صفحات العالم

تشقق صرح النظام السوري

Michael Broening – Foreign Affairs

ترجمة الجريدة الكويتية

تتحدث تقارير حقوقية دولية عن مقتل نحو 800 سوري منذ منتصف شهر مارس، فضلاً عن اعتقال الآلاف، وها هم اليوم محتجزون في سجون بدائية، وهكذا، عكست مقاربة الأسد ما اعتمده معمر القذافي، الذي أخفق رد فعله العنيف تجاه التظاهرات في ليبيا في إسكات المعارضة، لا بل أججها وأرغم المجتمع الدولي على التدخل.

في الحادي والعشرين من أبريل، أعلن الرئيس السوري بشار الأسد نهاية السنوات الثماني والأربعين التي طُبق فيها قانون الطوارئ، وعلى الرغم من جهوده لإخماد التظاهرات فإنها لاتزال تتصاعد بصورة متواصلة، لذلك، تخضع دمشق اليوم لحالة طوارئ لم يسبق لها مثيل، ولا شك أن المسار الذي سلكته التظاهرات السورية فاجأ كثيرين، فقد ذكرتُ على موقع ForeignAffairs.com في شهر مارس عام 2011 أن ‘تهديدات النظام الجدية باللجوء إلى القوة’ والتحالف الذي شكلته الأقلية الحاكمة المناهضة للولايات المتحدة مع الجيش ونخبة هذا البلد لدعم حكمها ‘سيحولان دون تنامي حجم القوى المعارضة في المستقبل القريب’. وأشرتُ أيضاً إلى أن الخوف من أعمال القمع العنيفة والتوتر الطائفي سيشجع السوريين على ‘تعليق آمالهم على عملية إصلاح بطيئة وراسخة’.

لا شك أن هذه العوامل أخرت النشاط الداعم للديمقراطية، ففي حين نجحت الشبكات الاجتماعية في حشد مئات آلاف المتظاهرين بسرعة كبيرة في مصر وتونس، تنامى الزخم في سورية تدريجياً. ومع أن التظاهرات عمت البلاد، لم يشارك بعض الناشطين فيها خوفاً من لجوء الجيش إلى القوة، وعلاوة على ذلك، لم يتجاوب الشعب مع الدعوة إلى الإضراب العام، لكن الأمثلة الإيجابية على التغيير الحاصل في مصر وتونس أشعلت غضب الآلاف الذين نزلوا إلى الشارع، وزادهم رد فعل النظام العنيف تجاه مطالبهم الأولى المتواضعة تصميماً وعزماً، وبمرور الوقت، انتقلوا من المطالبة بإنهاء قانون الطوارئ وإدانة فساد النظام إلى الدعوة صراحة إلى تفكيك نظام الحكم، وهكذا، تنامى الزخم المناهض للنظام السوري. وأظهر الأسد أنه عاجز عن التهرب من الدعوة إلى التغيير السياسي، التي تتفشى في أرجاء المنطقة المختلفة.

اتبع الأسد المقاربة الفاشلة عينها التي اعتمدها نظيراه المخلوعان في تونس ومصر، فحاول سلب هذه التظاهرات شرعيتها، معتبراً إياها ‘مؤامرة خارجية’، وقدم أيضاً تنازلات محدودة على أمل استرضاء الشعب من خلالها، ولربما كانت الوعود برفع حظر ارتداء المدرسات الحجاب في المدارس الرسمية، ومنح الجنسية للأكراد الذين لا دولة لهم، وإقالة الحكومة، وإنهاء قانون الطوارئ المكروه ستنجح في تهدئة الأصوات المطالبة بالتغيير لو أنها طُرحت في البداية، ولكن بما أن ردود فعل النظام جاءت متأخرة، بدت هذه الوعود غير صادقة.

علاوة على ذلك، افتقرت تنازلات الأسد إلى الصدق والجدية، فبعد حله الحكومة في 29 مارس، شكّل حكومة جديدة تألفت من 25 وزيراً، تسعة منهم خدموا في الحكومة السابقة، وعندما رُفع قانون الطوارئ، أعلنت الحكومة نيتها سن قانون ‘لمكافحة الإرهاب’ يضم مواد مشابهة، إن لم تكن متطابقة، وقد ساهمت هذه التدابير غير المدروسة في إذكاء النار التي كان يفترض بها إخمادها، بالإضافة إلى ذلك، خصص نظام الأسد رأسمالاً سياسياً كبيراً لإعلانات فارغة، مفوتاً فرصة نزع فتيل الصراع بتبنيه إصلاحاً حقيقياً.

وكما توقعتُ، جاء رد فعل الأسد تجاه الأصوات المتنامية المطالبة بتغيير النظام عنيفاً وبلا رحمة، ففي أواخر شهر أبريل، أرسل مجموعات من الجنود المدججين بالسلاح إلى مراكز المعارضة (درعا ودوما وبانياس)، مما أدى إلى خسائر بشرية كبيرة. فقبل أيام، أشار المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى تقارير تتحدث عن مقتل نحو 800 سوري منذ منتصف شهر مارس، فضلاً عن ذلك، اعتُقل الآلاف، وها هم اليوم محتجزون في سجون بدائية، وهكذا، عكست مقاربة الأسد ما اعتمده معمر القذافي، الذي أخفق رد فعله العنيف تجاه التظاهرات في ليبيا في إسكات المعارضة، لا بل أججها وأرغم المجتمع الدولي على التدخل، ومع أن الضغط يتزايد على المجتمع الدولي للتدخل في سورية، يصر السوريون على رفض أي مساعدة خارجية، ولا شك أن موقفهم هذا مختلف تماماً عن موقف الليبيين.

يتساءل كثيرون اليوم: إلى متى سيبقى الجيش السوري وفياً للأسد؟ تحدثت المعارضة عن عمليات فرار وتمرد متقطعة في صفوف الجيش، ولكن من الصعب التحقق من هذه التقارير نظراً إلى غياب التغطية الإخبارية الموضوعية في هذا البلد، فلايزال حرس النخبة الجمهوري مستعداً وجاهزاً لقمع أي انتفاضة بالقوة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يرضى الجيش، المؤلف بمعظمه من مجندين، أن يبقى أداة للظلم؟ صحيح أن من المستبعد راهناً أن نشهد عملية عصيان واسعة أو انقلاباً عسكرياً، إلا أن سفك الدماء المتواصل قد يحوّل هذا السيناريو إلى حقيقة بمرور الوقت، وتشير محاولات النظام في الأيام الأخيرة إلى التصدي للتظاهرات بالحد الأدنى من القوة (مثل عمليات اعتقال واسعة عشوائية) وإصداره الأوامر للجنود بعدم إطلاق النار على المتظاهرين بعد صلاة الجمعة أنه يعي جيداً احتمال تزايد عمليات الفرار في صفوف الجيش، وعلى الرغم من ذلك، لم تتوقف حتى اليوم عمليات القمع العنيفة.

على الرغم من التصعيد الذي شهدته التظاهرات، لايزال الأسد يتمتع بدعم قوي بين أقليات مثل المجتمع العلوي والمجتمع المسيحي الواسع النفوذ، ولربما مازال أمام النظام فرصة لإنقاذ نفسه باعتماده حملة انفتاح سياسي سريعة وشاملة، تشمل تغييرات دستورية وقوانين حزبية جديدة تحد من احتكار حزب البعث السلطة، لكن الأهم من إطلاق المزيد من الوعود اتخاذ خطوات واضحة نحو تطبيق الإصلاحات بفاعلية، أمر لم يقدِم عليه النظام السوري حتى اليوم.

قد يكون على الأسد أن يحذو حذو العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين الذي يتقن فن المناورة بمهارة، إذ واجه هذا الملك الأردني تحديات مماثلة، فكما في سورية، ركزت التظاهرات في الأردن بادئ الأمر على القضايا الاجتماعية والفساد المتفشي، إلا أنها سرعان ما تطورت لتدعو إلى إصلاحات دستورية، وعلى الرغم من ذلك، تعامل الملك عبدالله مع القضايا الملحة بإقناع أكبر، مقارنة بنظيره السوري، فتواصل مع القبائل واللاجئين الفلسطينيين، كذلك زار المناطق المهمشة، وأشرف شخصياً على لجان ملكية تُعنى بشؤون الإصلاح والحوار الوطني، ولم يتضح بعد مدى جدية الإصلاحات التي سيتخذها، ولكن تبين أن مقاربته أكثر نجاحاً من الوعود الغامضة التي أطلقها الرئيس السوري والقمع الذي لجأ إليه القذافي، ولابد من الإشارة في هذا الصدد إلى أن إعلان يوم الجمعة الماضي تطبيق ‘حوار وطني شامل’ في سورية صدر عن أحد الوزراء في الحكومة، لا عن الرئيس، مما يشير إلى عدم جدية هذا الأخير في التعاطي مع الإصلاح.

صحيح أن وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ، أصاب في قوله في شهر أبريل إن الباب مازال مفتوحاً أمام سورية ‘للقيام بالصواب’ بتبنيها الإصلاح، إلا أن هذا الباب بدأ يُقفل بسرعة، فمع تواصل العنف وارتفاع حصيلة الضحايا المدنيين، يتضاءل احتمال أن يظل الشعب السوري متمسكاً بالرأي الذي طرحته الحكومة البريطانية.

نتفهم الدعوات الحماسية ‘للتهليل فيما يهز الشعب السوري الصرح الذي بناه النظام السوري’، كما ذكر جف جاكوبي في The Boston Globe في الثلاثين من مارس في إشارة إلى مقالي في موقع ForeignAffairs.com. ولكن من الضروري الموازنة بين ضرورة دعم المتظاهرين الشجعان من جهة وبصيص الأمل المتبقي (والذي يخبو بشكل متواصل) بأن تنجح عمليات الإصلاح من جهة أخرى.

كذلك، يجب أن نأخذ في الاعتبار الأسباب المنطقية التي تجعلنا نشعر بالخوف من انهيار السلطة في مجتمع متعدد الإثنيات والأديان، مثل سورية، فنظراً إلى غياب معارضة موحدة في سورية، قد يؤدي انهيار النظام إلى انفجار الصراع الطائفي، ولاشك أن محاولات الأردن وتركيا حض الأسد على القيام بتغييرات جذرية في اللحظة الأخيرة لم تأتِ من باب المصادفة، إذ تنتاب أنقرة وعمان شكوك كثيرة حيال مدى استعداد النظام السوري لإجراء الإصلاحات، إلا أنهما تدركان أن انهيار نظام الأسد سيكون له تداعيات إقليمية.

فضلاً عن الخوف من المجهول، تفرض قدرات الغرب العسكرية المستنفدة وطبيعة الانتفاضة السورية قيوداً كبيرة تكبّل ما تستطيع القوى الغربية تقديمه لتعزز موقف المعارضة، ولا شك أن العقوبات التي فرضتها أوروبا والولايات المتحدة على القادة السوريين خطوات رمزية بالغة الأهمية، غير أنها لا تمد المتظاهرين بدعم ملموس، وعلى نحو مماثل، أدى فرض منطقة حظر جوي على ليبيا دوراً أساسياً في وقف غارات القذافي الجوية على الثوار الليبيين، بيد أن هذه الخطوات غير فاعلة في التصدي لاستراتيجيات الأسد المفضلة: توقيف عدد كبير من الناشطين، كما حدث في دمشق وحمص واللاذقية، ولا شك أن الأوضاع التي يمر بها هذا البلد اليوم مخيبة للآمال، ولكن لا يمكن تحقيق التغيير في سورية بتدخل عسكري سريع، بل يلزم مواصلة تقويض صرح النظام السوري من أسسه.

الجريدة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى