صفحات سورية

تسلّح السلمية وسلمية السلاح….. الطريق الوحيد لانتصار الثورة السورية


الشعب السوري عارف طريقه

النظام و الثورة وصلا إلى مرحلة اللاعودة ولكن في ظل قيادة سياسية هشة للمعارضة والفشل “القريب من الذريع” لأداءها الراهن وصمت العالم المتوقع لأن المجتمع الدولي على ما يبدو حين يريد أن يصغي لسوريا يضع أذنه في تل أبيب

من هنا باتت الثورة تعرف أنها يجب ان تحمي نفسها. و من لدن المؤسسة العسكرية المحكمة الإغلاق خرج السلاح بعنوانين.

– الأول الضباط الأحرار و لسبب غامض تم التعتيم عليه بسرعة بعد اختطاف قائده الهرموش مخدرا من تركيا.

– والثاني جاء لاحقا و اسمه الجيش الحر. و بسبب تعامل السوريين معه بحذر غريزي معهود مع الأيام والارتباكات الأولى، والتخبط السياسي، وإعتماد إعلام الثورة مبدأ الاصطفاء والانتقاء “كالجزيرة مثلا “. تأخر التعرف على الجيش الحر…. من هو ؟ كيف يعمل ؟ ماذا يريد ؟

وكانت الريبة مصاحبة له ولتسميات كتائبه والعبء الهائل على الأهالي لحمايته في بداية الانشقاقات…. كل هذا جعل منه مجرد تسمية غامضة في فضاء محتشد بالتسميات.

لكن الحراك السلمي أو ثوار السلمية أصيبوا بالاحباط نظرا لكون بعضهم أغرار في العمل السياسي وبعضهم الآخر لم يعش بشكل مباشر تحت هول القصف والرعب الذي تعرض له ثوار التسليح.

استجمعوا هؤلاء قواهم وانخرطوا بجدية أكبر في إضراب الكرامة وأيام الحرية و تجاوب الشارع الثائر معهم بكل اقتناع على أمل أن تحصل معجزة ما. كأن يعطس الجسد السوري فجأة مخرجا هذا البلغم المقرف من خياشيمه.

ولكن نظاما مثل النظام السوري متجذرا بالصلف والعنف زاد من القتل المنظم وحافظ بشكل ممنهج على عداد الشهداء اليومي. منتقلا من عمليات قتل و قمع إلى أخرى, مزيدا في الاحتقان و المرارة، و موجها حملة شعواء لقتل واعتقال ونفي القيادات الواعية في النشاط السلمي، و ممارسا أشد الوسائل خبثا وترويعا على كل الشخصيات العلمانية والمدنية و الدينية والقيادات الشبابية من الأقليات و الطوائف لتلبيس الثورة الثوب القديم الموضوع في خزانة الأسد الأول منذ الثمانينات. يوم كان التخويف من الأخوان المسلمين وصفة ناجعة لردع وجود أي محيط حيوي للتغيير.

إحساس المهانة الذي كان و مازال النظام يشعر به حاول تعويضه رأس النظام بابتكار بطولة خلبية في إلقاء خطب تضاف إلى إرشيفه الوضاء بالتفاهة وهروبه الكركوزي بين أشجار مكتبة الأسد.

وانتقل بعدها إلى استخدام ما يحب الطغاة استعماله…. العبارة الشهيرة “سنضرب بيد من حديد ” …. وهنا نسجل بشرى تاريخية تقول : إن كلّ طاغية استخدم هذا المصطلح انتهى إلى أعماق مزبلة التاريخ مهزوما أو هاربا مغمورا بالعقب الحديدية.

السلمية أو الحربية؟

تجسد الصراع على عنوان هذه الجمعة بمحاولة استبسالية من شباب العمل المدني السلمي لأخذه إلى دولة مدنية….. و بمجموعة كبيرة تريد أي عنوان عسكري لدرء القتل اليومي.

و لنكن موضوعيين، لقد فشل الحراك السلمي بتحريك دمشق وحلب و باقي المدن الكبيرة التي لها حضور معنوي مثل طرطوس، السويداء، الرقة والقامشلي كما ينبغي وفشل نوعا ما بزحزحة كتلة الطوائف الواقفة في الوسط الضيق. ولكنه استطاع اجتراح معجزات تنظمية لشباب كانت حتى الامس القريب علاقتهم بالسياسة لا تتعدى معرفة أسماء تيارات وأحزاب لبنان.

أستطاع هؤلاء الشباب طوال فترة الحراك التصدي لرواية النظام الطائفية وتفتيتها وتفنيدها مما شجّع الكثير من الأفراد و الكثير من الطوائف والاقليات الانتماء للثورة قلبا وعملا ودعما ومساندة.

لقد تجلى الاحباط إلى ما يشبه الانقسام الحاد في الرأي بين الثائرين في التسمية الأخيرة للتصويت حول جمعة الدفاع عن النفس أو جمعة الدولة المدنية…. و عملت جرائم النظام المتتالية على إذكاء الانقسام هذا و زيادة حدة التوتر بين الجميع

وهنا نسجل ملاحظتين:

– الأولى: إنه لا اختلاف جوهري على الهدف والتسميتين…. ولكن الخلاف على التوقيت…. فشباب السلمية أنجزوا خلال الأسابيع الماضية عملا رائعا يستحق التقدير و دفعوا الثورة إلى مراحل لم تكن لتصلها دون جهودهم

– الثانية: شباب التسليح أقرب إلى أرض الأماكن الموجوعة…. هم يعرفون ما يحشده النظام وأنه في طور فقدان السيطرة قد جهّز ورقته الأخيرة ” الضرب بيد من حديد ” وحشد قواته لعملية الحسم. وهؤلاء ما يهمهم اليوم هو اللحظة الراهنة

وما يهم شباب السلمية أكثر هو اللحظة القادمة لما ما بعد النظام و بناء الدولة العادلة و المجتمع الأقوى و الحفاظ على بنيان الدولة السورية الواحدة مع حقن دماء السوريين. يعني الاختلاف حول الأولويات وليس في الجوهر.

شباب السلمية كانت رؤيتهم أن ما يحدث ربما يضر مستقبل الحراك و مستقبل الوطن و يعطي مبررا للنظام لكي يبطش أكثر بأبناء هذا الشعب و يرفع فاتورة التغيير من شهداء هذا الوطن

و بدا الانقسام حادا و بدأ التنابز بين الجميع و لو كانوا كلهم على قلب واحد و همّ واحد

ونعتقد أن ما حصل سيكون له تاثير إيجابي لاحقا على الوطن ككل وإن كان الآن يوحي بأن التصلّب والتطرف بدأ يدخل إلى لغة الناشطين. وهي عوارض مؤقتة وصحية بمرحلة ما قبل النضج الاجتماعي الجمعي.

لنختصر ونقول نحن اليوم أمام مشهد يقول التالي:

النظام لديه مقياس حرارة وضعه في مؤخرة ما يسمى المجتمع الدولي و يعرف أن الحرارة لم تصل بعد إلى درجة ان يقوم هذا المجتمع الدولي برميه و لفظه . لذلك يطمئن، وخلال الفترة الماضية نجح نتيجة العنف والقمع وآلة الإعلام الجهنمية بخلق ما يريده نوعا ما دون أن يلتفت إلى أن اللعب بالنار و العنف الذي يستخدمه و يشجّع عليه لابد و أن يرتد و يخرج عن قدراته للسيطرة عليه

كان يتوقع مجموعات محددة من المنشقين وبعض المدنيين المسلحين في أماكن محددة، ولأن هذا النوع من السحرالأسود ينقلب دائما على الساحر. فكانت النتيحة أن أوجد له حقيقة مجموعات ليست مسلحة فحسب، بل مصرة ومؤمنة وشغوفة لقتاله.

وهنا عقد المقارنة مع الأخوان المسلمين والطليعة المقاتلة التي حاربت بشراسة غير موفق بالمرة. لأنها كانت تحارب دون بوصلة ودون غطاء شعبي يتسع يوما بعد يوم كما يحدث اليوم

الناس في الأماكن المسحوقة تتعرض منذ أشهر لأكبر عمليات وحملات إذلال ووأد منظم…. هؤلاء تحت وطأة غريزة الحياة والموت اليومي…. و الايمان الكامل بعدالة ما يسعون إليه و يطلبوه…. فماذا نتوقع منهم؟ طبيعي أن يخرج الشباب للدفاع عن النفس، وايضا لتحقيق نوع من الانتقام وخلق رعبٍ موازٍ

الناس المنتقضة تفهم مسألتين ( السلاح يحمي و يهدد.) وهذه المُسلّمة اليوم لم تبتكر من فراغ بل وصلت لأي متظاهر ثائر سلمي كان أو نصف سلمي في المدن المكلومة بعد أن ذاق أهوال العنف.

لذلك يصبح إسداء النصح والطلب منهم التخلي عن هاتين الوسيلتين الأخيرتين. بمثابة انتحار .

نعم…. إن طلب أن يبقى الثائر مسالما وهو يرجم بكل أنواع العنف و القتل. تمني لا يعادله سوى حلب النجوم.

اليوم يسبح الثوار في بحر من الدم، عدتهم عبوة أكسجين ممتلئة بالأمل المنبثق من الالم، وفي يدهم “كاميرا” لتوثيق الموت… وحَربة لرد الأذى اسمها الجيش السوري الحر.

مطالبة ثوار السلمية هؤلاء بنزع أي من هذه الأدوات هو مثل محاولة إقناع الغوّاص بالذهاب لمعانقة التماسيح وأسماك القرش بأنه ذاهب لمداعبة الدلافين.

فما هو المطلوب إذا؟:

إسباغ الشرعية على الدفاع عن النفس ريثما يرتب الجيش الحر أموره.

فكل المؤشرات تؤكد إن الناس الموجوعة وجدت بصيصا في هؤلاء الشباب الذين تسلحوا أو أنشقوا. فهم عامل الأمن والأمان والأمل الوحيد لهم.

و ليكن إيماننا بأخلاقيات هؤلاء الشباب وضمائرهم الحية ونشاطهم في خدمة أهلهم وحماية الثورة ليس من القمع فحسب بل من شلل “الزعران” واللصوص المتوقع أن تجد بيئة لها وسط هذه الفوضى.

ومطلوب من شباب التنسيقيات التعاون مع الجيش الحر و مساعدته لتقديم صورة نزيهة عن نفسه، وترتب حضوره الإعلامي ودعم تسميات وطنية جامعة في كتائبه، و عزل اللصوص والمرتزقة ممن يحملون السلاح مستغلين الفراغ الأمني ومنعهم من استخدام اسمه.

كما يجب أن ينتبه الجميع من مخاطر حمل السلاح بشكل فردي فوضوي غير منظم تحت قيادة صحيحة… فلهذا عواقبه المدمرة للبلاد و للثورة…. و هنا تكمن المسؤولية المشتركة بين الشباب المتحمس و الجيش الحر

إن الشباب السلمي الثائر هو العمود الفقري لهذا الحراك…. و سيبقى الخزان الثوري الأكبر…. فهو من تصدح حناجره في المظاهرات…. و هو من يقدم الدعم للثورة و الاغاثة للمنكوبين…. و قد قدّم هؤلاء الشباب الكثير الكثير من الشهداء…. و لعل التذكير واجب بأن مهمة الجيش الحر الأولى كانت حماية المدنيين و الثائرين السلميين…. و لن ينتهي دور الثائر السلمي ولا يمكن لأحد أن يهمّش دوره و يقزّم نضاله و تضحياته

الجيش الحر يجب ان يتماثل مع أخلاقيات الثورة ويتماسك بسرعة، ويعمل على إثبات جدارته. يمكن هنا ان نعتمد ما صرح به.مالك الأشتر قائد كتيبة الأشتر في الجيش الحر للناشطة السلمية الحقوقية رزان زيتونية. ونشر في جريدة الحياة كنقطة إلتقاء بين فكرين كل واحدة منها تكمل الأخرى “السلمية والتسليح”.

مالك الأشتر متظاهر سلمي لم يغادر البلد ووجد نفسه مع أخوته وعائلته المكلومة على قائمة المطلوبين أحياء أو أموات فهنا السلاح ليس موضوعا للنقاش بل الحل الوحيد للكثريين من أمثاله. وبدل من إقامة المأتم حول “لبينة سوريا ” أي تحويل سوريا إلى ليبيا” نجد من يحمل السلاح من امثال الأشتر يستحقون الدعم والحماية والتغطية

أصرّ الأشتر في مقابلته على وضع الخطوط العريضة لمباديء الجيش الحر حين رد على سؤال رزان التالي:

باعتبارك كنت في يوم ما متظاهراً ثم تحولت إلى مقاتل، ماذا تقول لدعاة السلمية وماذا تقول لدعاة العسكرة؟

بأجابته التي ننقللها كاملة وحرفية

أقول لدعاة السلمية وللمتظاهرين استمروا في سلميتكم ما دام هناك أمل بالحل السلمي، لأن إراقة الدماء ليست بالأمر السهل، ولو كان الحل باستمرار السلمية حتى لو طال الوقت أكثر، فهذا أفضل بكثير. وأقول لدعاة العسكرة، إياكم والطائفية، لأن النظام يلعب على هذا الوتر، وأذكرهم بألا يظلموا أحداً أياً كان دينه أو مذهبه، وألا يوجه سلاحهم إلى أي شخص إلا إذا دعت الحاجة لدفع الظلم عن الناس، ولا فرق بين مسلم ومسيحي وعلوي وكردي نحن سوريون، وقضيتنا واحدة. وهذا ليس كلاماً للدعاية، هذا ما يجب أن يكون إذا أردنا الوصول فعلاً الى أهداف ثورتنا.

خلاصة:

من هنا يمكن أن نجد الارضية المشتركة للعمل. فالثورة باتت تحتاج إلى رزان وما تمثله ومالك وما يمثله متحدين معا لتستطيع المضي إلى أهدافها. لا يمكن أن نسمح للتخندق و التمترس أن يصل إلى الثائرين ليفتت عضدهم و يشق صفوفهم

أخيرا. ربما نستفيد من عبر التاريخ ورجاله ونسوق هنا أربع مقولات لختام هذه القراءة ونعتذر عن الإطالة.

إن الثورة هي صراع بين الماضي والمستقبل ، والطريق الى انجازها ليس مفروشا بالورود

كاسترو

لا يمكن القيام بالثورة للوصول إلى الديمقراطية عليك أن تتحلى بالديمقراطية لتحقيق الثورة

جيلبير تشرتيرتون

لن يكون بامكانك القيام بثورتك وأنت ترتدي القفازات البيضاء.

لينين

كنا نعتقد أن الثورات هي المسببة للتغير والحقيقة هي عكس ذلك فان ما يمهد الطريق للثورات هو التغيير.

إيريك هوفر

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى