صفحات الناس

تصاميم آلام السوريين/ مهند الحاج علي

 

 

١٧،٧٢٣ معتقلاً قُتلوا في زنازين النظام السوري منذ انطلاق الثورة في آذار (مارس) عام ٢٠١١، وحتى كانون الأول (ديسمبر) عام ٢٠١٥، أي بحدود ١٠ سوريين يومياً و٣٠٠ شهرياً، وفقاً لتقرير منظمة العفو الدولية. وهذا التقرير يُوثّق الحالة المرضية لهذا النظام السادي، وهي تفوق فظاعة ما يتداوله الإعلام الغربي عن عمليات الذبح والجلد لتنظيم ”داعش“. المقارنة هنا مفيدة.

”داعش“ أكثر شفافية. التنظيم يُسخّر أحدث التقنيات الفنية في التصوير والإخراج كي نرى فظاعاته. هذا فعل مقصود. يُريد التنظيم من خصومه أن يُصابوا بالذهول، أن يهابوه. عمله إما انتقامي أو استباقي. والعنف يبلغ ذروته أمام الكاميرا.

النظام السوري يلعب دوراً معاكساً. أمام الإعلام، هو دولة تحمي الأقليات والمدنيين السوريين ضد الإرهابيين والتكفيريين والمقاتلين الأجانب. يحمل لواء الوحدة الوطنية والدولة والانسانية. لكنه في الواقع، يُخفي ممارسات تعذيب منهجية٠يومية بوسائل مبتكرة.

هذه الممارسة اليومية مُصممة بكل تفاصيلها بدءاً من التخطيط المعماري لمبنى السجن الذي يُساعد على تعميم أصوات المُعذبين على بقية نزلاء المعتقل، وانتهاء بغرف التعذيب والفتحات الصغيرة أسفل أبواب الزنازين. وفقاً للتقرير، يُمرر السجين رأسه من الفتحة الصغيرة ليُعاقبه السجّان بالقفز على رأسه حتى يسيل الدم ويفقد الوعي.

أن يُصمم بناء ضخم لاحتواء متطلبات التعذيب وتسريب أصواته إلى السجناء لزرع الرعب والخوف في أنفسهم، فهذا يؤشر إلى عقلية مؤسسة. إنها مصانع تعذيب تعمل بكل فاعلية، تقلع الأظافر وتحطم العظام وتستخدم الكهرباء والحرق وكل ما توافر، لا لسحب اعترافات أو معلومات في فترة التحقيق، بل كممارسة يومية عادية، كعمل. خبير الصوت لورانس أبو حمدان قال للغارديان إن”السجن عبارة عن غرفة أصداء. تعذيب شخص واحد يطال الجميع … لا يمكنك تجنبه“.  يتسرب الصراخ عبر فراغات المبنى وأنابيب التهوئة والصرف الصحي حتى يعيش كل سجين، تجربة التعذيب صوتياً كل مرة يخوضها أحد النزلاء.

التقرير المفصل لمنظمة العفو ترافق مع عملية اعادة تصميم افتراضية لمبنى سجن صيدنايا. أحد المهندسين المعماريين العاملين في المشروع لاحظ أنهم عندما أكملوا تصميم المبنى من شهادات نزلاء فيه، ”أيقنّا أنه (السجن) ليس مكاناً للاعتقال والتنصت والتعذيب، بل المبنى نفسه أداة معمارية للتعذيب“.

والتصميم ينسحب أيضاً على المساحات العامة في البلاد. كما يسمع السجناء أصداء التعذيب من أنحاء السجن، تلاحقهم كظلالهم، تُحاصر صور بشار الاسد ووالده وتماثيلهما الناس في الساحات والمؤسسات والمباني وأحياناً البيوت نفسها. في رحاب هذا التصميم للدولة، بمدنها وقراها، تحدث عمليات تعذيب بطيئة للمواطنين في تعاملاتهم اليومية مع المؤسسات العامة ورجال الأمن.

معامل التعذيب السورية المُسماة زوراً سجوناً، صُممت على قياس العقد الاجتماعي بين الدولة ومواطنيها. هي سُلطة مطلقة للرئيس لا تقوم على عظمته بقدر اعتمادها على احتقار بقية السوريين. وهذه السجون، مثل صيدنايا، مصانع للاذلال والاحتقار، وهما الحجران الأساسيان للنظام السوري. الاغتصاب والضرب بقضبان الحديد والصعق بالكهرباء وحرمان السجناء من العناية الطبية بعد الإصابة بجروح خطيرة ممارسات ميكانيكية يتلذذ بها السجانون ويمارسونها يومياً.

وتصميم الدولة الأسدية ينسحب على عملياتها العسكرية ضد المناطق الخارجة عن سيطرتها. على سبيل المثال، ينتمي المدنيون في حلب، بصفتهم خارجين عن سيطرة الدولة، إلى فئة نزلاء صيدنايا. إذن، لهم البراميل المتفجرة والغارات المتواصلة بديلاً عن السجن لتعذره جغرافياً. هذه عمليات تعذيب عن بعد تُحاكي التصميم الأم.

وحلب هذه شهدت بالأمس ٢٠٠ غارة خلال ٢٤ ساعة. في إحداها، أخرج مُسعف الطفل عمران دقيش من تحت ركام القصف على منزله في حلب، ثم وضعه على كرسي برتقالي اللون داخل سيارة اسعاف. غطى الغبار كامل جسده وثيابه. الكاميرا ركزت على وجهه المذهول، وسكونه، حتى استعان بيده اليسرى ليمسح الدماء عن عينه.

عمره ٥ سنوات، وُلد في عصر التمرد على الدولة الأسدية. ولم ير في حياته سوى صور ممزقة للقائد. هو بالتالي ألد أعدائه وهدف دائم للطائرات والبراميل، حُماة التصميم.

المدن

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى