بشير البكرصفحات الناس

تطهير كردي في الحسكة/ بشير البكر

 

 

تأتي من الحسكة أخبار غير سارة، تتمثل في تهجير لسكان القرى العربية في المناطق الواقعة بين مدينتي الحسكة والقامشلي. وقد بدأت العملية، منذ سلم النظام السوري، في بداية الثورة، مناطق واسعة من ريف المدينة إلى وكيله الكردي، حزب الاتحاد الديمقراطي، الجناح السوري لحزب العمال الكردي بزعامة عبدالله أوجلان. وقد شرع هذا الحزب بتطبيق ما تسمى الإدارة الذاتية للمناطق التي باتت تحت سيطرته، لكن تهجير العرب تحول إلى سلوك منهجي صريح منذ وصول “داعش” إلى المنطقة. وصارت العملية تقوم على مبدأين، أن كل عربي في المنطقة “داعشي”، وأن كل قرية يتم طرد “داعش” منها تؤول ملكيتها للأكراد ويتم تهجير أهلها تحت تهديد السلاح، وتدور هذه الأيام حروب بين الأكراد والعرب، ظاهرها “داعش”، وأصلها بسط السيطرة الكردية على منطقة الجزيرة في شرق سورية.

لا يختلف أحد على أن “داعش” وفر الذريعة، لكن المشروع الكردي للسيطرة على المنطقة سابق لذلك بوقت طويل، وهو معلن، وجرى نشر خرائطه منذ سنة 2004، وهو يضع منطقة الجزيرة السورية العليا بالكامل ضمن ما يسميه الأكراد “كردستان الغربية”. وبات الأكراد يروجون منذ ذلك الحين أن الجزيرة السورية منطقة كردية تماماً، وأن وجود العرب فيها نوع من “الاستيطان” الذي تم بفعل حكم حزب البعث سورية منذ سنة 1963. وأخذ الأكراد منذ سنوات باختراع أسماء لبعض المدن والقرى، فأصبحت القامشلي قامشلو ورأس العين سري كانيه وعين العرب كوباني، ولو عاد المرء إلى النبش في التاريخ لا يجد رصيداً لهذه الأسماء المستحدثة والملفقة، فاسم القامشلي، مثلاً، كما ورد في كتب التاريخ، جاء من السريانية (أول من سكن المدينة) بـ”بيث زالين”، وتعني مكان القصب، نسبة إلى القصب المنتشر حول نهر الجقجق المار بها. كما سميت لاحقاً باسمها الحالي “القامشلي”، وهي تتريك لمعنى الكلمة السريانية، حيث تعني قامش القصب باللغة التركية. أما رأس العين فهي ترد باسمها هكذا لدى ابن حوقل في كتابه “صورة الأرض”، في نهاية الألف الميلادي الأول. ولن ندخل، هنا، في استطرادات تاريخية كثيرة، على الرغم من أن تاريخ هذه المنطقة لم يعرف تحولات كبيرة، إلا في نهايات الدولة العثمانية التي اقتطعت من سورية ولاية ديار بكر التي جاء اسمها من قبيلة بكر العربية، وحتى في التغيير الذي عرفته هذه المنطقة في بدايات القرن العشرين، ليس هناك شواهد تاريخية تؤكد أن المنطقة كردية، وأن التكريد لم يبدأ إلا في ثمانينات القرن الماضي، بتواطؤ بين النظام السوري وحزب العمال الكردستاني.

وتشهد وثائق المستعمرات الفرنسية وأرشيف وزارة الخارجية الفرنسية أن الأكراد كانوا أقلية في المنطقة في مرحلة الانتداب الفرنسي على سورية، وكانت أعدادهم بالآلاف، حتى الاستقلال سنة 1946. ولكن، في هذه الأثناء، كان هناك تدفق كردي من تركيا باتجاه سورية، بسبب وضع الأكراد الصعب في ظل سياسات التتريك. وهنا، عمدت السلطات السورية إلى استحداث خانة إدارية في سجلات الأحوال المدنية، تحت بند “مكتوم القيد”، وهذا كان ينطبق على الأكراد القادمين من تركيا، وكانت تطلق عليهم تسمية أكراد فوق الخط، والخط، هنا، هو خط الحدود بين سورية وتركيا.

لا شك أن أكراد سورية عاشوا ظروفاً استثنائية، بسبب إحصاء سنة 1962 الذي اعتبر أكثر من 100 ألف مكتومي القيد، ولم تتم تسوية هذه المسألة التي جعلت هؤلاء البشر يعيشون تمييزاً فاضحاً. ولكن، هل يبرر ذلك انتهاز اللحظة التاريخية الراهنة التي اختلت فيها موازين القوى، للقيام بتطهير عرقي للعرب من قراهم، في ظل صمت من النظام السوري الذي لا يزال يحتفظ بقوات عسكرية كبيرة في المنطقة؟

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى