صفحات العالم

تسخين النزاع العربي ـ الإسرائيلي لإنقاذ النظام السوري؟


باسم الجسر

سقوط طرابلس بأيدي الثوار وسقوط معمر القذافي معه، صادف اليوم الذي أعلن فيه الرئيس السوري، عبر شاشة التلفزيون، أنه «لا يكترث لموقف الدول الكبرى ومجلس الأمن من نظامه، ولا لنصائح تركيا، وأن موجة المظاهرات الشعبية تتراجع، وأنه ماض في تحقيق الإصلاح..؟!».

الخناق يضيق على النظام السوري من كل الجهات: دوليا وعربيا وداخليا. ولسنا نرى كيف سيتمكن هذا النظام من التغلب على كل الأطراف التي تطالبه بالاستجابة إلى مطالب الشعب أو بالرحيل؟

انتفاضة الشعب السوري حلقة أخرى من سلسلة «الربيع العربي». صحيح أن لموقع سوريا وأوضاعها السياسية، قوميا واستراتيجيا، أهمية خاصة، لا سيما في هذه الحقبة من تاريخ المنطقة. وأن أنظار العالم مركزة على ما يجري فيها ربما أكثر منه على انتفاضات عربية أخرى. وأن تعاطي المجتمع الدولي والدول العربية مع ما يجري في سوريا، ارتدى أكثر من طابع ونوع ودرجة، إدانة أو تحفظا. ولكن كل ذلك لا ينفي حقيقة ساطعة كالشمس وهي: أنه من الصعب على النظام السوري الحاكم أن يتغلب على شعب لم يكف عن التظاهر وعن المطالبة بتغييره، ومنذ أشهر، ولا يسأل عن إغلاق معظم الدول الكبرى الأبواب في وجهه. حتى ولو كان يملك القوة العسكرية والأمنية القادرة على ضرب المتظاهرين أو قمعهم أو تشتيتهم. وأما الإصلاح الموعود، أي إلغاء حالة الطوارئ وإطلاق المساجين والحريات الإعلامية وتعديل الدستور وإجراء انتخابات حرة، فقد تأخر كثيرا. وحتى لو تحقق إجراؤه فإن النتيجة الحتمية هي طي صفحة النظام البعثي – العائلي – الفئوي، دستوريا وسلميا، وقيام نظام ديمقراطي جديد مكانه. والشعب، في الحالين، هو الرابح الأخير.

وبديهي أن يسعى حلفاء النظام الحاكم في سوريا منذ أربعين عاما، إلى مساعدته على الصمود بوجه الانتفاضة الشعبية التي تهدده، والضغط الدولي الذي يتعرض له. وعلى الأخص إيران وروسيا، وإن اختلفت أسبابهما. فالحلف بين طهران ودمشق، منذ قيام الثورة الإسلامية في إيران، يشكل قاعدة رئيسية في المشروع الإيراني المذهبي للهيمنة على الشرق الأوسط، الذي نجحت في إنشاء قاعدتين أخريين له في كل من العراق ولبنان. أما روسيا فإن ما يهمها من الدفاع عن النظام ليس طبيعة النظام بحد ذاته بل لأن لها مصالح استراتيجية ومالية في سوريا، منذ نصف قرن وأكثر، تجعل من سوريا ورقة تغيظ بها الولايات المتحدة أو تساومها عليها.

لكن النظام السوري ليس بحاجة إلى مساعدة هؤلاء، لضرب الانتفاضة الشعبية، فالقوات العسكرية والأمنية السورية، وقياداتها الحزبية والمذهبية قادرة على ذلك، لوحدها. والأمل ضعيف في أن تتخذ هذه القيادات الموقف الحيادي أو المتجاوب مع الشعب، الذي اتخذته القيادات العسكرية التونسية والمصرية. ولكن إلى متى وإلى أي حد يستطيع النظام والقوات العسكرية والأمنية أن يستمر في استخدام القوة والعنف ضد الشعب؟ وإلى أي حد سيصل الضغط الدولي والعربي على النظام السوري، إذا استمر القمع وهدر الدماء؟!

من هنا، يعتقد المراقبون بأن المخرج الوحيد أمام النظام السوري وإيران هو نقل المعركة – وبالتالي الأنظار والاهتمام الدولي والعربي – إلى فلسطين، بتسخين المواجهة العربية – الإسرائيلية وخلق بؤر للتوتر في أماكن أخرى من المنطقة. ولقد تجلت هذه المحاولة في الجولان، منذ شهرين، ثم في بعض العمليات في جنوب لبنان، لتصل اليوم إلى ما حدث في سيناء وغزة وما يحدث، ربما، على الحدود التركية – العراقية.

لا ندري ما إذا كانت إسرائيل راغبة أو مضطرة إلى فتح جبهة قتال في الجولان أو جنوبي لبنان أو سيناء. ولا ما إذا كانت مصر «ستقع في الفخ الإيراني» وتعود إلى نزاعها المفتوح مع إسرائيل، وهي، بعد، تبحث عن نظامها الجديد وهويته العربية وموقعه الدولي. ولكن الأكيد هو أن النظام السوري سوف يرتاح كثيرا من الضغط الشعبي والعربي والخارجي إذا تجدد توتر النزاع العربي – الإسرائيلي، واندلعت في المنطقة معارك أو حروب أخرى. وأن إيران مستعدة لأي مغامرة لإنقاذ حليفها السوري، ذراعها الأولى والطولى في تنفيذ مشروعها الإقليمي. وهنا تبرز أهمية دور حزب الله وحماس الرديفين للدور السوري في لبنان وفلسطين، في إشعال النيران.

إن مصر، على الأرجح، لن تنجر إلى مغامرة عسكرية ضد إسرائيل ولن تلغي اتفاقية السلام معها. ولكن النظام المؤقت الذي يحكمها لا يستطيع تجاهل رد الفعل الشعبي العفوي المعادي لإسرائيل.

لا سيما أن التحريض السياسي والشعبي على تطبيع العلاقات مع إسرائيل، قائم ومتصاعد في مصر – وفي الأردن. وتعلق إيران وحلفاؤها في المنطقة، أي سوريا وحزب الله وحماس، آمالا كبيرة على ارتفاع درجة هذا التحريض والوصول إلى أبعد من ذلك، أي انضمام مصر والأردن ولبنان إلى جبهة الممانعة والمقاومة. وما تعيشه المنطقة اليوم ليس صراعا بين بعض الأنظمة السلطوية والشعب المطالب بالحرية والعدالة والديمقراطية، فحسب، بل هو أيضا صراع بين الجبهة التي تقودها أو تحرك خيوطها إيران، والمصير القومي العربي لشعوب المنطقة.

إسرائيل تلوح بالخطر النووي الإيراني عليها، ولكنها في الواقع مرتاحة إلى هذا التنازع العربي – الإيراني، والسني – الشيعي، في المنطقة، وعاملة على النفخ فيه. وصحيح أن الولايات المتحدة والدول الغربية باتت مقتنعة بعدم التدخل السياسي أو العسكري المباشر في الدول العربية والإسلامية، بعد تجربتي العراق وأفغانستان، ولكنه صحيح أيضا أنها ما زالت تقدم مصلحة إسرائيل على مبادئ العدالة والديمقراطية وحقوق الشعب الفلسطيني. أما تركيا، وأيا كانت تطلعاتها إلى دورها في الشرق الأوسط وعلاقاتها بالعالم العربي، فإنها ستجد نفسها، غدا أو بعد غد، منافسة لإيران، إن لم نقل في مجابهة معها، وقد يكون ميدان المجابهة سوريا.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى