صفحات مميزةعلي العبدالله

تساؤلات حول الموقف الأميركي من الثورة السورية


علي العبدالله()

بين القول بأن على الاسد التنحي، والقبول بخطة المبعوث الدولي العربي، واعتبار الحوار بين النظام وجميع اطياف المعارضة الذي ورد في الخطة، للاتفاق على حل سياسي، مخرجاً من الانزلاق الى حرب اهلية، فجوة واسعة. فما الذي يحكم الموقف الاميركي من الثورة السورية وما هو خيار واشنطن السوري؟.

في البداية يجب ان نقر ان محددات السياسة الأميركية في منطقتنا هي: النفط، وتدفقه بسلاسة ودون عراقيل، وباسعار مقبولة، وأمن إسرائيل. وان كلا الهدفين محقق بوجود النظام السوري. غير أن هذا النظام ارتكب، من وجهة نظر أميركا، خطيئة التحالف مع إيران، ومع حركات إرهابية- بالنسبة لقضية الإرهاب لدى أميركا تصنيف يشتمل على أصناف: جماعات إرهابية، ودول ترعى الإرهاب، ودول تتبنى عقيدة تولد الإرهاب، وقد وضعت سوريا أيام بوش الابن في خانة دولة ترعى الإرهاب وتتبنى عقيدة تولد الإرهاب – وقد قام رئيس النظام الحالي، في إطار العلاقة مع إيران، بنقلة إضافية جعلت سوريا تابعة لإيران، حولها إلى ورقة إيرانية في الحسابات الإقليمية والدولية.

على هذه الخلفية يمكن تحديد الأهداف التي تسعى أميركا لتحقيقها من تعاطيها مع الملف السوري: إعادة سوريا إلى موقعها في الدائرة العربية، وفي موقع قريب من الدول التي توصف بالاعتدال، والهدف تطويق إيران والحد من طموحها الإقليمي، وحشر حزب الله ودفعه للتحول إلى حزب سياسي لبناني. وهذا قد يتحقق دون اسقاط النظام، حيث يمكن تحقيقه بإضعافه، ودفعه لقبول صفقة تخرجه من موقعه الحالي إلى الموقع المطلوب، مع إجراء تعديل على بنيته السياسية: تعددية شكلية أو مسيطر عليها. فإسقاط النظام ليس مطروحا على جدول اعمال اميركا إلا اذا رفض النظام الصفقة وتمسك بعلاقاته الايرانية.

اما العوامل التي تحكم الموقف الاميركي الراهن فيمكن تحديدها بالمصالح القريبة والبعيدة. ففي المصالح مستويات آنية قريبة وأخرى بعيدة، مع ملاحظة تداخلها وترابطها بحيث لا يمكن الفصل بينها. في المستوى الأول القريب – هناك نظام معروف بالنسبة لواشنطن، فقد سبق وتعاملت معه، ولعب ادواراً مفيدة، وقدم خدمات كبيرة مثل ضرب منظمة التحرير الفلسطينية وتدمير المشروع الوطني الفلسطيني، واستنزاف عراق صدام حسين، وتهديد الاردن، وابتزاز دول الخليج… الخ، وقدم النظام السوري – معلومات مفيدة عن الحركات الإرهابية. لذا فان بقاءه معدلا ينطوي على نقاط مفيدة في التعاطي معه خاصة لجهة عقد تسوية مع إسرائيل. فإذا نجحت عملية إبعاده عن إيران فسيصبح ضعيفا وقابلا للتشكيل كعجينة طيعة، بينما دعم وصول بديل إلى السلطة ينطوي على مغامرة. فالمعارضة السورية متعددة المشارب السياسية، وموقفها من إسرائيل غامض، فهي تتحدث عن استعادة الجولان بالطرق المشروعة كجزء من برنامجها المستقبلي، وهذا قد يفجر حروبا جديدة في الشرق الأوسط تهدد امن إسرائيل، وترفع أسعار النفط، إن لم تؤد إلى وقف تدفقه لفترة من الزمن. وإذا ربط هذا مع احتمال وصول الإسلاميين إلى السلطة في سورية، وهو احتمال قوي، فان الدائرة حول إسرائيل ستغلق على أنظمة إسلامية ما قد يعنيه ذلك من انفجار حروب على خلفية دينية يكون الإسلام السني الاكثري رأس حربتها. وهذا خطر حتى على الدول العربية المعتدلة، وعلى النفط وتدفقه وأسعاره من جهة ومن جهة ثانية فان احتمال امتداد تأثيره إلى المناطق الإسلامية الأخرى ،خاصة آسيا الوسطى، كبير، وخطير على المصالح الأميركية الإستراتيجية والنفطية كذلك.

أما على المستوى الثاني- البعيد- فإنها تسعى الى التعامل مع مخاوف العرب من تنامي النفوذ الإقليمي الإيراني، إلى إشعال حريق عربي ايراني بجعل مواجهة ايران اولوية، واستثمار ذلك في اضعاف الموقف الايراني التفاوضي واجبار ايران على القبول بحل لملفها النووي بصيغة تستجيب للمطالب الاميركية الاوروبية وتحد من الطموحات الايرانية بالتحول الى قوة اقليمية عظمى، كما تسعى واشنطن – الى صدام عربي روسي يبعد الروس عن المنطقة، وهذا قد يقود إلى حرب أسعار في مجال الطاقة يخفض الأسعار، وما يترتب على ذلك من ايجابيات مباشرة : الحصول على نفط باسعار منخفضة، وخفض العائدات المالية الروسية، وهذا سينعكس على قدرات روسيا العسكرية والتنموية، ويحد من إمكاناتها على العمل في الساحة الدولية (يمكن سحب هذا السيناريو على الصين مع إلحاق ضرر اكبر بها، نتيجة احتياجاتها المتزايد للطاقة، بحرمانها من الحصول على النفط من الخليج والحد من نموها واضعاف قدرتها على المنافسة الاقتصادية).

تقودنا المواقف والتصريحات الاميركية المتضاربة الى استنتاج السيناريوهات التي تعمل عليها وهي سيناريو رئيس، وآخر احتياطي، اما الرئيس فالسعي لإضعاف النظام ومساومته على ثمن بقائه معدلا، معدلا هنا ليست من أجل الشعب السوري بل من أجل صورة أميركا لأنها تريد أن تظهر بمظهر من عمل على تحقيق التغيير الديمقراطي في سوريا، فالتصريحات عن مخاطر التدخل العسكري، والتذرع بقدرات الجيش السوري التي أعلنها البنتاغون، والحديث عن المعارضة الضعيفة، وغير الموحدة، والتخوف من حرب أهلية في حال تسليح المعارضة، وتسلل القاعدة الى سورية، كلها قنابل دخان، ذلك إن الهدف المرحلي لواشنطن هو استنزاف النظام وانتظار لحظة نضوجه للمساومة، وقبوله بشروط البقاء التي ستعرض عليه، فإذا قبل بالصفقة الرزمة، بما فيها تعديلات هيكلية وسياسية، فسيسوق الاتفاق على انه تحقيق لمطالب الثورة في التغيير الديمقراطي. وأما إذا رفض ونجح، بمساعدة روسية إيرانية، في الدفاع عن بقائه في وجه الثورة الشعبية فان السيناريو البديل، والذي المح إليه وزير الدفاع الأميركي في شهادته أمام الكونغرس (خطط عسكرية جاهزة) ألا وهو التدخل جاهز والراية جاهزة: إنقاذ الشعب السوري من نظام يقتله. سيأتي التدخل بعد أن يكون عدد الشهداء قد ارتفع، كما هو متوقع في الشهور القادمة، إلى رقم فلكي، ناهيك عن تدمير شبه كامل للبنية التحتية السورية على يد النظام خلال محاولته سحق الثورة.

وهذا يفسر التأرجح والنوسان الأميركي في تعامله مع الثورة السورية وتطوراتها وعدم وجود خط واحد يحكم هذا التعامل بحيث يركز على هدف محدد ويصعد بالضغط من اجل تحقيقه، فبعد إدانة ممارسات النظام وجرائمه والسعي لعزله سياسيا، وفرض عقوبات اقتصادية للتأثير على قدراته الاقتصادية والتعبوية،وفرض عقوبات شخصية على مسؤولين أمنيين وعسكريين، وتاليا على سياسيين، في سعي منها لدفعهم لتحدي رئيس النظام أو الانشقاق عنه، والضغط على رئيس النظام برفع الشرعية عن النظام والتلويح بإحالته إلى المحكمة الجنائية الدولية، والتعامل مع المعارضة والتلميح بوجود بديل للنظام، بعد كل هذا عادت واشنطن الى تبني حل سياسي متفاوض عليه بين النظام وجميع اطياف المعارضة كما جاء في خطة السيد انان. وهذا يعني عدم وجود قرار اميركي بإسقاط النظام.

بالطبع سيكون لهذا السيناريو آثار سلبية كبيرة على المواجهة الدائرة في سورية حيث ستمتد المواجهة، وسيتصاعد عنف النظام وبطشه بالمواطنين العزل، وسيسعى لاستغلال المراوحة في المكان، أو التخاذل الدولي، في إنهاء التظاهرات، والقضاء على كتائب الجيش السوري الحر ما سيعني قتل أعداد متزايدة من السوريين، وتدمير الكثير من المدن والبلدات والقرى، ربما يكون خروج سورية من الصراع محطمة جزءاً من الخطة الأميركية بحيث تستغرق عملية إعادة البناء عقودا، وهذا يقلل مخاطر التغيير على إسرائيل. كما سيكون له أثر سلبي مباشر، وان بدرجة أقل، على دول الجوار التي ستستقبل لاجئين وجرحى بأعداد كبيرة، وهذا سيثير لها مشكلات وعدم استقرار نتيجة للتعاطف الذي نشأ بين شعوب هذه الدول مع الشعب السوري، والذي يتوقع أن يزداد مع تزايد عدد الضحايا وتكرار المجازر، ما قد يدفع هذه الدول للانخراط في الصراع بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وهذا سيفيد أميركا بحيث تدير صراعا بالوكالة دون أن تدفع أي ثمن فيه بل قد تستفيد من خلال صفقات السلاح التي ستحتاجها القوى المنخرطة فيه، ناهيك عن تأمين خطوط إمدادها وتموينها… الخ. أما الاثر البعيد والعميق لهذا الموقف فيتوقف على المدة الزمنية التي سيستغرقها الصراع وعلى النتيجة النهائية له ومن سيكون المنتصر ومن سيكون المهزوم محليا واقليميا.

في كل الحالات فان الشعب السوري سيدفع ضريبة دم باهظة ثمنا لتحرره وخلاصه من نظام مستبد وفاسد وتحقيق الاستقلال الثاني: الاستقلال من استعمار داخلي جثم على صدره عقودا.

() كاتب سوري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى