صفحات الثقافة

تشارلز سيميك: استفسار في آخر الليل

 

 

ترجمة: سنان أنطون

ولد تشارلز سيميك عام 1938 في بلغراد، وعاش الحرب العالمية الثانيّة وأهوالها في طفولته قبل أن يهاجر إلى الولايات المتحدة عام 1954. يُعَدّ من أهم شعراء أميركا الأحياء. نشر في العقود الخمسة الماضية ستاً وثلاثين مجموعة شعريّة، بالإضافة إلى ترجمات من الشعر الفرنسي والصربي والكرواتي والسلوفيني.

حصل على كبريات الجوائز في الولايات المتحدة، ومنها جائزة «بوليتزر» عام 1990، وجائزة «والاس ستيفنز» عام 2007، وتوّج عام 2008 شاعراً رسميّاً للولايات المتحدة. يعمل أستاذاً في جامعة نيوهامبشير منذ عام 1973.

القصائد المترجمة هنا مأخوذة من آخر مجموعة صدرت له أواخر العام الماضي بعنوان «المجنون». قصائد محكمة البنيان، يمزج فيها سيميك، برشاقة كعادته، بين الملهاة والمأساة، بنبرة ساخرة وببساطة خادعة، تحيل دائماً إلى عمق الشعر وغموضه الأخّاذ.

 

ابنة السيّاف

 

بانتظار أن تأتي إليّ

بعد أن تنتهي من تنظيف بقع الدم

من قميص والدها

أسمع قدميها الحافيتين

على البلاط الصلب خارج زنزانتي

أفكر بسرعةٍ بطرقٍ

أشْغِلُ بها يديّ

بينما تنزع هي تنورتها

بين القبلات أشرح لها

كيف أنني بعد أن أضعت العمر

مُخلِصاً لقضايا خاسرة

وجدتُ السعادة بين ذراعيْ

أجمل بنات الموت

أعتني بما تحتاجه في الليل

ما دام رأسي فوق كتفيّ.

 

القاموس

 

قد تكون هناك كلمة في مكان ما فيه

لوصف العالم هذا الصباح

كلمة عن استمتاع النور المبكّر

بمطاردة الظلام

في نوافذ المحال والمداخل

وكلمة أخرى تصف مكوثه

فوق إطار نظارات معدني

أسقطه أحدهم على الرصيف

ليلة أمس وترنّح بعماء

يحدّث نفسه أو يدندن أغنية ما.

 

إعدام

 

كان الشروق الأبكر

والأهدأ

ظلّت الطيور، لأسباب تخصّها

وحدها، ساكتة

على الأشجار

التي ظلّت أوراقها هادئة

ورُشَّ عدد صغير منها

في الأغصان العليا

بالدم النّضِر

 

آه، قلتُ

 

الروح هي موضوعي

ومن الصعب الحديث عنها

فهي لامرئية

صامتة، وغائبة معظم الوقت.

وحتى عندما تظهر

في عيني طفل

أو كلب سائب

لا أجد الكلمات..

 

أبديّات

 

أيها الدكّان الصغير

أتبيع بيوت العنكبوت والظلال فقط؟

رأيتُ انعكاسي الشاحب

في داخلك المعتم

مثل لصّ مؤدب

غير قادر على أن يقرّر:

عقد اللؤلؤ

أم الساعة القديمة على الحائط؟

قطرات المطر

طمست ما تبقّى

وهي تسيل

أسفل الزجاج

الذي ضغطت جبيني عليه

كأنّني أبرّد الحمّى

 

استفسار في آخر الليل

 

هل عرّفت نفسك على نفسك

كما قد يفعل زائر على بابك؟

هل وجدت مقعداً في غرفتك

لكل من ذواتك المشاكسة؟

لكي تنسحب إلى أفكارها

أو تحدّق في الفراغ كما لو كان مرآة؟

هل لديك عود ثقاب يمكن أن تشعله

لتجعل ظلاله ترقص على الجدار؟

أو تطوف كأحلام على السقف

كما تفعل الأوراق في أصائل الصيف؟

قبل أن تنحني ويتم إسدال الستارة

بينما يحرق عود الثقاب أطراف أصابعك؟

 

حكايات

 

لأن كل الأشياء تكتب حكاياتها

مهما كانت متواضعة

فالعالم كتاب عظيم وكبير

مفتوح علي صفحة مختلفة

في كل لحظة

حيث يمكنك أن تقرأ إن شئت

حكاية شعاع من نور الشمس

في صمت الأصيل

وكيف عثر على زرّ

كان ضائعاً منذ زمن طويل

تحت كرسيّ في الزاوية

زر أسود صغير كان مكانه

على ظهر فستانها الأسود

عندما طلبتْ منك ذات مرّة أن تزرّره

بينما كنت تقبّل رقبتها

وتمد يديك إلى نهديها.

 

فلنحذر

 

يمكن أن يقال المزيد

عن ذبابة ميّتة

في شبّاك

كوخ صغير

وعن آلة طابعة

لم ترفع مفتاحاً

من مفاتيحها منذ سنين

بسبب الغبطة

واليأس أيضاً.

 

موسيقى ليليّة

 

أيها الجدول الصغير المار بالقرب من بيتي

أحبّ النغمة التي تدندن بها لنفسك

حين يأتي الليل

وأنا وأنت فقط مستيقظان

تؤانسني لكي لا أخاف

من الظلام حول سريري

ومن الأفكار التي في رأسي

إذ تطير بشكل متعرّج

بين الكنيسة القديمة وبين المقبرة

 

النبيذ

 

مهما كان لديك من سلوى لي

يا كأس النبيذ المعتّق

فوشوشي به في أذني

مع كل رشفة

في أذني أنا فقط

في هذه الساعة

التي تجعلها الأخبار على المذياع مهيبة

إذ تضع الحرائق المحتضرة في الغروب

والأشجار في حديقتي

معاطفها السوداء.

 

في زمن جدتي

 

الموت يطلب من امرأة مسنّة

أن تخيط له زرّاً

فتوافق وتخرج

من السرير وتبدأ بالبحث

عن إبرتها وخيطها

بشمعة موقدة

كان الكاهن قد وضعها

فوق رأسها.

 

الحصان

 

استيقظت في منتصف الليل لأجد

حصاناً يقف بصمت فوق سريري

«يا صديقي، كم أنا سعيد بوجودك!» قلت له

الثلج يسقط ولا شك أنك تشعر بالبرد»

والوحدة في الأسطبل في نهاية الطريق

خصوصاً أن المزارع وزوجته ماتا

سأغطيك ببطانيّة وسأبحث

عن قطعة سكّر في المطبخ

مثل تلك التي رأيت رجلاً يرتدي قبّعة كبيرة

يمرّرها لفرس في السيرك

لكنني أخاف أن تكون قد رحلت عندما أعود

إذاً فمن الأفضل أن أظل هنا

وأؤانسك في الظلام».

 

كلمات

العدد ٢٨٠٧ السبت ٦ شباط ٢٠١٦

(ملحق كلمات) العدد ٢٨٠٧ السبت ٦ شباط ٢٠١٦

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى