صفحات سوريةفايز ساره

تطرف النظام وتطرف “الجهاديين”/ فايز سارة

قلة قليلة في العالم الذين لا يعترفون بأن نظام الأسد هو نظام متطرف. بل إن هذه القلة القليلة تسوق مبررات لا تخلو من أكاذيب وادعاءات في سياق رفضها حقيقة تطرف النظام في مواقفه وسياساته، كالقول إنه يواجه مؤامرة خارجية، أو إنه يصارع عصابات ومتطرفين، وراغبين في الاستيلاء على السلطة، وإنه يسعى للحفاظ على وحدة البلاد واستقلالها، وغيرها من ادعاءات، أثبتت تطورات الأعوام الثلاثة الماضية كذبها وزيفها.

ومؤشرات تطرف النظام أكثر من أن يجري حصرها. ولعل أبرزها طبيعة النظام، إذ هو نظام استبدادي متشدد، يستأثر بالسلطة وينفرد بها، ويقوم على منظومة حكم تعتمد الحاكم الفرد بصلاحياته شبه المطلقة، ويمدها إلى دائرة أوسع قليلا، لتشمل العائلة من الأخ إلى أولاد الأعمام، والخال وابن الخال، ثم أبناء العمة، قبل أن تصل المنظومة إلى إطار سياسي – أمني ممثلا بالحزب الحاكم وعدد محدود من قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية، الذين إن كانوا يمسكون مفاصل النظام فإنهم ليسوا مقررين فيه، إنما هم مجرد أدوات ليس إلا.

ومن مؤشرات تطرف النظام علاقاته الخارجية مع متطرفين فيهم دول وجماعات. وأبرز علاقاته مع نظام المافيا الروسية ونظام الملالي في إيران ونظام العراق الذي يقوده نوري المالكي، وأبرز علاقاته مع جماعات حزب الله اللبناني ولواء أبو الفضل العباس وغيرها، وحشد علاقاته لدعم تطرفه لدعم وجوده وإخضاع السوريين عبر مشاركتهم في قتل السوريين وتدمير بلدهم.

لقد تبدى تطرف نظام الأسد بممارسته أوسع عمليات عنف ضد ثورة السوريين الذين طالبوا بالحرية والكرامة، ورفض إجراء أي حوار سياسي ومعالجة سياسية للأزمة، وأطلق آلته الأمنية – العسكرية ضدهم، حيث قتلت وجرحت واعتقلت أكثر من مليون سوري، وشردت نحو اثني عشر مليونا من بيوتهم، منهم نحو خمسة ملايين صاروا لاجئين ومهجرين خارج البلاد، ودمرت على نحو واسع قرى ومدنا بصورة كاملة أو جزئية، حيث شمل التدمير بيوتا ومؤسسات خاصة وعامة، وبنى تحتية وخدمات، بما فيها خدمات الصحة والتعليم، ولم تسلم المساجد والكنائس من التدمير.

وشكل تطرف النظام وممارساته القاعدة التي قام عليها تطرف مواز في المجتمع، لم يكن معزولا عن إسناد ودعم من الخارج، ومن تلك البيئة ولد التطرف الجهادي، مستغلا التدين الشعبي في سوريا الجريح والمحبط واليائس، ليحوله إلى حاضنة للتطرف الجهادي، واستطاع الوافدون الجهاديون من بلدان عربية وإسلامية ومن وسط جاليات إسلامية تأسيس تشكيلات متطرفة، أبرزها جبهة النصرة لبلاد الشام، قبل ظهور الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، والاثنتان أعلنتا الانتماء إلى تنظيم القاعدة.

وتطرف «القاعدة» وأخواتها من النصرة وداعش، لا يحتاج إلى تأكيد، ولا سرد للوقائع والمعطيات التي تتصل بفكرة «القاعدة»، من حيث التوجه إلى إقامة نظام «إسلامي» متشدد شديد التطرف في فصله العالم إلى نسقين: مؤمن وكافر، وإقامة نظام استبدادي لا يتصل بالعالم من حوله إلا بصورة انتقائية تتوافق مع انغلاق إمارته في مواجهة كل ما خلص إليه العالم من تطورات حقوقية وعلمية وتقنية وفي أغلب المجالات.

ولا يقتصر خطر التطرف الجهادي على فكره فقط، إنما هو يرتبط بأداته المسلحة من جهة وبممارساتها على نحو ما أبرزتها الوقائع في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، حيث خلق فيها تشكيلات مسلحة للنصرة وداعش وأخواتها، أطلقت العنان لوحشيتها في ممارسة سياسة الإكراه على السوريين وأكثريتهم من ضحايا النظام، فأجبرتهم على تغيير أنماط وطريقة حياتهم، وصولا إلى محاولات تغيير معتقداتهم وعباداتهم، ومارست القتل والخطف والاعتقال وعمليات التهجير التي لم يسلم منها معارضو النظام ولا جنود الجيش الحر وتشكيلاتهم المقاومة للنظام، ولا الإعلاميون ونشطاء المجتمع المدني والمثقفون، وهي إلى كل ما سبق مارست عمليات تدمير الممتلكات الخاصة والعامة والاستيلاء عليها، وعززت التجاذبات والانقسامات القومية والدينية والطائفية والعشائرية، التي كان أطلقها النظام من عقالها، وحولت حياة السوريين في المناطق التي سيطرت عليها إلى جحيم مضاف إلى الجحيم الذي خلقه نظام الأسد باستبداده ودمويته.

لقد صار السوريون وسط نارين، أولاهما تطرف نظام الأسد، والثانية تطرف الجهاديين. ولئن استغل الأول كذبا الفكرة القومية متجاوزا كل إيجابياتها، فإن الآخر سعى للتخفي وراء الإسلام المعروف بسماحته وتسامحه ووسطيته في التعامل مع الإنسان والحياة، واشترك الاثنان، متشابهين ومتماثلين، في تدمير الإنسان وحياته انطلاقا من تبنيهما التطرف في الفكرة والأدوات والممارسة.. الأمر الذي يجعلهما في مكانة واحدة، ويتطلب حشدا موحدا للتخلص منهما معا.

الشرق الأوسط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى