صفحات مميزة

تطورات المسألة الكردية في سورية –مجموعة مقالات-

 

لنرحّبْ بدولة كردستان/ عمر قدور

نحو ثلاثة أشهر يُفترض أنها تفصلنا عن موعد الاستفتاء الذي دعت إليه رئاسة إقليم كردستان العراق لتقرير الانفصال النهائي عن العراق. نتيجة الاستفتاء متوقعة بغالبية ساحقة إلى جانب الانفصال. والإقليم بدأ عملياً رحلة الانفصال عن الواقع العراقي وصراعاته منذ إعلان الحظر الجوي على طيران صدام حسين بداية التسعينات، ومن ثم تكريس الحكم الذاتي دستورياً إثر إسقاط نظام البعث.

لم ينخرط الإقليم في الصراعات الدموية التي سادت عقب إسقاط صدام، البعض نظر إلى هذا السلوك كنوع من الانتهازية السياسية، والبعض الآخر رأى فيه الأكثر حكمة على الساحة. لكن ما لا يجب تجاهله وجود ميل قوي لدى الأكراد منذ ذلك الحين نحو طي صفحة التشابك مع الجار العربي، وقد نشأ جيلان على ردود الفعل تلك التي تملك مبرراتها من خلال صراع طويل ومستمر مع الحكم المركزي.

استقلال الإقليم أمر واقع بالفعل، والاستفتاء تتويج لمسار طويل ومتقلب. هذه الخلاصة قد تدفع بعض الغيورين على وحدة العراق إلى التساؤل عن سبب الاستفتاء على ما هو مكرّس، من دون تقدير لما يعنيه ذلك معنوياً على الضد من تلك الغيرة التي يحملونها. ولا شك في أن الغيرة تطاول على درجات أولئك المتحمسين لبقاء خريطة المنطقة على ما هي، والخائفين من أن يؤدي انفصال كردستان إلى تفتيت أوطان أخرى لأسباب إثنية أو طائفية. لا غرابة بالطبع في أن تصدر أقوى التخوفات عن قوميين عرب، لا لعدائهم لتطلعات القوميات الأخرى فحسب، وإنما لأنهم بدأوا بتصغير طموحاتهم على قدِّ أقطارهم بعد أن بات وجودها مهدداً.

لعل أسوأ ما في العامل الأخير الاعتقاد بأن تقدّم الأكراد يأتي حتماً على حساب تراجع العرب وهزيمتهم، يعززه الاعتقاد بأن تقدمهم لم يكن ليأتي لولا الدعم الخارجي المضاد أصلاً للتطلعات العربية. هذه النظرة، وهي شائعة لدى العرب والأكراد، تعكس عمق العداء ولا توحي باقترابهما من مصالحة تاريخية يقتضيها تقاسم الجغرافيا بعد فشل التاريخ في تحقيقها.

سيعتاد العرب لاحقاً على وجود كردستان، لقد اعتادوا من قبل على وجود إسرائيل بمستوطنيها، وببنية طبقتها السياسية التي هيمن عليها يهود الغرب حين كان تأثير الغرب على مجتمعاتنا متدنياً. تشبيه كردستان بإسرائيل قد يحلو لغلاة القوميين العرب، عطفاً على ما يحتويه من استحضار لعدم الأحقية المسنود بتواطؤ دولي، وهو لم يعد يزعج أكراداً لا يملكون الحساسية ذاتها إزاء إسرائيل، أو يرون تراجع الحساسية العربية إزاءها مع الوقت. لكن لا بأس في أن يُستحضر هذا التشبيه خارج الأخلاقيات المتباينة المتعلقة بطرفيه، وأن يُنظر إليه من باب تغلّب الواقعية السياسية أخيراً على شعارات لم تكن في أحسن أحوالها إلا تعبيراً عن العجز.

أما من الجهة المقابلة، فليس جديداً القول إن نسبة غالبة من الأكراد رأت في نظام البعث والأنظمة التركية والإيرانية المتعاقبة إسرائيلها، ورأت في ذلك الاستهتار المعمم بحقوق الأكراد نوعاً قليل التشذيب من الأبارتيد.

فوق ما في الواقعية السياسية من تسليم، ثمة ديْن مستحق يقتضي عدم معاداة دولة كردستان القادمة. فأكراد العراق خاضوا منذ استقلال العراق كفاحاً طويلاً بمختلف السبل، وكانوا لوقت مديد متواصل الأكثر تصميماً على انتزاع حق تقرير مصيرهم. هذه المثابرة تستحق الاحترام، ووقائع الماضي تدحض فكرة المؤامرة، فإقليم كردستان الذي احتضن معارضين عراقيين من مختلف الانتماءات كان قادته حريصين على عدم استخدامهم كورقة من قبل قوى خارجية، ولم يدخلوا في تحالفات داخلية أو إقليمية شائنة على النحو الذي فعله حزب العمال الكردستاني وجناحه السوري منذ بدء الثورة، أو على النحو الذي فعلته قوى عراقية أخرى ساهمت وتساهم في تمزيق المجتمع العراقي.

الدَين المستحق يتعلق أيضاً بتاريخ من النظر إلى الأكراد كشعب (أو شعوب) من الدرجة الثانية، حيث لم يبلغ التعاطف إلا في ما ندر حد الإقرار بأهليتهم وأحقيتهم بتقرير مصيرهم. هناك «لكن» شهيرة كان يُستدرك بها كلما أتى الحديث على حقوق الأكراد، هذه الـ «لكن» الشهيرة تبدأ بالتشكيك في امتلاكها مقومات الشعوب الأخرى، مروراً بالإقرار بامتلاك الأكراد خصائص ثقافية خاصة إنما من دون أحقيتهم بالبناء عليها سياسياً، لتصل إلى الإقرار بحقوقهم القومية من دون أن يعني ذلك الإقرار لهم بحق تقرير المصير. «لكن» الشهيرة تلك تغيّب التحفظ الأخلاقي الوحيد الذي ينبغي توجيهه للأكراد وسواهم، متمثلاً بالخشية الدائمة من تحول المظلوم إلى ظالم، ومن أن تتحرك المظلومية بدافع الثأر لا بدافع العدالة.

وإذا كان التحفظ مشروعاً إزاء مآل أي فكر قومي، فقد يكون من حظ دولة كردستان الوليدة ألا يطرح قادتها أنفسهم كمخلّصين قوميين، وألا يُسجّل على أولئك القادة طموح توسعي مدمِّر.

واقعياً، لا تستطيع قيادة الدولة الناشئة معاداة محيطها الجغرافي كله بسبب وجود قضايا كردية فيه، والحالة الوحيدة التي قبِلها الإقليم مرغماً وجود قوة عسكرية في جبال قنديل تتبع حزب العمال الكردستاني. لن يكون معيباً للأكراد القول بوجود افتراق تام بين قيادة كردستان العراق وقيادات حزب العمال التركي وفرعه السوري، فالأخير هو الذي يضمر نوايا توسعية للهيمنة على القضية الكردية في عموم المنطقة، وهو الذي يعادي قيادة الإقليم رغم تقديمها النموذج الأنجح حتى الآن.

تجدر الإشارة، وهذا ليس معيباً أيضاً، إلى وجود فوارق لغوية وثقافية كبيرة بين أكراد العراق وأكراد تركيا وسورية، ما يعيق بناء قضية كردية واحدة.

قد تمنح دولة كردستان المثال لأكراد الدول المجاورة. هذا لسان حال الخائفين، مع أن أوضاع الإقليم من السوء بحيث لن يزيدها ذلك تردياً. لكن، إذا شئنا التحلي بقليل من الأمل على المدى البعيد، قد يحرض استقلال كردستان على إعادة النظر في الموضوع الكردي في البلدان الأخرى، وقد يشجع على حل القضايا الكردية هنا وهناك بموجب ما يقرره أصحابها أو يتوافقون عليه مع شركائهم من الإثنيات الأخرى. إذا تحقق هذا على أرضية العدالة فلن يكون مكسباً صرفاً للأكراد، لأن المهمّشين الآخرين لن يكونوا قد خسروا سوى مخاوفهم وأوهامهم وهم يتلبسون ثوب المسيطِر.

الحياة

 

 

 

كتّاب الكرد ومثقّفوهم: لماذا؟/ حازم صاغية

يتهيّب الديموقراطيّ العربيّ توجيه النقد للكرد الذين هم ضحايا مزدوجون للاستبداد العربيّ، وضحايا لكلّ استبداد قوميّ في المنطقة، تركيّاً كان أم إيرانيّاً.

ولا داعي للتذكير بقائمة المظالم، قتلاً وتهجيراً وإحراقاً للبشر والأرض وإنكاراً لكلّ هويّة كرديّة لصالح التعريب أو التتريك. وحتّى اليوم تستمرّ أشكال «ألطف» من التعامل مع الكرد كشيء مُسَـلّم به: هم، مثلاً، مطالَبون بمراعاة الحساسيّة العربيّة حيال إسرائيل، من دون أن يكون العرب مطالَبين بمراعاة حساسيّتهم حيال تركيّا.

مع هذا يبدو أنّ الحالة الثقافيّة الكرديّة تستكمل انتقالها من طور إلى طور: من سؤال «ما الذي يفيد الأكراد؟»، بوصفه السؤال المركزيّ، إلى سؤال «ما الذي يضرّ العرب؟». وهذه، مع تفهّمها كردّة فعل غاضبة، تبقى نقلة خطيرة: إنّها تعلن أنّ المشروع الساعي إلى التحرّر والاستقلال يتحوّل مشروعاً ثأريّاً خطره يعود أوّلاً على الأكراد. هذا لا يضمن لهم التحرّر والاستقلال، بل يضمن بقاءهم مادّة لحروب أهليّة متواصلة.

الدعم الدوليّ قد يوحي أحياناً بعكس ذلك، والكرد عموماً أشدّ تنبّهاً من العرب لأهميّة الحصول على دعم دوليّ. لكنّ هذا الدعم بذاته لا يكفي، وقد يتحوّل زيتاً يضاف إلى نار الحروب الأهليّة. في هذا السياق مفيد جدّاً ألاّ ينسى الكرد تجربتهم الإيرانيّة مع ستالين بعد جمهوريّة مهاباد، وتجربتهم العراقيّة مع كسينجر بعد اتّفاق الجزائر.

لقد عرفت التجربة الفلسطينيّة شيئاً مشابهاً كان الحدّ الفاصل بين قوّتها وضعفها، بين تعزيزها لحقّها وبين استنزافها له وما نجم عن ذلك من تآكل: إنّه الانتقال من تصوّر العالم العربيّ كبلدان ومجتمعات تقوى وتزدهر وتستطيع أن تطالب وتفاوض من موقع محترم، إلى تصوّره ساحات للحروب الأهليّة، الفلسطينيّون وقضيّتهم وقود نيرانها. أسابيع فحسب فصلت بين الاستيلاء على الأردن أو على لبنان وبين الهزيمة المنكرة في البلدين.

على صعيد النخبة الكرديّة تحديداً هناك ما هو أكثر: نوع من التجرّد عن الحال الذاتيّة بوصفها حال انسحاق وفقر وألم إلى التماهي مع الأقوياء والأغنياء حيثما وجدوا، لا سيّما إذا كانوا يضرّون بالعرب، علماً أنّهم هم أنفسهم يضرّون أيضاً بالأكراد.

في هذه البيئة الثقافيّة يمكن الوقوع على مزاج سائد: أغلب الشبّان وأغلب الشيوخ، أغلب المقيمين في الأوطان وأغلب المقيمين في المهاجر، يعبرون حدود الأوطان واللغات لكي يتّفقوا على التعاطف مع دونالد ترامب ضدّ نقّاده الأميركيّين والغربيّين. ومع أحزاب أقصى اليمين في أوروبا ضدّ الاتّجاهات الليبراليّة واليساريّة هناك. ومع «بريكزيت» ضدّ أوروبا. ومع القوميّات الشوفينيّة ضدّ اللاجئين.

هذا التوجّه اليمينيّ إذا كان نكاية بالعرب، فهو يقوم على خطأ فادح مصدره افتراض أنّ اليساريّة والليبراليّة تعصفان بالعرب!

أمّا إذا قام على إنكار الواقع الكرديّ والتنصّل منه تماهياً مع أصحاب الجبروت والسلطان، فهذا ما يدفع باتّجاه انهيار القضيّة الكرديّة كإحدى أكثر القضايا الإنسانيّة في عالمنا.

فالنخبة الكرديّة، والحال هذه، لا تصحّ فيها اليوم وصفة كره الذات (الذي يبقى أكثر صحّيّة، أو أقلّ مَرَضيّة، من عشق الذات). هنا نحن حيال مركّب غريب: كره للذات حيال الغربيّ الأبعد من هذه الذات والأشدّ كرهاً لها، وعشق للذات حيال العربيّ حتّى لو كان مشابهاً لها في افتقاره إلى أسباب القوّة والمنعة.

ذاك أنّ الغالب على الرأي الثقافيّ الكرديّ، لشديد الأسف، توجزه عاطفتان:

من جهة، تعلّق بالغربيّين الذين لا تسمح المعرفة بهم إلاّ افتراض كرههم للأكراد بوصفهم فقراء ومسلمين و… أكراداً. ومن جهة أخرى، حدّة ومغالاة قوميّتان حيال العرب، قوميّين كانوا أم غير قوميّين. وثمّة من يستطيع، في البيئة الثقافيّة الكرديّة، أن يؤيّد كلّ القوى السياسيّة الكرديّة دفعة واحدة، بغضّ النظر عن تباين ظروفها وبلدانها ومعتقداتها!

هل يعتقد المثقّفون والكتّاب الكرد أنّ وضعاً كهذا صحّيّ؟

الحياة

 

 

 

 

انهيار “تنظيم الدولة” سيشعل حربا جديدة بسوريا

لعبة السيطرة على سوريا الشرقية بعد رحيل تنظيم الدولة الإسلامية بدأت بالفعل، في 18 (مايو/أيار) الماضي دمرت الولايات المتحدة الأميركية قافلة عسكرية متحالفة مع بشار الأسد بعد تجاهلها للتحذيرات المتكررة من التقدم إلى “التنف”، وهي قاعدة أميركية بريطانية للعمليات الخاصة بالقرب من الحدود السورية الأردنية. تخضع هذه القاعدة لاتفاقية فضّ الاشتباك الروسية الأميركية التي تنص على إنشاء خط ساخن لتجنب الصدام العسكري المباشر بين القوات المدعومة أميركيا والقوات المدعومة من روسيا في سوريا.

جاءت هذه الضربة بعد أيام قليلة من إعلان قاعدة “حميميم” الروسية أن قواتها الجوية إلى جانب المستشارين العسكريين الإيرانيين يدعمون جهود قوات الأسد في التوجه شرقا وتطهير الطريق من دمشق إلى بغداد ومنع قيام منطقة عازلة أميركية في شرق سوريا. جاءت هذه التطورات بعد الإعلان الأميركي في 9 (مايو/أيار) الماضي بأنها تنوي تزويد المقاتلين الأكراد في قوات سوريا الديمقراطية بأسلحة ثقيلة تساعدهم على تخليص مدينة الرقّة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية؛ وهو ما أغضب تركيا حليفة الولايات المتحدة.

هذه التحركات تأتي باسم الحرب على تنظيم الدولة، لكن الفاعلين المختلفين في سوريا يفكرون أكثر فأكثر فيما سيكون لاحقا، واضعين نقاط ضعف الآخر نصب أعينهم. ربما تواجه اتفاقية منع الاشتباك الأميركية الروسية اختبارا حقيقيا على أرض الواقع بسبب تزايد نسبة الحوادث في أفضل الأحوال. هناك احتمالات متزايدة الآن بأن تجد الولايات المتحدة والقوات الموالية لها أنفسهم في مواجهة مباشرة ليس مع قوات الأسد فحسب، بل مع حلفائها من الروس والإيرانيين، وهي الاحتمالات التي قللت من حدتها سابقا حاجة الطرفين لمواجهة التنظيم. لضمان تقليل مخاطر الاشتباك العسكري المباشر بين الطرفين على الولايات المتحدة وروسيا الاتفاق على شروط ومحددات مناطق وقف التصعيد في جنوب سوريا، والتركيز على تنظيم الدولة واحتواء الطموح الإيراني بإنشاء جسر بري من سوريا إلى البحر الأبيض المتوسط، لكن كما تشير الأحداث الأخيرة فليس من المرجح أن يحصل هذا في أي وقت قريب ما لم ينكشف ضعف الأسد لحلفائه الروس والإيرانيين.

اللعبة الكبرى

وفقًا للتقارير الإعلامية فإن هجمات 18 مايو/أيار الجوية الأميركية على القوات الموالية للأسد جاءت بعد رفض القافلة المكونة من قوات حكومية وميليشيات شيعية تنفيذ التعليمات والرجوع من حيث جاءت، وتجاهلت الطلقات التحذيرية التي أطلقتها الطائرات الأميركية. رغم أن هذه التحركات العدائية من قوات النظام السوري تبدو وكأنها دون سياق فإن رسائل عدائية كانت تصدر عن قاعدة حميميم الجوية طوال الأسبوع، هذه الرسائل تستحق الملاحظة لأنها تكشف عن نية عدائية واضحة وتعد بدرجة كبيرة من التعاون الروسي مع إيران. على سبيل المثال نصت إحدى البرقيات الصادرة عن القاعدة على التالي:

ستشهد الفترة القادمة تعاونا عسكريا على أعلى المستويات بين سوريا والقوات الحكومية العراقية والوحدات الداعمة لها… وهو التعاون الذي يتم بفضل الخبراء العسكريين الإيرانيين ودعم القوات الجوية الروسية لتمكين قوات النظام السوري… إلى جانب سعيها لتأمين الطريق السريع بين بغداد ودمشق فإن هذه الحملة العسكرية ستكون سباقا مع المعارضة المسلحة التي تخطط لإنشاء منطقة عازلة مع مرتفعات الجولان والحدود الأردنية العراقية بدعم أميركي مباشر.

قرار روسيا وإيران بتشجيع الحكومة السورية بالتوجه شرقا جاء على إثر تحركين رئيسين للولايات المتحدة الأميركية، الأول كان الهجمات الصاروخية ضد قوات الأسد في أبريل/نيسان الماضي ردا على استخدامه المزعوم لغاز الأعصاب السوري، وهو خرق للقانون الدولي (ميثاق الأسلحة الكيميائية الذي انضمت له سوريا في 2013 وفقًا لقرار مجلس الأمن 2118)، وكذلك الاتفاق الروسي الأميركي في 2013 بإعدام مخزون الأسلحة الكيميائية السورية، التحرك الثاني كان قرار واشنطن بزيادة دعمها لقوات سوريا الديمقراطية الكردية تعزيزا لجهودها لتحرير الرقة.

هذه التحركات أشارت إلى تدخل أميركي أعمق في الحرب السورية، الخطة الأميركية لمحاربة تنظيم الدولة في سوريا، والتي وُضعت في فترة حُكم الرئيس السابق باراك أوباما؛ بُنيت بالأساس على دعم قوات حماية الشعب الكردية الذراع المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الفرع السوري من حزب العُمَّال الكردستاني “بي كي كي” (PKK). وحزب العمال الكردستاني يُعتبر منظمة إرهابية وفقا لوزارة الخارجية الأميركية، وعدوا رئيسًا لحليفة الولايات المتحدة في حلف الناتو؛ تركيا.

لزيادة الطين بلّة قامت الولايات المتحدة بخلق مظلة تسمى قوات سوريا الديمقراطية لتشجيع الفصائل غير الكردية على الانضمام إلى الكرد في حربهم على تنظيم الدولة شرق نهر الفرات في سوريا مقابل الحصول على دعم أميركي، كان الأمل معقودا على حصول هذه المظلة على مزيد من دعم العرب السنة المنافسين للأكراد كلما نجحت هذه القوات في تحرير المزيد من الأراضي، وذلك أن هؤلاء العرب السنة يشكلون غالبية السكان في شرق سوريا وفي وادي الفرات بالتحديد. يشكل الوادي مركزا للأراضي التي يسيطر عليها تنظيم الدولة وسلفه تنظيم القاعدة، والسيطرة عليه ليست محورية فقط في هزيمة التنظيم، بل في ضمان عدم عودته بقوة في المستقبل.

من الناحية العسكرية فإن الخطة كانت ناجحة، قامت قوات سوريا الديمقراطية بتقليل المناطق التي يسيطر عليها تنظيم الدولة بشكل كبير، وحاصرت الرقة ونالت استحسان المستشارين العسكريين الأميركيين. من الناحية السياسية تبدو الأمور مختلفة، حيث تبقى القوات الكردية هي المسيطرة على قوات سوريا الديمقراطية، ورغم انضمام بعض المقاتلين العرب فإن معظمهم إما كانوا من المسيحيين العرب أو الأقليات الأخرى أو قبائل بدوية سنية منافسة للقبائل المقيمة في وادي الفرات. ما لم تستطع الولايات المتحدة إقناع الكرد بالتخلي عن جزء من حصتهم في قوات سوريا الديمقراطية لصالح القبائل المستقرة في الوادي فإن قدرة الأكراد على الحفاظ على الرقة وباقي وادي الفرات يبدو أمرا مستبعدا.

تدرك روسيا وإيران أنه نظرا لقدرة قوات سوريا الديمقراطية المحدودة في الاحتفاظ بالأرض فإن انهيار تنظيم الدولة يمثل فرصة لنظام الأسد لاستعادة الأراضي المفقودة، لهذا السبب دعمت موسكو وطهران خلال الأشهر الماضية جهود الفيلق الخامس الحكومي، وهو خليط من المليشيات الموالية للأسد الرامية للتوجه شرقا من حلب باتجاه مدينة منبج التي تقع في وسط شمال سوريا، وبالتالي اختراق المنطقة العازلة التركية شمال حلب، ثم الضغط جنوبا وشرقا على طول الضفة الغربية للفرات ناحية الرقة. هذه الخطوة تفتح عددا من الخيارات أمام موسكو، تقدم النظام السوري إلى سكان وادي الفرات كبديل متاح بدلا من قوات سوريا الديمقراطية، بينما تترك إمكانية دعم القوات الكردية في حالة زيادة التعاون بين الولايات المتحدة الأميركية وتركيا المعادية لهذه القوات الكردية، وتمكن هذه الخطوة روسيا من لعب دور في إفساد الخطط الأميركية في المنطقة.

الدخول إلى المنطقة

الخطة الروسية الإيرانية طموحة بالفعل لكنها تحتوي ثغرة حرجة، نظام الأسد يعاني من نقص في أعداد المقاتلين، مما يعني أنه غير قادر على السيطرة على جزء من الأرض دون تعريض نفسه للخطر في منطقة أخرى. على سبيل المثال فإن تقدم الفيلق الخامس شرقا في الشهور القليلة الماضية أدى إلى فقدان الحكومة المتكرر لأراض في شمال حماة، مما رفع من المخاوف بأنها قد تفقد المدينة. رغم أن قواته استخدمت غاز الكلورين عدة مرات بعد اتفاق 2013 فإنها لجأت لغاز السارين المميت فقط بعد الخسائر الأخيرة التي منيت بها، وهو ما دفع الولايات المتحدة لشن هجمات صاروخية على مطار الشعيرات والتي أدت إلى تدمير ما يقرب من خُمس القوات الجوية السورية. هذه الهجمات أرسلت رسالة واضحة بأن الولايات المتحدة الأميركية لن تسمح للنظام بشق طريقه في الصراع عبر استخدام الغاز بمساعدة روسية إيرانية.

تدرك طهران وموسكو أن النظام ليس لديه الموارد الكافية للقتال على عدة جبهات وهو ما دفعهم في مايو/أيار الماضي من إقتراح إنشاء مناطق وقف التصعيد وهي مناطق يتعهد النظام بعدم مهاجمتها في المقابل ستلعب القوات الروسية والإيرانية دور الضامن الذي يحرص على عدم خرق وقف إطلاق النار. مثل هذا الاتفاق سيسمح لروسيا وإيران بتقسيم البلاد بحكم الأمر الواقع دون التنازل عن السيطرة على هذه المواقع لصالح الدول المجاورة خصوصًا الأردن وتركيا اللتين تدعمان المعارضة في هذه المناطق.

من منظور الولايات المتحدة فإن المنطقة الأكثر مناسبة والأكثر أهمية لإنشاء منطقة وقف تصعيد هي الجنوب الغربي لسوريا التي تضم درعا والمناطق المجاورة لمرتفعات الجولان. في تلك المنطقة فإن المعارضة المسلحة معتدلة وألين عريكة منها في المناطق الأخرى والوجود الإيراني ضئيل إلى درجة تقلل من احتمالية إفساده للخطة. كنتيجة فإن جنوب غرب سوريا هي المنطقة التي تحمل فيها فكرة مناطق وقف التصعيد المضمونة من قبل القوات الأميركية والروسية فرصًا أكبر وأكثر واقعية للنجاح.

تأمين الجنوب لن يحمي فقط حلفاء أميركا في الأردن وإسرائيل من الجهاديين وقوات الأسد ولكنه يؤمّن موطئ قدم لانطلاق عمليات مضادة لتنظيم الدولة باتجاه الشرق إلى وادي الفرات. السنة العرب في الجنوب السوري وبدعم من الأردن قد يشكلون بديلا ملائما أو مكملا لقوات سوريا الديمقراطية.

الإعلان الروسي عن عملية مشتركة مع إيران لمساعدة الأسد في التوجه شرقا نحو الفرات أشار إلى نوايا روسية طالما شكت أميركا بوجودها، وهي مساعدة طهران على تأمين جسر بري، وهو منطقة برية متصلة يسيطر عليها حلفاء إيران، تمتد من الأراضي الإيرانية مرورا بالعراق وسوريا إلى المناطق التي يسيطر عليها حزب الله في لبنان، وهو ما لن يقنع الدول الأخرى في المنطقة (مثل دول الخليج والأردن) بإيقاف دعمها للمعارضة المسلحة، وقد يؤدي في الحقيقة إلى زيادة حدة الصراع، وقد تستفز أيضا رد فعل أميركي من الرئيس دونالد ترامب التي تسعى إدارته لمواجهة الطموحات التوسعية الإيرانية في مناطق بعيدة عن دائرة نفوذها التقليدية ومن بينها مجاهيل شرق سوريا.

الموقع، الموقع، الموقع

نتائج الدعم الإيراني الروسي للتوجه شرقا ما زالت غير واضحة، في الأيام القليلة الماضية تمكنت قوات النظام السوري وحلفائها من المليشيات الشيعية -التي تشير التقارير بوضعها للأعلام الروسية- من انتزاع مناطق في البادية التي تقع إلى الشرق من دمشق في الجنوب السوري من سيطرة تنظيم الدولة، لكن انتزاع مناطق بالقرب من الفرات والحفاظ عليها سيطلب قوات أكبر، وهو ما يُظهر مشكلة نقص المقاتلين لدى النظام ومدى رغبة روسيا وإيران في التصعيد لاختبار حاسم.

أفضل الطرق بالنسبة لواشنطن لإدارة الموقف هو أن تدع النظام يتوسع بقدر استطاعته باتجاه الفرات قبل أن يبدأ في مرحلة المماطلة التي من المرجح أن تحدث، سيتطلب هذا التزاما أميركيا باتفاقية فض الاشتباك مع روسيا لتأمين قاعدة التنف في حين تقوم بتقوية مجموعات المعارضة المسلحة في المنطقة والتي يتكون معظمها من العرب السنة، وبالتالي ستحظى بقبول سياسي أكبر لدى السكان المحليين.

المؤشرات الأولية القادمة من مصادر سورية وروسية تشير إلى نية الأسد السيطرة على مدينة دير الزور التي يسيطر عليها تنظيم الدولة والتي تقع في منتصف وادي الفرات، وهو ما سيوفر وقتا لقوات المعارضة بالتوجه جنوبا ناحية البوكمال على الحدود العراقية. مثل هذه المبادرة ستقدم خيارات متعددة للولايات المتحدة في الجنوب السوري لمساعدة حلفائها في الأردن وإسرائيل، وإفساد الخطط الإيرانية للسيطرة على طريق بغداد دمشق، كما ستوفر دعما سياسيا من العرب السنة تحتاجه الولايات المتحدة لصالح أو بديلا عن قوات سوريا الديمقراطية في شرق سوريا.

فورين أفيرز

مجموعة من المترجمين

ميدان

 

 

أكراد تنظيم الدولة.. طعنة في خاصرة القومية الكردية

ترجمة فرح عصام

مقدمة المترجم

يمكن النظر إلى أكراد تنظيم الدولة على أنهم الاستثناء الوحيد في منطقة تعج بالصراعات الطائفية. ويمكن في الوقت نفسه، النظر إلى المادة التالية باعتبارها تمييزية. إذ أنها تتناول الأكراد ههنا، بنبرة فيها تفضيلٌ على جيرانهم العرب. لكنها أيضا تقول لنا، أن الأكراد هم أبناء هذه المنطقة، وأبناء تعقيداتها الداخلية. وأنهم ليسوا بالاستثناء الكبير إذا ما أخذنا بعين الاعتبار وجود مئات الأكراد في صفوف تنظيم الدولة. لكن لماذا ينضم الأكراد، وربما حتى العرب كمكوِّنٍ أساسي؛ إلى تنظيم الدولة؟ هل هي دوافع دينية وحسب؟ هذا ما سنتعرف عليه في المادة التالية من الفورين أفيرز.

نص المادة

“لقد أقامت الجهادية بيننا لعقود، وستُهزم تنظيم الدولة كما هُزم سواها”، هكذا أخبرنا ضابط استخباري كبير بنبرة واثقة. يكون الأكراد على وجه الثقة لاسيما إن تعلق الأمر بتهديد يشكله تنظيم الدولة الإسلامية على حدود كردستان العراق، الذي توعده التنظيم قبل شروع قوات البيشمركة والقوة الجوية الغربية بتوجيه ضربات مضادة في (أغسطس/ آب) 2014. كنا قضينا أسبوعين في كردستان العراق بهدف استقاء فهم أفضلَ لتنظيم تنظيم الدولة والحرب عليه. تضمن بحثنا إجراء مقابلات مع ضباط في الاستخبارات الكردية، وقادة في البيشمركة، وضبّاط استخبارات، وسجناء أكراد كانوا قد انضموا إلى تنظيم الدولة. وتشكلت لدينا معرفة أوسع عن الظروف التي قد تذهب بشخص بعيدا عن بيته وعائلته وأصدقائه، للانضمام إلى دولة الخلافة المزعومة.

خلال جولة بقيادة البيشمركة إلى تازة خورماتو، وهي مستوطنة تقع على تخوم كركوك وتمثل إحدى خطوط الجبهات ضد تنظيم الدولة في العراق، بدا وأن الأمن مستتب لضباطِ البيشمركة. أخبرنا مدير القاعدة هناك بأن التنظيم كان عاجزا عن تنفيذ أي هجمات تذكر منذ بداية الحملة الجوية بقيادة الولايات المتحدة في المنطقة. وأضاف “ما نواجهه في الوقت الحالي لا يعدو إطلاق بضع قذائف هاون هنا وهناك، لتذكيرنا وحسب بأنهم موجودون”. وكانت تنظيم الدولة قد لجأت إلى استخدام قذائف ملقمة بغاز الكلور والخردل. قبل أسبوع على زيارتنا، كانت تازة موقعا لإحدى هذه الهجمات، التي أوقعت مئات الخسائر. وبرغم الاضطراب الذي أثاره الهجوم، إلا أنه كان برهانا على اليأس المتفاقم للتنظيم أكثر من أي شيء آخر.

ليست تنظيم الدولة، مع ذلك، مجرد حركة تمردية تهدد حدود كردستان العراق. إنها معضلة داخلية أيضا، وقد بذلت أجهزة الأمن الداخلي لحكومة كردستان الإقليمية جهدا حثيثا في العمل على وقف هجمات التنظيم على أراضيها، إذ اعتقلت أعضاء أكراد وعرب “وحتى مقاتلين غربيين، كما أُخبرنا” وفككت التجنيد الاستثنائي للتنظيم وشبكته اللوجيستية.

تاريخ موجز للحركات الإسلامية الكردستانية

على مر التاريخ كان من الصعب على الجماعات الجهادية نيل قبول واسع ضمن الثقافة الكردية، التي تحدَّدَت معالمها بقرون من النضال القومي العلماني ضد الأنظمة العربية الديكتاتورية. لكن يظل لهذه الجماعات حضور تاريخي في المنطقة. فقد ظهرت جماعات جهادية كردية كَبُرادةٍ عن جماعات إسلامية سابقة كانت أشد اعتدالا. من بين طلائع هذه الحركات الحركة الإسلامية في كردستان (IMK)، والتي تأسست عام 1987 على يد عدد من المعارضين العراقيين الذين حاربوا ديكتاتورية صدام حسين البعثية، والذين تدرب وحارب بعضهم في أفغانستان إبان الغزو الروسي.

وقد لجأ أبناؤها تقليديا إلى شرق ما سيطلق عليه لاحقا كردستان العراق مؤسسين قاعدة قوية في حلبجة، وهي محافظة يعرف سكانها بالحفاظ الديني. لقد ضمن الموقع للجماعة أيضا أن تكون على مقربة من داعميها في النظام الإيراني، الذي كان في ذلك الوقت في حرب ضروس استمرت ثمانية أعوام مع العراق.

 

تعرف حلبجة بصورة أقوى كموقع هجمات الأسلحة الكيميائية التي شنها صدام في 1988، وهي مأساة أودت بحياة نحو 5.000 كردي. وبما لا يثير الدهشة، فقد لعب القصف دورا بارزا في اتجاه العديد من الأكراد إلى التطرف، الأمر الذي استغلته الحركة الإسلامية في إعلان الجهاد على الحكومة العراقية ردا عليها.

استمرت الحركة، على امتداد بواكير التسعينات، بتلقي التدريب والدعم المالي والإسناد اللوجستي من خصوم صدام.  انضم إلى الإيرانيين نظام البعث السوري في مساعيه لزعزعة كل من ديكتاتورية صدام والحكومة القومية العلمانية المنتخبة حديثا وقتذاك، والتي أدارها قطبان في السياسة والمجتمع الكردستاني العراقي، هما الحزب الديمقراطي الكردستاني (KDP) والاتحاد الوطني الكردستاني (PUK).

شكل الدعم نقطة ارتكاز لأبناء الحركة الإسلامية، الذين نظموا عددا من الهجمات ضد أهداف للاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي. على الرغم من اندلاع قتال متقطع بين الأكراد العلمانيين والحركة الإسلامية، إلا أنه سرعان ما التفت الحزبان إلى الحرب الأهلية التي نشبت بينهما، والتي استحوذت على اهتمام كليهما بين 1994 و1998.

عندما وضعت الحرب أوزارها، انضمت الحركة الإسلامية إلى حكومة كردستان الإقليمية (KRG) ذات التوجه العلماني، ما أثار سخط عناصر أشد تزمتا ليؤدي الأمر نهاية المطاف إلى نشوء أولى جماعات السلفية الجهادية في البلاد. كان أكبر هذه الجماعات جماعة “جند الإسلام”، التي بدأت أواخر التسعينات في إنشاء مخيمات تدريبية قتالية وأيديولوجية في منطقة حلبجة أملا في تأسيس أرضية صلبة لثورةِ سلفية جهادية في العراق.

بحلول 2001، كانت الجماعة قد غيرت اسمها إلى “أنصار الإسلام”لتبدأ في تلقي الدعم من تنظيم القاعدة. كانت تلك الفترة التي بدأت فيها الجماعة بلفت أنظار أبي مصعب الزرقاوي، مؤسس تنظيم القاعدة في العراق. ورأى هذا الأخير في شمال العراق ملاذا آمنا وفعالا لتمكين حركته، جند الشام، التي أسسها في أفغانستان عقب الغزو الأميركي في 2001.

بعد الغزو التالي للعراق في 2003، وبمساعدة الزرقاوي، أصبحت الجماعة إحدى أبرز التنظيمات الجهادية التي تشن هجمات ضد الغرب والقوات الكردية. وقعت أسوأ فظاعاتها في كردستان العراق عام 2004، عندما قتل انتحاري في هجوم سيارة مفخخة 109 أشخاص، بمن فيهم نائب رئيس الوزراء، سامي عبد الرحمن. من هنا نمت جذور تنظيم الدولة.

بالنسبة للسلطات الكردية، لا يعدو التنظيم كونه حركة أثبتت مرارا قدرتها على إعادة تنظيم وبعث نفسها من جديد في المنطقة. إن ما تعنيه هذه الخبرة الطويلة للأكراد مع الجهادية أيضا هو أن كلا الأجهزة الأمنية والجيش متمرسون في قتال، وهزيمة، هكذا جماعات. وقد يفسر هذا، جزئيا، الثقة التي أبداها كافة المسؤولين الذين تكلمنا معهم.

فقد تنظيم الدولة حوالي 40% من أراضيه في العراق، وحوالي 20% في سوريا. وانسحب في الشهور التي تلت هجمات باريس، من أكثر من سبع بلدات ومدن كبرى. وأخبرنا مسؤولون في الجيش الأميركي في كردستان أن التحالف الدولي بحضورهِ المؤثر جوا وبرا كان عاملا حاسما في إنهاك التنظيم، حيث عمل مع القوات المحلية التي من بينها البيشمركة الكردية.

لم يتمكن تنظيم الدولة منذ (مايو/أيار) 2015 من تدشين عملية ناجحة واحدة في كردستان العراق. إلا أن الأمر باعث على رضا التنظيم، طالما أن شبكة تنظيم الدولة الممتدة في أرجاء المنطقة تستفيد من الجذور الجهادية في تلك البقاع وتعتمد عليها.

وفق تقديرات مسؤولين، ثمة في الوقت الحالي 400-450 مقاتلا كرديا في صفوف تنظيم الدولة، على أراضي حكومة إقليم كردستان أو ضمن رتب تنظيم الدولة المحورية للتنظيم. وتتمكن هذه الشبكة من النجاة، بنسبة كبيرة، بفضل تنظيم الدولة، التي تنشط في المنطقة الرمادية ما بين كونها حركة تمردية وتنظيمًا مافيويًّا، قادرٌ على الاعتماد على الضعفاء واستغلالهم.

أخبرنا كبير وكلاء الأمن الداخلي بإحدى الطرق التي تتمكن فيها تنظيم الدولة من إحكام قبضتها على الضعفاء، قائلا “يتوجه تنظيم الدولة إلى سائق شاحنة في سوريا أو العراق يعتمد مصدر رزقه على قيادته إيابا وذهابا بين مناطق يسيطر عليها التنظيم ومناطق كردستان. وعند تخييره بين العمل كفتى توصيل لدى تنظيم الدولة، وفقدان عائلته فإنه لن يتردد في اختيار الأول بالطبع”.

وما هذا إلا غيض من فيض لوجستيات أوسع تدبر التنظيم تأسيسها. وبما لا يثير الدهشة، فقد لجأ تنظيم الدولة بشكل موسع لاستثمار الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، ملقيًا بشباك فيسبوك على مجندين أكراد محتملين من بين المستضعفين في صفوف شبان المنطقة.

استغلال الشبان اليافعين

تتنوع أسباب انضمام الأكراد إلى تنظيم الدولة ولا تتفق بالضرورة مع العوامل التي أثرت على أقرانهم العراقيين العرب. حيث ينضم الكثير منهم كنوع من الاحتجاج على الحكومة ذات الغالبية الشيعية في بغداد. والتي تُرى على أنها طائفية وتقدمها تنظيم الدولة -ومن قبلها القاعدة- على أنها مناهضة للسنة. لا يلقى هذا النوع من تبادل الخطابات صدى ضمن الغالبية العظمى لأكراد العراق، المنفصلين إلى حد كبير عن التقسيمات السنية الشيعية المنتشرة في بقية مناطق البلاد.

على الرغم من أن العينة التي تواصلنا معها من أكراد تنظيم الدولة أقل من أن تساعدنا في استخلاص استنتاجات شاملة، إلا أن حواراتنا معهم، رغم ذلك، ساعدتنا في كسب فهم أفضل لكيفية عمل التنظيم ومعرفة شريحة مجنّديه. كان لقاؤنا الأول مع “أراز” -تم تغيير أسماء كافة السجناء- وهو سجين في أواخر سنوات المراهقة. مضى على استخدامه فيسبوك أسبوعان وحسب قبل تواصله مع أحد مجنِّدي تنظيم الدولة وبدء انزراقه في عالمهم الافتراضي.

بصفته يافعًا يسهل التأثير فيه، كان فريسة سهلة لمجنِّدي التنظيم. عندما سألناه عن كيفية عثور تنظيم الدولة عليه، أخبرنا أنه، لارتباطه بالإسلام، نشر صورا لنصوص ورموز إسلامية. كانت صورة ملفه الشخصي للمسجد الأقصى في القدس. ولفت هذا أنظار مجنِّدي تنظيم الدولة، الذين تقربوا منه واستهلوا معه حوارا سيكون من شأنه تحديد مدى واقعية فرصه في الانضمام إلى التنظيم.

وفقا لـ أراز، على مدى ثلاثة أشهر، تدبر معارفه من تنظيم الدولة في الفضاء الافتراضي إقناعه بمشروعهم الطوباوي، ليقرر حزم حقائبه والاتجاه إلى الجانب الذي يسيطر عليه التنظيم من مدينة الموصل العراقية. على الرغم من أنه حظي بحياة مريحة إلى حد ما، وبعلاقةٍ طيبة جمعته بعائلته، إلا أنه اقتنع بتركِهم وراءه في بحث عن المغامرة ولإمكانية كونه جزءا مما يقدمه التنظيم للمجندين على أنه أشد اللحظات محوريةً في تاريخ الإسلام قاطبة.

“لقد أخبروني أنهم سيوفرون لي المكان والمكانة في مجتمعهم، والفرصة للقتال في سبيل الله”، أضاف أراز. وسرعان ما تأكد له أن كردستان أرض فاسدة، وأنها تزداد تورطا في سياسات قومية حقيرة، كل هذا مع استمرار الولايات المتحدة في إذلال المسلمين واحتلال أراضيهم وقتلهم. في أرض الخلافة، لم تكن لتشكل الخلفية المهنية أو الديمغرافية فارقا “قالوا بأننا سواسية طالما أننا مستمسكون بالقضية ذاتها”.

سألناه كيف أمكن له الثقة بأشخاص لم يلتق بهم من قبل قط. حسب أقواله، فإنه افتقد أي خبرة سابقة في التعامل مع الجماعات الجهادية، فضلا عن أنه لم يمتلك أدنى اهتمام بهذه التنظيمات من قبل. لكن، بوصفه وافدا جديدا على فيسبوك، فإن قائمة أصدقائه خلت ممَّن يمكن أن ينخرط معهم في الشبكة العنكبوتية. أخبرنا أراز أنه، تكلم بواسطة برنامج “ماسنجر” الخاص بفيسبوك، مع ثلاثة أشخاص مختلفين قبل الموافقة على الانضمام.

سرعان ما بدأت أواصر الصداقة بالتشكل بينهم، واصفًا، بشيء من الحنين ربما، كيف بدأوا بالإحالة إلى بعضهم بعضا كـ”إخوة”.  لم يعن ذلك، بالطبع، أنهم كسبوه إلى صفهم على الفور عند المناقشات الأولى حول أساليب المواجهة والتفجيرات الانتحارية، “لم أقبل بما كانوا يقولونه لي، لم أكن مقتنعا”، قال.  رغم ذلك، استمرت التبادلات بينهم، وبدأ، بمرور أشهر، يشعر بالقرب منهم.

قصوا عليه قَصَصَ البطولة، والشهادة، ومجد الحياة الجديدة التي سيحظى بها في ربوع دولة الخلافة. وحذّروه من أشرارِ المسلمين الشيعة وبقية السنة الذين لم يتّبّعوا هدي تنظيم الدولة، لكن النقاش الفقهي لم يكن محوريا في أية محادثة. لم يشعر مطلقا أنهم يحاولون إقناعه بقبول رسالتهم، وهذا النهج الناعم أتى بثماره “لم يأمروني أن أقبل بـ البغدادي، لكنهم أخبروني ماذا يعني أن أكون أحد أتباعه..، قلّما ظهر الفقه في نقاشاتنا بالتفصيل. لقد شرحوا لي بأن القرآن بمثابة مرشد في كافة نواحي الحياة وأن قوانين الخلافة مستقاة منه، لا من دساتير الفسَدة، وأن قوانين الدولة الإسلامية عُليا إلهية”.

على الرغم من خوضهم أحاديث أولية حول الإسلام، إلا أن أراز اقتنع باستحقاقات الهجرة من أجل القتال من أجل “قضية الإسلام”. لكن القوات الكردية التي كانت ترصد نشاطاته على الانترنت، اعتقلته عند استعداده لمغادرة موطنه إلى أراض يسيطر عليها تنظيم الدولة. لقد حدثت هذه العملية كليا في الفضاء السيبراني. وبينما أشارت غالبية الأبحاث المتصلة بما يسمى “التطرف الرقمي” إلى أهمية درجة ما من التواصل مع شبكة ملموسة على الأرض، إلا أنها أقرت أيضا بأن أعدادا لا يستهان بها من الأفراد هم استثناء لهذه القاعدة. في بعض الحالات، برهنت قوة الشبكة الافتراضية على أنها كافية لإقناع من يرجح انضمامهم من المقاتلين بالتحرك.

واتضح لنا، في مقابلات مع آخرين، أن تجنيدهم تم أيضا من خلال فيسبوك وأنهم بدورهم لجأوا إلى استخدام واتساب وتلغرام -كتطبيق رسائل له ميزة “محادثة سرية” مشفرة تجعل استخدامه رائجًا من قبل أنصار التنظيم حول العالم- للتواصل مع مجنِّدي وحراس تنظيم الدولة. بالنسبة إلى مجنِّدي تنظيم الدولة، فالتجنيد عبر الانترنت لا يكلف شيئا تقريبا. مما يمكنهم التعرف على المقاتلين المحتملين الذين يكونون على مقربة من أراضي تنظيم الدولة بناء على منشوراتهم في منصات التواصل الاجتماعي، ملقين بشِباكهم أسرع وأوسع ما أمكن.

إن العمل الافتراضي ضمن أراضيهم يعني أنهم لا يعرضون أنفسهم لأي خطر اعتقال على أنشطتهم. وإن ألقت السلطات القبض على على مجندين جدد في اتجاههم للانضمام إلى التنظيم، لن يكون لديهم معلومات استخباراتية كافية حول الموقع أو الهوية الحقيقية لأفراد تنظيم الدولة المتعاونين معهم عبر الانترنت.

شبكات الأصدقاء

في مقابلة أخرى، تكلمنا إلى سجين يدعى عليّ، تختلف تفاصيل حكايته عن حكاية أراز. فقد جمعته أواصر قوية بشبكات جهادية كردستانية، وأصبح عدد من أصدقائه أعضاء في تنظيم الدولة. كان علي، قد اتجه للعمل معهم إثر مقتل أحد أصدقائه في إحدى معارك التنظيم مع القوات العراقية في 2015.  بعدها بفترة وجيزة، نشر عليّ صورة لصديقه مرفقة بإشارة أنه “استشهد دفاعا عن الخلافة” وأنه نال بركة الموت في شهر رمضان. لكن موت صديقه الحقيقي كان، وفقا له “عندما أسررت لأول مرة الرغبة في الانضمام لتنظيم الدولة”.

أثارت منشوراته انتباه مجندي تنظيم الدولة على الإنترنت، وسرعان ما تواصل مع أحدهم عبر فيسبوك وتلغرام. على الرغم من أنه لم يتلق تعليما رسميا إسلاميا، إلا أنه اعتبر نفسه، طوال حياته كبالغ، مسلما ملتزما دينيا. لكن تنظيم الدولة شكلت فرصة مغرية له، عندما بدأ آخرون يعرفهم بالانخراط فيها.

أخبرنا بأن محادثاته مع أصدقاء ومجنِّدين عبر الانترنت لتنظيم الدولة قادوه إلى الاستنتاج بأن التنظيم كان يمارس وينفذ الإسلام بشكله الأصيل والأنقى. عندما سألناه عن كيفية انضمامه إلى تنظيم يمثل أسوأ أعداء الأكراد، فسر لنا كيف تم تضليله من قبل “أشخاص عرفتهم سلفًا، أكراد ذهبوا إلى أرض الخلافة وتواصلوا معي من هناك، أصدقاء، أبقيت على تواصل معهم. إن صداقتي بأشخاصٍ عرفتهم، والتلاعب بالآيات والأحاديث، كلها أمور ساهمت في إقناعي بالانضمام إلى تنظيم الدولة”.

رتب له أصدقاء كانوا قد انضموا إلى تنظيم الدولة سلفًا لقاء مع أحد معارفهم في كردستان. خلال اللقاء، تم حثه على السفر مع مجندين آخرين إلى الموصل، لكنه تردد، لأنه لم يشأ ترك عائلته خلفه. فأخبره أحد أعضاء تنظيم الدولة أن يظل في بلاده على أن ينتظر منهم تعليمات إضافية، إثر إدراكهم إمكانية توسعة شبكتهِم ضمن أراضي حكومة إقليم كردستان. بعكس الفتى أراز، الذي لم يكن لديه أطفال يحولون دون ذهابه للموصل، كان عندَ علي التزام بعائلته.

عندما سألناه عن سبب تفضيله عائلته على الهجرة، أجاب “لأنهم عرضوا علي فرصة أن أكون جزءًا من الخلافة من موقعي هذا؛ لم يكن يتوجب علي الذهاب إلى الموصل ولم أشأ ترك عائلتي”. لقد وفر له المجنِّدون المال، غير أنه قال “لم يكن المال المحفز الرئيسي عندي”. وبما أنه قد تخلى عن آرائه المتطرفة الآن، أفاد قائلا “كنت اعتدت الإيمان بالإسلام بالطريقة التي أملوها علي، والإيمان بالخلافة والبغدادي أيضا، لكن ليس بعد الآن. وحتى في أوقات اعتناقي تلك الآراء، كانت تساورني شكوك حيالها”.

كما فسر لنا ضباط استخبارات أكراد، فإن تنظيم الدولة يقوم بدس سُعاة ورسل ضمن مناطق كردستان كجزء من شبكته اللوجستية. وكما قال لنا علي فإنهم “أرادوا مني التقاط المعلومات، وأن أجمع عتاد السلاح وأساعد أولئك القادمين من الموصل ومدن أخرى إلى كردستان”. وفي ثلاث مناسبات منفصلة على الأقل، كان قد قابل سائقي شاحنات يعملون سُعاةً لدى تنظيم الدولة. ليأخذ منهم حقائب ممتلئة بالأسلحة والذخيرة التي سيتركها في مواقع معينة، بأسلوب “الإخفاء بالتّمويه”، بحيث يتركها في أماكن معينة من أجل أحدهم، ويراقب من بعيد ليضمن أنه أخذها بأمان.

ومع ذلك، كانت الشحنة التي وصلته تحوي شيئا مختلفا: لقد كان عبوات ناسفة، تعين عليه زرعها في حسينية شيعية محلية بمدينة السليمانية في أثناء احتفال الشيعة بشعائر يوم عاشوراء. وفقا لعلي، كان الخيار واضحا: “حسينية الشيعة دائما ما تكون مكتظة، فضلا عن أنهم مرتدُّون وهم بالتالي، أهداف مشروعة”.  وكان أيضا مندفعا في إظهار ندمه، “لم أكن أفكر بوضوح في كل الأوقات ولا شك أنه قد تم التلاعب بي”؛ على الرغم من أن معرفة مدى حقيقة ندمه كان أمرا متعذرا بالنظر إلى الظروف التي أحاطت لقائي به. غير أن، قراره في النهاية بعدم تنفيذ تلك الهجمات يشي بدرجة ما من الندم.

زار علي الموقع المُراد تفجيره تاركا العبوة الناسفة في البيت، دون أن يغفل عن حمل الحقيبة التي أعطتها تنظيم الدولة له، مخافة أن يكون مراقبا من قبلهم. وكان يأمل في إقناعهم أنه أحجم عن زرع القنبلة بسبب الحضور المكثف لقوات الأمن. لكنه كان بحلول هذا الوقت، قد لفت أنظار الاستخبارات الكردية، ليتم اعتقاله عند اقترابه من الحسينية.

تتوافق حكاية علي مع حكايات آخرين انضموا إلى الجماعات الإرهابية. حيث تم التأثير عليهم بخليط من المشاعر الدينية والتورط بشبكة أصدقاء لها صلات مع تنظيم الدولة تساعد في تشجيعه على الانضمام. على الرغم من أن أنشطته في فضاء الانترنت لعبت دورا، إلا أنه من غير المرجح أن يكون قد اهتم بتنظيم الدولة لولا عضوية صديقه في التنظيم وموته.

استغلال العاطلين عن العمل

كان فهم واستيضاح قصة السجين الأخير الذي قابلناه أعصى ما في هذه المقابلات. لقد أظهر اهتماما أكبر بقصّ الرواية التي تفيد تنصله وبراءته منهم، وكان قد قُوطع في عدة مناسبات من مسؤولين في الأمن الكردستاني لتَشكيكِهم في الحقائق التي تلاها على أسماعنا.

بعكس آخرين، أبان “جُمعة” عن معرفة أو اهتمام شحيح بتنظيم الدولة وأيديولوجيتها، زاعما أنه تصرف بمزيج من الجهل ووعود المكافآت المالية. بوصفه عاطلا عن العمل تلك الفترة، وضعه زوج شقيقته على تواصل مع رجل أراد مساعدته، على ما يبدو، في الحصول على عمل. ولم يكتشف، جمعة، إلا في وقت متأخر أن الرجل كان رجل عمليات لدى تنظيم الدولة. عُرِضت عليه سيارة جديدة، كان في وسعه استخدامها كسيّارة أجرة، وهو أمر أخبرنا أنه لم يستطع مقاومته. وطُلب إليه، في المقابل، رفدُ تنظيم الدولة بالمعلومات.

في وسع سائقي سيارات الأجرة توفير شتى الخدمات لتنظيم الدولة، بما فيها القدرة على استطلاع أماكن اختطاف وهجمات ممكنة دون إثارة الشكوك. وبرغم إنكاره اضطلاعَه في أي من هذا، أفصح مسؤولون أكراد أنه سرب معلومات إلى تنظيم الدولة تتصل بأماكن سجون رئيسية ومواقع حساسة أخرى. وفقا لِجمعة، فقد أيقن بأنه يتعامل مع تنظيم الدولة بعد مرور شهرين على اتصاله الأول بهم، عندما طُلب إليه استلام سيارة جديدة.

“ذهبنا إلى الموقع لاستلام سيارة بصحبةَ ثلاثة رجال آخرين. عندما وصلنا إلى هناك أخبرني أحدهم أنهُ من تنظيم تنظيم الدولة وأنه يريد استخدام هذه السيارة في عملية تفجير مفخخة”. كان هذا، بحسب زعمه، عندما “تراجعت عن العمل معهم وأخبرتهم أن يتركوني وشأني، وبأنّني لا أريد أن تجمعني أي صلة بهم. لقد خشيت على حياتي وحياة عائلتي وأخبرتهم أنني لن أشي بهم إن تركوني أعود من حيث أتيت”.

لقد قدم نفسه لنا كضحية لخداع تنظيم الدولة. “أنا أُمِّيّ وأردت كسب رزقي باستخدام السيارة. لقد تلاعبوا بي بالمال. وفور إدراكي أنهم دواعش أخبرتهم أن يدعوني وشأني. تركتهم لكن تم اعتقالي، قال مصرا.. ومرة أخرى، دحضت السلطات الكردية هذه الرواية، حيث توفر لديها دليل دامغ على أن شقيقته وعددا من أفراد عائلته أعضاء في تنظيم الدولة في العراق، مضيفين بأن هذا يفسر كيفية تمكن زوج شقيقته من وصله بشبكة تنظيم الدولة في كردستان.

في كلا الحالتين ثمة العديد من علامات الاستفهام، وليس من الممكن الحصول على صورة واضحة لكيفية تورط جمعة بتنظيم الدولة. برغم ذلك، حكاية جمعة “على ضبابيَّتها”، وحكايا أولئك الذين تكلمنا إليهم، ساعدتنا على البدء في تشكيل فهم أفضل لكيفية عمل التنظيم في المنطقة، وفهم دوافع الأكراد المنضوين تحت لواء التنظيم.

لماذا يظل الأكراد الأقل تعرضا للإغراء؟

ينبغي أن تكون قصص أعضاء التنظيم من كردستان تذكيرا بتعقيدات قضايا المنطقة. ليس ثمة كأس مقدسة، وينبغي على المرء أن يكون حذرا من أولئك الذين يعدون بها. لا سبب واحد، أو نظرية، يمكنها تفسير كيفية وقوع التطرف، لكل مسلك يتخذه الأفراد خصوصيته ويمكن أن يخضع لتأثير عوامل شخصية بقدر ما هي خارجية.

بالطبع، يمكن المجادلة بأننا أنفقنا الكثير من الوقت في محاولة الإجابة عن سؤال لماذا يندفع الناس إلى الإرهاب، في الوقت الذي يتعين علينا فيه طرح سؤال آخر هو: لِمَ لا؟ إن كنا قادرين على فهم الأسباب التي تقف وراء مقاومة بعض الأشخاص النداء للعنف الجهادي فإن معرفتنا حول ظاهرة تنظيم الدولة ستتَّسع.

بالنظر إلى قرب كردستان من أراض يسيطر عليها تنظيم الدولة، وحقيقة أن غالبية أكراد العراق مسلمون سنة، فإن عدد الأكراد المنضمين إلى تنظيم الدولة منخفض بما يثير الدهشة. إن من الصعب القول بشكل قاطع سبب، مقاومة الأكراد بشكل أكبر جذب الجهادية العالمية، بعكس جيرانهم العرب.

من ضمن التفسيرات الممكنة، أن النضال الكردي للنجاة والانتماء لكيانٍ مشترك قد ضمن لهم تعريف الثقافة والهوية من خلال القومية، لا الدين. ومع ذلك، كما يظهر بحثنا، فحتى في هذه الحالة نجح تنظيم الدولة في جذب أعداد لا يستهان بها من الأشخاص. ما يشي بأن بحثنا عن إجابات ممكنة سيستمرُّ لبعض الوقت.

================================

هذه المقالة مترجمة عن الفورين أفيرز من: هذا الرابط

https://www.foreignaffairs.com/articles/syria/2016-08-08/kurds-isis

ميدان

 

 

 

 

استفتاء كردستان: هل شارفت «الجمهورية الخالدة» على نهايتها؟/ شورش درويش

منذ قسّمت كردستان العثمانية، وكرد العراق يسعون جاهدين إلى نيل شكلٍ من أشكال الحكم الذاتي. في البداية همّ المتنورون القوميون يترأسهم الشيخ محمود الحفيد «ملك كردستان» بمخاطبة حكّام العراق الإنكليز لضم كردستان إلى «قائمة الشعوب المحرّرة» وعدم عودتها إلى حكم الأتراك، وما رافق تلك الحقبة من خصام ووئام كردي – بريطانيّ. ثم كانت مقارعة الحركة القومية الكردية الحكومات العراقية المتعاقبة بدءاً بحكومات التاج الهاشميّ، مروراً بزمن الزعيم عبدالكريم قاسم صاحب وصف العراق بـ «الجمهورية الخالدة»، ثم بحكم الأخوين عبدالسلام وعبدالرحمن عارف، فعهد «البعث» والثنائي أحمد حسن البكر و «السيد النائب» صدام حسين، وصولاً إلى حقبة الاحتلال الأميركي وإزاحة صدّام نهائياً عام 2003، وهي التي مكّنت الكرد من تنفس الصعداء وإنهاء مرحلة القلق والريبة من عودة طغيان بغداد الذي كان قد أفل نسبياً بعيد الانتفاضة الكردية عام 1991.

في هذه الغضون قرّرت حكومة كردستان العراق، بلوغ الحدّ الأقصى من الأماني والتطلّعات القوميّة مع تحديد 5 أيلول (سبتمبر) المقبل موعداً لإجراء الاستفتاء الخاص باستقلال كردستان، أو لنقل انفصاله عن العراق، إذ لم يعد من المُحرج كردياً استخدام مفردة «الانفصال» التي طالما دحضها السياسيون الكرد ورفضوها واعتبروها أقرب إلى صيغة اتهامية تشكّك برغبات الكرد الساعية إلى شكلٍ من الحكم الذاتيّ!

لا يوصف وضع المنطقة بالجيّد، وهذا قولٌ سارّ للكرد الذين يجيدون فهم حكمتهم السياسية من أن أوضاعهم تتقدم حين تضعف أو تضطرب الحكومات المركزية التي تتقاسم الكرد، وأن سوء العلاقات البينيّة لهذه الدول هي مدخل للنفوذ من شقوق هذه الخصومات. فمنذ أن حظيت كردستان العراق بالفيديرالية وهي تشبّك العلاقات الاقتصادية والسياسية مع دول الجوار، وتحديداً إيران وتركيا، وبصيغة براغماتيّة صميمة بعيدة من الخطب القومية المنفّرة. وهي إذ استفادت من تلك العلاقات التي أسكتت هاتين القوتين، فإنها بدأت بالتلويح بانحيازها إلى هذا الطرف أو ذاك، وفقاً للسياسات التي ينتهجها، لمواقفه من الإقليم وطموحه القومي. وبالتالي فإيران وتركيا لا تبدوان اليوم في وارد مناهضة عنيفة أو عرقلة حادة لمطامح كردستان العراق، إذ إن قيام إحداهما بهذا الدور يعني انحياز كردستان إلى الجهة الأخرى، وهذا أمر ينطوي على خسائر اقتصادية وسياسية لها.

في المقلب الآخر توصف أوضاع بغداد بالسيئة، فالانقسام الطائفي العميق، والمشكلات الاقتصادية والخدميّة المتراكمة، وابتعاد بغداد عن الحاضنة العربية وانكفاؤها الداخلي، وخوضها المديد في الملف الأمني، والعديد من المشكلات الأخرى، تجعل إمكانية تصدّي بغداد لمشروع الاستقلال الذي سينجم عن الاستفتاء أمراً غير ذي أثر، خصوصاً أن بغداد غير قادرة على المغامرة بحرب مع الكرد، وبالتالي فإن أقصى ما يمكن أن يُتوقع منها هو الرفض والصراخ في وادي الوحدة العراقية المقفر.

تعاني كردستان العراق مشكلات أيضاً، لكنها ليست بالعصيّة على الحل، لا بل قد يكون موضوع الاستفتاء ثم الاستقلال أحد أسباب معالجتها، كمشكلة الرواتب والانسداد السياسي الحاصل بين الحزب الديموقراطي الكردستاني وحركة التغيير، وتعطيل البرلمان، وكذلك مسائل الشفافية والمحاسبة والعدالة الاجتماعية. وعلى عكس هذا الرأي يشيع متشائمون من الاستفتاء أقوالاً مفادها أن الاستقلال هو لأجل بقاء الطبقة السياسية في مكانها وأنه وسيلة لمراكمة المشكلات التي سيودي عدم حلّها قبل الاستفتاء بكردستان العراق إلى نموذجٍ أقرب الى جنوب السودان مما إلى نموذج متميّز يرفل بالديموقراطية واحترام الدستور والقانون، وأن الاستفتاء هو مخاطبة عاطفية للنزوع القومي الكردي وقفز على المشكلات ليس إلّا. ومهما يكن رأي القائلين بهذا، فإن الغالبية العظمى من سكان الإقليم ترى في الاستقلال استحقاقاً إما أن يكون الآن أو لن يكون، ولأجل ذلك جهدت حكومة الإقليم لتوسيع جولاتها العربية، لا سيما الخليجية منها، والإقليمية والدولية، بغية إقناع أكبر قدر ممكن من الدول بجدوى استقلال كردستان وجاهزيتها للتحول إلى دولة مستقلّة. ولئن كانت بعض الدول وافقت على مضض على الضيف الجديد على الأسرة الدولية، فإن دولاً أخرى تنوس بين الموافقة والرفض، لا سيّما تركيا وإيران المحتارتين في شأن الجار الجديد وما يستتبعه الاستقلال الكردي هذا من تأليب محلي يطاول الكرد المحكومين في دولتيهما. بيد أن الكرد يدركون إلى درجة تبلغ حدود الإيمان بأن الكلمة المفتاحيّة هي في يد أميركا، ثم الاتحاد الأوروبي وروسيا. وبالتالي، ما كان لكرد العراق أن يقدموا على مثل هذا الأمر لولا سماعهم كلماتٍ محفّزة وإشارات خضراء. تمرّن كرد العراق منذ 1991 على حكم الذات وخبروا معاني المصالح والعلاقات الدولية والإقليمية، ومعاني الانقسام الداخلي والحروب الأهلية، كما فهموا معاني اقتناص الفرص التي قلّما تسمح بها الظروف، ولعل التمارين القاسيّة تلك لا يمكنها إلا أن تساعد على نيل الاستقلال الصعب، وإنهاء أوهام «الجمهورية الخالدة» التي يفترض أن تعيش إلى الأبد. فإما «أن تستقل كردستان الآن أو لن تستقل لاحقاً»، وفق ما يقوله سياسيو الإقليم وحكامه جامعين بين التحذير المبطّن والتحفيز العلني لأبناء كردستان.

* كاتب كردي سوري

الحياة

 

 

 

العراق وسوريا وبصمات الأكراد/ غسان شربل

نحصد الآن ما زرعناه. لم تتنبه دول كثيرة إلى أن الخرائط تحتاج إلى صيانة. كي لا تهرم. أو تتفسخ. وأن العلاقات بين المكونات تحتاج هي الأخرى إلى صيانة مستمرة. وأول شروط الصيانة تقديم مفهوم المواطنة على كل ما عداه. وبناء الدولة التي تستحق التسمية. أي دولة القانون والمؤسسات. دولة المساواة في الحقوق والواجبات.

التمييز بين المواطنين يحدث ثقباً في الخريطة. ومن هذا الثقب تتسرب الرياح والتدخلات. يتوهم الحاكم أن القوة تستطيع إسكات الناس إلى الأبد. ينسى أن موازين القوى يمكن أن تضطرب وتتغير. وأن الطرف المقهور يتحين أي فرصة للثأر. وأن شعوره بالظلم قد يدفعه إلى ارتكاب حلم القفز من الخريطة.

يرتكب الحاكم خطأ قاتلاً حين يعتبر أن الكلمة الأولى والأخيرة يجب أن تكون للقوة. وحين يرفض في أيام قوته الاستماع إلى شكاوى الناس أو مطالبهم. يعتقد أن قدرته على إسكاتهم لا حدود لها. وأن الخوف كفيل بدفع المجروحين والمغبونين إلى تناسي جروحهم والظلم اللاحق بهم.

وأفظع مما تقدم أن ينظر الحاكم إلى مجموعة من أبناء شعبه بوصفها جسما غريبا دسته الأقدار داخل الخريطة. وأن الحل هو شطب ملامح هذه المجموعة. وقطع علاقتها بتراثها. وإضعاف لغتها. وإرغامها على التنازل تدريجياً عن هويتها.

حركت دعوة إقليم كردستان العراق مواطنيه إلى استفتاء حول الاستقلال في 25 سبتمبر (أيلول) المقبل جمر المسألة الكردية. عارضت بغداد الدعوة. ورفضتها إيران. واعتبرتها أنقرة خطأ جسيماً. ولا غرابة في ردود أفعال هذه الجهات. فالدول التي توزع الأكراد على خرائطها بعد الحرب العالمية الأولى، وهي العراق وإيران وسوريا وتركيا يمكن أن تختلف على كل شيء إلا على ضرورة إجهاض الحلم الكردي بدولة مستقلة.

يعرف مسعود بارزاني هذه الحقيقة. وواضح أن الاستفتاء لن يؤدي إلى إجراءات فورية. علمت التجارب بارزاني التفريق بين الأحلام والأوهام. وأن التسرع في الاستقالة الكاملة من الكيان العراقي قد يجعل الإقليم لقمة سائغة لكبار اللاعبين في الجوار الجغرافي. يسود اعتقاد أن بارزاني يائس من مستقبل العراق برمته، خصوصاً في ظل التناحر المستمر بين المكونين الشيعي والسني. لكن بارزاني يدرك تماماً أن إعادة النظر بحدود الخرائط تشكل مجازفة كبرى ما لم تتوفر مظلة دولية ترعى عملية بهذا الحجم ومن هذا النوع.

سرّع استيلاء «داعش» على الموصل عملية تمزيق الكيان العراقي. ضاعف التنازع بين المكونين الشيعي والسني. وضاعف المسافة بين بغداد وأربيل. حاول «داعش» اجتياح الإقليم الكردي للتحصن في جباله والإفادة من موقعه المتاخم لثلاث دول. خاض الأكراد معركة شرسة للدفاع عن الإقليم وكانت الأثمان باهظة. استنتج الزعيم الكردي مجدداً أن كيانات سايكس – بيكو مصطنعة وغير قابلة للحياة إلى ما لا نهاية. واعتبر أن «الخرائط الجديدة ترسم بالدم».

يعرف بارزاني أن الدولة الكردية في شمال العراق حلم شبه مستحيل. لكنه ربما يسعى إلى تثبيت الحق في الاستقلال، حتى ولو تعذر تحقيقه في المدى القريب. وثمة من يعتقد أنه قد يكون مستعداً للقبول بصيغة أقل من الطلاق الكامل. صيغة تقوم على علاقة كونفيدرالية تعفي أربيل وبغداد من هذا التشابك اليومي في العلاقات. لكن مثل هذه الصيغة تحتاج إلى شريك في الرقص. تحتاج إلى شريك واقعي في بغداد. من دون وجود هذا الشريك قد يكون العراق مدفوعاً بعد انحسار «داعش» نحو نزاع جديد تنطلق شرارته من «المناطق المتنازع عليها» وفي طليعتها كركوك. وهناك من لا يستبعد أن تكون المواجهة المقبلة بين البيشمركة و«الحشد الشعبي» مع كل ما يمكن أن يعنيه ذلك عراقياً وإقليمياً.

الحديث عن العراق يجب ألا يحجب التغييرات العميقة في سوريا. أكراد سوريا اليوم غير أكرادها لدى اندلاع النزاع فيها قبل ستة أعوام. لم يسارع أكراد سوريا إلى الانخراط في الانتفاضة التي شهدتها. اتخذوا في البداية موقف المتفرج مع الاستعداد لما هو أسوأ. إصرار «داعش» على استهداف مناطقهم وفر لهم أكثر من فرصة. نجاحهم في معركة كوباني أكسبهم شرعية كانوا يفتقدون إليها. نجح «حزب الاتحاد الديمقراطي» بقيادة صالح مسلم في عسكرة مجتمع شعر أنه مهدد.

ساد اعتقاد في البداية أن «وحدات حماية الشعب» الكردية لم تقطع خطوطها مع النظام، وأن الأخير قادر على تحريكها لمصلحته في الوقت المناسب. لكن الأكراد نجحوا في تقديم أنفسهم كقوة متماسكة في وقت كانت فيه المعارضة السورية تتشظى في أكثر من اتجاه. عثر أكراد سوريا على دور كبير لهم في محاربة «داعش». تربوا وتسلحوا وراهنت واشنطن على دورهم، على الرغم من غضب إردوغان وتحذيراته. صحيح أن الجيش التركي نجح في منع التواصل الجغرافي بين المناطق الكردية، لكن ذلك لا يلغي أن «وحدات حماية الشعب» تمكنت من تغيير المشهد في مناطق غير قليلة من سوريا.

يقول صالح مسلم إن النظام السوري سقط عملياً. ويقصد نظام الحزب الواحد. وإن العودة إلى ما كان قبل 2011 مستحيلة. وإن مناطق الأكراد ستعيش في ظل الإدارات الذاتية. دور «قوات سوريا الديمقراطية» في الرقة يعزز الاعتقاد أن دور اللاعب الكردي لن يكون هامشياً.

في القرن الماضي رُسمت الخرائط على حساب الأكراد. بدوا وكأنهم سجنوا فيها. الامتناع عن إنصاف الأكراد وصيانة الخرائط قادنا إلى الانفجار. واضح أن بصمات الأكراد ستكون حاضرة في رسم مستقبل العراق وسوريا، وفي ذلك ما يعزز مخاوف تركيا وإيران.

الشرق الأوسط

 

 

 

هل يحقق الكرد حلمهم أخيراً أم تسقطه صراعاتهم والمحيط؟/ جورج سمعان

كلما اقترب أوان تحرير الموصل وبعده الرقة ابتعد التفاهم على خطة سياسية وأمنية وإدارية لمرحلة ما بعد «داعش». فلا القوى السياسية والعسكرية في العراق رست على خريطة طريق واضحة لمعالجة ما خلفته وتخلفه الحرب على الإرهاب. ولا القوى المتصارعة في سورية خلصت إلى حد أدنى من التهدئة بانتظار نضج الظروف الدولية والإقليمية التي تتيح البحث في تسوية جدية. لذلك تستمر الحروب الجانبية في سباق محموم لوراثة أرض «دولة الخلافة». وبعضها يؤخر فعلاً التعجيل في استئصال الإرهاب. وبعضها الآخر يؤسس لصراعات قاتلة تفاقم تمزيق الإقليم وتفتيته وتعميق الانقسامات بين مكوناته. وأكثر ما يقلق المعنيين باستقرار الإقليم فعلاً هو أن الأسباب التي أنتجت تنظيم «أبي بكر البغدادي» وقبله «قاعدة أبي مصعب الزرقاوي» حاضرة أبداً لتوفير الظروف الملائمة لتنظيم مماثل أشد خطراً من السابقين ما لم يهدأ الصراع المذهبي أولاً. وما لم تكف دول الجوار العربي عن ممارسة سياسة الهيمنة بذريعة حماية هذه الطائفة أو المكون وذاك. وما لم تبتعد دول المنطقة عن صراع المحاور الذي يجدد حرباً باردة لا ناقة لهم بها ولا جمل.

حرب السيطرة على الحدود السورية، خصوصاً الشرقية والجنوبية صراع مفتوح بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة وإيران وحلفائها من جهة ثانية. وهي الإطار الأكبر للسباق المحموم على تقاسم الجغرافيا السورية. ويضع لها الأميركيون وحلفاؤهم العرب عنواناً واحداً هو قطع خطوط التواصل بين «العواصم الأربع» التي تتباهى إيران بأنها جزء من أمبراطوريتها المستعادة. ولا هم بالطبع في هذه الحرب لوقف المأساة السورية. لكن ثمة صراعاً آخر ينذر بقرب الانفجار وسيجر إليه متورطين. ويخلق مشهداً جديداً في خريطة المشرق العربي، على مستوى تغيير الحدود الداخلية وربما الدولية. ويعيد خلط الأوراق وشبكة العلاقات والتحالفات والمصالح. إنها المسألة الكردية التي عادت بقوة إلى المسرح السياسي، خصوصاً بعد سقوط نظام صدام حسين، ثم تفاعلت مع اضطراب العملية السياسية في العراق واندلاع الأزمة في سورية. وبدء الحرب لتحرير الموصل والرقة.

تطلعات أهل كردستان إلى اقتناص الفرصة السامحة لبناء كيانهم المستقل لم تعد عملية سياسية تقتصر على ما سينتهي إليه الحوار أو المواجهة بين إربيل وبغداد. ثمة جغرافيا متبدلة في الإقليم كله. الهدنة بين حكومة حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم وحزب العمال الكردستاني انهارت قبل عامين، وجرت وتجري مواجهات لم تعد تقتصر على شرق تركيا وحدها. امتدت إلى ميادين خارج الخريطة المعروفة. باتت تشمل سورية وحتى إيران. وفرضت هدنات هنا وهناك وتحالفات مرحلية، بقدر ما أثارت معارك داخلية بين الكرد أنفسهم، وتعد بمزيد من معارك مع مكونات أخرى. كما أن العلاقات بين القوى السياسية في كردستان تمر في أزمة كبيرة بعدما واصل رئيس الإقليم مسعود بارزاني ممارسة سلطاته على رغم انتهاء ولايته العام 2015، وحله البرلمان وطرد رئيسه المنتمي إلى «حركة التغيير». وأعادت الأزمة التوتر إلى العلاقات بين القوى والأحزاب الكردية. لكن الحرب على «داعش» وتهديده حدود الإقليم خففا ويخففا من وطأة هذا التوتر. ولكن مع اقتراب نهاية التنظيم الإرهابي في الموصل، وتمدد حزب العمال في سنجار ومحيطه وتهديده سلطة الإقليم، وعلاقاته المرحلية مع «الحشد الشعبي»، وتعثر التسوية بين السليمانية وأربيل، كلها تطورات دفعت الرئيس بارزاني إلى استعجال تحديد موعد للاستفتاء على الاستقلال في الخريف المقبل، الخامس والعشرين من أيلول (سبتمبر) هذا العام. لعل في ذلك ما ينهي أزمته مع القوى الأخرى، خصوصاً الاتحاد الوطني و «حركة التغيير» وقوى إسلامية أخرى لا ترى الوقت مناسباً لإجراء هذا الاستحقاق. كما أن رئيس الإقليم بات يستعد لمعركة ربما لا مفر منها مع «قوات الحشد الشعبي». وهو حذر هذه القوات من تجاوز حدود الإقليم. خصوصاً أنها لا تخفي تحالفها مع قوات تابعة لحزب العمال تمددت إلى سنجار بذريعة حماية الإيزيديين.

بالطبع لا أحد من القوى الكردية يمكنه أن يقف صراحة بوجه هذا الاستحقاق، الذي قد يشكل خاتمة لمآسي الكرد التاريخية وميلاداً للدولة المنتظرة منذ مطلع القرن الماضي. لكن ما لا يروق معارضي رئيس الإقليم أن يبدو بارزاني رجل الاستقلال الأول. لذلك يشترط حزب جلال طالباني، الرئيس العراقي السابق، تسوية مشكلات الإقليم وإعادة تفعيل البرلمان والتفاهم على مرحلة ما بعد هزيمة «داعش». وشكا من أن انشغل بمعركة الموصل عن اتفاق بين إربيل وبغداد والأميركيين على تشكيل قوة مشتركة لاستعادة جنوب سنجار وغرب تلعفر… لكن «الحشد الشعبي» تحرك في هذه المنطقة من دون التنسيق مع أحد. او بالأحرى تواصل مع حزب العمال. ورأى بارزاني أن هذا خلق وضعاً معقداً.

لكن السؤال هل ستخدم الظروف الحالية توجه الكرد نحو بناء دولتهم المستقلة؟ الولايات المتحدة حليفتهم التاريخية الثابتة بدلت ولم تبدل في خطابها. إنها تولي أهمية لمطالبهم «الشرعية» وتكنّ لها «الاحترام. وربما رأت أن حلمهم بات قريب التحقيق. لكنها تكرر من جهة أخرى تمسكها بوحدة العراق الديموقراطي الفيديرالي. وتعتقد بأن إجراء الاستفتاء في هذا الوقت يصرف النظر عن الحرب على «داعش». أما بغداد فلا يملك رئيسها حيدر العبادي في الظروف الحالية الجرأة على إعلان موقف واضح حيال مشروع إربيل. فهو يدرك أن معركة الزعامة على القوى والأحزاب الشيعية لا تسمح له بالتساهل. خصوصاً أن غريمه الرئيسي نوري المالكي يشن حملات قاسية على قيادة الإقليم ويهدد بالويل والثبور. وطلب العبادي وعمار الحكيم رئيس «التحالف الوطني» الشيعي تأجيل الاستفتاء في هذه الظروف. علماً أن العرب بسنتهم وشيعتهم يعارضون الاستقلال اليوم كما في الماضي البعيد والقريب. وتشدد بغداد على أن مثل هذا الاستحقاق لا تعود الكلمة فيه إلى الكرد وحدهم، بل إن جميع العراقيين معنيون بتحديد مصير بلادهم.

وتعول بغداد على ضغوط تركيا وإيران اللتين تتمسكان بوحدة الأراضي العراقية حفاظاً على وحدة أراضيهما. وتراهن على عمق الخلافات بين القوى الكردية التي يمكن أن تقف حائلاً دون تحقيق هذا الحلم. لذلك خرج القيادي في الحزب الديموقراطي هوشيار زيباري بخطوة ديبلوماسية للتخفيف من وقع الاستفتاء على المناطق المتنازع عليها مع بغداد، خصوصاً كركوك الغنية بالنفط. وحاول الفصل بين نتيجة الاستفتاء والاستقلال. والواقع أن المدينة باتت تشكل «قدس» الإقليم إذا صح التعبير. ولا يمكن الكرد التنازل عنها مهما كانت التحديات. وتدرك قيادة الإقليم أن طهران يمكنها العمل على خلق ظروف تعطل الاستحقاق. فلها علاقات تاريخية مع حزب طالباني. فضلاً عن أن التطورات على الساحتين العراقية والسورية صرفتها عن مواجهة حزب العمال الذي يرى هو الآخر مصلحة في مهادنتها. وهو ما يوفر له مساحة أكبر في صراعه مع تركيا. مثلما وفر له التمدد عبر سنجار نحو شرق سورية وشمالها عبر حليفه أو فرعه في سورية، حزب الاتحاد الديموقراطي.

هذه الوقائع المحيطة بالاستفتاء، خصوصاً التحالف الآني الطارئ بين إيران وحزب العمال، تشد الرباط بين أمتي العراق وسورية. وتحدثت التقارير الأسبوع الماضي عن ارتباك يواجه «الاتحاد الديموقراطي» الذي يقود «قوات سورية الديموقراطية». مرد ذلك اقتراب «الحشد الشعبي» من حدود محافظة الحسكة. ولا شك في أن طهران ترتاب في علاقات الحزب مع الولايات المتحدة. وتغضبها تهديداته بالتصدي للميليشيات العراقية إذا دخلت مناطق سيطرته. كما أن قيادته لا يمكنها أن تتجاهل علاقتها مع حزب عبد الله أوجلان، ولا يمكنها تعريض علاقاته ومصالحه لأي تهديد. ولا شك في أنه سيستعين بعد طرد «داعش» من الرقة بحزب العمال لبسط سيطرته على المنطقة، علماً أنه لا يملك القدرة على الإمساك بها. جل ما يطمح إليه هو ربط المناطق الكردية الثلاث، الجزيرة وكوباني وعفرين، بعضها ببعض لإقامة منطقة حكم ذاتي على شاكلة كردستان. ويمكنهم الآن نظرياً على الأقل ربط عفرين بالمنطقتين الأخريين شرق الفرات عبر منبج، بعدما ساهموا في إخراج المعارضة من حلب وعودتها إلى حضن النظام في دمشق. وهم يقاتلون الآن بدعم أميركي صريح وواضح، لكن واشنطن لا تخفي رغبتها في إقامة إدارة عربية في الرقة بعد تحريرها. لذلك تعمل على تعزيز فصائل «جبهة الجنوب» وتفاوض موسكو على منطقة آمنة جنوب سورية يفترض أن تشكل نقطة انطلاق للسيطرة على تركة «تنظيم الدولة». فهي مقتنعة بأن لا النظام في دمشق يملك عديداً يمكنه من ملء الفراغ الذي سيخلفه التنظيم، ولا «وحدات حماية الشعب» تملك قدرة على ذلك أو سيسمح لها عرب الجزيرة أو وادي الفرات أو حتى النظام ببسط «سيادتها» على شرق البلاد. وإذا نجحت توجهات الإدارة في ثني الكرد للاكتفاء بالحسكة والقامشلي وعين العرب تبث شيئاً من الحرارة في علاقاتها المتوترة بأنقرة الغاضبة من دعمها حزب الاتحاد الذي تصنفه «إرهابياً».

في ضوء كل هذه التعقيدات التي تحيط بظروف الكرد ومناطقهم في سورية والعراق، هل يمكنهم قيادة سفينتهم إلى بر الأمان والتغلب على رياح وعواصف من كل حدب وصوب، أم يصيبهم ما أصاب أسلافهم على مر التاريخ الحديث؟ وهل تفتح نهاية «داعش» في الموصل والرقة جبهة حروب جديدة يكون الكرد وأحلامهم وقودها هذه المرة؟ وهل يمر استحقاق الاستفتاء في كردستان أم يتكفل المتضررون الإقليميون والصراع بين القوى والأحزاب الكردية بتعطيله؟

الحياة

 

 

 

 

 

خطوات أمريكية لتقسيم سوريا/ محمد زاهد جول

تسير أمريكا بخطوات مدروسة ومبرمجة لتقسيم سوريا، ومنها:

1 ـ إطالة عمر الأزمة السورية دون اكتراث بالقتل والموت بين أبناء الشعب السوري حتى استسلام الجميع لمشروع التقسيم.

2 ـ إطلاق يد إيران وميليشياتها لزرع الفوضى، وتعطيل مشروع الثورة الشعبية، وإعطاء إيران حصة من التقسيم السياسي والأمني، الذي لا يهدد الدولة الاسرائيلية، بل يكون ضامنا للتقسيم وحارسا مرة اخرى لإسرائيل، بغض النظر عن الشعارات المستعملة.

3 ـ افتعال مشاكل ونزاعات لدول المنطقة التي تعارض التقسيم، لإضعاف دورها السياسي والاستخباراتي والعسكري، وبالأخص بين الدول الخليجية الداعمة للثورة والمعارضة السورية، واستثمار الخلافات بينها ومع تركيا ومع إيران، بهدف تشتيت جهودها وإلهائها بنفسها ومشاكلها، وافتعال مشاكل مع الادارة الأمريكية أيضاً، لتكون أمريكا حرة من الالتزام السياسي والأخلاقي نحو الشعب السوري والدول المعنية بحمايتها ومساعدتها.

4 ـ تجنيد قوات وميليشيات محلية لخدمة مشروع التقسيم في سوريا والعراق، ومنها حزب العمال الكردستاني وفروعه في سوريا مثل، حزب الاتحاد الديمقراطي وقوات حماية الشعب وقوات سوريا الديمقراطية وغيرها.

5 ـ افتعال التوترات الدولية، ومنها الخلافات الأمريكية الروسية، والعقوبات المفروضة عليها، والخلافات الأمريكية مع بعض الدول الاوروبية، ومنها العقوبات الأمريكية الأخيرة ضد مشروع الغاز الروسي إلى أوروبا، الذي يضر بتأمين الطاقة لأوروبا نفسها.

هذه بعض الاجراءات التي تتخذها السياسة الأمريكية لتمرير مشروع تقسيم سوريا، وليس بالضرورة أن تكون أمريكا قد خططت لإيجاد هذه المشاكل من اصلها، وإنما تقوم باستثمار الأحداث لتصب في مشروعها للتقسيم السياسي في المنطقة، وجعلها تحت الهيمنة الأمريكية بالكامل. فامريكا لم تكن الصانعة ولا المدبرة ولا المخططة للثورة السورية، ولكن أمريكا عملت على استثمار الثورة من جميع اطرافها، بما فيها بعض فصائل الثورة الشعبية وايران وجيش الأسد، بل إدخال روسيا عسكريا في ضبط المعادلة، التي تؤدي إلى التقسيم، فأمريكا وضعت شروطها على تسليح الثورة السورية ونوع الأسلحة ودورها وقدرتها على إسقاط النظام، وعندما رجحت كفة الثورة السورية، وأوشكت على اسقاط نظام الاسد، اشترطت أمريكا أن يتم الإسقاط عبر مؤتمر دولي في جنيف، بحجة عدم خروج الأحداث عن السيطرة، ولكنها استخدمت مؤتمر جنيف لصناعة مستقبل سوريا التي تريدها، وليس التي يريدها الشعب السوري، ولا سوريا التي تريدها الدول العربية الداعمة للثورة، ولا سوريا التي تريدها تركيا مؤمنة لحدودها وصديقة لها، وإنما إيجاد سوريا المنقطعة عن محيطها العربي، والمهددة للدولة التركية، لتحجيم طموحات الدول العربية الخليجية، والدولة التركية، في بناء ذاتها إلا بالشروط الأمريكية والاسرائيلية.

لقد قدمت امريكا كافة المعدات العسكرية الثقيلة والمتطورة لقوات حماية الشعب الكردية، ومكنتها من عمليات تطهير عرقي ضد السكان الأصليين من العرب والتركمان، بل السيطرة على مصادر المياه في شمال سوريا، لأنها تريد أن تمكن هذه الميليشيات من تحقيق المشروع الأمريكي بتقسيم سوريا، ولو كان ذلك على حساب الشعب السوري الذي منعت عنه التسليح النوعي، ولو كان ذلك على حساب الأمن القومي العربي والتركي معاً، فقد تمكن تنظيم «ب ي د/ بي كا كا»، من السيطرة على ثلاثة أكبر سدود ونحو 23 في المئة من الأراضي السورية، من خلال الدعم العسكري المقدم له من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وبلغت مساحة المناطق المحتلة من قبل مسلحي التنظيم ما يقرب من 39 ألفا و500 كيلومتر مربع، في سوريا التي تبلغ مساحتها حوالي 185 ألف كيلو متر مربع.

وسيطر التنظيم من خلال الدعم الأمريكي على ثلاثة أكبر سدود في البلاد، وهي سد الفرات وسد البعث (غرب الرقة)، وسد تشرين (شرق حلب)، تلك السدود توفر نحو 70 في المئة من احتياجات البلاد من الكهرباء ومياه الري، واستنادًا إلى بيانات البنك الدولي ووزارة الري التابعة للنظام السوري، فإن تنظيم «ب ي د/ بي كا كا» لم يستخدم دعم الولايات المتحدة للاستيلاء على المناطق التي تضم السدود وحسب، بل على المناطق الحساسة من ناحية الإمداد الزراعي، ويتم ري الأراضي الزراعية الواسعة الممتدة من شرق حلب (شمالي سوريا) إلى الشرق، حيث الحدود العراقية بالمياه المخزنة في السدود الثلاثة سابقة الذكر، وتبلغ مساحة تلك الأراضي الزراعية التي تقع في منطقة الجزيرة السورية، نحو 30 ألف كيلومتر مربع، يسيطر التنظيم على 80 في المئة من مساحتها.

وقد ذكرت بعض المصادر الاعلامية إن الاستخبارات الأمريكية تنتهج سياسات قذرة لإثارة النزاعات والاشتباكات، بين مجموعات الجيش السوري الحر، في المناطق التي حررتها عملية «درع الفرات» شمال سوريا، بهدف إفساد جهود القوات المسلحة التركية هناك، واعتبرت المصادر أن الهدف من تلك السياسات هو إفساد التعاون القائم بين القوات المسلحة التركية والجيش السوري الحر، وبالتالي فتح الطريق أمام ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي (بي واي دي) للسيطرة على المنطقة، وبحسب المصادر نفسها أن البنتاغون وبالتعاون مع وكالة الاستخبارات الأمريكية يقوم بالتحريض على استمرار تلك الاشتباكات في الشمال، لزعزعة الاستقرار في المنطقة، وإفساد كلّ جهود القوات المسلحة التركية التي فقدت أكثر من 71 شهيدًا من أجل تحريرها، كما يهدف إلى إثارة إزعاج القوّات التركية لتضطر للانسحاب، وتستولي ميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي على المنطقة من بعدها».

وفي الوقت نفسه قال تقرير لوكالة الشرطة الأوروبية «يوروبول» صدر في يونيو الجاري: «إن تنظيم «بي كا كا» شنّ سلسلة هجمات ضد هيئات ومراكز ثقافية وأملاك تركية، في عدد من دول الاتحاد الأوروبي، خلال العام الماضي، وتناول تقرير «حالة الإرهاب في أوروبا 2017»، الحوادث الإرهابية التي شهدتها دول الاتحاد الأوروبي خلال 2016. وذكر التقرير أن خمس هجمات بقنابل يدوية، استهدفت مباني تابعة للحكومة والجمعيات التركية في فرنسا، كما سُجلت عدة هجمات ضد أهداف مشابهة في بلجيكا، بينها إشعال حرائق وهجمات بمواد متفجرة. كما شهدت ألمانيا عدة حوادث، وقع معظمها خلال مظاهرات معارضة ومؤيدة لـ»بي كا كا»، حيث تم تخريب ممتلكات تركية باستخدام مواد حارقة، وتسببت إحدى الهجمات بخسائر قيمتها مليونا يورو على الأقل، بينما لا يزال التنظيم يواصل نشاطاته في اوروبا من خلال جمع التبرعات والدعاية واجتذاب أعضاء للمنظمة، في كل من بلجيكا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، ورومانيا، وسويسرا، وقدر التقرير ما جمعه التنظيم في فرنسا وحدها، عام 2016، بحوالي 5.3 مليون يورو.

وقد افتعلت أمريكا أزمة سياسية ودبلوماسية مع تركيا بإصدارها لقرار قضائي بتوقيف عدد من أفراد حماية الرئيس رجب طيب أردوغان على خلفية أحداث وقعت أثناء زيارة الرئيس التركي لأمريكا مؤخرا، فقامت الخارجية التركية باستدعاء السفير الأمريكي لدى أنقرة، جون باس، احتجاجا على القرار القضائي الصادر في الولايات المتحدة، بتوقيفهم، وقالت الخارجية في بيان لها يوم  15 يونيو الجاري: «إن قرار السلطات الأمريكية خاطئ ومنحاز، ويفتقد للسند القانوني»، وأوضحت: «أن المناوشات التي وقعت أمام السفارة التركية في واشنطن، خلال الزيارة الأخيرة لأردوغان للولايات المتحدة، ناجمة عن عدم اتخاذ السلطات الأمنية المحلية التدابير اللازمة والمعتادة، لدى حدوث زيارات رفيعة بهذا المستوى»، وأشارت الخارجية إلى إبلاغ السفير بأنه لا يمكن تحميل المواطنين الأتراك مسؤولية ما حدث أمام السفارة، في ظل التقصير الأمني من الجانب الأمريكي، لأن السلطات الأمريكية تغاضت عن اقتراب محتجين تابعين لحزب العمال الكردستاني من السفارة التركية، وهم يحملون رايات ورموز منظمة إرهابية، وعدم القيام بأي إجراءات بحق رجال الأمن الأمريكيين، الذين اعتدوا على أفراد حماية وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، أمام السفارة في تلك الزيارة، فأنصار «بي كا كا» هاجموا المواطنين الأتراك، فيما لم تتخذ الشرطة الأمريكية إجراءات كافية لمنع وقوع مصادمات بين الطرفين، ثم تابعت الإدارة الأمريكية افتعال مشكلة مع الحكومة التركية بإصدارها قرارا بتوقيف 12 من أفراد حماية الرئيس أردوغان، وهذا يدخل في الإجراءات التي تفتعلها أمريكا للاساءة إلى العلاقة مع تركيا، واستثماره بفرض التقسيم في سوريا مع الأحزاب الارهابية، وفق الخطة الأمريكية، ما يفرض على الدول العربية والخليجية وتركيا، بل والدول غير المعنية بالخضوع للمشاريع الأمريكية بوقف مشاكلها البينية، والعمل معا لحل مشاكلها بنفسها ودون وساطات خارجية، فالوساطات الخارجية وبالأخص الأمريكية منها، لا تخرج عن دائرة الاستثمار في هذه المشاكل لتحقيق مصالح أمريكا منها، وليس حل المشاكل إطلاقا، سواء كانت المشاكل سورية او خليجية او روسية أو أوروبية أو تركية.

كاتب تركي

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى