صفحات العالم

تساؤلات عن مصير سورية –مقالات مختارة-

 

تقسيم محتمل لسوريا إلى 6 مناطق/ روبرت فورد

تولّي “المتطرفين” بدلًا عن الأسد، قلق مشروع حتى لو أنه بعيد عن أن يكون واقعيًا، إذ لا “الدولة الإسلامية” ولا النصرة ولا أي فصيل مسلح آخر يمكن أن يسيطر على السلطة بشكل كامل بعد انهيار حكومة الأسد، التي بدأت تضعف ولكنها لن تختفي، في ظل المنافسة الشديدة بين الفصائل المسلحة، التي لا تملك أي منها القوة لتهزم البقية؛ منذ فترة طويلة والوضع على هذا الحال.

حرب المعارضة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”

المثال الأكثر حداثة هو تحرك “الدولة الإسلامية” شمال شرق حلب نهاية أيار الماضي ومهاجمة مقاتليها وتقدمها في المناطق التي تسيطر عليها الفصائل الإسلامية والعلمانية الأخرى.

وكان هجوم مقاتلي التنظيم مخططًا له أو صدفة “رائعة” ليحظى من الغارات الجوية للحكومة السورية، التي هاجمت الفصائل نفسها التي يقاتلها التنظيم.

تقدم مقاتلو تنظيم “الدولة” قرابة 8 كيلومترات في المنطقة، فيما نقل مقاتلو المعارضة الذين يعملون ضد التنظيم معركتهم من غرب حلب إلى الريف الشمالي الشرقي وبدؤوا هجومهم المضاد ضده، ليبعدوا التنظيم بعد أسبوع من بعض المناطق ويسيطروا على مواقع جديدة.

ومن المهم وضع القتال العنيف بين مقاتلي التنظيم وعناصر جبهة النصرة والمقاتلين الإسلاميين الأكثر اعتدالًا الذي جرى في المعركة بعين الاعتبار.

وبالمثل في مخيم اليرموك بدمشق، وهو حي للاجئين الفلسطينيين يبعد حوالي 10 دقائق بالسيارة عن القصر الرئاسي للأسد، كان هناك هجوم للتنظيم أوائل نيسان الماضي وسيطرة شبه كاملة على الحي في غضون أيام قليلة، لتأتي مرة أخرى الفصائل المسلحة الأخرى، والمقاتلون الفلسطينيون هذه المرة جنبًا إلى جنب مع مجموعات أخرى عاملة ضد التنظيم تدعى الجيش الإسلامي وتشن هجومًا مضادًا وتدفعه ببطء خارج المخيم.

حتى وقت كتابة هذه السطور، لازالت “الدولة الإسلامية” تسيطر على بعض المناطق في المخيم، بينما تسيطر الفصائل الفلسطينية والسورية على البقية.

وكان جيش الإسلام سبق وقاتل ضد التنظيم في أحياء أخرى من دمشق مصممًا على بسط سيطرته التامة على الضواحي الشرقية للعاصمة.

أخيرًا، خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، أوقف عناصر الجيش السوري الحر جنوب سوريا تدفق التنظيم الذي كان يتجه شمالًا نحو دمشق من المحور الغربي، في حين أعلن فصيل مسلح آخر ولائه للتنظيم وهو لواء شهداء اليرموك (اسم اليرموك أتى من نصر المسلمين على البيزنطيين)، وحتى وقت كتابة هذه السطور تتقدم عناصر الجيش السوري الحر تقدمًا بطيئًا ولكن بخطىً ثابتة في قتالها غير البعيد عن مرتفعات الجولان.

ومن غير المرجح أن تنهار حكومة الأسد بشكل مفاجئ كما جرى مع نظام صدام حسين، إذ لا تزال قوته الجوية صلبة، ووحداته الأمنية الموالية (بعيدًا عن الخوف من شيء آخر) والدعم الإيراني موجودًا، فضلاً عن قوة حزب الله اللبناني، ومع ذلك فإن ديناميكية حرب الاستنزاف الطويلة تتحول بشكل واضح ضدها.

في نيسان 2013 كان النظام يتراجع، ولكن تدخل حزب الله مع الآلاف من مقاتليه حوّل المد إلى جزر، أما في حزيران الجاري لا يوجد أي عامل واضح جديد لعكس المد المتصاعد ضد الأسد، ما لم تقرر إيران إرسال الآلاف من قواتها البرية إلى سوريا من تلقاء نفسها.

وحتى لو فعلت ذلك، من المرجح أن يكون هناك تحريك أكبر للسلاح والدعم اللوجستي للمعارضة السورية المسلحة من تركيا والسعودية وقطر والتي أحدثت تغييرًا لصالح المعارضة.

في نهاية المطاف، حكومة الأسد وأنصارها هم الأقلية في سوريا، الغالبية العظمى من الشعب السوري لن تعود للحشد بأعداد هائلة لدعم ديكتاتورية جشعة بدأت تضعف، ولكنها ستدعم بدلًا من ذلك المعارضة، أو تقف على الهامش على أمل إنتهاء الصراع الرهيب.

سيناريوهات محتملة في سوريا

هناك ثلاثة سيناريوهات لحكومة الأسد في سوريا، الأول هو أن ترسل إيران قوات جديدة كبيرة لرفع معنويات الأسد المكافح، ما يعيد التوازن بشكل تقريبي في حرب الاستنزاف الجارية مؤقتًا، ومن المرجح أن يكون هذا التدخل هو الوحيد في ظل استمرار القوى الخارجية الداعمة للسنة بدعم المعارضة المسلحة.

ومع وجود موارد مالية جديدة بعد الاتفاق النووي، من الممكن أن تُصعّد إيران من دعمها في ظل مواجهة هذا التصعيد من قبل السنة وبالتالي ستطول الحرب.

في هذا السيناريو الأول ستصبح كل من دمشق واللاذقية ساحات للمعركة ما يؤدي إلى إرسال مزيد من اللاجئين إلى الحدود السورية.

السيناريو الثاني هو أن تخفف إيران من المساعدات التي تقدمها في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة الأسد، ولكنها لن تختفي على أي حال.

وفي ظل كفاحها للبقاء لن يكون لقوات الأسد مكان للهروب، إذ ربما تعاني مؤسستها العسكرية في بعض المناطق أكثر مما عانت سابقًا، ولكن الوحدات العلوية المدعومة من حزب الله ستستمر في القتال.

وضَمِن استمرارهم الفشل الذريع الذي منيت به المعارضة في الوصول إلى معاقل العلويين، (قائد النصرة أبو محمد الجولاني قال للجزيرة في أيار إن الجبهة ستقاتل العلويين حتى يتحولوا إلى الإسلام السني، مثل هذه العقلية تقلل من فرص التوصل إلى اتفاق سياسي).

السؤال الحقيقي هو ماذا ستفعل المعارضة المسلحة؟ هناك العديد من المجموعات المسلحة التابعة لعشرة تحالفات كبيرة، بعضها يحاول تطوير سياسته المشتركة.

وربما معظم الفصائل المسلحة ستتوحد في جبهة سياسية تتخالف تمامًا مع “المتطرفين” كتنظيم “الدولة” وجبهة النصرة؛ عندها ربما تستطيع المعارضة ومن بقي من النظام على قيد الحياة أن تجد طريقها للتفاوض بتشجيع ودعم من القوى الإقليمية.

إذا حققت المعارضة ومن بقي من النظام اتفاقًا (ويمكن للمرء أن يتخيل كم سيكون من الصعوبة الوصول إلى اتفاق)، ربما بتشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة وهذا ما يؤدي بدوره إلى حشد معظم السوريين تدريجيًا لمحاربة “المتطرفين”، ولكن هذا السيناريو يحتمل الكثير من العثرات؛ على أي حال هو غير محتمل.

السيناريو الثالث هو الأكثر احتمالًا. الفصائل المسلحة لن تتوحد في جبهة مشتركة مستدامة بل ستتنافس مع بعضها وضد من بقي من نظام الأسد، وستكون النتيجة مؤقتة على شكل تحالفات عسكرية محلية بين القوات الحكومية المنهارة وفصائل مسلحة معينة، وستسعى كل منها جاهدة على المدى القصير الحصول على أفضلية تكتيكية.

تقسيم محتمل لسوريا إلى 6 مناطق

من المرجح أن تكون النتيجة النهائية تقسيم البلاد بين الفصائل والتحالفات المختلفة إلى 6 مناطق واضحية فعليًا ومن الممكن أن تتحول إلى أكثر من ذلك أيضًا:

1- منطقة يسيطر عليها العلويون وحزب الله المدعومين من إيران وروسيا على طول الحدود مع لبنان على ساحل البحر الأبيض المتوسط.

2- منطقة شمال غرب سوريا التي يسيطر عليها الفصيل المسلح المعروف باسم جيش الفتح والذي يشمل جبهة النصرة ولكنها لا تتحكم به، والمدعوم من تركيا وقطر.

3- سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” على المنطقة الشرقية التي تشكل ثلثي مساحة سوريا.

4- سيطرة الجيش السوري الحر والفصائل المرتبطة به في الجبهة الجنوبية، بدعم من الأردن والسعودية على معظم الجنوب السوري مع وجود جيوب تخضع لسيطرة جبهة النصرة.

5- دمشق تذكرنا ببيروت خلال الحرب الأهلية اللبنانية الفظيعة، كل ماذكر سابقًا من الفصائل بما فيها جيش الإسلام سيسيطرون على أحياء مختلفة في العاصمة.

6- المقاتلون الأكراد الذين استفادوا من الدعم الأمريكي الجوي سيسطريون على مركز الشمال والشمال الشرقي.

ترسيم الحدود لمناطق السيطرة المذكور لن تكون ثابتة وستستمر المناوشات في القتال، وستكون الهدن ووقف إطلاق النار هي القاعدة التي سيُعتمد عليها.

غياب الانخراط الأمريكي بشكل جدي

وليس أي من هذه السيناريوهات يعني سيطرة “المتطرفين الإسلاميين” كتنظيم “الدولة الإسلامية” وجبهة النصرة على سوريا بعد انهيار النظام، ولكن سيطرتها على المناطق المفتتة داخل سوريا لسنوات عديدة. من هنا سينجذب مجندون جدد ويتم تدريبهم ضد الأعداء الداخليين والخارجيين بمن فيهم الولايات المتحدة.

ومن الممكن أن تضغط تركيا على بعض الجماعات “غير المتطرفة” التي خاضت معارك ضد “الدولة الإسلامية” وتجنبت العلاقات مع جبهة النصرة لتطوير موقف مشترك حول مستقبل سوريا، الولايات المتحدة لديها القليل من المشاركة مع هذه المجموعات وتتجنب مساعدتهم ضد التنظيم.

وبدلًا من ذلك حاولت الولايات المتحدة بناء قوة سورية جديدة، من المرجح أن تظهر بعد سنة وهذا ما يزيد من الانقسام داخل صفوف المعارضة إذا نجحت في ذلك.

غياب الانخراط الأمريكي بشكل جدي مع بعض أكبر الفصائل الإسلامية غير المتطرفة التي تقاتل بالفعل على أرض الواقع سيؤدي إلى تقويض نفوذنا، ويجب اتخاذ قرار مدروس من قبل الإدارة التي وصلت إلى السلطة لبحث تعزيز المشاركة الأمريكية مع القوى غير الصديقة.

لطالما تذبذبت الإدارة متجنبة الانخراط الجدي مع أي من الإسلاميين في سوريا مستخدمةً القوة العسكرية بشكل مباشر ضد المتطرفين منهم.

طيارونا لديهم مهام قتالية في سوريا وهناك خطر شخصي عليهم، ومن الغريب أن تفضل الإدارة المخاطر التي يتعرض لها شعبنا بدلًا من محاولتها للمرة الأولى الوصول إلى حل وسطي وتمكين قوة جادة في مواجهة مشكلة التطرف وحكومة الأسد، وهذا هو السبب الجذري للمشكلة في سوريا، وبذلك تبقى الإدارة الأمريكية في سوريا تحاول تحقيق الأهم، و”الدولة الإسلامية” هي مشكلة ثانوية.

لا يمكن تحديد تعريف النجاح ضد “الدولة الإسلامية” في سوريا، أو كم من الوقت ستستمر مهمة سلاح الجو الأمريكي، لأن قوتها لا تعتمد فقط على سلاح الجو الأمريكي ولكن أيضًا على سير المعركة مع الأسد، وهذه هي المعركة التي لا تعالجها الإدارة بشكل مباشر.

سيتمنى أحد لو أن وكالة المخابرات المركزية وبقية الإدارة بدعم من الكونغرس، استخدمت أدوات سياسية إضافية كالمساعدات المادية الجدية للمعارضة الأكثر اعتدالًا، أو ربما حتى فرض منطقة حظر جوي، (وكلاهما مشروط)، وذلك للضغط على الأسد وجلبه إلى طاولة المفاوضات وللتأثير على الحلفاء الإقليميين والعناصر السورية غير المتطرفة على الأرض.

يمكن أن نحاول السير نحو اتفاق سياسي وطني في نهاية المطاف، ومن الصعب التوصل إلى هذا الاتفاق، وهذا يرجح منطقيًا سيناريوهات غير واردة كسيطرة “الدولة الإسلامية” وجبهة النصرة على سوريا، بينما نحن نطير وننفذ غارات جوية لا نهاية لها ضد أهداف التنظيم المنتشرة في الصحاري النائية.

معهد الشرق الأوسط

ترجمة: عنب بلدي

 

 

 

مخرج التسوية: تداعيات انقلاب الموازين العسكرية بسوريا

مركز الجزيرة للدراسات

ملخص

أثارت النكسات المتتالية التي لحقت بقوات النظام السوري حالة من القلق بين خصوم الأسد كما بين حلفائه على السواء، ودفعت بالمعارضة السياسية إلى محاولة الاستثمار في المناخ الجديد لإعادة التركيز باتجاه إعادة إطلاق عملية سياسية تؤدي إلى مرحلة انتقالية تضع حدًّا لنحو أربع سنوات من الصراع الذي أهلك سوريا.

تستطيع المعارضة المسلحة السورية، التي بدت في الآونة الأخيرة وكأنها تفصيل صغير في لعبة مصالح إقليمية ودولية كبيرة، أن تفرض تعديلات على الأجندات الإقليمية والدولية، وهي قادرة أيضًا على تعديل حسابات النظام وحلفائه من خلال العمل الميداني، لكن هذا وحده لا يكفي؛ إذ ستبقى انتصارات المعارضة المسلحة مجرد تطور ميداني معزول وغير ذي دلالة إذا لم تتم ترجمته إلى نتائج سياسية تؤدي إلى حلٍّ يحفظ وحدة سوريا وترابها ويعيد بناءها.

مقدمة

يشهد الوضع الميداني السوري تحولات مهمة منذ مطلع العام الجاري، فقد سيطر جيش الفتح -وهو ائتلاف مكوَّن من عدة فصائل معارضة، أهمها: أحرار الشام، وفيلق الشام، وجبهة النصرة- أواخر مارس/آذار الماضي على مركز محافظة إدلب، وهو ثاني مركز محافظة يخرج عن سيطرة النظام بعد الرقة التي سقطت بيد المعارضة في مارس/آذار 2013 قبل أن يستولي عليها “تنظيم الدولة” ويجعلها عاصمة له. كما استولت المعارضة أواخر إبريل/نيسان الماضي على مدينة جسر الشغور، وهي من أكبر مدن محافظة إدلب، وأكثرها أهمية؛ إذ تحتل موقعًا استراتيجيًّا على الطريق باتجاه الساحل السوري غربًا، وسهل الغاب-حماة جنوبًا. أمَّا في جنوب البلاد فقد سيطرت المعارضة حوالي الفترة ذاتها على مدينة بصرى الشام، معقل حزب الله في سهل حوران، وعلى معبر نصيب، آخر معابر النظام مع الأردن، كما سقط مؤخرًا اللواء 52، الذي يعد أكبر قطعات النظام العسكرية في محافظة درعا، فيما يدور قتال حول مطار الثعلة المشرف على مدينة السويداء، وفي مناطق مختلفة من حلب. في الأثناء تمكَّن تنظيم الدولة من السيطرة على مدينة تدمر، مركز البادية السورية، وشرع يهدد كل من حمص وحماة من جهة الشرق؛ ما جعل مساحة سيطرة النظام تتقلص إلى نحو ثلث أراضي الجمهورية العربية السورية، رغم أن نصف السكان ما زالوا يعيشون في مناطق سيطرته.

تتناول هذه الورقة تداعيات المكاسب الأخيرة التي حققتها المعارضة المسلحة السورية على الأرض، وتحاول تحديد أسبابها وردود أفعال الأطراف الدولية والإقليمية عليها، فضلًا عن آثارها على أطراف الصراع من السوريين (النظام والمعارضة). وتختم الورقة بمحاولة استشراف سيناريوهات تطور المسألة السورية، خاصة فيما اذا كانت التغيرات الأخيرة سوف تؤدي إلى تحريك عملية التسوية المجمدة منذ مطلع العام 2014.

تغير المشهد: انحسار النظام

جاءت التطورات الميدانية الأخيرة بعد سلسلة نكسات تعرضت لها المعارضة المسلحة السورية على امتداد العامين الماضيين، أي منذ سقوط مدينة القصير (ريف حمص) بيد قوات النظام وعناصر من حزب الله في مايو/أيار 2013، ثم إخراج المعارضة من حمص القديمة، وصولًا إلى اقتراب النظام من إحكام الحصار على الأحياء التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في حلب، أملًا بتكرار سيناريو حمص. أمَّا سياسيًّا، فقد شكَّل اتفاق نزع السلاح الكيماوي، وقرار مجلس الأمن 2118 الذي نظَّم عملية تسليمه، مدخلًا لإعادة التعامل دوليًّا مع النظام، الذي شعر بما يكفي من ثقة لتنظيم انتخابات رئاسية من جانب واحد في يونيو/حزيران 2014، فاز بها الرئيس بشار الأسد بنحو 88 بالمئة من الأصوات. ومع صعود “تنظيم الدولة” بعد استيلائه على الموصل، وتبنيه للهجوم على مقر الصحيفة الفرنسية الساخرة شارلي إيبدو في يناير/كانون الثاني 2015، بدأ الحديث الهامس عن إمكانية إعادة تأهيل النظام يتعالى في الدوائر الغربية، إلى درجة دفعت وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الحديث علنًا عن “حتمية التفاوض مع بشار الأسد” (1).

وسط هذه الأجواء جاءت مكاسب المعارضة، لتُدخل تغيرات على المشهدين الميداني والسياسي؛ إذ تمكنت قواتها، مستفيدة من التحسن الذي طرأ على العلاقات التركية-السعودية بعد تسلُّم الملك سلمان دفة القيادة في السعودية، وظهور مناخ سياسي جديد في المنطقة بعد القرار السعودي التدخل في اليمن، من إحداث تغيير نسبي في المعادلات الميدانية على امتداد الجغرافيا السورية. وقد جاءت هذه الإنجازات أيضًا نتيجة تشكيل غرف عمليات مشتركة، تمكنت من رفع مستوى التنسيق الميداني بين الفصائل، وإن لم تؤدِّ إلى توحيدها.

أثارت النكسات المتتالية التي لحقت بقوات النظام حالة من القلق بين خصوم الأسد كما بين حلفائه على السواء، ودفعت بالمعارضة السياسية إلى محاولة الاستثمار في المناخ الجديد لإعادة التركيز باتجاه إعادة إطلاق عملية سياسية تؤدي إلى مرحلة انتقالية تضع حدًّا لنحو أربع سنوات من الصراع الذي أهلك سوريا. أمَّا النظام فتحرك في اتجاهين، الأول: استدعاء مزيد من الدعم العسكري والمادي من إيران، والثاني: الطلب من روسيا إعادة فتح قنوات سياسية برعايتها وتحت إشرافها، وذلك استباقًا لأي تحرك دولي يمكن أن يتجاوز دوره، كما ظهر في البيان الختامي لاجتماع “التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة”، الذي عُقد في باريس مطلع يونيو/حزيران 2015، وأشار إلى عدم جدية نظام الرئيس الأسد بمحاربة تنظيم الدولة، ودعا إلى “إطلاق عملية سياسية شاملة وصادقة من أجل تطبيق مبادئ بيان جنيف” (2).

المستوى الدولي: تقارب المخاوف

دفعت المكاسب التي حققتها فصائل المعارضة المسلحة إلى استئناف الاتصالات الأميركية-الروسية والتي كانت قد انقطعت بعد فشل مؤتمر جنيف2 في فبراير/شباط 2014، وكانت واشنطن اتهمت حينها روسيا بالإخلال بالاتفاق الذي تم التوصل اليه في موسكو في يناير/كانون الثاني 2014 بين وزيري الخارجية الروسي والأميركي؛ حيث تعهد الطرفان بالضغط كلٌّ على حلفائه للتوصل إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي بالتوافق بين النظام والمعارضة، ثم جاءت تطورات الأزمة الأوكرانية وقيام روسيا بضم شبه جزيرة القرم في مارس/آذار 2014 لتقضي على كل فرص التواصل الروسي-الأميركي، إلى أن دفعت التطورات الميدانية الأخيرة إلى استعادتها.

جاء التحرك الأميركي-الروسي الجديد حول سوريا في مسعى للحيلولة دون حصول تصدع أكبر للنظام تحت ضغط المعارضة المدعومة بأجواء وسياسات إقليمية جديدة فرضتها ظروف المواجهة العربية-الإيرانية، وتململ حلفاء واشنطن من سياساتها في المنطقة، وقيامهم باتخاذ خطوات بعيدًا عن التنسيق معها، في ظلِّ توجهٍ سعودي نحو محاولة إسقاط النفوذ الإيراني في سوريا، وإخراجه من اليمن، وتحديده في العراق.

بناء عليه، وفي غمرة التراجع الميداني للنظام أمام المعارضة، وسيطرة تنظيم الدولة على تدمر، قام وزير الخارجية الأميركي جون كيري بزيارة مؤجَّلة إلى موسكو التقى خلالها الرئيس بوتين في الحادي عشر من مايو/أيار الماضي. جاءت الزيارة قبل يومين فقط من قمة كامب ديفيد الأميركية-الخليجية وبعد أيام على اجتماع كيري بنظرائه الخليجيين في باريس حيث استأثر الوضع السوري بجزء كبير من المحادثات. اتفق الطرفان: الروسي والأميركي على أن استمرار الوضع على حاله في سوريا سوف يؤدي إلى النتائج التي طالما زعما أنهما يحاولان تجنبها، وهي انهيار مؤسسات الدولة السورية، وعلى رأسها الجيش والأجهزة الأمنية، وسيطرة تنظيمات جهادية وفي مقدمتها تنظيم الدولة على مقاليد الحكم في سوريا (3).

دفع تقدم المعارضة المسلحة السورية روسيا إلى التخلي عن استراتيجية دعم النظام حتى تحقيق النصر، فأقرَّت بأن لا حلَّ عسكريًّا للصراع في سوريا، ودعت إلى العودة إلى مبادئ بيان جنيف الذي جرى التوصل إليه في يونيو/حزيران 2012، وذلك كخطوة لابُدَّ منها لمنع انهيار سوريا وسقوطها بيد الجماعات الجهادية (4). أمَّا واشنطن فقد بدا وكأنها أدركت خطورة المقاربة التي اتبعتها إزاء الصراع في سوريا، والتي تقوم على فكرة ترك النيران تأكل نفسها حتى تخمد. فمن جهة، ظهر “تنظيم الدولة” وكأنه “باق ويتمدد” رغم الضربات الجوية التي استهدفته منذ ما يقرب من عام، كما بدا من جهة أخرى وكأن واشنطن تخاطر بفقدان السيطرة على مجريات الأمور في سوريا، في ظل تململ حلفائها الإقليميين من سياساتها في المنطقة، واتجاه بعضهم إلى تبني سياسات أكثر استقلالية عن المواقف الأميركية؛ ففي قمة كامب ديفيد التي عُقدت في مايو/أيار 2015، وجمعت الرئيس الأميركي بقادة من دول مجلس التعاون الخليجي، بدت الخلافات بين الطرفين على أشدها، إلى درجة أن أربعة من بين زعماء دول الخليج، أبرزهم العاهل السعودي، تغيَّبوا عن حضور القمة التي دعا إليها الرئيس أوباما لمناقشة السياسة الأميركية والوضع في الشرق الأوسط والخليج. ورغم أن أنباء سرتْ عن غياب موقف خليجي موحَّد خلال القمة، إلا أن دول الخليج جميعًا أعربت عن قلقها من تساهل إدارة أوباما مع تنامي النفوذ الإيراني الذي يهدد بسقوط المنطقة كلها في دوامة الصراع والتطرف (5). وبالتوازي مع توجه السعودية إلى تبني سياسات أكثر هجومية في الذود عن مصالحها بعيدًا عن الرغبات الأميركية، بما في ذلك سعيها إلى تغيير المعادلات الميدانية على الأرض في سوريا قبل انعقاد قمة كامب ديفيد، بدأت فصائل المعارضة المسلحة السورية هي الأخرى تحقِّق قدرًا أكبر من الاستقلالية المالية والتسليحية، في الشمال خاصة، عن غرف العمليات التي تُشرف على تقديم الدعم لفصائل المعارضة ويتحكم الأميركيون بقراراتها، وذلك من خلال سيطرتها على مصادر دخل مهمة بما فيها المعابر الحدودية وحقول النفط والغاز والقمح والفوسفات وغيرها، وتمكُّنها أيضًا من تصنيع جزء لا يستهان به من الأسلحة الفردية والمتوسطة، فضلًا عن سيطرتها على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر من مواقع قوات النظام المنهارة؛ ما منحها استقلالية نسبية عن المدد الخارجي الذي يتحكم الأميركان بتدفقه، وهو ما بدا جليًّا في نتائج المواجهات الأخيرة.

لهذه الأسباب، تحركت واشنطن سريعًا لاحتواء الموقف، وبعد أسبوع على زيارة كيري، وصل إلى موسكو مسؤول الملف السوري في الخارجية الأميركية دانيل روبنشتاين، ونقل إلى المسؤولين الروس تصورًا أميركيًّا لحل سياسي في سوريا لا يستبعد الأسد في مراحله الأولى، وذلك في ظل توقعات عن عودة فريق المبعوث الأممي السابق إلى سوريا، كوفي عنان، للإشراف على تطبيق بيان جنيف وفق قراءة توافقية روسية-أميركية، ما زالت بحاجة إلى دعم القوى الإقليمية (6).

تنامي الدورين الإيراني السعودي

بمقدار ما شكَّلت مكاسب المعارضة الأخيرة ترجمة لأجواء التقارب السعودي-التركي-القطري، أثارت هذه الانتصارات حالة من القلق في طهران. وكانت أنباء تواترت عن قيام وزير الدفاع السوري، فهد جاسم الفريج، أثناء زيارته الطارئة إلى إيران، بعد سقوط مدينتي إدلب وجسر الشغور مطلع شهر مايو/أيار الماضي، بطلب تفعيل معاهدة الدفاع المشترك التي تم التوصل إليها عام 2006، والتي تشمل بندًا ينص على أن أي “هجوم على سوريا يعد بمثابة هجوم على إيران”؛ ما يتيح إرسال قوات إيرانية إلى سوريا في حال طلبت الأخيرة ذلك (7).

ولم يتأخر الرد الإيراني على طلب النظام السوري؛ إذ قامت طهران بإرسال بضعة آلاف من قوات الحرس الثوري والميليشيات الأجنبية التابعة لها للمساعدة في الدفاع عن معقل النظام في الساحل والعاصمة دمشق، ومحاولة قلب المعادلات الميدانية في الجنوب السوري، في محاولة للإمساك بورقة الصراع مع إسرائيل، والتي تعد ذات أهمية خاصة بالنسبة لموقع إيران ونفوذها الإقليمي. لكن إيران التي سارعت لمنع حصول ما يشبه “تأثير الدومينو” لمواقع سيطرتها في سوريا، بدأت تدرك من جهة أخرى أن انتصار النظام وقدرته على العودة للإمساك بالبلد كما كانت عليه الحال قبل مارس/آذار 2011 قد أصبح مستبعدًا جدًّا بعد سلسلة النكسات الأخيرة؛ ما حدا بها إلى التفكير بطريقة لحماية استثماراتها السورية من أي طارئ؛ فمن جهة وافقت إيران على نجدة الأسد، لكنها طلبت في المقابل الحصول على ضمانات سيادية من الدولة السورية على شكل عقارات وأراضٍ وموانئ ومطارات وثروات طبيعية متنوعة لضمان سداد الأموال التي قدمتها للنظام السوري طوال فترة الأزمة على شكل قروض ميسرة أو خطوط ائتمان (8). وقد طلبت إيران ذلك بعد أن انحسرت سيطرة النظام عن الجزء المنتِج من سوريا (حقول النفط والغاز والقمح الواقعة في الشرق والشمال الشرقي والبادية السورية)، وباتت سيطرته تقتصر على الجزء المستهلِك (الشريط الغربي من البلاد)؛ ما زاد من حجم الأعباء الاقتصادية المترتبة على إيران والتي ما زال يتعين عليها التوصل إلى اتفاق دائم حول برنامجها النووي قابل للتحقق من تنفيذه قبل رفع العقوبات الاقتصادية عنها(9).

تنظيم الصفوف

وضعت التغيرات الميدانية الأخيرة النظام في موقف صعب؛ إذ بدأت الثقة بقدرته على الصمود بين حلفائه تتضعضع، كما أخذت قاعدة دعمه تتململ نتيجة الخسائر الكبيرة التي تعرضت لها منذ سقوط مطار الطبقة بيد تنظيم الدولة في سبتمبر/أيلول 2014، واتضاح عجز النظام على تحقيق انتصار عسكري شامل. وفضلًا عن طلب النجدة من إيران لاحتواء مفاعيل التراجعات الأخيرة، لجأ النظام إلى حليفه الروسي أيضًا ليس فقط لتأمين دعم عسكري، وهو ما طلبه وزير الداخلية إبراهيم الشعار عندما زار موسكو في شهر مايو/أيار الماضي، بل لطلب المساعدة أيضًا في عقد نسخة ثالثة من “منتدى موسكو” التشاوري مع ممثلين من المعارضة، كما كشف نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف (10). ومن خلال هذا الطلب يسعى النظام إلى معرفة حدود التوافق الروسي-الأميركي على حلِّ الأزمة السورية، من جهة. ومن جهة أخرى، سوف يقوم على الأرجح بطرح بعض الأفكار (تنازلات محدودة) يقبل بها جزء من “المعارضة” -التي يقلقها تنامي قدرات فصائل المعارضة المسلحة أكثر مما يقلقها استمرار النظام- وذلك لتأهيله إقليميًّا ودوليًّا، باعتباره حامي الأقليات والأقدر -بحكم خبرته الطويلة- على التعامل مع الجهاديين.

أمَّا المعارضة السياسية فقد سارعت إلى الاستثمار في النكسات الأخيرة التي تعرض لها النظام، فراحت تعقد المؤتمرات والاجتماعات أملًا في التغلب على انقساماتها وتأكيد دورها في رسم مستقبل سوريا. وفيما قاطع الائتلاف مشاورات جنيف التي يُجريها المبعوث الأممي، ستيفان دي مستورا، باعتبار أن مساعيه تهدف إلى تشتيت المعارضة، والتزامًا بقرار الفصائل العسكرية بالمقاطعة، تم عقد اجتماع في عينتاب في 25 إبريل/نيسان الماضي جمع لأول مرة زعماء أهم الفصائل المسلحة على الأرض مع قادة من الائتلاف الوطني, جرى خلاله الاتفاق على العناوين الرئيسة لأي حلٍّ سياسي، خصوصًا رفض بقاء نظام الأسد. لكن تعقيدات كثيرة ما زالت تعترض سبيل التوصل إلى اتفاق لإنتاج ممثل سياسي حقيقي للمعارضة السورية يرتكز إلى قوة عسكرية على الأرض؛ فقد فشلت المحادثات التي عُقدت مؤخرًا في عمان بين وفد «الائتلاف الوطني» ومسؤولين في «الجبهة الجنوبية» في التوصل إلى اتفاق لإدماج الفصائل المقاتلة في الائتلاف الوطني في إطار عملية توسعة وإعادة هيكلة لمواجهة متطلبات المرحلة القادمة. ويُتوقع أن يكون إنشاء جسم سياسي، يمثِّل مِن بين ما يمثل القوى العسكرية على الأرض، أحد أهداف الدعوة إلى عقد مؤتمر موسع للمعارضة السورية في الرياض هذا الصيف؛ اذ تسعى السعودية، ومن ورائها قطر وتركيا، إلى جمع أطياف المعارضة السورية للخروج برؤية موحَّدة لإنهاء الصراع، والاتفاق على محددات المرحلة الانتقالية ومستقبل البلد، بما فيها نظام الحكم ووضع الأقليات وغيرها من المسائل التي ينبغي على المعارضة تقديم رؤى بشأنها، حتى ينشأ بديل مقنع لكل من نظام الأسد و”تنظيم الدولة”، وبما يدفع باتجاه تسريع حلِّ الأزمة.

سيناريوهات المرحلة المقبلة

في ظل المكاسب الميدانية التي حققتها المعارضة المسلحة السورية في الفترة الأخيرة والحراك السياسي الذي استتبع ذلك، تبدو المسألة السورية أمام أحد السيناريوهات الثلاثة التالية:

سيناريو الحل التوافقي: ويُترجم هذا السيناريو بنشوء تفاهم دولي (روسي-أميركي) للدفع باتجاه قراءة توافقية لتطبيق بيان جنيف. هذا التفاهم سوف يحتاج بالطبع إلى تعاون أطرف الصراع الإقليميين سواء من أصدقاء المعارضة (السعودية وتركيا وقطر) أو حلفاء النظام (إيران) للضغط على أطراف الصراع السوريين للقبول بمثل هذا الحل. وفي حال توافر عناصر هذا السيناريو، سوف نشهد على الأرجح استئناف مسيرة جنيف بنسخة ثالثة يشارك فيها الإيرانيون هذه المرة، بدفع من المبعوث الأممي ستيفان دي مستورا، أو مَن يخلفه. هذا السيناريو سوف يكون مدفوعًا بحسابات عقلانية لمختلف اللاعبين الخارجيين في الأزمة السورية ونابع بالدرجة الأولى من مخاوف من انزلاق سوريا نحو الفوضى وتحولها إلى بؤرة إقليمية لإنتاج التطرف و”الإرهاب”. وقد تفيد النكسات الأخيرة التي تعرَّض لها النظام في دفع إيران المستنزفة بفعل تورطها في مواجهات على امتداد الإقليم إلى الركون إلى حلٍّ سياسي يحفظ لها جزءًا من مصالحها في سوريا الموحدة، بعد أن يكون الاتفاق حول برنامجها النووي قد أمَّن لها اعترافًا دوليًّا -أميركيًّا تحديدًا- بشرعية نظامها، وإدماجه في المنظومة الإقليمية بعد أن تمت إعادة تأهيله. في هذه الحالة سوف يتم الدفع باتجاه تشكيل حكومة من النظام والمعارضة تحفظ ما تبقى من مؤسسات الدولة السورية (وتشمل إعادة هيكلة أجهزة الأمن والجيش تحديدًا واستيعاب فصائل المعارضة المعتدلة ضمنها)، والتوجه نحو محاربة تنظيم الدولة وربما غيره من الجماعات الجهادية ذات التوجهات الأممية. وقد زادت أسهم هذا السيناريو مؤخرًا بعدما تسرب عن مناقشة قمة الدول الصناعية السبع الكبرى التي عُقدت في بافاريا الألمانية في الثامن من يونيو/حزيران الجاري لإمكانية دفع الرئيس الأسد إلى اللجوء إلى روسيا في إطار تفاهم مع موسكو تمهيدًا لمواجهة تمدد تنظيم الدولة في سوريا (11)، وكذلك تنامي الاتصالات السعودية-الروسية إثر قيام وزير الدفاع السعودي، الأمير محمد بن سلمان، بإجراء محادثات في موسكو مع الرئيس بوتين تحضيرًا لزيارة مرتقبة للملك سلمان، كل ذلك تزامنًا مع تقارير عديدة تتحدث عن حصول تقارب روسي-أميركي بشأن الأزمة السورية (12). لكن العقبتين الرئيسيتين أمام هذا السيناريو، هما: الصراع السعودي-الإيراني، وارتباط جبهة النصرة، أحد مكونات المعارضة السورية المسلحة، مع القاعدة. فمن الصعب أن تتوصل السعودية وإيران إلى اتفاق يقتصر على سوريا دون أن يتفقا على باقي الخلافات التي ترتبط بالصراع السوري ارتباطا وثيقا، مثل وضع حزب الله في لبنان، وموقع السنة العرب في النظام العراقي. وكذلك لا يمكن أن تنفصل جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة دون أن تصاب باضطراب في بنيتها المشكلة من عدد مؤثر من العناصر الأجنبية، وقد يصيبها هذا التحول إن حدث بتشققات قد تقضي عليها.

سيناربو الحفاظ على الوضع القائم (الستاتيسكو): ويعني استمرار الصراع وفق وتيرته الحالية وبالشكل الذي يؤدي إلى الاستمرار في منع الحسم العسكري، بالتوازي مع غياب الإرادة الدولية والإقليمية للدفع باتجاه حلٍّ سياسي، مع استمرار الصراع بين الأطراف الخارجية في حرب وكالة على الأرض السورية. هذا السيناريو يقوم على الحفاظ على موازين القوى على الأرض دون تغيير كبير؛ ففي الوقت الذي يندفع فيه حلفاء المعارضة نحو زيادة دعمهم لتحقيق اختراق ميداني بهدف الضغط على النظام للقبول بحل سياسي، يقوم حلفاء النظام بزيادة قدرات الصمود لديه لصدِّ أية محاولة لإحداث تغيير دراماتيكي في موازين القوى تتم ترجمته إلى تنازلات سياسية. هذا الأمر سوف يؤدي فعليًّا إلى تقسيم سوريا إلى كانتونات موزعة بين سيطرة النظام، وتنظيم الدولة، والقوى الكردية، وبقية فصائل المعارضة. وتبدو حظوظ تحقق هذا السيناريو مرتكزة على عوامل لا يمكن أن تستمر؛ فالحفاظ على موازين القوى الراهنة سواء بين القوى السورية أو القوى الخارجية المنخرطة في النزاع غير ممكن لأن تطورات الأوضاع تشير إلى أن موارد الأطراف محدودة ولا يمكن تجديدها بلا نهاية، كما يتبين في عجز النظام السوري عن تعويض خسائره من القوات المقاتلة لأن رهانه على الأقليات جعل قاعدته الاجتماعية ضيقة ولا يمكن أن تمده بمقاتلين لفترات غير محدودة. ثم إن استمرار الأوضاع يعطي فرصًا للاعبين جدد للانخراط في الصراع وينتقلون من هامش الصراع إلى مركزه بل وقد يتضح أنهم المستفيد الرئيسي من الصراع، كما حدث مع توسع تنظيم الدولة في المناطق التي لم يعد النظام السوري قادرًا على حكمها، وتهديده حاليًا لدمشق نفسها.

سيناريو سيادة الفوضى: ويعني استمرار التفسخ البطيء للنظام ومعه مؤسسات الدولة السورية نتيجة الإنهاك العسكري والاستنزاف المادي المستمر منذ أكثر من أربع سنوات، وصولًا إلى نقطة الانهيار، وقد تحصل تصدعات كبيرة داخل النظام بسبب تداعي المعنويات بفعل الضربات المتتالية لفصائل المعارضة خاصة إذا تم استهداف المناطق التي تُعد حاضنة طبيعية له في ريف حماة أو الساحل، أو نتيجة سقوط مدن كبرى بحجم حلب ودير الزور والحسكة ودرعا والقنيطرة وحماة، وهي جميعًا مراكز محافظات غدت محاصرة بالكامل أو شبه محاصرة نتيجة سيطرة تنظيم الدولة على معظم البادية السورية وتقدم فصائل المعارضة في ريف حماة الشمالي بعد سيطرتها شبه الكاملة على محافظة إدلب وتقدمها باتجاه دمشق شمالًا من درعا والقنيطرة. هذا السيناريو سوف يؤدي إلى دخول سوريا في حالة الفوضى الكاملة وسوف يسمح بسيطرة تنظيم الدولة على الجزء الأكبر من البلاد (علمًا بأنه يسيطر حاليًا أو يتحكم بنصف مساحة سوريا)، وهو ما يتفق جميع أطراف الصراع الخارجية حتى الآن على الحيلولة دون وقوعه. وحظوظ هذا السيناريو متدنية لأن اللاعب الوحيد تقريبًا الذي يدفع نحو التفسخ هو تنظيم الدولة، ولا يمكنه أن يحقق مبتغاه لأنه يواجه قوى كثيرة داخل سوريا، هي: النظام والمعارضة السورية المسلحة، وخارج سوريا هي القوى الدولية مجتمعة، وإن تفاوتت درجة رغبتها في القضاء عليه.

خاتمة

لعله من نافل القول الإشارة إلى أن السيناريو الأول –أي: الحل التوافقي- يشكِّل البديل الأفضل لكل أطراف الصراع من دون استثناء، فهو من جهة يحفظ سوريا موحدة ويحول دون وقوعها في دوامة الفوضى والتطرف، مع ما يعنيه ذلك من تداعيات على السوريين ودول الجوار الإقليمي والأمن الدولي. لكن الوصول إلى هذا الخيار ما كان ليتم لولا التطورات الميدانية الأخيرة؛ إذ أدَّت سلسلة المكاسب الأخيرة التي حققتها المعارضة المسلحة السورية إلى إثارة مخاوف كل من واشنطن وموسكو من إمكانية انهيار النظام السوري قبل أن يتشكَّل بديل ملائم يحل محله، ما حدا إلى استئناف الجهود لتحريك العملية السياسية المجمدة منذ فشل مؤتمر جنيف2 في فبراير/شباط 2014، كما أوصلت هذه التطورات الميدانية النظام وحلفاءه إلى النقطة التي باتوا مدركين معها لعدم إمكانية حسم الأمور عسكريًّا لصالحهم وهو النهج الذي ظلًّ متبعًا منذ تحول الثورة السورية إلى العمل المسلح.

كل ذلك يدفع للقول بأنه ما زال بإمكان المعارضة المسلحة السورية، التي بدت في الآونة الأخيرة وكأنها تفصيل صغير في لعبة مصالح إقليمية ودولية كبيرة، أن تفرض تعديلات على الأجندات الإقليمية والدولية، وهي قادرة أيضًا على تعديل حسابات النظام وحلفائه من خلال العمل الميداني، لكن هذا وحده لا يكفي؛ إذ ستبقى انتصارات المعارضة المسلحة مجرد تطور ميداني معزول وغير ذي دلالة إذا لم تتم ترجمته إلى نتائج سياسية تؤدي إلى حلٍّ يحفظ وحدة سوريا وترابها ويعيد بناءها؛ وهذا يتطلب إنشاء جسم سياسي ناضج يمثِّل القوى العسكرية على الأرض وينظِّم العلاقة معها، بحيث تخضع هذه له وتغدو تحت إمرته. بدون ذلك لن يكون ممكنًا التوصل إلى إنتاج بديل للنظام يمنع الفوضى في حال سقوطه، أو مفاوض ذي مصداقية في حال الذهاب باتجاه حلٍّ سياسي.

______________________________

هوامش

  1. انظر: كيري يدعو لمفاوضة الأسد، والائتلاف يشترط رحيله، الجزيرة نت، 15 مارس/آذار 2015، الرابط: http://www.aljazeera.net/news/arabic/2015/3/15/%D9%83%D9%8A%D8%B1%D9%8A-%D9%8A%D8%AF%D8%B9%D9%88-%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%88%D8%B6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A6%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%81-%D9%8A%D8%B4%D8%AA%D8%B1%D8%B7-%D8%B1%D8%AD%D9%8A%D9%84%D9%87
  2. دول التحالف الدولي ضد “تنظيم الدولة” تدعو لإطلاق عملية سياسية سريعًا بسورية، السورية نت، 2 يونيو/حزيران 2015، https://www.alsouria.net/content/%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A-%D8%B6%D8%AF-%D8%AA%D9%86%D8%B8%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%AA%D8%AF%D8%B9%D9%88-%D9%84%D8%A5%D8%B7%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%B9%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A9-%D8%B3%D8%B1%D9%8A%D8%B9%D8%A7%D9%8B-%D8%A8%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D8%A9
  3. صحيفة الشرق الأوسط، مصادر: اختلاف حول مصير الأسد واتفاق على وحدة الدولة في مشاورات دي مستورا، 11 يونيو/حزيران 2015،

http://aawsat.com/home/article/381836/%D9%85%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D8%B1-%D8%A7%D8%AE%D8%AA%D9%84%D8%A7%D9%81-%D8%AD%D9%88%D9%84-%D9%85%D8%B5%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D9%88%D8%A7%D8%AA%D9%81%D8%A7%D9%82-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%88%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B4%D8%A7%D9%88%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%AF%D9%8A-%D9%85%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1%D8%A7

  1. Moscow changing tack on relationship with Assad: sources, Asharq Al-Awsat, May 31, 2015,

http://www.aawsat.net/2015/05/article55343744/moscow-changing-tack-on-relationship-with-assad-sources

  1. Obama Opens Troubled Talks With Gulf Allies, Wall Street Journal, 13, May ,2015,

http://www.wsj.com/articles/obama-meets-with-saudi-delegation-ahead-of-u-s-arab-summit-1431534462

  1. صحيفة الشرق الأوسط، مصادر: اختلاف حول مصير الأسد … مصدر سابق.
  2. Assad begs Iran for more help to save Syria from Isis scourge, Sunday Times, 7 June 2015, http://www.thesundaytimes.co.uk/sto/news/world_news/Middle_East/article1565580.ece
  3. إيران تطلب «ضمانات سيادية» لمواصلة دعم النظام، الحياة، 3 فبراير/شباط 2015، http://alhayat.com/Articles/7162986/%D8%A5%D9%8A%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%AA%D8%B7%D9%84%D8%A8–%D8%B6%D9%85%D8%A7%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D8%A9–%D9%84%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B5%D9%84%D8%A9-%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%B8%D8%A7%D9%85
  4. Majid Rafizadeh, Bashar al-Assad: a costly card for Iran? alarabiya.net, 11 April, 2014. http://english.alarabiya.net/en/views/news/middle-east/2014/04/11/Bashar-al-Assad-a-costly-card-for-Iran-.html
  5. الأسد يستنجد بموسكو سياسيًّا، العربي الجديد، 6 يونيو/حزيران 2015، http://www.alaraby.co.uk/politics/2015/6/5/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%AF-%D9%8A%D8%B3%D8%AA%D9%86%D8%AC%D8%AF-%D8%A8%D9%85%D9%88%D8%B3%D9%83%D9%88-%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D8%A7
  6. Oliver Wright, G7 summit: President Assad could face exile in Russia and the West’s plan to tackle Isis in Syria, The Independent, June 8, 2015, http://www.independent.co.uk/news/world/middle-east/g7-summit-president-assad-could-face-exile-in-russia-and-the-wests-plan-to-tackle-isis-in-syria-10305824.html
  7. Moscow changing tack on relationship with Assad: sources, Asharq Al-Awsat, May 31, 2015,

http://www.aawsat.net/2015/05/article55343744/moscow-changing-tack-on-relationship-with-assad-sources

 

 

 

 

 

إعادة رسم خطوط المواجهة في سورية/ يزيد صايغ

ثمّة إجماع على أن نظام الرئيس السوري بشار الأسد في موقف دفاع استراتيجي، حيث يتوقّع الكثيرون أن يحقّق المقاتلون المعارضون له مكاسب جديدة كبيرة في الأشهر المقبلة. لا يزال النظام يملك قدرة عسكرية كافية للدفاع عن مناطقه الأساسية، غير أن الخطر الحقيقي بالنسبة اليه يتمثّل في صعوبة الحفاظ على الروح المعنوية والتماسك السياسي بين من يقاتلون من أجله. وفي مرحلة تتميّز بالتقلّب الشديد، قد يؤدّي ذلك إلى انهيار النظام في وقت أقرب مما كان متوقَّعاً. وإذا تمكّن النظام من البقاء على قيد الحياة، وهذا لا يزال الأمر الأكثر ترجيحاً، فستعود سورية إلى حالة من الجمود الاستراتيجي، وإن كان ذلك وفق خطوط مواجهة جديدة. هذه المعطيات لا تنذر بتقسيم رسمي لسورية، ولكن إذا استقرّ التقسيم الفعلي للأراضي فسوف يشكّل ذلك الأساس لأي اتفاق قد تتوصّل إليه الأطراف الخارجية الرئيسة المعنيّة بالنزاع المسلّح لإنهائه.

إن أي تغييرات على خريطة الصراع السوري في ما بقي من العام 2015 ستحدث بصورة شبه مؤكّدة في المناطق التي تشكّل الآن «الحزام المتصدّع» في سورية، أي المناطق الواقعة بين الأطراف المتصارعة الرئيسة – النظام والمعارضة المسلّحة وتنظيم «الدولة الإسلامية» – حيث ستخوض معاركها الرئيسة، وحيث قد تكسب أراضي جديدة أو تتخلّى عنها من دون أن يؤدّي ذلك إلى نصر أو هزيمة كاملة لأي منها. يشمل «الحزام المتصدّع» المناطق التي يسيطر عليها النظام من مدينة درعا ومناطق أخرى في جنوب سورية، ومدينة حلب وريفها القريب، والمنطقة الواقعة إلى الشرق من الطريق السريع بين دمشق وحمص حيث يشكّل تنظيم «الدولة الإسلامية» خطراً يلوح في الأفق.

من الواضح أن النظام يهيّء نفسه لخسارة أجزاء من «الحزام المتصدّع» أو خسارته كله، وذلك من خلال تعزيز وتجهيز مواقع دفاعية على خطوط مواجهة جديدة سينكمش إليها. في الجنوب، تظهر مصادر المعارضة أن النظام بدأ بسحب المدرّعات والمدفعية الثقيلة باتجاه دمشق منذ بعض الوقت، ومن المرجّح أن يركز خطه القتالي الجديد على الكسوة، التي كانت محوراً للدفاعات السورية التي تواجه إسرائيل على مدى عقود. وقد كانت مدينة حمص وجوارها أساسية للعمليات القتالية للنظام خلال النزاع المسلح الحالي، وهي تبرز الآن باعتبارها المحور المركزي لخططه الدفاعية في المستقبل. وتفيد مصادر أجنبية على صلة بالجيش السوري بأنه تجري الآن عمليات تشييد المهاجع في واحدة أو أكثر من القواعد الجوية الكبرى إلى الشرق من حمص لإيواء القوات، وهو ما يكشف أن النظام يتوقع أن تكون هناك حاجة إلى خط دفاع جديد هناك على المدى الطويل.

الجيب الذي يسيطر عليه النظام في مدينة درعا هو الأضعف، على رغم أن المعارضة المسلحة تركّز حالياً على القنيطرة والمنافذ الغربية المؤدّية إلى دمشق، في الوقت الذي تسعى إلى تحييد محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، سياسياً. ومع ذلك، فإن الحكومات الممثّلة في مركز العمليات العسكرية المشتركة في العاصمة الأردنية عمّان تبدو مهتمّة على وجه الخصوص بضبط وتيرة العمليّات العسكرية في الجنوب. فهي لا ترغب في أن يتفكّك النظام بسرعة مفاجئة، ما قد يوفّر فرصة لتنظيم «الدولة الإسلامية» للوصول إلى دمشق. وفي الوقت الراهن تتحيّن «الجبهة الجنوبية»، التي تضمّ المعارضين «المعتدلين» الذين يحظون بدعم مركز العمليات العسكرية، الفرصة وتركّز بدلاً من ذلك على التحضير لمرحلة ما بعد تراجع النظام أو سقوطه.

يستطيع النظام أن يتخلّى عن درعا، غير أن حلب تشكّل معضلة أكبر بالنسبة إليه. فالكثيرون يتحدّثون عن حلب كما لو أن سقوطها في أيدي المتمرّدين أمر سهل أو وشيك نسبياً. غير أن هذا يبدو مستبعداً. إذ يمكن أن تصمد قوات النظام فترة طويلة في حلب والمناطق الريفية المحيطة بها، والتي تؤكد منظمات الإغاثة الدولية أنها تضمّ ملايين عدة من الناس. وعلى رغم أن بعض أجزاء المدينة يواجه نقصاً حاداً في المياه، فإنها تملك عموماً بعض القدرة على تحمّل قطع الإمدادات الرئيسة باستخدام الآبار، حتى أن قطع الكهرباء عن الأحياء التي يسيطر عليها النظام من شأنه أن يزيد في بؤس السكان لكنه لن يكون حاسماً، لأن تلك الأحياء لا تحصل أصلاً إلا على ساعة أو ساعتين من الكهرباء يومياً. وعلى رغم احتمال ألا تتمكّن قوافل الإغاثة الدولية من الوصول إلى حلب عن طريق دمشق، تحصل المدينة على معظم إمداداتها الغذائية محلياً. وتظهر قدرة المناطق الصغيرة للمعارضة على تحمّل الحصار – كما في حالة حي الوعر في حمص – مدى قدرتها على التحمّل.

علاوة على ذلك، يأتي الحفاظ على جيب حلب بتكلفة منخفضة نسبياً بالنسبة إلى النظام. إذ يتمّ الدفاع عنه هناك بصورة رئيسة من جانب الميليشيات السنّية المحلية والعشائر في الريف الجنوبي، في حين تحمّلت الميليشيات الشيعية التي يأتي عناصرها من الخارج الجزء الأكبر من عبء العمليات الهجومية إلى الشمال منذ أواخر العام 2014، حيث لم يضطرّ النظام الى استثمار قوى بشرية كبيرة من الجيش. والواقع أن المدينة تشكّل مصدر قوة حيث يكمل السكان المدنيون رواتب الحكومة والإعانات بتحويلات من أفراد العائلة في الخارج، ما يوفّر للنظام مصدراً للدخل. وبالتالي فإن التخلّي عن حلب يعني فقدان الدخل، على رغم أن التكلفة الحقيقية ستكون سياسية لأن ادّعاء النظام بأنه يمثّل جميع السوريين، بمن فيهم عدداً كبيراً من السنّة، سيضعف بشدّة. ولكن لأن حلب ليست حيويّة بالنسبة الى الدفاع الاستراتيجي للنظام، فقد يقرّر نقل حامية جيشه فيها لتعزيز الجبهة في المناطق الحسّاسة، ولا سيّما في ريف حماة الشرقي والشمالي ضدّ تنظيم «الدولة الإسلامية» والمعارضة المسلحة.

ومع ذلك، فإن التهديد الحقيقي للموقف الاستراتيجي للنظام يتمثّل في احتمال قطع الطريق السريع بين دمشق وحمص. إذ إن خسارة مدينة تدمر مؤخراً تعني أن هذا هو الطريق الوحيد الذي ما زال يربط العاصمة وحمص وثم بالمنطقة الساحلية التي لا تزال تحت سيطرة النظام. ولذا يبدو من الضروري أن يتمسّك النظام بالطريق السريع، الذي بات مهدداً بالهجوم من جانب تنظيم «الدولة الإسلامية»، علماً أيضاً أنه لو نجح التنظيم في اختراق المنطقة فمن شأن ذلك أن يجعله على مقربة من الحدود اللبنانية بمحاذاة وادي البقاع الشمالي. ولعلّ هذا ما يفسّر عمليات «حزب الله» المستمرّة لتطهير منطقة القلمون الغربي، والتي توفّر عمقاً استراتيجياً بموازاة الطريق السريع. فيبقى التحدّي الكبير الذي يواجه الجيش السوري الآن هو أن يكتسب عمقاً دفاعياً إلى الشرق من الطريق السريع، فهو لديه قواعد رئيسة إلى الشرق من حمص باتجاه تدمر، غير أن المنطقة الواقعة إلى الجنوب من هذا الخط باتجاه دمشق ليست مأهولة بالسكان أو مبنية، ما يساعد على الدفاع عنها، ولا محصّنة عسكرياً.

الطريق السريع بين دمشق وحمص ليس جزءاً من «الحزام المتصدّع» في سورية، لأن النظام لا يستطيع التنازل عن الأرض هنا، ولكن هذا الطريق قد يشهد لعبة قط وفأر مستمرة بين قوات النظام وتنظيم «الدولة الإسلامية». ولعلّ ما يخفّف على النظام هو أنه من المستبعد أن يكون خصمه، تنظيم «الدولة»، قد جنَّد ودرَّب ما يكفي من المقاتلين الجدد لكي ينتزع موطئ قدم دائماً في هذه المنطقة. غير أن مجرّد إثبات قدرته على تشكيل خطر حقيقي من خلال الإغارة يخدم هدف التنظيم ويبقي النظام في موقف دفاعي.

في الوقت نفسه، يواصل تنظيم «الدولة الإسلامية» الضغط على آخر جيوب النظام في مدينة دير الزور، التي تمثّل جائزة أكثر قيمة، لأنها تتيح تعزيز سيطرة التنظيم على المحافظة بأكملها. وقد استثمر النظام كثيراً في الحفاظ على جيبه هناك، لكنه قد يواجه قريباً خياراً مؤلماً. فسحب حامية جيشه هناك مهمة صعبة، إن لم تكن مستحيلة، لأن تنظيم «الدولة الإسلامية» يسيطر على كل الطرق المحيطة به لمئات الكيلومترات، وفي المقابل فإن عملية إخلاء جوي ستكون خطرة للغاية. وعلاوة على ذلك، فإن الانسحاب يعني ترك الآلاف من رجال الميليشيات والمسؤولين وموظفي الدولة المحليين وحوالى 250 ألف مدني تحت رحمة تنظيم «الدولة». لكن، بالمثل، لا يمكن للنظام أن يخاطر برؤية حاميته وهي تواجه مصير مئات الجنود الذين أعدموا عندما اجتاح تنظيم «الدولة الإسلامية» مطار الطبقة في آب (أغسطس) 2014، الأمر الذي من شأنه أن يلحق ضرراً بالغاً بالروح المعنوية لأنصار النظام وبولائهم السياسي له.

سيكون النظام في موقف أكثر ضعفاً إذا رأى مؤيّدوه أن نهايته قد أزفت، وهي الصورة التي قد يسعى إلى تبديدها بالقول إن النجاح بالاحتفاظ بالمناطق الأساسية سيمكّنه من التوصّل إلى صفقة سياسية لمصلحته في المستقبل المنظور، لأنها ستعكس حقيقة استمرار سيطرته على ما سماها الأسد سورية «المفيدة». والملفت هنا، أن التصريحات الأخيرة للحكومتين التركية والأردنية أنهما تستضيفان أعداداً قياسية من اللاجئين السوريين ربما تشير إلى عدم الرغبة في دعم هجمات رئيسة جديدة للمقاتلين الذين تدعمانهم لأن ذلك قد يدفع بموجات ضخمة جديدة من اللاجئين إلى أراضيهما. وبالتالي، إذا انحصرت العمليات القتالية الرئيسة داخل «الحزام المتصدّع» في سورية، فعندها سوف يستقرّ النزاع على حالة الجمود مرة أخرى.

* باحث رئيسي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، بيروت.

الحياة

 

 

 

«ميدل إيست بريفينج»: هل ما زال في الإمكان تفادي تقسيم العراق وسوريا؟

ترجمة: فتحي التريكي

هناك نقاش مستمر داخل أروقة الإدارة الأمريكية حول ما إذا كانت العراق وسوريا تتجهان بالفعل إلى تقسيم كلي دائم لا مقر منه. بعض المسؤولين يتشبثون باحتمالات الحفاظ على وحدة العراق، بينما يقيمون الوضع في سوريا على أنه «غير محدد».  ومع ذلك، فإن الحقائق على أرض الواقع يبدو أنها تسير في الاتجاه الذي لا يدعم هذا الرأي.

الحقائق الجديدة، وربما الحدود الجديدة تقبع الآن في طور الإنشاء. لا أحد يستطبع بناء توقعات متماسكة عند هذه النقطة حيث إن الأمور (الحقائق) تتغير بسرعة. ومع ذلك فإنه من الممكن رصد عملية التخمر الحادثة والتركيز على قواها الفاعلة وطريقة الفعل ورد الفعل لكل منها عبر مختلف مراحل العملية. لن يكون بالإمكان إتمام صفقة إقليمية كبرى. هذه هي الحقيقة التي صارت أكثر وضوحا اليوم. حيث إن القوى المتصارعة تجاوزت كل نقاط التوافق وصارت إمكانية إتمام صفقة إقليمية أمرا غير محتمل.

عندما يكون هناك مسافة بين القدرة الداخلية لمجتمع معين في التوصل إلى عقد اجتماعي مقبول يرمي إلى الحفاظ على وحدته، فيمكن ساعتها لأي من اللاعبين الخارجيين التدخل لملء هذه الفجوة. في حالتنا هذه، فإن القوى الخارجية تدفع في اتجاه اتساع هذه الفجوة بدلا من سدها أو تضييقها. وحتى الآن، ما تزال هناك دلائل أن الأطراف المعنية قد بدأت تدرك أن الوضع في سوريا ينبغي أن يبحث له عن نهاية سياسية. هناك جهود تبذل الآن في الصمت بهدف الوصول إلى نهاية معقولة للوضع المتأزم القائم في سوريا.

ولكن القاعدة العامة ما زالت لم تتغير. فالمجتمعات المتحاربة في كل من العراق وسوريا ما تزال على حالها. والعوامل التي قد تساعد على نزع فتيل التوتر في المجتمعين تصبح أضعف بمرور الوقت. لذا فإن السيناريو الأكثر احتمالا، إذا فشلت الجهود للتوصل إلى نهاية لهذه اللعبة، هو استمرار التفتيت المتواصل لفترة طويلة قادمة، وتزايد عمق الشقوق الاجتماعية في البلدين وتوسيع الثقافات المتوازية التي يتم تشكيلها الآن.

سوريا تتجه نحو التقسيم

إلى الآن هناك شيء غريب في هذه العملية وهي أنها لا تخلو دوما من المفاجآت، وقد كان «جون كيرى» في لقاء مع الرئيس السوري «بشار الأسد» في دمشق منذ ما يقرب من خمس سنوات بالضبط. لم يكن أحد يفكر وقتها في إمكانية تقسيم سوريا ولم يكن تنظيم الدولة الإسلامية قد وجد بعد. ويبدو أن الوقت يعمل بشكل أسرع في الشرق الأوسط. جميع الفواتير المتأخرة والمختفية خلف السطح في لحظة واحدة وطرقت أبواب المنطقة التي يبدو أنها قد نسيتها لفترة طويلة.

ولكن حقا هل لا مفر من أن تنتهي هذه العملية بتقسيم سوريا والعراق؟

في سوريا، تقوم القوات الكردية في الشمال بتوجيه مسار الأحداث نحو إقامة دولة كردستان المستقلة، في حين تقف تركيا حائرة لا تعرف ما ينبغي القيام به أكثر مما تم بالفعل. ومنذ أربع سنوات، أعربت تركيا عن أملها مرة واحدة بحدوث تغييرات واعدة جدا على الجانب الآخر من الحدود، ولكن في الواقع فإن أسوأ كوابيسها قد بدأ في الظهور هناك ببطء. وبما أن أنقرة لا يمكنها أن تدير عقارب الساعة إلى الوراء، فقد يدفعها التسرع نحو اتخاذ خطوات ضارة.

ومع ذلك، فالقوات الكردية تواجه مشاكل بطرق أخرى أيضا، فهم لن يستطيعوا تطوير حملتهم دون تحالفات قوية مع بعض القوى العربية السنية. إنهم بحاجة إلى أن يروا نهجا مختلفا لتركيا في شمال سوريا، رغم أنهم ما يزالون يحملون منظورا ضيقا لدورهم المحتمل على أساس تفسير محدود عن هدفهم وكيفية تحقيق ذلك الهدف.

يحتاج الأكراد إلى بناء جسور علاقات قوية مع العرب السنة في الشمال من أجل عزل خصومهم من «الدولة الإسلامية» و«نظام الأسد». يجب أن تتجنب القوى الكردية أي أعمال انتقامية ضد السكان الأصليين، وسوف يكون من غير الحكمة رفض دخول المفتشين الدوليين إلى تل أبيض التي تقع تحت سيطرتها. إذا كانت هناك جرائم تم ارتكابها فينبغي الكشف عنها بشفافية ويجب محاسبة مرتكبيها. لابد من وضع معايير مختلفة في هذه الحرب ليس فقط أخلاقيا ولكن سياسيا أيضا، وسوف تلعب مثل هذه الممارسات دورا في تعزيز التعايش المستقبلي في شمال سوريا.

وينبغي تجنب الاندفاع نحو مدينة الرقة دون تشكيل تحالف أوسع مع القوى العربية السنية المعتدلة. هذه القوات من الصعب أن تتواجد الآن في الشمال. وإلى الآن، هناك دلائل على أنهم يتشكلون ببطء بين الشقوق التي يحتكرها الأصوليون في تلك المنطقة، ويجب على الأكراد المساعدة في توفير الظروف المواتية لنمو هؤلاء المعتدلين عندما يكون ذلك ممكنا. بعض وحدات الجيش السوري الحر يقاتلون بالفعل مع الأكراد. القوات الكردية ما تزال بحاجة الأسلحة والذخيرة. المزيد من الطرق الإبداعية لتزويدهم بالمعدات اللازمة لهم ينبغي استكشافها.

على الجانب الآخر من الوضع في شمال سوريا، التطورات في المستقبل القريب قد تعيد تشكيل الديناميات بشكل شامل. أصبح من الواضح الآن أن «الدولة الإسلامية» تستعد لمعركة حلب. هناك تشكيلات من القوات المتحركة للدولة الإسلامية تتجمع وتتركز على الحدود بينها وبين المناطق التي تسيطر عليها المعارضة الإسلامية الأخرى، وسوف يكون استيلاء «الدولة الإسلامية» على المدينة القديمة نقطة تحول في هذه المنطقة إن لم يكن في سوريا بأكملها.

وما يزال الشمال السوري هو البقعة الأكثر سخونة وتعقيدا وصعوبة في مجريات الأحداث في سوريا والعراق. وعلى كل حال فإن الهزيمة شبه المؤكده لتنظيم «الدولة الإسلامية» في المستقبل قد لا تحدث تغييرا جذريا في الوقائع الصلبة التي ظهرت على أرض الواقع. «الدولة الإسلامية» لا ينبغي تخفيضها إلى مجرد ظاهرة عسكرية، ولكنها ظاهرة سياسية وثقافية وجيوبوليتيكية على حد سواء أيضا. وعلى كل حال فمصطلح هزيمتها ينبغي ألا يكون ذو دلالة عسكرية فقط.

على صعيد آخر، فإن محاولات التوحيد بين فصائل الإسلاميين في شمال وجنوب سوريا قد بدأت تشهد تقدما ملحوظا منذ بداية عام 2015. وما زالت هذه المرحلة الجديدة من التطور في صفوف المعارضة تحمل مشاكلها الخاصة. على سبيل المثال، وجود تشكيل مثل جبهة النصرة، والتي لا يمكن شطبها من المعادلة في الوقت الراهن، يهدد بتحولها إلى مشكلة إقليمية حقيقية ربما أكبر من «نظام الأسد» نفسه في المستقبل.

تجهيز فرع مقاتل قوي في جنوب سوريا هو أحد التعقيدات الكبرى في هذا المجال، وذلك بهدف صناعة نقطة ارتكاز في تلك المنطقة التي اعتاد الجيش السوري الحر لعب دور محوري فيها. من الواضح أنه ينبغي توفير كم كبير من المعدات العسكرية لقوات الجيش السوري الحر في جنوب سوريا لتعزيز تماسك هذه القوة المعتدلة نسبيا، وتمكينها من الحفاظ على دورها الرائد والذي سوف تكون هناك حاجة ماسة له في المستقبل.

الصورة العامة في سوريا تشير إلى أن البلاد منقسمة بالفعل بين القوى المختلفة التي تكافح للسيطرة على المناطق الاستراتيجية إلى أقصى حد ممكن. وفي حين لا ينبغي أن يسمح للجنوب بالانزلاق إلى حالة مماثلة كالتي تتواجد في الشمال، فإن السيناريو الأكثر احتمالا هو تجميع القطع والمجموعات الصغيرة في مجموعات أكبر. ففي غياب اتفاق سياسي شامل موقع عليه من قبل جميع الأطراف ذات الصلة، فإن هذه القوى المتناثرة في الشمال والجنوب سوف تواصل التشبث بأماكن سيطرتها، بغض النظر عن أي قرار يتخذه «الأسد». انضمت موسكو مؤخرا إلى مداولات مكثفة متعددة الأطراف تدور خلف الكواليس في محاولة لإيجاد حل نهائي للأزمة السورية. هذا الجهد الجديد من الأهمية بمكان أن يتسع ليشمل جميع الأطراف المعنية بدون استثناءات، ومع ذلك فإن نتائجه ما زالت غير مؤكدة إلى حد بعيد.

وفي غياب التوصل إلى حل سياسي سريع، فإن «الأسد» يتحول في واقع الأمر إلى قائد ميليشيا سينتهي به المطاف في نهاية الأمر إلى السيطرة على جزء من سوريا، بينما تتناثر في بقية أنحاء البلاد مجموعة من القوى الأخرى تستمر في قتال بعضها البعض، ومع القوات الموالية للأسد في الغرب، سوف يكون من الصعب أن نرى سوريا موحدة مرة أخرى قبل وقت طويل في ظل هذه الظروف.

الوقت ينفذ في العراق وعمان تستعد لفعل شيء

وفي العراق، فإن سيطرة قوات الحشد الشعبي على المراكز الحضارية في وسط العراق ربما يكون التطور الأكثر تهديدا في الآونة الأخيرة. وهذه القوى لن تترك بسهولة في المستقبل ما استولت عليه الآن بالقوة. وتشير التوقعات أننا نسير إلى حرب أهلية طويلة الأمد بوتيرة أسرع من أي وقت سابق. وهو ما سوف يساعد حتما في تعزيز بقاء وتوسع «الدولة الإسلامية» في العراق. هزيمة القوات الموالية لإيران في سوريا سوف يؤدي بالتأكيد إلى شحذ إرادة طهران لإحكام سيطرتها على قلب العراق.

تبدو آفاق الحفاظ على وحدة العراق آخذة في التناقص بسرعة. ينبغي قدر المستطاع قراءة التصريحات الصادرة عن المسؤولين في البنتاغون، فمن الواضح أن واشنطن تحاول تغطية رهاناتها، ولاسيما في العراق. ومن المعلوم أنه في وسط وغرب العراق، هناك حاجة إلى البيشمركة السنية لهزيمة «الدولة الإسلامية». إذا ظلت بغداد تمانع في الأمر فإن عمان من شأنها أن تفعل ذلك.

يسعى الأردن عن كثب لتوفير المساعدة إلى القبائل العربية في سوريا والعراق. هذه القبائل تمتد عبر الصحراء بين الأردن وسوريا والعراق. ويعد المشروع تعبيرا عن فقدان الأمل في الحفاظ على وحدة سوريا والعراق. ينفي الأردن بشكل قاطع أي نوايا لتزويد القبائل بالأسلحة. وقال رئيس الوزراء الأردني مؤخرا أنه سيتم تقديم أي مساعدة أردنية إلى العشائر العراقية «فقط من خلال الحكومة في بغداد».

وحذر المدير العام السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية «ديفيد باتريوس» من خطر الميليشيات الشيعية، ودعا إلى تسليح عشائر الأنبار. ردت الميليشيات بهجوم شديد حتى على المستوى الشخصي، وذكرت العراقيين بأن «باتريوس» لم يعد مسؤولا في الإدارة الأمريكية. ومع ذلك تركت أطروحات «باتريوس» مسألة تسليح القبائل دون إجابة. القوات الشيعية الموالية لإيران في بغداد لديها إجابة واحدة، يجب على العشائر السنية الانضمام إلى الميليشيات الشيعية المعادية للسنة (الحشد الشعبي) من أجل الحصول على السلاح.

ومع ذلك، فإن التصريحات التي نسبت إلى وزير الدفاع «آشتون كارتر» تبين أن إمكانية تجزئة العراق تبدو مقبولة في أذهان بعض المسؤولين في واشنطن. «ماذا لو لم يعد ممكنا الحفاظ على عراق موحد متعدد الطوائف؟ هذا هو جزء مهم من استراتيجيتنا الآن على أرض الواقع. إذا لم تستطع الحكومة القيام بما ينبغي أن تقوم به فينبغي أن نواصل تدعيم القوات البرية المحلية إذا كانوا على استعداد للدخول في شراكة معنا، للحفاظ على الاستقرار في العراق، ولكن لن يكون هناك دولة واحدة في العراق»، كما قال وزير الدفاع «آشتون كارتر» لأعضاء في الكونجرس.

لايبدو أن الحكومة في العراق ستكون قادرة على القيام بما يفترض أن تفعله. الضغوط السياسية والعسكرية للقوى متطرفة تمنع رئيس الوزراء «حيدر العبادي» من القيام بما يلزم للحفاظ على وحدة العراق.

باعتراف الجميع، لا يزال هناك وقت متاح قبل أن يصل العراق خط اللاعودة، ولكن الوقت يمر سريعا في منطقة الشرق الأوسط. أسرع من أي مكان آخر في العالم. ستبقى سوريا مجزأة لفترة طويلة قادمة، ولا يوجد أحد  في العالم يريد ذلك، ولكن لأن الحقائق على أرض الواقع تقول ذلك. هل سيكون هذا سببا كافيا للأطراف المعنية لمحاولة الوصول إلى حل وسط معقول قبل فوات الأوان؟

 

 

 

 

تحديات انحسار أميركا عن المنطقة/ مصطفى كركوتي

قد يسيء قارئٌ فهمَ القول أن انسحاب القوات الأميركية من المنطقة، وتحديداً من أفغانستان ومن ثم العراق، وإحجام الولايات المتحدة عن التدخّل في سورية، فتحا الباب أمام انتشار تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش)، بأنه دعوة الى عودة الوجود العسكري للولايات المتحدة إلى المنطقة. لنفترض أن هناك قارئاً كهذا، فهذا لن يردع المرء عن التمسّك بهذا الادعاء.

فلا روسيا الاتحادية سارعت إلى نصح نظام دمشق بالعمل وفق صيغة تعايشية ائتلافية مع معارضيه الكثر، تحول دون حدوث مشهد حرب توحّشية غير مسبوقة في سورية، ولا إيران الإسلامية اتّجهت نحو ما يلزم من إجراءات للتهدئة، والدفع نحو التصالح بين أطياف الحرب في البلاد. بل على العكس، موسكو وطهران أجّجتا الأوضاع بقيام الأولى بتزويد نظامٍ آيلٍ إلى نهايته بالسلاح، واحتضان الثانية بالمال والتقنيات والخبراء، إضافة إلى ميليشيات «حزب الله» اللبنانية، لرئيس يتهاوى، انحسرت سيادته الآن إلى ما يقلّ عن ثلث أراضي سورية.

في كل الأحوال، مهما بدت توقعات السياسيين والمعلّقين في الغرب والعالم باقتراب نهاية نظام دمشق سابقة لأوانها الآن، فالمؤكد هو نهاية سورية الأرض والجغرافيا والديموغرافيا كما عرفناها سابقاً. فهذا أمر يجب أن يحتلّ مركز الاهتمام الأول، لما يشكّله مستقبل سورية من انعكاسات حيوية على شكل واستقرار المنطقة وما وراءها. فها هو سفير أميركا السابق في دمشق روبرت فورد، يشرح في تصريحات له نُشِرَتْ «أون لاين»، كيف سيتمّ تقسيم سورية إلى ستة كيانات سيحين الوقت، طال أم قصر، لتطبيع العلاقات في ما بينها من جهة، وبين كل منها مع محيطه الإقليمي من جهة أخرى.

وفي النهاية، لا موسكو متمسّكة ولا حتى طهران ببشار الأسد كمسألة مبدئية. فنظام دمشق يسقط مثل ورق الخريف عندما تجد موسكو مكاناً دافئاً آخر لها في المتوسط، وتتوصّل إلى تفاهم مع أوروبا حول أوكرانيا، وبعدما تُوقِّع طهران اتفاقية الملفّ النووي مع مجموعة الخمس زائداً واحداً (الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين وألمانيا)، وبدء انفتاح إيران على الغرب المنتظر بفارغ الصبر.

ولكنْ ثمة اعتقاد يشكّك في ذلك ما دام الرئيس الأميركي باراك أوباما «يقود من الخلف» – كما يقال – في سورية والعراق. كثر من السياسيين في الولايات المتحدة، لا سيما بين الجمهوريين، يتّهمون أوباما بتحجيم دور أميركا ومكانتها في المنطقة وخارجها. فهؤلاء يعتبرون سياسته بالانحسار عن الشرق الأوسط والإحجام عن التدخّل المباشر، لا تحول فحسب دون قيام بديل سريع يحافظ على تماسك المنطقة، وتحديداً سورية والعراق، بل يمكن أن تؤدي إلى خلق ظروف واقعية تنتهي بإعادة صوغ شامل ورسم جديد لحدود المنطقة. ما يعزّز هذه الإمكانية، الحرب الشرسة في اليمن نتيجة توغّل إيران في الحديقة الخلفية للخليج وحرب ليبيا القبلية التي تعيد جغرافيا البلاد إلى ما قبل عهد السنوسية.

وهكذا، فمن الواضح أن سياسة أوباما بإعادة «أبنائنا إلى موطنهم»، تركت فراغاً هائلاً في بلاد المشرق يملأه بسرعة «داعش» وتنظيمات إسلامية متطرفة أخرى مثل «النصرة»، نتيجة غياب البديل الوطني الحديث.

فـ «داعش» وحده، وفق التقارير، بات يسيطر على نحو 60 في المئة من أراضي سورية الغنيّة بالموارد وإن لم تكن ذات كثافة سكانية، وعلى أراضي الأنبار الممتدّة حتى الموصل، ثاني أكبر مدن العراق. صحيح أن الولايات المتحدة تقود ائتلافاً كبيراً لشنّ هجمات جوية بتكاليف متصاعدة، لكنه ائتلاف من دون تأثير كبير في قوة «داعش». فواضح أن أولوية أوباما لم تعد في السياسة الخارجية، بل تركز منذ بضع سنوات على إعادة بناء اقتصاد البلاد، إثر الإنفاق غير المحدود لسلفه الرئيس جورج دبليو بوش على حروبه المجنونة في أفغانستان والعراق. ويقدّر ذاك الإنفاق بثلث دين الولايات المتحدة العام البالغ 18 تريليون دولار. ويشير تقرير فصلي قدّمته إلى الكونغرس هيئة التفتيش العامة لإعادة إعمار أفغانستان في تموز (يوليو) الماضي، إلى أن أميركا «أنفقت في هذا السياق في أفغانستان حتى نهاية 2014، أكثر من إنفاقها على 16 دولة أوروبية بعد الحرب العالمية الثانية وفقاً لخطة مارشال».

ولعلّ هذا يوضـــح نوايا أوباما وهو يقترب بسرعة من نهاية ولايته الثانية والأخيرة. فقد أعلن في خطاب له في أيار (مايو) الماضي، إحياءً لذكرى الجنود الأميركيين الذين قتلوا في حروب خاضـــوها خارج أراضي بلادهم: «أفتخر بالإعلان عن أن هذه هي الذكرى الأولى منذ 14 عاماً التي لا تكون فيها أميركا تخوض حرباً في الخارج». واضح أن الرجل يريد أن ينقش اسمه على الحجر بأنه الرئيس الذي أنقذ أميركا من شرِّ أعمالها.

وقد تم تأكيد ذلك بإدراك دول منطقة الخليج العربية أخيراً هذه الحقيقة، وقيامها بنفسها بتشكيل قوة ائتلافية وشنّ هجمات جوية على قوات الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن، دفاعاً عن أراضيها وحدودها. فأميركا التي عرفناها قبل عقدين أو ثلاثة عقود، لم تعد أميركا الراهنة. ويتّضح هذا الأمر أكثر في موقف واشنطن الحذر العام الماضي من أزمة أوكرانيا، إذ تمكّنت إدارة أوباما من أن تنزع نفسها من أقرب حلفائها في العالم، أوروبا، تاركةً لدولها التعامل مع الأزمة مباشرة بنفسها. وكان هذا الموقف في مثابة رسالة واضحة إلى جميع حلفاء أميركا في العالم، بما في ذلك العرب.

فأوباما يقول للعالم من دون بيان رسمي، إن أميركا دولة أدمتها حروب جمّة خاضتها سابقاً، وأتت على مواردها وأرهقت اقتصادها لسنوات طويلة. ها هي إذاً أغنى دولة في العالم وأعتى قوة عسكرية، والتي تنفق على التسليح أكثر مما تنفق الصين وروسيا وأوروبا، تتراجع عن المسرح الدولي الآن ما يؤدي إلى حدوث فراغ يملأه «داعش» وغيره من المتطرّفين. هذه الحالة تضع العرب في هذه اللحظة أمام تحدٍّ غير مسبوق في تاريخهم، ليس لدحر «داعش» ووقف التمدّد الإيراني الإقليمي فحسب، بل لاتخاذ الخطى الأولى للخروج من هذه الظلامية الكبرى لتأسيس مستقبل أفضل.

الحياة

 

 

 

 

 

مسؤول عربي: اقترب حصار دمشق!/ علي حماده

جميع التقديرات الدولية تتفق على أن بشار الاسد انتهى، وان البحث اليوم جار لكي لا يملأ تنظيم “داعش” الفراغ الذي سينجم عن انهيار ما تبقى من النظام في دمشق والمدن الاساسية، أي حلب، حمص وحماة، اما اللاذقية فيبقى مصيرها قيد البحث لمرحلة لاحقة مع اسقاط اي فرضية لقيام ما يسمى “الدويلة العلوية” لان التقسيم يديم الحرب ولا يوقفها على عكس ما يأمل البعض في نظام بشار، ومعهم الايرانيون الذين يتطلعون الى قيام دويلة علوية في منطقة الساحل السوري.

يرسم مسؤول امني عربي كبير التقيناه قبل ايام سيناريو سقوط النظام كما يلي، ويقول: “سيمر عبر مرحلتين قادمتين: الاولى، انهيار النظام في ما تبقى من حلب وتحريرها، وذلك بعدما يكون تنظيم “داعش” المتقهقر في مناطق تل الابيض، وشمال الرقة أرخى قبضته في ريف حلب بما يمكن الثوار من التفرغ لقتال النظام والميليشيات الشيعية المنتشرة، ومن بينها “حزب الله”، خصوصا في بعض البلدات القريبة من حلب المدينة. مع تحرير مدينة حلب يكون قسم كبير من الاراضي السورية في الشمال خرج عن سيطرة بشار وميليشيات ايران، من دون ان يسقط في براثن “داعش”. ويكون الضغط الاكبر في اتجاه حماة حيث تسابق بين “داعش” والثوار للسيطرة عليها بعدما بلغ “داعش” نقطة وسطى بين ريفي حمص وحماة. لكن الضغط الكبير على مركز ثقل تنظيم “داعش” اي مدينة الرقة يمكن ان يعرقل تقدم التنظيم حتى لو قام بشار بتسهيل تمدده انطلاقا من مدينة تدمر نحو حمص وحماة.

المرحلة الثانية، ستبدأ بتحرير محافظة درعا بالكامل، بدءاً بالمدينة، وفتح الطريق نحو ريف دمشق من محافظتي درعا والقنيطرة (بعد تحريرها وترك قرية الحضر الدرزية محيّدة)، اما محافظة السويداء فلا خيار امام مناصري النظام والقطعات العسكرية المتمركزة فيها إلا الوقوف على الحياد، والرضوخ للمنطق الذي يقضي بتحاشي توريط الموحدين الدروز في معركة خاسرة الى جانب بشار، الراحل في كل الاحوال. وبتحرير محافظتي درعا والقنيطرة تكون طريق دمشق من الجنوب مفتوحة امام تدفق العديد من الفصائل (بينها جبهة النصرة) نحو محيط العاصمة، بدءاً بقطع آخر شريان حيوي لبشار مع “حزب الله”، اي طريق دمشق – بيروت الدولية.

ودائماً بحسب المسؤول، ان مسالة سقوط بشار ليست محل نقاش، بل مرحلة ما بعد بشار، أياً يكن حجم الدعم الايراني الذي بلغ الذروة، من دون ان يغير في موازين القوى في العمق. والاهم ان يتزامن تقهقر بشار مع تقهقر “داعش” في الوسط السوري. من هنا الضغط الكبير على مدينة الرقة “عاصمة داعش”.

ويختم المسؤول الامني العربي الكبير قائلاً: “بشار انتهى، المهم ألا يدخل الايرانيون “حزب الله” في مغامرات داخلية لتعويض هزيمة سوريا!”.

النهار

 

 

 

النظام السوري والرقص مع الذئاب/ نادية عيلبوني ‏

‏ربما تكمن معضلة الطغاة الأساسية في افتقارهم لفضيلة التواضع، الفضيلة التي تساعد صاحبها على التحلي بمرونة كافية وتجعله أكثر استعداداً للتعلم والاستفادة من تجارب الآخرين، فلا يكرر الأخطاء نفسها التي وقع بها غيره وتوقع نتائج مختلفة.

ولعل الغرور والتقدير المبالغ به للذات وقدراتها من أهم الأسباب التي تعجل بنهاية الطغاة.

لقد كانت تجربة الولايات المتحدة في أفغانستان أكثر من كافية لكي ينأى بعض الطغاة عندنا عن السير على هديها. فقد لعبت واشنطن بالسلاح المزدوج للدين والمشاعر الدينية واستثمرت حماسة الشباب المسلم إلى أقصى مدى لها برعايتها في الماضي تنظيم «القاعدة» وتقديم كافة أشكال الدعم الدعوي والمادي والعسكري له، ليقوم عوضاً عنها بما استنكفت هي كقوة عظمى عن القيام به، تحرير أفغانستان من الوجود العسكري للسوفياتي، فماذا كانت النتيجة؟

لن نستفيض بالحديث عما حدث بعد ذلك، وكيف تحولت الولايات المتحدة ذاتها إلى هدف لتلك الميليشيات الأصولية، فالحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، بأحداثه الجسام وتداعياته الكبرى، لم يكن وبالاً عليها فحسب، بل أيضاً وبالقدر نفسه كان دليلاً لا يقبل الدحض على أن استخدام الدين لأهداف سياسية هو سلاح ذو حدين وأنه لا بد وأن يرتد إلى صدر اللاعبين عاجلاً أم آجلاً.

نظام الأسد لم يتعظ من تلك التجربة، فهو لغروره وقصر نظره، شأنه في ذلك شأن جميع أنظمة الطغيان، كان فتح الأبواب لجميع أشكال التطرف الديني في سورية، خصوصاً بعد احتلال القوات الأميركية للعراق، واختار أن يجرب اللعبة الأميركية العبثية والمدمرة ذاتها، ظناً منه أنه يستطيع أن يتحكم بخيوطها ويكون أكثر حذقاً من غيره في استخدامها، فأقام معسكرات التدريب والإيواء لمجموعات القاعدة ومن لفها وأرسلها محملة بالموت والدمار إلى مدن العراق بشقيها السني والشيعي لتزرع الموت والدمار حيثما حلت، بهدف استدراك تداعيات الاحتلال الأميركي للعراق على نظامه الذي كان مستهدفاً بما هو نسخة مكررة عن نظام صدام حسين الذي جرت إطاحته. وها هو أعاد ويعيد استخدامها في سورية غير عابئ بالنتائج التي لن يكون هو بالذات بمنأى عنها.

كعادة الأنظمة الشمولية عندما يحيق بها الخطر، لا تستطيع النظر أبعد من أنفها. وغني عن القول أن النظام السوري بإطلاقه يد تلك التنظيمات الإرهابية على المجتمع السوري، أراد تحقيق مكاسب محض آنية، ظناً منه أنها ستحميه من السقوط الوشيك، فهو أراد الظهور أمام المجتمع الدولي الذي طالبه بالتنحي مع بدء تصاعد المطالب الشعبية في البلاد، بمظهر الضحية للإرهاب، والتي تخفي ضمناً رسالة مفادها أن لديه القدرة على جر سورية إلى حرب أهلية مذهبية تخلق معها الفوضى القابلة للامتداد وتهديد الاستقرار في كل محيطها، كل ذلك بهدف جعل الدول الكبرى تتحسب من نتائج تلك الحروب المذهبية على مصالحها الحيوية في المنطقة والقضاء على أي أمل للسوريين في الانتقال السلمي والهادئ إلى الديموقراطية في آن.

ولكن هل حقق فعلاً النظام الأهداف التي وضعها باتباع سياسة إطلاق يد الإرهاب الأصولي في سورية؟ وهل بالإمكان القول إن تلك القوى الأصولية التي استخدمها ويستخدمها ستبقى أداة بيد النظام وأنها لن تنقض عليه في لحظة من لحظات الضعف؟ وهل ستوفر كل تلك القوى والمجموعات نظام الأسد، خصوصاً بعد أن بدا على جيشه كل مؤشرات الضعف والتراجع بعد انسحابه المشين من الكثير من المناطق الحيوية والاستراتيجية؟ هل سيوفر «داعش» رأس النظام وهل سيتوقف حقاً عند حدود اللاذقية لا يتعداها عندما يدرك مدى ما وصل إليه النظام من انهيار؟ وما الضمانات التي تجعل النظام السوري مطمئناً ومتأكداً أنه سينجو في نهاية المطاف من يد «داعش»؟ هل كان لدى الولايات المتحدة قبله أية ضمانة من تنظيم «القاعدة» أنها لن تكون هدفاً بعدما ينتهي دورها في تحرير أفغانستان؟

ربما فات نظام الأسد أن تلك الجماعات عصية على التهجين، وأنها تمتلك بدورها مشروعها الخاص بها، وأن مشروعها هذا لا يعترف به، ولا يعترف بوجود الشعب السوري ولا بتنوعه ولا بإرادته، وأن لا مكان في دولة الخلافة لا للأسد ولا لنظامه ولا لأحد غيرها.

لقد تمكنت تلك الجماعات بسيطرتها على مساحات واسعة في سورية من الإطباق شبه الكامل على مصادر الثروة السورية، واضطر النظام صاغراً إلى التعامل معها الند للند حيناً وبصَغار في أحيان أخرى، واضطر إلى مداهنتها وقام صاغراً بشراء النفط والقمح والمياه منها بعد أن استقلت في المناطق التي احتلتها، وهي في الحقيقة لم تعد بحاجة لا إلى النظام ولا إلى تسهيلاته، وصار بمقدورها أن تعمل وحدها، وأن تشكل قوة مستقلة بذاتها تفوق قوة النظام، وصارت تمتلك القدرة على تهديد كل المدن التي كانت تشكل معاقل النظام الأساسية وتطرده منها.

هل يستطيع النظام بمساعدة حلفائه الروس والإيرانيين، إذا ما أراد صادقاً، أن يطبق على كفي هذا الوحش الذي دربه وأطلقه، ليمنعه من التهامه؟

لعل الإجابة عن هذا السؤال ستكون أسهل بالتأكيد، إذا ما نظرنا إلى إخفاق الجيش العراقي ومعه الحشد الشعبي وقوى التحالف العربي والغربي لوقف تمدد «داعش» في سورية والعراق، دون وجود أي مؤشر حتى الآن على نجاح تلك الحملات في تحقيق أهدافها، فكيف الحال بالنظام السوري الذي بدأت كل علامات الضعف والتراجع تدب به وبات يفقد سيطرته على المدن والقرى الوحدة تلو أخرى؟

إنه قانون الغاب على أية حال، فالذئاب وإن بدت في حال من الرقص المنسجم والمتناغم مع بعضها بعضاً، فإنها تبقى جاهزة لممارسة الخداع، وهي ستقوم بافتراس من شاركها صيد الفريسة لتحظى بها كلها.

* كاتبة فلسطينية

الحياة

 

 

 

 

في انتظار انهيار سورية/ حسان حيدر

التقرير البريطاني الذي قدّم صورة شديدة السواد للوضعين الاقتصادي والإنساني في سورية، طرح سؤالاً عما إذا كان التدهور الاقتصادي المريع الذي تشهده بلاد الشام، سيكون السبب في انهيار نظام بشار الأسد عسكرياً أو في فرض تسوية من خارج لا تلائمه، أم أن المزيد من الهزائم العسكرية لجيشه سيمهد الطريق إلى انهيار حكومته اقتصادياً.

والحقيقة المفزعة أن الجواب في الحالتين هو انهيار سورية كبلد ودولة قبل أن تنهار كنظام، إذا استمرت الحرب من دون حسم. وسواء سبق الانهيار الاقتصادي العسكري أو العكس، فإن النظام مآله إلى زوال، أما سورية التي نعرف فلن يبقى منها كلما طالت مأساتها سوى شبه بلد ممزق معدوم الموارد يسوده التناحر الأهلي.

وفي الحالتين أيضاً يتحمل الأميركيون المسؤولية الكبرى عن المراوحة العسكرية والسياسية الحالية. فهم الذين يملكون مفاتيح الحلول، لكنهم يضعونها في جيبهم بانتظار إما أن تنقضي ولاية اوباما الثانية ويورث الملف الشائك إلى الرئيس المقبل، وإما أن يحصل تطور غير متوقع يجعل واشنطن تسارع إلى الالتفاف عليه لضبطه والتحكم بمساره. لكنها في وقت تفاوض إيران على دورها ونفوذها، تحرص على الحيلولة دون حصول أي تغيير في الوضع القائم.

يقول التقرير الذي أعده مركز «تشاتام هاوس» البحثي في لندن أنه على رغم تراجع الرقعة الجغرافية التي يسيطر عليها نظام الأسد، إلا أن الدولة السورية بمؤسساتها الإدارية لا يزال لها وجود في المناطق الخارجة عن حكمه، ولا تزال الليرة السورية عملة التداول الرئيسية في الكثير من هذه المناطق وتتم بها عمليات شراء وبيع السلع وتسديد ثمن الخدمات.

ويشير إلى أنه في المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد و «داعش» يتقلص تدريجاً نفوذ الدولة الاقتصادي، في حين تلعب المساعدات الإنسانية التي تصل عبر الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية الدور نفسه في بقية مناطق المعارضة.

وهذا يعني أن استمرار الحرب سيؤدي في النهاية إلى انهيار ما تبقى من فكرة الدولة السورية، وظهور دويلات على أرضها، وزوال عملتها التي خسرت في أربع سنوات 78 في المئة من قيمتها بعدما فقد الاقتصاد السوري خمسين في المئة من قيمته الفعلية التي كان عليها في 2011.

ويعني ذلك أيضاً أن القوى التي تمانع في حسم المواجهة مع النظام بحجة أنها تريد المحافظة على ما تبقى من المؤسسات السورية، وتتمنع عن تقديم وسائل تحقيقه، إنما تطيل عمر الأزمة وتمهد للانهيار الكامل، بقصد أو من غير قصد. وهذا ما يلخصه موقف الولايات المتحدة «اللامبالي» وفقاً لترتيب أولوياتها، وموقف اوروبا المتلهية بمعالجة ذيول الأزمة السورية وتبعات اللجوء إلى أراضيها.

لكن لا يعقل أن الدول، وخصوصاً الكبرى، تتصرف بـ «سذاجة» أو «حسن نية»، بل لا بد أن لديها سياسات تعتمد وتطبق في الملفات كافة، سواء كانت مهمة أو هامشية، ولا بد أن هناك سبباً أو أسباباً وراء موقف التفرج على النزف القاتل على أرض سورية، والتلكؤ في البحث عن حلول أو تشجيع آخرين على إيجادها.

ولعل الأميركيين لا يزالون يرون النصف الملآن من الكأس السورية، وينتظرون أن يخسر الاقتصاد السوري الخمسين في المئة الباقية من قيمته، أي الاندثار الشامل، قبل أن يقرروا أن الوقت ربما حان لرحيل الأسد.

الحياة

 

 

النظام السوري لاجئ في بيروت/ احمد عياش

التقديرات الاولية لحجم اللجوء السوري الجديد الذي ينتظره المسؤولون تدور حول نصف مليون لاجئ سيتدفقون على لبنان عموما وبيروت خصوصاً. واللاجئون الجدد هم للمرة الاولى منذ بداية الازمة السورية سيأتون من دمشق التي بدأت تتحضّر لـ”عاصفة الجنوب” التي انطلقت من درعا. وعندما يجري الحديث عن لاجئين من دمشق فمعنى ذلك أن مئات الالوف من العلويين والمسيحيين الذي يشكلون البيئة الحاضنة للنظام سيكوّنون الموجة الجديدة للجوء وهم آخر المجموعات في سوريا التي بقيت في الاعوام الاربعة الاخيرة من الحرب السورية في العاصمة.

لا تعني هذه التطورات المرتقبة أن دمشق ستسقط بيد المعارضة التي ستتدفق من الجنوب السوري. بل تعني، وفق ما شرحه السفير الاميركي السابق روبرت فورد قبل أيام، أن العاصمة السورية ستتحول “ساحات للمعركة ما يعني توافد المزيد من اللاجئين السوريين الى الحدود”، مشيراً الى ما سماه “السيناريو الاكثر إحتمالا” وفيه نشوء “منطقة يسيطر عليها العلويون وميليشيا “حزب الله” المدعومون من إيران وروسيا على طول الحدود مع لبنان على ساحل البحر الابيض المتوسط”.

لكن، لماذا يستمر تدفق اللاجئين على لبنان وخصوصاً لاجئي النظام بدلا من الانتقال الى المنطقة التي يتحدث عنها السفير الاميركي؟ اللبنانيون المحسوبون على بيئة “حزب الله” من الذين يتمكنون من الوصول الى هذه المنطقة يروون أن الخراب هو السائد في كل الاماكن التي فرض النظام وحلفاؤه على سكانها هجرها لا سيما محافظة حمص الشاسعة. وبالتالي سيصعب على سكان دمشق ان ينتقلوا الى العيش في “دويلة” لا تمتلك أيا من مكونات الحضارة التي عرفوها في عاصمة بلادهم. في المقابل، يبدو أن النظام الايراني مضطر الى التعامل مع واقع نفور سوريي النظام من العيش في “المحمية” الجديدة. ولذا تقول المعلومات المتداولة في أوساط شيعية أن طهران مهدت الطريق الى تغيير ديموغرافي واسع النطاق تمثل بمخطط نفذه النظام السوري وأدى الى إتلاف قيود مئات الالوف من المواطنين في حمص مقابل بدء عملية تجنيس ضخمة لألوف الافغان الشيعة الذين يعيشون في مخيمات في إيران منذ عقود بسبب حرب أفغانستان التي نشبت في ثمانينات القرن الماضي. وهؤلاء الافغان الذين أبصروا النور في مخيمات إيران تحولوا الى جنود بتصرف النظام الايراني الذي بعث بهم الى سوريا لكي يقاتلوا دفاعا عن نظام الاسد ولكي يحظوا بفرصة الحصول على جنسية سورية.

بين البرقيات المصنّفة في إطار ما سمّي “ويكيليكس” الخارجية السعودية واحدة تتحدث عن وصول قائد الحرس الثوري قاسم سليماني الى لبنان في آذار 2013 وهي زيارة “سبقها إجتماع في دمشق لتنسيق المهمات”، منها “إخلاء مدينتيّ حمص والرستن من أبنائها السنّة لضمهما الى الدولة العلوية”. البرقية صدقت، لكن الدويلة صالحة لعيش سوريي أفغانستان فقط!

النهار

 

 

 

 

 

نظام الأسد جاهز روسياً وإيرانياً لمساومات التقسيم/ عبدالوهاب بدرخان

سمع مبعوث الأمم المتحدة من رئيس النظام السوري، في لقائهما الأخير، أنه لا يزال يعطي الأولوية للحل العسكري على الحل السياسي. وفهم ستيفان دي ميستورا أن الشهرين اللذين استهلكهما في الاستماع الى شخصيات سورية مختلفة الانتماءات يندرجان فقط في سياسة «تقطيع الوقت» التي قامت مهمته عليها أساساً، فالحل السياسي لا ينفكّ يبتعد، مقدار تباعد الأطراف التي التقاها، ومقدار انفصال النظام عن الواقع. وكان لا يزال بإمكان بشار الأسد أن يحدد هذا الشرط، قبل عامين، وأن يكون هناك من يصدّقه، أقلّه بين أنصاره وأبناء طائفته، لكن حتى هؤلاء يجيلون في رؤوسهم السيناريوات المحتملة لسقوط الأسد وقد فقدوا الأمل تماماً بإمكان بقائه، بل يلومونه لأنه ضاعف الصعوبات المستقبلية أمامهم سواء في أمنهم أو في العلاقة مع المكوّنات الاخرى، ولأنه بات خاضعاً كليّاً للمشروع الايراني الذي يجهلون مآربه، كما أنه بدّد فرصاً لإنقاذ ما يمكن انقاذه من البلد على افتراض أن هذا كان بين هواجسه.

الواقع أن الأسد، الذي يواصل الحديث عن الحل العسكري، ربما كان يعني ما يقول، فهو منذ شرع في مجازر التهجير واقتلاع السكان، لم يعد يفكر في سورية وإنما في الأجزاء التي يريد انتزاعها من الخريطة لتكون في دويلته. وهو يدين للايرانيين في جعل هذا الهدف ممكناً، اذ كان أبقى قواته منتشرة في قواعد عبر مختلف المناطق حمايةً لمشروعه واستنزافاً للمعارضة، ولم تكن المعارك التي خاضها «حزب الله» والميليشيات العراقية بين منتصف 2012 ومنتصف 2014 لمصلحة النظام ومصلحة ايران سوى تحصين لذلك المشروع. أما الحل السياسي الذي يشير اليه فلا هو مستمد الى «جنيف 1 و2» ولا مما تتداولها مؤتمرات معارضي الداخل والخارج في موسكو أو القاهرة، بل انه يستند أولاً الى ما يعرفه الأسد عن تفاهمات بين الولايات المتحدة وروسيا، وإلى تفاهمات اميركية – ايرانية يتوقّعها بعد الاتفاق النووي.

على رغم ما يتعرّض له من خسائر، لا يبدو الأسد «قائداً» متضائلاً ومهزوماً. لماذا؟ لأن معيار الانتصار مختلف لديه، فهو منذ البداية يدير سقوط سورية بموازاة ادارته لسقوطه نفسه. فشعارا «الاسد أو لا أحد» و»الاسد أو نحرق البلد» لم يكونا من ابداعات «شبّيحة» النظام بل من «البروتوكولات» التي ربّى النظام نفسه وأنصاره عليها. فهي التي ضخّت في عسس العصابة الحاكمة «عقيدة» احتقار أرض البلد ومَن وما عليها، وهي التي أعادت أتباعها الى وحشية ما قبل البشرية وحلّلت لهم ممارسة أحطّ أنواع التعذيب والقتل والتمثيل بالجثث. ولعل تلك العصابة، بطبيعتها وأساليبها، جمعت كل تراث الارهاب من المغولي الى النازي فـ «الهاغاني الاسرائيلي»، بل بزّت الارهاب «القاعدي» واستبقت «الحشد-شعبي العراقي» ممهّدةً للإرهاب «الداعشي» ابنها الروحي…

لكن الحسابات التقسيمية للأسد قد تصحّ أو لا تصحّ، قد يكون هو موجوداً لرؤية نتائجها وقد لا يكون، إلا أن مساره الاجرامي زرع من المشاكل والأحقاد والعداوات الداخلية والاقليمية ما يجعل كثيرين يقولون اليوم، وليس الاسرائيليين فحسب، أن سورية «لم تعد موجودة». وبمقدار ما أن هذا الحُكم محبط للسوريين في المنافي القسرية في الداخل والخارج، وكذلك للعرب، بمقدار ما يقع كـ «خبر طيّب» في مسمع الأسد. فهذا يؤكد له أن الأحداث تسير في الاتجاه الذي أراده منذ اخترع «المؤامرة» لأن عقله السياسي لم يستوعب أن الشعب يمكن أن يلفظه، ومنذ اجتذب الجماعات الإرهابية «التكفيرية لإعادة ترويج «علمانيته»، بل منذ مذبحة الجامع العمري في درعا حتى مذبحة مشفى جسر الشغور وكل المذابح بينهما، وحتى تلك التي نالت من جنوده على أيدي «داعش» أو «جبهة النصرة» اعتبرها تعزيزاً لـ «استراتيجية الدويلة» التي تبنّاها وعمل من أجلها.

لم يعد أي بيان أو تصريح دولي يشير الى «سورية واحدة» أو «موحدة»، وكل الكواليس تلهج بتقويمات تصف سورية بأنها أصبحت جزراً أمنية متنازعة وقطعاً متناثرة تفرّق بينها قوات النظام: في الشمال كما في الجنوب خليط من فصائل معارضة متنافرة أو مؤتلفة، في الغوطتين الشرقية والغربية حول دمشق فصائل أخرى، في مخيم اليرموك وضع خاص حاول «داعش – فرع النظام» اختراقه، في القلمون حرب استنزاف للجميع وغير قابلة للحسم، داخل مدينتي حماة وحمص شيء وريفهما شيء آخر، الساحل قلق وشبه مستقر أما ريف اللاذقية فمتوتر حتى الغليان، حلب تنتظر معركة حسم لطرد قوات النظام لتليها مواجهة حتمية بين «جيش الفتح» و «داعش»، ادلب شهدت الانتصار المهم لـ «جيش الفتح» والسقوط الأهم لـ «جبهة النصرة» في مجزرة الدروز في قلب لوزة، الرقّة ودير الزور تحت هيمنة «داعش» الذي تلقّى تدمر كهديّة من النظام فعمد الى تلغيم مواقعها الأثرية تأكيداً لانتفاء السياحة في ربوع «دولة الخلافة»، وأخيراً ها هو «داعش» يتقايض خدمات مع «وحدات الحماية الكردية» التي تريد ربط عفرين وعين العرب/ كوباني بالحسكة تأسيساً للكيان الكردي المحاذي للحدود التركية وتمهيداً للتواصل الجغرافي بين «روج آفا» (غرب كردستان) مع كردستان العراق شرقاً، ولذلك هجّروا السكان قسراً من منطقة تل أبيض التي يعرفون أنها عربية لكنهم باتوا يسمونها «كري سبي» بالكردية.

وفي نظرة من الخارج أصبحت غالبية السوريين، وهي من السنّة، تبدو أشبه بـ «أقليات» مبعثرة في كل الأرجاء، فيما بلغت الأقليات المعروفة لحظة أكثر صعوبة من تلك التي عرفتها لدى التقطيع «السايكس-بيكوي» للخريطة وقد اصطدم آنذاك بوطنية زعماء آمنوا بالتعايش والعروبة وإمكان نشوء دولة للجميع، ولعلهم لم يتصوّروا أبداً أن يؤدي أي نكوص أو سقوط، بعد مئة سنة، الى الكابوس الأسدي الحاصل اليوم، كما لو أن سورية أمضت قرناً كاملاً في البحث عن ذاتها الى أن سقط مصيرها في يد عصابة كهذه وضعت كل فئات الشعب وطوائفه في مهب الريح.

فأقلّ ما تتبرّع به ديبلوماسيات العالم حالياً القول بأن سورية لن تقوم لها قائمة، وليس للدول المعنية بسورية أن تشكو من هذا الوضع، فهي عملت بكامل وعيها كي توصله الى مأسويته غير المسبوقة. مهما تفاوتت الخلافات بين الدول الخمس الكبرى إلا أنها بدت طوال الأزمة غير معنية بالشعب السوري أو بالأحرى غير مصدّقة أن هناك شعباً وعليها مسؤوليات تجاهه. وحتى الدول التي اشتغلت في القرن الثامن عشر على حماية الأقليات الدينية وخلخلت الدولة العثمانية لم تعد مهتمة بمن كانت لها سابقاً مصلحة في توفير الحماية لهم. على العكس، ربطوا مسيحيي العراق وسورية بمصيري صدام حسين وبشار الأسد، ورموا مسيحيي لبنان في فخ النظامين السوري والايراني، ولا يمانعون أن تطرح اسرائيل نفسها معنية بحماية الدروز، ويرتضون التخريب الايراني في بلدان العرب لمجرد أن طهران تدّعي رفع مظلومية الشيعة. لكنهم يستهجنون أن تسعى أي دولة عربية للتدخل في سورية أو أن تعرض حماية عشائرها، وسبق للاميركيين أن طلبوا من العرب أن ينسوا العراق ثم سلّموه الى ايران ولا يعارضون ابتلاعها اليمن أو قطعة منه.

يعرف نظام الأسد لماذا لا يزال يقاتل لكنه يوحي للقوى الخارجية بأنه يقاتل من أجل الدولة والمؤسسات، وإذ توهمه بأنها تصدّقه فيما تقول إنه فقد كل «شرعية» فإن الكذبة تريحها وتعفيها من صداع طرح بدائل مع المعارضة. أما هذه فتقاتل أيضاً من أجل الدولة والمؤسسات لتخليصها من قبضة الاستبداد، واذا قُدّر لها أن تدركها فلن تجدها سوى هياكل عظمية. الفارق بين الاثنين أن النظام له مَن يمثله على طاولات المساومة بين اميركا من جهة وروسيا وايران في المقابل، فالكل مسكون الآن بأفكار تقسيمية تبحث عن صيغ على الخريطة. أما المعارضة فلا تعنيها مساومات كهذه، ولا تثير اهتمام الدول المتعاطفة معها، ولا يمكن أحداً، ولا حتى تركيا، أن يمثّلها فيها. لكن ورشة المساومات توشك أن تبدأ.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى