صفحات العالم

تسوية الأزمة السورية ممكنة

 

علي الغفلي

تتصف الأزمة السورية بأمرين اثنين، الأول هو أنها أزمة ممتدة من الناحية الزمنية، والثاني هو أنها أزمة مكلفة من الناحية الإنسانية . يوجد رابط وثيق بين الصفتين، حيث إن استمرار أمد الأزمة يعني بشكل مؤكد ارتفاع حجم التكلفة البشرية والمعاناة الإنسانية بالنسبة للشعب السوري، وفي المقابل فإن الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها وضع حد لهذه التكلفة المتفاقمة تتمثل بإيجاد أية تسوية معقولة للأزمة، تضمن الوقف الفوري للاقتتال الوحشي .

يمكنك أن تستخدم المنظور الذي تشاء عندما تحاول فهم سبب استمرار الأزمة السورية إلى فترة السنتين، وهي فترة مرشحة للامتداد بشكل ليس بمقدور أحد التنبؤ بحدوده الحقيقية . المنظور الأول هو أن كلاً من نظام الأسد والمعارضة على درجة كبيرة من القوة، إلى الحد الذي يجعل بإمكان كليهما الصمود والاستمرار في القتال حتى أجل غير مسمى . المنظور الثاني هو أن كلاً من النظام والمعارضة يعاني الضعف، إلى الدرجة التي تجعل أياً منهما عاجزاً عن حسم القتال لمصلحته على الرغم من مرور ثلاثة وعشرين شهراً منذ بدأت الأزمة .

النتيجة واحدة في الحالتين، وهي أننا أمام أزمة جوهرها الصراع بين طرفين متكافئين تقريباً، لا يستطيع أحدهما هزيمة الآخر، ولكنه يستطيع فقط دفع الهزيمة عن نفسه . إن تكافؤ القوة في مثل هذه الحالات هو تكافؤ غير محمود، لأنه يجلب تبعات سلبية، إذ يهدد بأن يتحول هذا الصراع إلى صراع ممتد، يتحدى النهايات الحاسمة، ويتسبب في سقوط المزيد من الخسائر البشرية . وعندما تستند دوافع الاستمرار في الصراع إلى نزاعات طائفية أو عقائدية أو عرقية، كما هي الحال في الأزمة السورية، يتقلص الأمل في أن يستوعب الطرفان الفجوة بين تكلفة استمرار الصراع والعائد من ورائه، فتتكاتف مثالب القوة المتكافئة مع هواجس الكراهية المتبادلة لتنتج في نهاية المطاف صراعاً هيكلياً يمتلك أسباب الاستدامة كافة .

لا تخفى على أحد نبرة اليأس المستبدة بمعظم المهتمين بالأزمة السورية، وباعتبار أن صنع حالة اليأس كان هدف نظام الأسد على الدوام منذ نشبت الأزمة، فإن المجتمع الدولي الذي يقف اليوم قانطاً إزاء مجريات الثورة السورية مرشح للغرق بشكل متزايد في خضم اليأس بعد مرور كل يوم من دون إيجاد تسوية مستقرة للاقتال السوري . يقف المجتمع الدولي عند مفترق طرق، وصار يتعين عليه الاختيار بين الاستسلام لليأس أمام وحشية الأزمة السورية ودمويتها عالية التكلفة، أو انتشال نفسه من اليأس والمبادرة من أجل وضع حد للعنف الجنوني الذي يزهق الأرواح ويشرد البشر .

إن تسوية الثورة السورية ممكنة، وليس مهماً فيما إذا كانت هذه الفكرة تجسد حقيقة واقعية أم أنها مجرد مقولة يتعين على النبلاء في المجتمع الدولي تكرارها في وجدانهم عندما يحاولون استنهاض الجهود الدولية من أجل صياغة وفرض حل يتكفل بوضع حد للأزمة السورية . ليس من المتوقع على الإطلاق أن يبادر أياً من الطرفين المتصارعين المتكافئين، النظام أو المعارضة، إلى التقدم بمبادرة موثوقة لتسوية الأزمة الطاحنة في سوريا، وإن كان ثمة جهة مؤهلة لتقديم مثل هذه المبادرة المطلوبة، فإن هذه الجهة تتمثل بالأطراف الدولية الفاعلة، وإن كان ثمة وقت مناسب للتقدم بهذه المبادرة الملحة فإن هذا الوقت هو الآن .

لا فائدة ترتجى من الانتظار أسبوعاً إضافياً قبل أن تنطلق مبادرة دولية صادقة، إذ إن كل أسبوع يمر لا يأتي بالحسم المطلوب للأزمة السورية، ولكنه يأتي بمئات عدة من القتلى وعشرات الآلاف من النازحين . لقد حان أوان الخروج من فخ الانتظار والترقب الذي لا يفضي إلى أي شيء، وحل آوان تكثيف الدبلوماسية الصارمة التي تجمع جهود الدول الداعمة لنظام الأسد والداعمة للمعارضة . واقع الأمر هو أن تسوية الأزمة السورية عن طريق المبادرة الدبلوماسية قد صارت واجبة الآن، خاصة بعد أن ثبت أن الاقتتال العسكري لا يؤدي إلى إنهاء الأزمة بأي شكل من الأشكال .

لقد صارت تسوية الأزمة السورية ممكنة بعدما تبدت بوادر دولية ربما تشير إلى هذا التوجه . لقد طلب كل من بان كي مون والأخضر الإبراهيمي من الدول التي تدعم النظام والمعارضة عسكرياً بالتوقف عن تقديم هذا النوع من الدعم . وصرح رئيس الوزراء الروسي بدوره أن بشار الأسد قد ارتكب خطأ فادحاً برفضه التفاوض مع المعارضة حين كانت سلمية في بداية الأزمة، كما أبدى وزير الخارجية الروسي استعداده للقاء رئيس الائتلاف السوري المعارض معاذ الخطيب في موسكو، بعدما أعلن هذا الأخير استعداد المعارضة التفاوض مع ممثلين لنظام الأسد . إن مثل هذا التطورات مشجعة لفرص التوصل إلى تسوية معقولة للأزمة في سوريا، وقد صار رؤية المزيد منها مرغوباً .

أغلب الظن أن التسوية الدبلوماسية المتصورة للأزمة السورية لا تسمح لأي من الطرفين، النظام أو المعارضة، تحقيق أهدافهما القصوى، الأمر الذي قد يعني الدخول في تسوية تفضي إلى خروج بشار الأسد من السلطة في نهاية المطاف، ولكن بعد أجل مسمى . وإن صح وصف الصراع الدائر في سوريا بأنه بين طرفين متكافئين، فإن التسوية المنشودة سوف لن تنتج خروج أي طرف بشكل سريع وخاسر ومخزٍ بالطريقة التي يمكن أن يتصورها البعض كنتيجة لسقوط النظام وانتصار المعارضة، أو بالعكس صمود النظام وهزيمة المعارضة . والحال كذلك، لن تسمح التسوية الدبلوماسية المحتملة بخروج طرف فائزاً أو خاسراً بشكل كامل، وهذا أمر ربما يكون صادماً للكثير من المهتمين بالشأن السوري، ولكنه يجسد النتيجة الأكثر احتمالاً نظراً لطبيعة الصراع التي تغلب عليها صفة التكافؤ .

الأمر المثير في مثل هذه التسوية السلمية المرتقبة يتعلق بمصير بشار الأسد، ومن المحتمل أن يتشابه هذا المصير في جوانب كثيرة مع المصير الذي حظي به الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، وسوف يتعين فهم الأمر حينئذ بمثابة المردود الذي يجنيه رأس النظام في مقابل تخليه عن السلطة في الوقت الذي يمكنه الاستمرار في الحكم والتسبب في إيقاع المزيد من الخسائر البشرية والتكاليف الإنسانية .

الخليج

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى