صفحات المستقبلنائل حريري

تسلَّ بـ”الحرب الأهلية” السورية على أندرويد!/ نائل حريري

 

نائل حريري

ليس مهماً أن تكسب الحرب، بل أن تحقق السلام. انطلاقاً من هذه الفكرة، ابتُكرت لعبة الفيديو “Endgame: Syria”، التي تحاكي “الحرب الأهلية” في سوريا.

اللعبة التي دخلت سوق تطبيقات نظام “أندرويد” في نهاية 2012، وصدرت قبل أيام نسخة محدثة منها، تقدم نفسها على أنها “تجربة استكشافية تفاعلية للحرب الدائرة في سوريا”. ويؤكّد صنّاع اللعبة أنّها صممت “بعد دراسة طيف هائل من المصادر الإعلامية”. ولا يعمد مصممو اللعبة إلى إخفاء مصادرهم، فيدرجون رابطاً يقود إلى أهم المصادر التي اعتمدوها في صياغة تفاصيل اللعبة، ورابطاً آخر عن كيفية مساعدة المدنيين في سوريا.

عندما تصبح الحرب لعبة

تقدّم هذه اللعبة فرصةً للاعب نفسه في قيادة الحراك المعارض السوري ضدّ النظام بدءاً من الأسبوع 91 للثورة، بشقّيه السياسي والعسكري. على زاوية الشاشة، تظهر الأرقام الإحصائية (الأسبوع 91، القتلى المدنيون 39 ألفاً).

تتابع مراحل اللعبة أسبوعاً تلو الآخر، ضمن شقّين ثابتين: السياسي العسكري. يظهر مؤشر القوة السياسية المبدئي لكل من الطرفين (190 نقطةً للنظام و 110 للمعارضة)، وتبدأ مرحلة سياسية يجري جمع نقاط الدعم فيها من قبل الطرفين، ثمّ مرحلة عسكريّة يخسر الطرفان فيها النقاط. في كلّ من هذين الشقين، تعرض اللعبة أوراق القوة الموجودة لدى النظام، وتترك للاعب اختيار الجهات التي سيعتمد عليها ليضغط بالمقابل، فيختار اللاعب خطواته الاستراتيجية السياسية ثمّ العسكرية لينتهي كلّ أسبوع بنتائج محددة قد تحدّد مسار الأسابيع اللاحقة.

تفاصيل الحرب والسلام

لا تكتفي اللعبة بنقاط القوة التقليدية للنظام (متضمنة روسيا وإيران) أو مقابلاتها التقليدية لدى المعارضة (قطر والاتحاد الأوروبي وإنكلترا وليبيا والسعودية وفرنسا…)، بل تؤكد على تفاصيل واقعية. أثناء مراحل اللعب سنلاحظ أنّ قتل المدنيين أو تضرر المواقع الأثرية سيؤثر على نقاط كل من الطرفين. كذلك الضغط الإعلامي المعارض يؤثر على نقاط النظام، فيما يتبين أنّ بعض الأحداث المتزامنة مع الثورة السورية قد تحرف العين الإعلامية عن سوريا ما يؤثر سلباً على المعارضة. كذلك لا تنسى اللعبة أن تؤكد على وجود “النفاق” لدى بعض الدول الداعمة للثورة والتي تكبت حريات شعبها في الآن ذاته، وتعتبر هذا العامل السلبي سبباً في خسارة المعارضة لبعض النقاط.

تحاول اللعبة أن تكون واقعية بدل أن تكون عادلة. ضمن المرحلة العسكرية نلاحظ التسليح القوي للنظام مقابل ضعف التسليح المعارض. تسمّي اللعبة عناصر محددة كالشبيحة (Shabiha) وحزب الله (Hezbollah) والميليشيات الكردية والفصائل الفلسطينية. وتعرض- كلّما سمح توازن القوى بذلك- فرصاً لاتفاقيات سلام بين الطرفين. الملفت أنّ اللعبة تختم دورة الحرب، سواء انتهت بفوز المعارضة أو هزيمتها أو عقد اتفاق سلام، بالجملة ذاتها: “لقد انتهت الحرب الأهلية في سوريا”.

 من الأخبار إلى الألعاب

مجموعة المبرمجين لهذه اللعبة، وأمثالها، يقدّمون أنفسهم تحت اسم “Game the News” أو “تحويل الأخبار إلى ألعاب”.

“لماذا نفعل ذلك؟” يسأل مصممو اللعبة، ويجيبون: “هذه طريقتنا للتعبير عن آرائنا في العالم من حولنا. ليس من الضروري أن تكون الألعاب مادة استهلاكية خفيفة. يمكن تحميلها موضوعات جدّية وتوسيع الجمهور الذي يتابعها في كل مكان. الألعاب لغة عالمية يمكنها أن تحمل رؤيتنا لما يحدث في العالم”.

 ليست مجرّد ألعاب

كثير من التعليقات على اللعبة، في قسم الألعاب الخاص بـ”غوغل” مثلاً، تتضمّن انتقاداتٍ على عدم حياديتها. على سبيل المثال، تقدّم اللعبة الوضع السوري كحربٍ أهليةٍ صرف بغض النظر عن كونها ثورة. أيضاً، لا تطرح اللعبة الولايات المتحدة بين الدول الحليفة للمعارضة وقد يكون ذلك لأسباب تتعلّق بالمساءلة القانونية. لكنّ هذا لم يمنع من التضييق على اللعبة، ففي حين قامت شركة “غوغل” باستضافتها ضمن متجر “أندرويد” الإلكتروني، رفضت شركة “أبل” القيام بالمثل ما جعلها تخسر طيفاً واسعاً من مستخدمي “آيفون” و”آيباد” حول العالم.

يبدو أنّ الألعاب قابلة لتكون وسائل إعلاميّة حقيقية طالما يقبل أصحاب المشروع تحمّل أعباء الإعلام. ويشبه ابتكار اللعبة العمل الإعلامي في أنّه يبقى مرهوناً بالعاملين الاحترافيين في هذا المجال وبقدر التمويل الداعم له. أيضاً، يبدو أنّ هذا النوع من الألعاب لن يسلم من التضييق الإعلامي بشكلٍ أو بآخر… أي أنّ هذه الألعاب تتحوّل إلى إعلام بكلّ ما يحمله مفهوم الإعلام من تعقيدات، وتأثير على آراء الملايين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى