صفحات مميزةميشيل كيلو

تصحيح خطأ الكبار/ ميشيل كيلو

 

 

لم يقتنع قادة المعارضة السورية بعد بأن سياسات واشنطن ليست، ولم تكن يوماً، نتاج خطأ، تصحيحه شرط حصولهم على عونٍ، يحققون بواسطته الانتصار، ويسقطون الأسد.

ركب الثورة السورية، منذ بدايتها، وهم يقول إن الصراع في سورية سيدفع أميركا إلى مساعدتنا، لكي نهزم منافسيها في موسكو وطهران، ونتخلص من نظام دمشق الموالي لهم.

لم تجد قيادات في المعارضة تفسيراً لسلبية أميركا، ولإحجامها عن مساعدة الشعب السوري، غير إيهام نفسها بأن واشنطن أخطأت في رسم سياساتها السورية، وأن عليها مساعدتها كي تتخلص من خطئها، وإلا فإنها لن تساعد السوريين على التخلص من الأسد ونظامه. ومع أن كتاباتٍ كثيرةً أكدت أن مواقف أميركا ليست وليدة خطأ في التخطيط، بل هي تطبيق ناجح لسياسات البيت الأبيض التي حققت هدفا أميركياً/ إسرائيلياً استراتيجياً هو شطب سورية من معادلات القوة في المشرق العربي، وتواصل العمل لتحقيق هدفين آخرين هما: منع قيام نظام ديمقراطي أو إسلامي في دمشق، لما قد يترتب على قيامه من نتائج خطيرة، بالنسبة إلى أنظمة العرب وإسرائيل، وفرض حالٍ، مديدة قدر الإمكان، من الفوضى، بعد سقوط نظام دمشق الحالي، غير أن هذه القيادات لم تقتنع بهذه الآراء الصائبة، ولم تولها ما تستحقه من اهتمام، ولم تعمل، بالتالي، لإقامة أوضاعٍ داخليةٍ قادرةٍ، على تغيير مواقف الخارج عموماً، وأميركا خصوصاً، بل حصرت سياساتها في تبصير أميركا بمصالحها الحقيقية، وإقناعها بأن الثورة ستبقى دوماً عند حسن ظنها، وأن مثلها العليا تتفق مع القيم والمثل العليا التي وجهت، وألهمت، شعب سورية. لذلك، سيقدم دعمها للجيش الحر أعظم الخدمات لها، وسيعيد الأمور إلى مسارها الصحيح، ويتكفل بإنزال الهزيمة بالروس والإيرانيين: أعدائها وأعدائنا. وإذن، لا شيء يحول دون الانتصار، غير مبادرة واشنطن إلى تغيير سياساتها، وجعلها متفقة مع فهمنا ورهاناتنا.

بافتراضنا أن أميركا لا تعي خطأها، وأن علينا “إرشادها” إلى سياساتٍ، يتوقف انتصارنا على إقناعها بها، صار من الطبيعي أن يغدو “وضع بيض الثورة في سلتها” خطأ استراتيجياً فادحاً، ليس فقط لأنه أدى إلى إهمال أوضاعنا الذاتية، الحاسمة الأهمية والدور، بل كذلك لأنه أدى إلى اقتراف أخطاء قاتلة في بيتنا الداخلي، وأسهم بدورٍ كبيرٍ في ترك الثورة عرضةً للعشوائية والفوضى، ووضع العمل الوطني أمام مأزقٍ، عبر عنه تزايد اعتماده على الخارج، من أجل وقف تدهوره، واستخدام هذا التدهور لتبرير سلبية الخارج تجاه ثورتنا، ولامتناعه عن مساعدتنا!

رسمت واشنطن سياساتٍ تلبي مصالحها، حققت بواسطتها نجاحاتٍ لا شك في أهميتها، فما الجدوى من تعالمنا “الاستراتيجي” عليها، ولماذا نطالبها بتغييرها، بدل أن نعتمد سياساتٍ تغير أوضاعنا، تجعل من مصلحتها احترام مواقفنا ومصالحنا؟ وإلى متى نواصل التهرب من مسؤولياتنا، ونلوم غيرنا على سوء حالنا، إذا كنا نصر على تجاهل ما لنا من دورٍ، في تلاشي ما بقي من ثورتنا، ونواصل تضييع وقتنا في “تصحيح” سياسات قوةٍ عظمى، يقول رئيسها إنها لن تضيع بعد الآن أي وقت علينا، بينما لا نجد نحن دقيقةً واحدة، نقضيها في تصحيح أوهامنا وأخطائنا التي تقتلنا.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى