صفحات سوريةمعتز حيسو

تصعيد الحرب السورية/ معتز حيسو

 

 

حتى اللحظة، يتمّ تحميل التوافق السياسي في سوريا على الخيار العسكري. ما شكَّل مدخلاً لدمارها وتحويلها إلى ساحات صراع كانتونية متداخلة، تهيمن على أجزاء كبيرة منها قوى التطرف والإرهاب العدمية. وجميعها ينتهج سياسات وآليات اشتغال تقوم على الثأرية والانتقام والحقد والتمذهب، وتدفع بالسوريين إلى مواقع التطرف. ومن البداهة بمكان أن الغالبية المطلقة من السوريين يعانون من أزمات وتناقضات كارثية. فالموت يتربّص بهم، وأبواب الهروب من موت إلى آخر مختلف توصد دونهم. والنزوح الاضطراري دونه مصاعب جمَّة. أما أزماتهم اليومية فتزداد تعقيداً وتراكماً. هذا في وقت ما زالت حقوقهم الأساسية منتَهَكة، وخصوصاً المشاركة في تقرير مصيرهم. بينما الأطراف جميعها، السياسية والمسلحة، المعتدلة منها والمتطرفة، تدَّعي تمثيلهم والدفاع عن مصالحهم.

في المشهد الإعلامي تتمسّك كلٌ من واشنطن وكذلك موسكو بوقف القتال بين الفصائل «المعتدلة» من جهة والجيش السوري من جهة أخرى، ومحاربة «التنظيمات الإرهابية»، ومعالجة ملف الأزمة الإنسانية، والتحضير لمفاوضات سياسية جديدة. لكن حتى اللحظة يبدو أن المفاوضات المرتقبة لن تختلف عن مفاوضات سابقة، حوَّلت المحافل الدولية إلى ساحات صراع سياسية تعكس الأوضاع الميدانية المتداخلة والمتناقضة. فواشنطن لم تغيِّر موقفها من النظام في سوريا ولا من الفصائل «المعتدلة»، وتحافظ على سياساتها التوفيقية مع طهران، والبراغماتية مع حلفائها في المنطقة، تحديداً دول الخليج. فيما تعزّز موسكو من وجودها العسكري الداعم للنظام في حربه المعلنة ضد الإرهاب، ومن تعاونها مع إيران وحلفاء آخرين لها. يحصل هذا بوقت ما زال فيه خلافها مع إيران متعلقاً بطبيعة دورها في سوريا، وبنية النظام وشكله، ومصير الرئيس السوري، إضافة إلى قضايا أخرى تتصل بالمرحلة الانتقالية. وهذا خلاف إشكالي يتطلب تحليل أبعاده وأسبابه مزيداً من التدقيق. لكنه لا يغيِّر من طبيعة العلاقة العضوية القائمة على سياسة المحاور التي باتت تطغى على حروب تجتاح غير دولة عربية. في المقابل، تشتغل الرياض وأنقرة على إظهار استقلالية نسبية، تندرج في إطار التحلل النسبي من التبعية لواشنطن. ويتجلى ذلك بدعم العاصمتين المتزايد لأدواتهم المسلحة، لأسباب متعددة ومختلفة، وأيضاً الإعلان عن نيتهما التدخل المباشر الذي يأتي في سياق اشتغالهما على فرض رؤيتهما السياسية وتثبيت مصالحهما الاستراتيجية.

إضافة إلى ما سبق، فإن تعثُّر المفاوضات السياسية وتجدد الصراع بزخم أكبر. يدلان على إمكانية انهيار المشهد السوري وخروجه عن السيطرة، ما يعني تعميق الاستعصاء، وإغلاق أبواب التسويات المواربة. أي أننا سنكون أمام مرحلة جديدة ومختلفة. ويعزز ذلك دعوة أيمن الظواهري الأخيرة للمجاهدين بالذهاب إلى سوريا «دار الرباط والجهاد»، وتوحيد قوى الجهاد الإسلامي تحت راية «جبهة النصرة» لإقامة الدولة الإسلامية. هذا فضلاً عن تصريح نجل أسامة بن لادن بأن «الطريق إلى فلسطين يمرّ من الشام»، في وقت تتصاعد فيه وتيرة معارك التصفية والإخضاع بين الإخوة الأعداء من «الفصائل الإسلامية». ويحمل ما ذكرناه دلالات متعددة، أولاها هيمنة قوى جهادية متصارعة في ما بينها على المشهد السوري. وثانياً إغلاق الأبواب أمام المفاوضات المرتقبة، علماً أن ذلك يأتي في سياق فرض وقائع ميدانية مختلفة. وثالثاً استفحال مظاهر التعصب والتمذهب والتطرف، وجميعها يطغى على صوت العقل والمنطق.

وينعكس التناقض بين قوى المعارضة الممثلة بالهيئة العليا للحوار، وبين ممثلي الحكومة، ومساواة أطراف من المعارضة بين «داعش» والنظام، واعتماد الثأر والحقد الطائفي والمذهبي كمنهج للتعامل، على أشكال وتجليات العلاقات الاجتماعية التي تزداد احتقاناً. ودوافع ذلك وأسبابه متعددة، على رأسها فائض القوة «غير الذاتي» الذي تستشعره أطراف الصراع. علماً أن ذلك يتقاطع ذلك أيضاً مع سياسات أطراف عربية وأخرى إقليمية ودولية تدفع إلى مزيد من التشدد والتخندق. ورهانهم في ذلك، ميادين صراع يتم تأجيجها ودعمها بأطنان الأسلحة وآلاف المقاتلين.

وإذا كان للتوافق بين واشنطن وحلفائها الخليجيين بالتحديد، دور في التحكُّم بالمشهد السوري، فإن خلاف الرياض مع واشنطن بخصوص علاقة الأخيرة بإيران، وقضايا تتعلق بالملف السوري، إضافة إلى موافقة مجلس الشيوخ الأميركي على قرار ينصُّ على مقاضاة الرياض في حال ثَبُتَ تورطها في أحداث تفجيرات أيلول 2001، سينعكس على مستقبل العلاقة بين الدولتين. ويتقاطع ذلك مع خلاف أنقرة وواشنطن بخصوص الملف الكردي والمنطقة الآمنة وإشكالية علاقة أنقرة ببعض المجموعات المقاتلة ومنها «داعش». وكلاهما إضافة لقضايا خلافية أخرى مع دول وأطراف متعددة، يهدد بتطور الأوضاع الميدانية في سوريا بشكل دراماتيكي.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى