، فقتل جنوداً سوريين، ودمر دبابات في إطار ما أسماه التقرير «الرد» على سقوط قذائف مدفعية على الاراضي التركية.

في الجانب التركي، يوفر الاشتباك الحالي لتركيا مستوى من المصداقية والجدية لمواقف حكومة أردوغان، التي اضطرت منذ بداية الأزمة مع سوريا الى بلع تهديداتها ووعيدها بسبب عدم قدرتها على فعل حاسم ضد حكومة دمشق، وهي تثبت في موقفها الراهن تأييدها لمعارضي تلك الحكومة، وانها قادرة على رد وردع محاولات الحكومة السورية ملاحقة خصومها الى داخل الاراضي التركية، وهي إضافة الى ما سبق، تمهد لتكون رأس حربة لتدخل عسكري دولي هدفه إسقاط النظام في دمشق، سواء جرى التدخل من داخل مجلس الامن وبقرار منه، أو من خارجه بواسطة «الناتو» الذي تحتل أنقرة أحد أهم مقاعده. وفي كل الأحوال، فإن الحرب قائمة على الجبهة التركية السورية اليوم، ويمكن أن تتطور في أية لحظة من حرب محدودة الى حرب شاملة، ذلك ان اللعب بالنار، ربما يشعل السهل كله.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى