بكر صدقيصفحات سورية

تسخين المواجهة مع إيران/ بكر صدقي

 

في الوقت الذي كنا نتوقع فيه رداً إيرانياً على ضرب إسرائيل لمطار تيفور العسكري، في التاسع من شهر نيسان الماضي، على ما هدد القادة الإيرانيون بصراحة، جاءت الضربة الإسرائيلية الجديدة لموقع اللواء 47 الإيراني في ريف حماة، ليكتمل الإذلال الإسرائيلي لإيران وأدواتها في الإقليم. لماذا هو إذلال؟ لأن الضربة الجديدة ستثبت أن إيران مغلوب على أمرها أمام إسرائيل، غير قادرة على الرد، مرغمة على ابتلاع الإهانة إضافة إلى الضرر العسكري المباشر.

فالانتخابات اللبنانية والعراقية على الأبواب. ولإيران في كل منهما نصيب مهم، يتمثل بحزب الله في لبنان، وحزب الدعوة والتمثيلات الشيعية الأخرى الموالية لولي الفقيه في العراق. فإذا كان حزب الله هو الأداة المألوفة لمقارعة إسرائيل نيابة عن إيران، فهو الآن بحاجة إلى الهدوء للسيطرة على البرلمان والحكومة اللبنانيين عبر الانتخابات، وليس من خلال مواجهة مستحيلة مع إسرائيل. مستحيلة في لبنان بسبب قرار مجلس الأمن رقم 1701، وصعبة في الجنوب السوري، بسبب تعقيدات تلك الجبهة، على رغم الحركية التي لاحظناها، في الأسبوع الماضي، حين سيطرت قوات الحزب على موقعين هناك.

قيل إن القذائف التي ضربت موقع اللواء 47 كانت من النوع المخصص للوصول إلى أنفاق وتحصينات عميقة تحت الأرض، الأمر الذي أدى إلى مفعول زلزالي قدر بـ2,4 درجة على مقياس ريختر! وهو ما ينبئ بخطورة الأهداف التي تم ضربها (صواريخ متوسطة المدى؟)، والخسائر الكبيرة التي تكبدتها إيران. لتضاف إلى خسائر الغارة على تيفور التي قتل فيها سبعة خبراء إيرانيين بينهم ضابطان كبيران.

الخلاصة أن «الدَيْن» الإسرائيلي بات كبيراً في ذمة ولي الفقيه وحزب الله، في وقت يشعران فيه أنهما مقيدان، ليس فقط بمناسبة الانتخابات النيابية في كل من لبنان والعراق، بل كذلك موعد الثاني عشر من أيار الجاري حيث من المتوقع أن «ينطق» ترامب بالحكم على الاتفاق النووي مع إيران، إما بقرار الانسحاب أو المطالبة بإجراء تعديلات كبيرة عليه تتضمن تقييد الأنشطة الصاروخية و«تقويض الاستقرار الإقليمي» الذي تمارسه ميليشيات موالية لإيران في سوريا ولبنان والعراق واليمن… و: المغرب!

هذه هي المفاجأة الجديدة التي أخرجها التحالف المواجه لإيران من جعبته في آخر لحظة. يقطع المغرب علاقاته الدبلوماسية، بصورة كاملة، مع إيران، بسبب دعم حزب الله بالمال والسلاح لجبهة البوليساريو، ويتلقى التأييد الفوري من كل من السعودية والإمارات. من السذاجة الافتراض أنها وقائع منفصلة بلا تنسيق مسبق بين الدول المعنية. الأقرب إلى المنطق هو قرار بتصعيد منسق ضد إيران عشية القرار الأمريكي بشأن الاتفاق النووي.

وفي هذا السياق، يمكن العودة إلى حدث جرى في شهر آذار من العام الماضي، حين تم إلقاء القبض، في إحدى المطارات المغربية، على رجل أعمال لبناني يدعى قاسم تاج الدين، لديه شبكة أعمال واسعة في عدد من الدول الإفريقية، متهم لدى السلطات الأمريكية بعمليات تبييض أموال لتمويل حزب الله اللبناني بملايين الدولارات. ترى هل ثمة علاقة بين تاج الدين الذي سلمته المغرب، في ذلك الوقت، إلى السلطات الأمريكية، و«الأدلة» التي قال المسؤولون المغاربة إنهم يملكونها بشأن تورط حزب الله في دعم البوليساريو بالمال والسلاح؟

في إطار التصعيد المنسق ضد طهران جاء العرض السمج الذي قدمه نتنياهو بشأن وثائق قديمة «تثبت» وجود برنامج إيراني لتطوير السلاح النووي، الأمر الذي رفضته الوكالة الدولية للطاقة النووية. سماجة العرض الذي لم يلق مهتمين بين الدول الأوروبية، لم يمنع اهتمام البيت الأبيض به. وهو المستهدف بالعرض أصلاً.

فقبل ذلك، كانت هناك زيارة غريبة لقائد القوات المركزية الأمريكية (سينتكوم) جوزيف فوتيل إلى إسرائيل، أواخر الشهر الماضي، مع العلم أن إسرائيل غير مشمولة بأنشطة هذه القيادة. أما وزير الخارجية الأمريكي الجديد مايك بومبيو، فقد بدأ نشاطه الدبلوماسي بجولة خارجية قادته إلى كل من السعودية وإسرائيل والأردن.

مجموع هذه التحركات ينبئ بمزيد من التصعيد ضد إيران، تهدف إلى «احتوائها» وفقاً للتعبير الأمريكي المألوف. أي تقليم أظافرها والحد من تمددها الإقليمي الذي يعبر عن طموحاتها الإمبراطورية. لا نعرف إلى أي حد يمكن أن يصل هذا التصعيد، ولا ما قد يكون الرد الإيراني عليه.

فمنذ بعض الوقت ارتفع منسوب التوقعات بشأن حرب محتملة بين إيران وإسرائيل على الأراضي السورية، وربما اللبنانية. ولكن ألا يمكن قراءة الضربات الإسرائيلية المتكررة للمواقع الإيرانية في سوريا بوصفها هي الحرب وقد وقعت فعلاً من غير إعلان صاخب وتحديد زمني؟ أي أن الحرب جارية فعلاً، وليست متوقعة للمستقبل. قد يكون التساؤل المشروع هو عن احتمال دخول دول أخرى على خط المواجهة مع إيران. وفي هذا الإطار يمكن الحديث عن مواجهات إضافية محتملة في حال استقدام قوات عربية إلى شرقي نهر الفرات، الأمر الذي يبدو أنه مطروح على الطاولة، بدلالة تصريحات الناطق باسم «مجلس سوريا الديمقراطية» رياض درار، والتغريدات الترامبية المتكررة عن «وجوب مساهمة الحلفاء».

الخلاصة أن سوريا التي نجح نظام بشار الكيماوي في تحويلها إلى مجرد ساحة للحروب الإقليمية وتصفيات الحساب الدولية، مقبلة على مزيد من الخراب والدمار.

٭ كاتب سوري

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى