صفحات الناس

تصاميم «مدرسية» للإعمار في الوقت الضائع/ ناجية الحصري

 

كانت الدعوة إلى «بيت الأمم المتحدة» في بيروت أمس، للاطلاع على تصاميم وضعها سوريون عن تصورهم لإعادة إعمار بلدهم، بناء على مبادرة قامت بها «اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا» (إسكوا) بالتعاون مع إحدى الجامعات الإيطالية. لكن الشاشات التي وزعت في قاعة جمعت المنظمين، وعلى رأسهم نائب الأمينة التنفيذية للجنة عبدالله الدردري والمنخرطون في المشروع، نقلت «سكتشات» أقل ما يمكن القول عن أصحابها إنهم في حال نكران للواقع الذي يتخبط فيه وطنهم.

فمن بين التصاميم طلاء قلعة حلب باللون الفوسفوري لإظهار جمالها، وتمكن إزالته من دون أن يضر بالبيئة! وطلاء بيوت القرى العشوائية بألوان مختلفة من المواد الكلسية لإبراز نمطها المعماري التراثي، ومن الأفكار المطروحة إنشاء نصب للإرهاب في كل مدينة وقرية، وتصميم عن كيفية تحويل الخيمة إلى منزل، ولم ينس بعض الفائزين تحويل حماة إلى «بندقية الشرق»، أو تدوير الحديد الناجم عن الدمار لاستخدامات أخرى.

وقالت المهندسة المعمارية السورية لونا رجب منسقة المبادرة في سورية عن «إسكوا»، إن من بين 79 دفتراً شارك أصحابها في المسابقة، من دمشق ومختلف المحافظات، اختارت لجنة التحكيم 13 فائزاً. وبدا أن جل الفائزين من دمشق وواحداً من حماة وآخر من حلب. وحرصت رجب على الإشارة إلى «تصاميم تهتم بالبشر أكثر من الحجر»، ومنها تصاميم «ثقافية» عبارة عن رسم لكف ينسج قماشاً دلالة إلى «النسيج الاجتماعي السوري».

بدا المشهد مضحكاً ومبكياً في آن. كيف يمكن منظمة دولية بحجم «إسكوا» التي تستخدم أموال المانحين من العالم لإغاثة الشعب السوري، أن تبددها على مشروع «مدرسي» كهذا؟ كيف يمكن تجاهل ما يحصل على الأرض السورية من قتل وتهجير وتغيير ديموغرافي وتدمير ممنهج للمدارس والمستشفيات وفرز سكاني وتشريد للملايين داخل بلدهم وخارجه وبالتالي تحجيم الرغبة بانتهاء الحرب وإعادة إعمار سورية بمثل تصاميم كهذه؟

لا تنكر نائب الأمينة التنفيذية لـ «إسكوا» البحرينية خولة مطر، التي ستخلف الدردري الذي سينتقل إلى البنك الدولي لتسلم منصبه الجديد، أحقية الأسئلة المطروحة، وتزيد أنها آتية من سورية وكانت خلال وجودها في دمشق تسأل نفسها: «ماذا نفعل هنا والحرب لم تنته بعد». وتؤكد أن السوريين قلقون ويتحدثون عن الدمار، لكننا أردنا أن نعمل وفق فكرة «the day after».

ومبادرة «سكتش لسورية»، وفق خولي، جزء من «برنامج الأجندة الوطنية لمستقبل سورية» من المقرر أن يودّع الدردري من خلاله «إسكوا»، اذ سيتم في 27 الجاري الإعلان عما أنجز منه.

وتصر خولي في دفاعها عن المشروع على إشراك الجميع فيه، من المثقفين والمفكرين السوريين وحتى النازحين منهم في غازي عنتاب وألمانيا. وتعتبر أن المشروع هو «فرصة لجلوس السوريين بعضهم مع بعض، فنحن لن نستمر إلى الأبد».

تورد دراسة أجرتها مجلة «فورين أفيرز» عن «فشل الأمم المتحدة في سورية»، أنه حتى الآن أنفقت الأمم المتحدة أكثر من 4 بلايين دولار من أموال المانحين على «خطة الاستجابة للطوارئ» معظمها وجه مباشرة إلى دمشق من دون رقابة أو تدقيق».

وتنقل عن مسؤول رفيع في مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة أنه «من خلال الشراكة مع الحكومة السورية يمكن الوصول إلى أكبر عدد من الناس، ويجادل هذا المسؤول في أنه من دون تعاون كهذا سنُمنع من مساعدة أحد».

تعلم خولي أن الأمم المتحدة «متهمة من الجميع»، لكنها تعتبر أنها «حرب بشعة».

الحياة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى