صفحات العالم

تطورات الموقف الايراني –مجموعة مقالات-

 

 

 

4 حجج تستخدمها إدارة «أوباما» لحسم التصويت للاتفاق النووي

تسابق إدارة الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» الزمن لتأمين أصوات الموافقة من الكونجرس على الاتفاق النووي مع إيران أو خطة شاملة للعمل المشترك، في الوقت الذي يمر فيه شهر على قيام المشرعين باستعراض هذا الاتفاق أو الخطة. وتعهد الرئيس بالفعل باستخدام الفيتو ضد رفض الكونجرس. ومع احتمالية أن الجمهوريين بإمكانهم أن يحشدوا أربعة وأربعين من مجلس النواب وثلاثة عشر من الديمقراطيين في مجلس الشيوخ مطلوبين لتجاوز أي فيتو،  تسعى الإدارة جاهدة لحشد الدعم.

ومع شهادات من مسؤولين رفيعي المستوى، وتغطية واسعة النطاق على شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام، ومؤخرًا، خطاب «أوباما» في الجامعة الأمريكية، لم يدخر البيت الأبيض أي جهد في حملته لكسب الرأي العام والكونجرس.

وفي خطابه، هلل الرئيس لنقاط قوة الصفقة، مثل الحظر الممتد لمدة خمسة عشر عاما على أي مفاعلات جديدة تعمل بالماء الثقيل والتخصيب في منشأة فوردو، نظام التفتيش المتطفل والعقوبات المفاجئة. كما أشار إلى أنه في حين تستعد إيران للحصول على ما لا يقل عن 56 مليار دولار من الأصول غير المجمدة نتيجة لتخفيف العقوبات، فإن الكثير من هذه الأموال سوف تذهب إلى «الاحتياجات العاجلة» في الإنفاق المحلي بدلا من التدخل الأجنبي، وتعهد «أنه لن يسمح بوجود سيناريو يحول أمر تخفيف العقوبات على إيران إلى قوة مهيمنة في المنطقة». وقدم الخطاب نظرة ثاقبة حول تخطيط الرئيس لزيادة الضغط على المشرعين. ومع اقتراب يوم 17 سبتمبر/أيلول كموعد نهائي للكونجرس، فإن البيت الأبيض سوف يطلق أربع نقاط رئيسية لتسويق الصفقة:

أولا:  يتوقع المجتمع الدولي دعما أمريكيا للصفقة والقيادة الأمريكية

وسوف يستمر التوافق الدولي الإيجابي لتشكيل ركيزة أساسية في استراتيجية البيت الأبيض لكسب قبول أوسع للاتفاق. وصوّت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع بالفعل لدعم الصفقة ومن ثم يبدأ رفع عقوباته بعد تسعين يوما. وفعل الاتحاد الأوروبي نفسه، مصعدًا من الضغط الدولي على الكونجرس. ومن خلال تأطير المناقشة بأنها «مناقشة للسياسة الخارجية الأكثر أهمية التي امتلكتها بلادنا منذ غزو العراق»، قارن «أوباما» منتقدي الصفقة بمؤيدي غزو العراق، الذي امتنعوا عن الإجماع الدولي لاتخاذ إجراءات من جانب واحد بصورة مكلفة. وإذا كان للكونجرس أن يعرقل الصفقة «بالاعتراض على الأغلبية الواسعة من العالم”، فإن الولايات المتحدة قد تخسر مصداقيتها كقائد دبلوماسي … باعتبارها مرساة للنظام الدولي». بحسب قول «أوباما».

ثانيا: هذا هو اتفاق للحد من الأسلحة لفترة

وينطوي جزء مهم من استراتيجية البيت الابيض على التأكيد على أن أنشطة إيران لزعزعة الاستقرار في سوريا والعراق واليمن ولبنان ليست مرتبطة بالاتفاق النووي. وزعم «أوباما» أنه «أقوى اتفاق لحظر الانتشار النووي تم التفاوض بشأنه»، ويهدف إلى تحديد معالم الصفقة، وتجنب ما يطلق عليه المفاوضين الدوليين «قضية الربط». إن تجنب ربط التدخل الإيراني في الدول، ودعم مجموعات وكالة أخرى مثل حزب الله للاتفاق النووي يباعده من انتقادات الكونجرس ويضمن أنه «يجب أن يُحكم بما يحقق ذلك على الهدف المركزي لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي». امتثال إيران المستمر هو المحدد الرئيسي لنجاح الصفقة، وفقط الأساس الذي تقوم عليه العلاقات الدبلوماسية في المستقبل الذي يمكن أن يبنى.

ثالثا: مخاوف إسرائيل مشروعة، ولكن الصفقة تتناولها

ورغم تصريحات إيران المستفزة دوما لإسرائيل وعبارات التهديد التي لا تتوقف، إلا إن «أوباما» وصف القلق والاهتمام لأمن إسرائيل بأنه «الدافع الأكثر قابلية للتفهم من وراء المعارضة لهذه الصفقة»، ولكن تقييم رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» للاتفاق بكل صراحة بأنه «خاطئ». وفي الواقع، فإن توصيف نتنياهو الصفقة بأنها «خطأ تاريخي» عارضه البعض في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية الذين رأوا أنها إيجابية. وانتقد ستة جنرالات إسرائيليين في مارس/أذار زيارة رئيس الوزراء إلى واشنطن لمهاجمة المفاوضات، وفي الآونة الأخيرة، قام العشرات، إلى جانب الرؤساء السابقين لجهاز الأمن والمخابرات الداخلية في البلاد، بدعوته علنا ​​عليه لقبول الصفقة. وسوف تشير إدارة «أوباما» إلى عروضها الرامية لزيادة المساعدات العسكرية الإسرائيلية إلى مستويات تاريخية على أنها محاولة لتعزيز المصالح الأمنية لإسرائيل.

رابعا: الفشل في التوصل إلى اتفاق سيؤدي إلى حرب

وأخيرا؛ فإن اللازمة المتكرر من مسؤولي الإدارة هو أن البديل للاتفاق النووي هو الحرب. لقد كان الرئيس فظا في كلمته: «رفض الكونجرس لهذه الصفقة يترك أي إدارة أمريكية ملتزمة تماما بمنع إيران من الحصول على سلاح نووي مع خيار واحد هو حرب أخرى في الشرق الأوسط … ربما ليس غدا، ربما ليس بعد ثلاثة أشهر من الآن، ولكنها سرعان ما ستبدأ». وأثار وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» نفس النقطة في المقابلات وأثناء جلسات الاستماع في الكونجرس.

الحجج الثلاث الأولى في البيت الأبيض تبدو مقنعة، أما الرابعة فهي أقل درجة.

بالنسبة للأولى: موافقة الولايات المتحدة أمر بالغ الأهمية للتنفيذ والإنفاذ المستمر للاتفاق، في الوقت الذي تحركت فيه الولايات المتحدة لدعم دولي لفرض عقوبات معوقة أدت بإيران إلى طاولة المفاوضات. إمكانية تطبيق عقوبة الغش دون دعم الولايات المتحدة من الصعب إذا بدأت التجارة العالمية حركتها من جديد. وقد تميل روسيا والصين ، اللتان تؤيدان إيران في سوريا وقضايا إقليمية أخرى إلى الانفصال. ويشغل بال الحلفاء الرئيسيين تصويت الولايات المتحدة السلبي، والذي قد يؤدي أيضا إلى تمكين المتشددين في طهران من رفض الصفقة واستبعاد أي مفاوضات النووية في المستقبل. وإذا تجاهل الكونجرس دعم المجتمع الدولي، فيمكن لإيران في نهاية المطاف تخفيف عقوبات محدودة وأي من قيود الاتفاق النووي.

وبالنسبة للثاني، فإن تجنب مسألة الربط يسمح بشكل حاسم للولايات المتحدة أن تواجه نشاطات إيران لزعزعة الاستقرار دون المساس بالصفقة. وفاز «أوباما» بمجلس التعاون الخليجي كداعم لهذه الصفقة من خلال التعهد بالتعاون العسكري الوثيق ضد تهديدات إيران خلال قمة مايو/أيار التي عقدها مع قادة دول الخليج حيث كانت تجري المفاوضات النووية. فك الارتباط بين الاتفاق عن دعم إيران للنظام السوري الذي يستمر في ارتكاب الفظائع ضد شعبه أمر مؤلم، وسوف يشير المعارضون إلى أن مثل هذا السلوك إنما هو دليل على عدم الثقة في ايران. ولكن عملية تجنب الربط تبقى إيران على طاولة المفاوضات، ويجعل من الصفقة تدبير بناء ثقة نحو فتح حوار تدريجي بشأن التحديات الأمنية الإقليمية الأخرى.

أما الثالث، فإن التوفيق مع المعارضة لـ«نتنياهو» هي استراتيجية معقولة (وساخرة)، وإن كانت محفوفة بالمخاطر قليلا. إن دعم قادة الأمن الإسرائيلي والدبلوماسيين السابقين يضفي موثوقية للصفقة تجاه أمن إسرائيل، والدعم بين الجماعات اليهودية التقدمية وعدد وافر من اليهود الأمريكيين يعطي الإدارة بعض الغطاء المحلي. ومع ذلك، فإن الفجوة بين مختلف الدوائر اليهودية الأمريكية عميقة. ومن الممكن أن تؤدي زيادة «الاحتكاك المؤقت» مع حكومة نتنياهو إلى استياء بين الجماهير المحلية.

وبخصوص الرابعة؛ فإنه مع تصدير الحرب كبديل للصفقة يعد تلميعا خطابيا من شأنه أن يشعل نيران الحزبية، ويحول دون مناقشة انتقادات أكثر بروزا، مثل رفع العقوبات المفروضة على الأسلحة التقليدية والصواريخ البالستية بعد خمس وثماني سنوات على التوالي. الانقسام بين «الصفقة أو الحرب» يسلط الضوء على أن الفشل في التوصل لاتفاق قد يؤدي بإيران إلى تخصيب اليورانيوم باستمرار، إذا ما وصل لمستوى معين، قد يتطلب توجيه ضربة عسكرية ضد منشأت إيرانية. وفي الوقت الذي تسود فيه حالة من الواقعية أو الفرضية الأقرب للواقع، فإن الرسالة كما ظهرت تلعب دورا في المسرحيات المعروضة في حديث بعض المعارضين الأكثر عدوانية للاتفاق، والذين يحالون تصدير الضربات العسكرية على أنها خيار أكثر فعالية من الدبلوماسية مع دولة ينظرون إليها على أنها متجهة للغش. وفي نهاية المطاف؛ فإن مسألة أي احتمال لاستخدام القوة العسكرية ضد إيران يجب أن تناقش بطريقة جادة وملموسة.

وسواء أكان لتلك النقاط صدى في الكونجرس أو لا، فإن الأمور سوف تُقرر في 17 سبتمبر/ أيلول. وعلى الرغم من أن بعض المؤيدين واثقون من عدم القدرة على الصمود أمام تصويت يتجاوز الفيتو الرئاسي، فإن معارضة «شومر» أبقت آمال المعارضين على قيد الحياة في الوقت الحاضر. وسوف يكون «أوباما» قادرا على تحقيق انتصار للسياسة الخارجية قرب نهاية فترة ولايته، وهو ما يجعل من تمرير الصفقة أمرا ضروريا. ومع ذلك؛ فإن العمل الجاد لضمان الامتثال لإيران، بينما هناك تهديد غير نووي قائم، سيكون قد بدأ لتوه.

ترجمة الخليج الجديد

أتلانتيك كاونسل

 

 

 

إيران في الوحل السوري

صلية الصواريخ على الجليل وعلى الجولان يوم الخميس كانت شاذة. ليس فقط بوقاحتها ـ أي نار مباشرة على اسرائيل ـ بل وليس في الرد غير المسبوق للجيش الاسرائيلي الذي في الازمنة العادية كان يمكن أن يؤدي إلى اندلاع حرب مع سوريا. القصة هنا ليست أيضا هي الجهاد الإسلامي أو حتى سوريا ـ التي من المشكوك فيه أن تكون عالمة مسبقا بالنار. هذه خطوة مصممة للعلاقات بين اسرائيل وإيران بعد الاتفاق النووي.

سوريا اليوم لم تعد دولة واحدة، وعمليا ليست دولة على الاطلاق: فالاسد يسيطر على نحو 40 في المئة من المنطقة فقط، ولا يجري فيها أي عمل سلطوي سليم باستثناء الحرب على اجزائها بين بقايا حكمه وبين داعش، جبهة النصرة، منظمات الثوار، الاكراد والان الدروز ايضا.

إيران، من خلال حزب الله، أخذت منذ زمن بعيد القيادة العملية على ما يجري في سوريا، بل وتمليه. فالتفكك السريع لجيش الاسد فاجأهم هم ايضا (مثلما فاجأنا نحن والروس ايضا)، ونظام آيام الله علق في ضائقة بعد أن تكبد حزب الله حتى الان قرابة الف قتيل من اصل عشرة الاف مقاتليه.

إيران عالقة في سوريا وتوجد في وضع غير قليل من انعدام الوسيلة فيما تخاطر بالفشل. بغداد هي الاخرى في وضع مشابه. وهذا كفيل بان يكون الجواب ـ فضلا عن تأثير العقوبات التي كانت قاسية ولكن غير حاسمة ـ على سؤال لماذا اختارت إيران في النهاية الموافقة على التوقيع على الاتفاق النووي، الذي يعد مهينا من ناحيتها: مغامرتها الاقليمية علقت في ضائقة.

إذن لماذا كان هاما لإيران في وقت حساس بهذا القدر، عشية اقرار الاتفاق النووي في واشنطن، المخاطرة بعملية موجهة ضد اسرائيل؟ يمكن لنشاط اسرائيل الحثيث ضد اقرار الاتفاق النووي أن يكون هو السبب. ومثل هذه الامكانية كفيلة بان تشرح لماذا وجه قاسم سليماني بالذات خلية الجهاد الإسلامي لاسعد ازدي ان تنفذ النار نحو اسرائيل، وليس الجهة الطبيعية ـ حزب الله. يمكن الافتراض بان حزب الله لا يسارع إلى المخاطرة الان برد اسرائيلي حاد ولهذا فقد فضلت إيران ان تبعد عنه الدليل من خلال جهة خارجية.

لقد كان رد اسرائيل السريع والحازم بهجوم قوي على القوات السورية جوابا صهيونيا واستراتيجيا فائقا: فقد أوضحت للإيرانيين بأنه ليس لهم مخبأ تحت شمس الاستخبارات الاسرائيلية وكل خدعهم مآلها الفشل. ثانيا، تفهم اسرائيل جيدا اللعبة الإيرانية وقد مست بالحلقة الاضعف في السلسلة. إذا كان الجيش السوري سينهار ـ فان قبضتهم في سوريا كلها ستنتهي.

ان حادثة الصواريخ هي بالفعل هامة في معادلة الردع التي ينبغي لاسرائيل أن تخلقها حيال المجال الفوضوي السوري والتوسع الإيراني الاقليمي. فالخوف من ان تتعزز قوة إيران في اعقاب رفع العقوبات هو خوف حقيقي. ولكن استخبارات مركزة و»رفع البطانية» عن اعمالها السرية» بالتداخل مع ضربة قوية لمصالحها ومراكز القوة الخاصة بها، ستبقى الجواب الاكثر صحة. إيران لا تنجح بشكل ذي مغزى في أي من مجالات عملها. ودمج للمساعي بين اسرائيل والدول المعتدلة في المنطقة، إلى جانب الأمريكيين، سيساهم في قصقصة ايديها.

اسرائيل زيف ـ لواء احتياط

يديعوت 23/8/2015

القدس العربي

 

 

لماذا عطلت (إسرائيل) 3 خطط لمهاجمة منشآت إيران النووية؟/ جورج فريدمان

في يوم 21 أغسطس/آب، بثت القناة الإسرائيلية الثانية تسجيلا لـ«إيهود باراك»، وزير الدفاع السابق ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، قائلا إنه في ثلاث مناسبات منفصلة، خططت (إسرائيل) لمهاجمة المنشآت النووية الايرانية لكنها تراجعت عن شن هذه الهجمات. ووفقا لـ«باراك»؛ فإنه في عام 2010، رفض رئيس الأركان الإسرائيلي في ذلك الوقت، «غابي أشكنازي»، الموافقة على خطة الهجوم. كما تراجع أعضاء مجلس الوزراء الإسرائيلي، «موشيه يعلون» و«يوفال شتاينتس»، عن خطة أخرى أيضا، وفي عام 2012 تم إلغاء هجوم لأنه تزامن مع المناورات العسكرية الأمريكية الإسرائيلية المقررة وزيارة من وزير الدفاع الأمريكي آنذاك «ليون بانيتا».

حقيقة أنه تم الإفراج عن المقابلة بأي حال من الأحوال أمرٌ غريب. وادعى «باراك» أنه يعتقد أن الشريط لن يتم بثه، ومن المفترض أنه حاول وقف البث دون جدوى. ويبدو أن باراك لم يكن لديه ما يكفي من النفوذ للضغط على الرقابة لمنع ذلك، وأفترض أن ذلك كان ممكنا.

«يعلون»، مثل «أشكنازي»، كان في وقت من الأوقات رئيس أركان قوات الدفاع الإسرائيلية، ولكنه كان أيضا نائب رئيس مجلس الدولة وخليفة «باراك» كوزير للدفاع. وكان «شتاينتز» وزيرا للمالية، وعبر بصراحة عن مخاوفه بشأن إيران. ولذلك؛ فإن ما كان «باراك» يقوله هو أن رئيس الأركان ونائب رئيس مجلس الدولة ورئيس الأركان السابق منعا الهجمات المخطط لها. أما بالنسبة لتزامن التدريبات الأمريكية الإسرائيلية مع هجوم مخطط له، فإن هذا كان أمرا محيرا للغاية؛ لأنه يتم التخطيط لمثل هذه التدريبات في وقت مبكر. ربما كان هناك بعض الضعف في الدفاعات الإيرانية التي تفتح وتغلق بشكل دوري، والتي حفزت توقيت الهجوم. أو ربما يكون «باراك» في حالة ارتباك بشأن هذه المسألة.

وهناك عدد من النقاط الجديرة بالذكر: «إيهود باراك» ليس الرجل الذي يتحدث بشكل عشوائي في مسائل مصنفة على أنها سرية للغاية، وبالتأكيد ليس في الوقت الذي يجري فيه تسجيلها. وعلاوة على ذلك؛ فإن فكرة أن «باراك» لم يتمكن من إقناع الرقابة العسكرية بمنع بث التسجيل هي بعيدة الاحتمال. فلسبب ما؛ لقد أراد «باراك» أن يقول هذا، وأراد بثه.

وربما كان جزء من السبب لشرح لماذا إسرائيل، القلقة من الغاية بشأن إيران، لم تتخذ إجراءات ضد المنشآت النووية الإيرانية. وبالنظر إلى النقاش الدائر في الكونجرس الأمريكي، فإن هذا هو السؤال الذي يُسأل بلا شك. التفسير الذي يعطيه «باراك» هو أن كبار المسؤولين العسكريين والدفاع منعوا الخطط وأن الإسرائيليين لم يريدو إغضاب الأمريكيين بشن أي هجوم من خلال مناورات مشتركة. المشكلة مع هذا التفسير هو أنه من المعروف جيدا أن مسؤولي الجيش والمخابرات الإسرائيلية جادلوا ضد هجوم إسرائيلي، والذي كان مفاجأة للولايات المتحدة سواء أكانت هناك مناورات مشتركة جارية أم لا.

وعلى ما يبدو، عن قصد أو عن غير قصد، أن «باراك» لفت الانتباه الإسرائيلي إلى حقيقتين. الأول هو أن إزالة المنشآت النووية الإيرانية سيكون من الصعب، والثاني هو أن محاولة القيام بذلك من شأنه أن يؤثر على العلاقات مع حليف لإسرائيل لا غنى عنه؛ أعني بذلك الولايات المتحدة. وقد ترددت شائعات عن معارضة القادة العسكريين للضربات، كما ظهرت في تصريحات علنية من قيادات متقاعدة في الجيش والمخابرات. ويؤكد «باراك» أن تلك الاعتراضات كانت السبب الحاسم وراء تراجع إسرائيل عن الهجوم. كما كان الجيش غير متأكد من أنها يمكن أن تنجح.

تداعيات الفشل الذريع

وينبغي أن تتم أي عملية عسكرية، مثل أي شيء آخر في الحياة، بطريقتين. أولا: ما هي النتائج المترتبة على الفشل؟ ثانيا: ما مدى احتمالية الفشل؟ فعلى سبيل المثال، فشل عملية إنقاذ رهائن الولايات المتحدة في عام 1980. وبصرف النظر عن وضوح التكاليف، فقد أعطى الفشل سببا للحكومة الإيرانية لخفض احترامها لقوة الولايات المتحدة، وبالتالي خلق احتمالية أن تكون إيران أكثر جرأة في اتخاذ المزيد من المخاطر. والأهم من ذلك، أنها عززت سمعة الحكومة الإيرانية في عيون شعبها، فقد آمن الجميع بأن الولايات المتحدة تهدد السيادة الإيرانية، وزادت الثقة في قدرة الحكومة على الدفاع عن إيران. وأخيرا، تآكلت الثقة في قادة الولايات المتحدة السياسيين والعسكريين بين الجمهور الأمريكي. وفي الحد من التهديد وتصوره، فقد أعطى فشل العملية النظام الإيراني مجالا أكبر للمناورة.

وبالنسبة للإسرائيليين، فإن ثمن الفشل في هجوم على المواقع النووية سيكون خطيرا. أحد الأصول السياسية الاستراتيجية الاسرائيلية الكبرى هو الاعتقاد العام في اختصاصها العسكري. وبسبب ما حدث في حرب عام 1967، نجت الصورة العامة للجيش الإسرائيلي من عدد من الجمود والنكسات. أي فشل في إيران سيضر بتلك الصورة حتى لو بقيت القوة العسكرية دون أذى. والأهم، أنه وكما تمخضت العملية الأمريكية الفاشلة في عام 1980، فقد تم تعزيز الموقف الإيراني. ونظرا لطبيعة الأهداف، فإن أي هجوم محتمل يتطلب عناصر القوات الخاصة جنبا إلى جنب مع غارات جوية، وأي إصابات أو إسقاط طيارين أو أسر قوات خاصة من شأنه أن يخلق انطباعا عن وجود ضعف إسرائيلي مقارنة مع القوة الإيرانية. ومن شأن هذا التصور أن يكون ميزة لا تقدر ولا تحصى لإيران في جهودها لتعود إلى امتلاك النفوذ في المنطقة. أما بالنسبة لإسرائيل، فإن تكلفة الفشل ستكون مخيبة للآمال.

وهذا يجب أن يقاس من حيث إمكانية النجاح. في الحرب، كما هو الحال في كل شيء، يمكن للنجاحات الأكثر وضوحا أن تتطور إلى فشل. كان هناك العديد من النقاط المحتملة لفشل الهجوم على إيران. إلى أي مدى كانت ثقة الإسرائيليين في استخبارات بلادهم بشأن المواقع والتحصينات والدفاعات ومدى دقتها؟ ومدى الثقة في تدمير الأهداف الصحيحة؟ وربما الأهم من ذلك، كيف يمكن للغارات أن تدمر الأهداف؟ وأخيرا، الأهم من ذلك، أنهم يعرفون ما هي قدرات إيران التي نجحت في استعادتها؟ وكيف يمكن استعادة الإيرانيين بسرعة لبرنامجهم؟ وفي كثير من الأحيان؛ فإن هجوما ناجحا من الناحية العملية لا يتعامل مع حقيقة المشكلة الاستراتيجية. إذا كان الهدف من الهجوم جعل إيران غير قادرة على صنع سلاح نووي، فهل يتسبب هذا في تدمير جميع الأهداف المعروفة لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي؟

أحد الأشياء التي تؤخذ في الاعتبار هو أن الإيرانيين كانوا مهووسين بجهود المخابرات الإسرائيلية والأمريكية، في الوقت الذي كان الإسرائيليون والأمريكيون لديهم هاجس البرامج الإيرانية. وتم بناء المنشآت الإيرانية لحمايتها من الهجوم. كما كان الإيرانيون أيضا بارعون في الخداع. مع العلم أنهم كانوا تحت المراقبة؛ فقد بذلت جهودا للتشويش وتضليل المراقبين. ولم يكن الإسرائيليون قادرين على التأكد من أنهم لا ينخدعون بكل مصدر موثوق وكل صورة أقمار صناعية وكل مكالمة هاتفية تم اعتراضها. حتى لو كانت مصدرا واحدا فقط أو اثنين من المعلومات المضللة في الواقع، أي مصادر كانت تلك؟

ومن شأن الهجوم الإسرائيلي الفاشل على إيران أن يتسبب بتعديلات كبيرة بين اللاعبين الإقليميين الآخرين في الطريقة التي يرون بها إسرائيل وإيران. بالنسبة لإسرائيل، فإن تصور فعاليتها العسكرية بمثابة الرصيد الاستراتيجي. هناك خطر عال من أن تتضرر تلك الأصول الإستراتيجية نتيجة عملية فاشلة، إلى جانب وجود فرصة قوية لأن تعزز الإجراءات الإسرائيلية عن غير قصد قوة إيران في المنطقة. لقد كانت هناك شكوك كبيرة من إلقاء إسرائيل ثقلها على الاستخبارات. ففي الحرب يعني فشل الاستخبارات خسارتها. وتكمن القضية في حجم الفشل، وليس هناك طريقة لمعرفة ماذا بعد الضربة. وعلاوة على ذلك؛ فإن نجاح العمليات قد لا يسفر عن أي نجاح استراتيجي. ولذلك فإن نسبة المخاطرة المحتملة ضد المكاسب جادلت ضد أي هجوم.

التفكير في قدرات إيران

هناك جانب آخر لهذه المعادلة: ما الذي كانت إيران تستطيعه بالضبط؟ وكما عرضت من قبل، فإن اليورانيوم المخصب عنصر ضروري لكنه غير كاف لصنع سلاح نووي. إنه يكفي لخلق جهاز يمكن أن ينفجر تحت الأرض في ظروف خاضعة للرقابة. لكن تطوير سلاح، في مقابل جهاز، يتطلب تقنية واسعة متناهية الصغر ودقيقة في البناء لضمان وصول السلاح إلى هدفه. أولئك الذين يركزون على التقدم في تخصيب اليورانيوم فشلوا في النظر إلى غيرها من التكنولوجيات اللازمة لبناء الأسلحة النووية. ويناقش البعض – وأنا منهم – بأن التأخيرات المستمرة في استكمال أي سلاح متأصلة في عدم وجود تقنيات حيوية ومخاوف إيرانية من نتيجة الفشل.

ثم إن هناك أيضا مسألة التوقيت. ومن شأن السلاح النووي أن يكون الأكثر ضعفا في اللحظة التي تم الانتهاء منها. عند هذه النقطة، فإنه لن يكون تحت الأرض، كما أن الإسرائيليين لديهم فرصة لضربه عندما يصبح الإيرانيون في مرحلة تزاوج السلاح بجهاز التسليم. إسرائيل؛ وإلى حد أكبر في الولايات المتحدة، لديها قدرات الاستطلاع. ويعرف الإيرانيون أن المرحلة النهائية من تطوير السلاح هي الأنسب للكشف عن المخاطر والهجوم. وربما شعر الإسرائيليون بذلك، ورغم أن العملية تبدو محفوفة بالمخاطر في المستقبل، فإن هناك احتمالية محدودة للفشل مقارنة بأي هجوم سابق لأوانه.

دوافع «باراك»

وسواء عن قصد أم لا (وأظنه عمدا)، فإن «باراك» كان يلفت الانتباه ليس إلى خطط مسبقة للهجوم على إيران، ولكن لقرار التخلي عن تلك الخطط. وأشار إلى أن رئيس الأركان الإسرائيلي منع خطة واحدة، ورئيس الأركان السابق منع خطة أخرى، والاهتمام بمشاعر الولايات المتحدة منع الثالثة. ولوضعها في أطر مختلفة، فقد درس الإسرائيليون الهجمات على إيران وتخلوا عنها في عدة مناسبات، عندما رفض كبار القادة أو أعضاء مجلس الوزراء أصحاب الخبرة العسكرية الكبيرة الموافقة على الخطة. ولم يكن معلنا أنه لا رئيس الوزراء ولا مجلس الوزراء قاموا بإلغائها. إن حكمهم، وحكم العديد من الآخرين، كان هو أن الهجوم لا ينبغي أن ينفذ، على الأقل ليس في ذلك الوقت.

ويمكن قراءة تصريح «باراك» كحجة لفرض عقوبات. وإذا كان الجنرالات لديهم ثقة كافية في هذا الهجوم، أو إذا كانت هناك إمكانية لإلغاء الهجوم نهائيا بسبب التدريبات مع الأمريكيين، فإن الخيار الوحيد هو زيادة العقوبات. لكن «باراك» يعلم أيضا أن الألم لن يجلب دائما الاستسلام. وقد تكون العقوبات مرضية من الناحية السياسية للبلدان وغير قادرة على تحقيق غاياتهم من خلال العمل العسكري أو الوسائل السرية. وكما يعلم «باراك»، من دون شك، أن فرض المزيد من القيود على الاقتصاد الإيراني يجعل الجميع يشعرون بأن شيئا مفيدا يجري. لكن العقوبات، مثل العمل العسكري، يمكن أن تؤدي إلى نتائج غير مرغوب فيها. ولا تزال الإجراءات أكثر إيلاما من العقوبات الاقتصادية التي فشلت في فرض الاستسلام في المملكة المتحدة أو ألمانيا، وفعل ذلك في اليابان فقط بعد استخدام الأسلحة النووية. قصف شمال فيتنام لم يسبب الاستسلام. وفرض عقوبات على جنوب أفريقيا أتى ثماره، ولكن كان هناك أمة منقسمة بشدة بأغلبية مؤيدة للإجراءات الاقتصادية. ولم تدفع العقوبات روسيا إلى تغيير سياستها. إن أي عملية فرض للآلام غالبا ما توحد الدولة وتحفز الحكومة للقيام بأعبائها. وعلاوة على ذلك؛ فإنه ما لم تؤدي العقوبات بسرعة إلى الانهيار، فإنها لن تمنح إيران أي دافع لعدم استكمال سلاح نووي.

لا أعتقد أن «باراك» كان يمهد لفرض عقوبات. ما كان يقوله هو أنه في كل مرة يعتقد الإسرائيليون القيام بعمل عسكري ضد إيران، وأنهم قروا عدم القيام بذلك. ولم يكن يقول حقا أن الجنرالات والوزراء أو الأمريكيين يتصدون لذلك. وفي الواقع؛ كان يقول أنه في نهاية المطاف امتنع رئيس الوزراء «بنيامين نتنياهو»؛ لأنه في النهاية، كان «نتنياهو» في موقف لفرض الأمر إذا أراد ذلك. وكأن «باراك» يقول إن إسرائيل لم تكن تملك أي خيار عسكري. ولم يكن يهاجم «نتنياهو» هذا القرار، ويكأنه كان ببساطة معروفا للجميع.

ومن غير المرجح أن «باراك» يعتقد أن العقوبات قد تجبر إيران على التخلي عن برنامجها النووي. تخميني هو أن الأمر لكلاهما كان غير ذي صلة. إما أن الإيرانيين لا يملكون القدرة أو الرغبة في صنع قنبلة نووية، أو سيصلون لنقطة عندها لكن يكونوا قادرين على إخفاء البرنامج، وهذه هي النقطة التي سيكونون عندها أكثر عرضة للهجوم. وهو في تلك اللحظة، عندما يُرى الإيرانيون يقومون بتسليح نظام التسليم، فإن غواصة إسرائيلية أو أمريكية سوف تطلق صاروخا وتنتهي القضية.

إذا كان «باراك» لا يريد توجيه ضربة لإيران، وإذا كان «نتنياهو» لا يريد توجيه ضربة، وإذا كان «باراك» مفتقدا للثقة في الاتفاقات أو العقوبات، فإنه يجب على «باراك» أن يمتلك شيئا في اعتباره يتعامل به مع السلاح النووي الإيراني، إذا كان هذا قد ظهر من قبل في أي وقت مضى. «باراك» هو الجندي القديم الذي يعرف كيف يمتنع عن اطلاق النار حتى يتأكد انه سيحقق هدفه بنسبة 100%، حتى إذا كان التأخير يجعل الجميع في حالة عصبية. إنه ليس مؤمنا بالحلول الدبلوماسية، ويلمح إلى إلحاق الألم بطريقة غير مباشرة أو عمليات موجهة للفشل. وعلى أية حال؛ فقد كشف إن اسرائيل لم يكن لديها خيار عسكري فعال لعرقلة البرنامج النووي الايراني. وأجد أنه من المستحيل أن نصدق أنه يمكن أن يركن إلى العقوبات أو الدبلوماسية. وبدلا من ذلك؛ قد يؤجل الضربة حتى تقوم إيران بتسليح نظام التسليم، ما يجعل منها عرضة بقوة للهجوم، إنه حل مرهق للأعصاب، ولكن يضمن فرصة جيدة للنجاح.

ترجمة الخليج الجديد

ستراتفور

 

 

الإنتفاضة ضد الفساد»: فشل «نظام إيران» العراقي/ عبدالوهاب بدرخان

تحفل مواقع التواصل الاجتماعي ومقالات الصحف والمداخلات المتلفزة بعبارات الدعم والتشجيع للشباب المنتفض في العراق، مرفقةً بالخوف على انتفاضته والتحذير ممن يريدون ركوب موجتها. فثمة مَن يريد لهذا الحراك أن يستمر، لأن المطلوب إصلاحه هائل: القضاء على الفساد، والمطلوب انجازه أكثر هولاً: بناء الدولة. لذلك يكتشف الجميع في غمار التعرّف الى الواقع أن ضرب تنظيم «داعش» قد يكون أكثر يسراً من توفير التيار الكهربائي، وأن الفساد السياسي الذي ساهم في تصنيع الإرهاب لا يقلّ توحّشاً عن الفساد المالي الذي لم يحلْ دون إنهاض الخدمات فحسب بل دمّر معظم قدرات البلاد.

من شأن العراقيين العاديين أن يعوّلوا على شبابهم الغاضبين في الشارع، لعلهم ينجحون في إطلاق قطار التغيير، وهذا طبيعي رغم أن هذه ليست مهمة الشباب وحدهم، ثم أنه يبدو كرهان على المجازفة. لكن اعتماد الطبقة السياسية عليهم أيضاً يشي بأن علة العلل في العراق تكمن في المسكوت عنه، خوفاً أو استكانةً. وحين اندلعت التظاهرات، في مناطق شيعية، بدا الجميع كأنهم كانوا ينتظرونها: المرجع علي السيستاني يخرج عن صمته، رئيس الوزراء حيدر العبادي يستجيب نداء المرجع ويتخذ اجراءات جريئة، أحزاب «التحالف الوطني» (الشيعي) تغرق في الارتباك وتتزاحم سرّاً وعلناً لاحتضان الشارع رغم علمها بأنه ناقم عليها. وإذ تبيّن أن المتظاهرين في بغداد ليسوا شيعة فقط فقد أقلقوا زمرة الحكم في «حزب الدعوة» وطمأنها في آن. أما القلق فلأنهم برهنوا عن نضج وعفوية وحتى عن «وطنية» كامنة، وبالتالي مفاجئة بعد كل الشحن المذهبي الذي بذل والترهيب الذي تمارسه ميليشيات الحقد الأسود. وأما الارتياح فهو الى إمكان استخدام تعدّد الألوان في الشارع لتفريقه وتبديد زخمه.

المسكوت عنه في خطاب الطبقة السياسية دفعه الحراك الشبابي الى الواجهة، سواء في الهتافات والشعارات أو في الاستهدافات. إنه ايران، دوراً وسطوةً ونفوذاً وترهيباً وتوزيعاً للأدوار بين اتباعها متوافقين ومتنافرين. فما أن أصبح الفساد عدواً معلناً انكشف «النظام» الذي أشرفت طهران على إقامته في بغداد (عاصمة «الامبراطورية»!)، وأوكلت مهمته الى نوري المالكي الذي لم تعد هناك حاجة الى إثبات مدى «شعبية» كراهيته في بيئته المذهبية. كان الايرانيون تخلّوا عن المالكي مرغمين، لكنهم ما لبثوا أن رتّبوا له منصب نائب الرئيس ليبقى في الحلقة الرئيسية للحكم فضلاً عن زعامته لـ «الحزب الحاكم» (الدعوة). وحين ينادي المتظاهرون بإسقاط الفساد، بين استهدافات أخرى مثل «إسقاط الحكومة» أو «إسقاط البرلمان» أو «محاسبة الوزراء الفاسدين»، فإنهم بلغوا عملياً عتبة إسقاط النظام، والنظام هو إيران، واذا كان فشل فقد فشلت. وهي فشلت فعلاً مثلما فشل الاميركيون في مساعدة العراقيين على اقامة نظام أفضل من ذاك الذي غزوا العراق لإسقاطه، ولعل «المؤسسة» الوحيدة التي أبقتها ايران من الإرث الاميركي هي «مؤسسة الفساد». فالأحزاب التي دخلت «العملية السياسية» أدركت باكراً أن الطرفين الخارجيين ابتلعا البلد وليسا حريصين على بناء دولة، لذلك كانت المنافع الخاصة هي القاعدة الأولى والشرط الأساسي للمشاركة في الحكم.

لا يرى الإيرانيون فشلاً لهم في ما يحصل في العراق بل هو فشل العراقيين أولاً وأخيراً. صحيح أن رجال طهران هم الآن موضع اتهام لكن هذا لا يحملها تبعات فسادهم حتى لو كان جزء منه محققاً لمصالح ايرانية، كتمويل الميليشيات على سبيل المثال. لكن هؤلاء يعيشون منذ ما قبل 2003 وضعاً غامضاً لا يدرون أهم عراقيون أم ايرانيون، عربٌ أم فارسيون، وهل هم في مناصبهم معنيون بدولة مستقلة ذات سيادة أم بـ «مزرعة» تابعة لإيران يتباهى قاسم سليماني أمام الاميركيين وغيرهم بأنه حاكمها. قد يفسّر ذلك جدّية الحكّام في كل ما هو إيراني وعبثيتهم حيال كل ما هو وطني، بل يوضح أكثر لماذا انتابت مناقشة الدستور وكتابته لوثة فئوية ومناطقية، مذهبية أو اثنية، إذ تهيّأ لـ «المنتصرين» آنذاك أن الأولوية ليست لـ «الوطن» بل لإرضاء جشعهم السلطوي ولم يدروا أن استهتارهم بالتعايش بين المكوّنات سيؤدي الى ظهور «داعش» أو ما يشبهه وسيشكّل عندئذ هزيمة للجميع وليس لطائفة بعينها. لم تكن إيران بعيدة عن جريمة المحاصصة «الدستورية» هذه، بل جعلت منها إحدى أدوات هيمنتها.

عندما يهتف المتظاهرون «إيران برّا برّا العراق تبقى حرّة» فإنهم يشيرون الى مكمن الخلل في كل المنظومة التي نشأت على انقاض النظام السابق. هذا يذكّر طبعاً بهتاف «سورية طلعي برّا» في شوارع بيروت قبيل انسحاب قواتها من لبنان، كما أن له معنى واحداً وواضحاً وهو أن الكيل طفح وأن صورة إيران في أعماق المجتمع العراقي ليست مطابقة لتلك التي تقنع بها نفسها. الأكيد أن الروابط الدينية والأهلية واحتضان إيران للمعارضين العراقيين خلال منفاهم القسري تبقي البعد العاطفي والوجداني للعلاقة قوياً وثابتاً، لكن أفضال هذا الماضي لا تكفي لتبرير مثالب الحاضر أو الأخطاء المرتكبة في بناء المستقبل. وليس للإيرانيين أن «ينسحبوا» لأنهم موجودون أولاً من خلال «عراقييهم»، ولا تشكّل الانتفاضة خطراً على هيمنتهم، اذ أنهم يملكون وسائل القوة والعنف، وكل مسؤول في أي موقع يدين لهم بمنصبه، ولا تستطيع الحكومة إصدار أي قرار استراتيجي داخلياً أو خارجياً ما لم يوافقوا عليه أو يوحوا به مسبقاً. أصبحت ميليشياتهم البديل الجاهز والضروري من الجيش الذي أشرف الأميركيون على تأسيسه.

قد يقال بلا مبالغة أن مردّ حال الفشل الى «حزب الدعوة» وأيديولوجيته البالية لكن تجريب بدلائه المفترضين قد يقود الى الندم عليه. فهؤلاء وأولئك خرجوا من تحت عباءة الولي الفقيه الذي اختارهم لقيادة عراق ما بعد صدّام حسين، وتخرّجوا في كنف «الحرس الثوري» الذي كان بدوره ميليشيا صارت «جيشاً». أي أنهم تلقوا التنشئة الموجّهة لجعلهم مشروع استبداد متنكّر بالدين. أما الذين استهجنوا تعصّب المالكي وانتقدوا سوء ادارته للعلاقة مع سنّة العراق فكان عليهم أن يدركوا استنساخه نموذج الإرهاب الإيراني في معاملة سنّة الأحواز. ألم يقل الرجل في طهران أخيراً أن «الحشد الشعبي» استفاد من تجربة «الباسيج» (قوات التعبئة للحرس الثوري) سيئة السمعة داخل ايران. ثم أن نهج المالكي وحزبه في مواجهة الخصوم لا يختلف شكلاً ومضموناً عما ظهر ويظهر في ممارسات حسن نصرالله في لبنان وعبدالملك الحوثي في اليمن وبشار الأسد في سورية، كما لو أنهم شربوا جميعاً من الإناء نفسه، فضلاً عن أنهم جميعاً يقولون اليوم أنهم يحاربون الإرهاب الذي سعوا بدأب الى زرعه ليكون ذريعة تسلّطهم.

كان العراق يحتاج بعد الغزو والإحتلال الأميركيين الى «حكم وطني» يضع السلم الأهلي في رأس أولوياته وأهدافه، وكان العراق والعراقيون يحتاجون خصوصاً بعد الانسحاب الاميركي الى مباشرة تعايشهم وإطلاق كل أنشطة التنمية المؤجلة منذ أعوام الحصار الدولي. والأكيد أنهم ما كانوا يتطلّعون للإنضمام الى «محور المقاومة والممانعة» الذي شهدوا انجازاته الكارثية في سورية ولبنان واليمن، لكن إيران شاءت للبلد مصيراً آخر. واذا كانت الانتفاضة الحالية بثّت روحاً جديدة في العراق، بفضل جيل يعتبر أنه عراقي أولاً وأخيراً ويريد الدفاع عن حقه في العيش بكرامة، فإنه شكّل بإرادته أو من دونها تحدّياً لوحش الهيمنة الايرانية وخطراً على مصالح التابعين لها والمتعيّشين من أفضالها. ليس المالكي على حق في قوله أن التحقيق في سقوط الموصل «لا قيمة له»، إلا أنه يعكس تقويم طهران لا لواقعة الموصل فحسب بل لكل ما يحصل خارج إرادتها، فهي تعرّف أن منطق السلاح والميليشيات هو ما أعطاها نفوذها في العراق. ربما يتظاهر الايرانيون وأتباعهم بالتعامل مع مطالب الانتفاضة، غير أن تلبيتها صوَرياً من دون تنازلات جوهرية ستكون مجرّد عناد في الحفاظ على نظام أثبت فشله بمقدار ما أثبت ولاءه لإيران.

* كاتب وصحافي لبناني

الحياة

 

 

 

لماذا تبدو صراعات الشرق الأوسط مرشحة للتصاعد بعد الاتفاق النووي؟

ترجمة: فتحي التريكي، الخليج الجديد

لن يقف منافسو طهران في المنطقة مكتوفي الأيدي دون محاولة للحد من توسع النفوذ الإيراني. ربما لن يتطور الأمر إلى مستوى الحرب الشاملة بين أهم القوى المهيمنة على الشرق الأوسط، فإيران ليست القوة الوحيدة التي تبرع في استخدام الوكلاء. ولكن الصراعات التي تستعر في المنطقة سوف تستمر بلا هوادة وستواصل التفاقم. وسوف تظهر هذه الصراعات على عدة خطوط: السنة ضد الشيعة بالإضافة إلى الصراعات العرقية بين الأتراك والإيرانيين والعرب والأكراد والمجموعات الأخرى. ويبدو أن الاتفاق النووي الإيراني لا يعني على المدى القصير سوى المزيد من الصراع وليس أقل من ذلك.

تركيا

توقعت «ستراتفور» منذ فترة طويلة أن دور القوة الإقليمية المهيمنة سوف يؤول في نهاية المطاف إلى تركيا. التي تضم أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط، وتحتل موقعا استراتيجيا عند التقاء البحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، على بحر مرمرة. فإنه ليس من قبيل المصادفة أن العاصمة التجارية الحالية لتركيا ظلت على مدار أكثر من 1500 عام مركزا لإمبراطوريات قوية. منذ عام 330 ، عندما تأسست الإمبراطورية البيزنطية، حتى عام 1918، عندما سقطت الإمبراطورية العثمانية.

شأنها شأن الولايات المتحدة، فإن تركيا لديها بعض المصالح المتقاربة مع إيران. التنافس مع جارتها إلى الشرق ليست منافسة محصلتها صفر. من ناحية، تعتمد تركيا على النفط الإيراني حيث مثل النفط الإيراني 26% من إجمالي الواردات النفطية التركية في عام 2014. وسوف يوفر رفع العقوبات مع إيران ميزات تجارية بالنسبة لتركيا التي تبدو متعطشة للعوائد الاقتصادية المحتملة والفرص المتاحة للاستثمار. وإلى جانب العلاقات الاقتصادية بين القوتين، طهران وأنقرة، فإنهما يتشاركان أيضا بعض المصالح الاستراتيجية. على سبيل المثال، فإن كليهما، على حد سواء، يبدو معارضا لصعود دولة كردية مستقلة من رماد الحرب الأهلية السورية والصراع العراقي. ورغم أن طهران تقوم في بعض الأحيان بتقديم الدعم العسكري للأكراد ضد «الدولة الإسلامية» في العراق، فإن إيران لديها تكتل سكاني كردي كبير تتراوح أعدادهم ما بين 6 ملايين إلى 7 ملايين نسمة. كذلك فإن ما يقرب من 15 في المئة من سكان تركيا هم من الأكراد، وتواجه تركيا التمرد الكردي الذي اندلع منذ عام 1984.

على نطاق أوسع، فإن تركيا وإيران تبدوان متنافسين بالطبيعة. وعلى الرغم من أن الاحتواء الكردي هو مصلحة مشتركة بين الخصمين، فإن الأكراد يمثلون أيضا  أداة مفيدة لكل منهما لتقويض الآخر. وهكذا، فإن كردستان هي ساحة المعركة الطبيعية بين تركيا وإيران. وسوف تستخدم القوتان الفصائل ضد بعضهم البعض مع تزايد المنافسة. وعلى الرغم من كون تركيا ذات أغلبية سنية وإيران ذات أغلبية شيعية، فمن المهم أن نلاحظ أن أنقرة وطهران تسعىان لفرض هيمنة على المنطقة التي يغلب عليها العرب (رغم أن أيا منهما ليست عربية). بالنسبة لكثير من العرب، واختيار بين الحكم التركي أو الفارسي يشبه الاختيار بين الموت غرقا أو عن طريق الذبح (القربان).

تبدو علاقة تركيا بتنظيم «الدولة الإسلامية» غير واضحة. فقط في الأشهر الأخيرة غيرت تركيا سياستها تجاه المجموعة المتشددة من الإذعان السلبي إلى المطاردة النشطة. قد يكون هذا لأن تركيا ترى أن «الدولة الإسلامية» أصبحت تشكل تهديدا على المستوى المحلي مع انتشار خلاياها وعناصرها في جميع أنحاء البلاد. ربما تكون أنقرة أيضا قد صارت  أكثر حذرا وإحباطا مع حقيقة أن الغرب يبدو أكثر إيجابية بشأن احتمال الاستقلال الكردي عندما تسمع وترى أن الأكراد يبدو أنهم يصبحون  القوة الأكثر فعالية لمحاربة «الدولة الإسلامية».

كانت تركيا تبدو أكثر عزما على إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد مع نشاطها المتزايد في تمويل وتدريب المسلحين المقاتلين لدمشق. أنقرة أيضا تعتبر بلاد الشام مجالا لنفوذها لذا فإنها لا تنظر بعين العطف للمحاولات الإيرانية للتوسع في المنطقة. احتمال أن تركيا سوف تتخذ دورا أكثر نشاطا في سوريا أيضا لا يمكن استبعاده، خصوصا في ضوء التقارير الأخيرة أن تركيا تفكر في الانتقال بجيشها إلى شمال سوريا لخلق منطقة عازلة تحول دون التوسع الكردي وكذا لمحاصرة نشاط تنظيم «الدولة الإسلامية». وأيضا لتمكين المسلحين السنة من تركيز مواردهم على مواصلة الهجوم على «حكومة الأسد».

المملكة العربية السعودية

على عكس تركيا، فإن المملكة العربية السعودية لا يبدو أنها تتشارك مع إيران دائرة واسعة من المصالح المشتركة. المملكة هي قوة عربية سنية تمثل الطائفة الوهابية للإسلام، لذا فإن معظم السعوديين يحملون نظرة تسودها الريبة تجاه المملكة العربية السعودية. ومع الأقلية الشيعية التي تشكل ما بين 10 في المئة و 15 في المئة من سكانها، ومع العراق الذي لم تعد حصنا منيعا ضد طموحات إيران، فإن المملكة العربية السعودية تجد نفسها على خط الصراعات مباشرة مع إيران. ومع كون معظم السكان الشيعة في المملكة العربية السعودية يعيشون على مقربة من حقول النفط الضخمة في البلاد، والتي هي مصدر الثروة السعودية والسلطة، فإن ذلك يجعل شبح التوسع الإيراني أكثر إثارة للقلق في الرياض. وفي عام 2011، أرسلت السعودية قوات الى البحرين للمساعدة في إخماد الاضطرابات في بلد ذات أغلبية شيعية يحكمها السنة، على وجه التحديد لأنها تخشى إيران قد تستخدم الوضع لتوسيع نطاق أعمالها في منطقة الخليج.

وتشارك المملكة العربية السعودية تركيا اهتماماتها بإسقاط «حكومة الأسد»، الذي سيوجه الضربة القاضية للنفوذ الإيراني في المنطقة. لبعض الوقت، اعتقد السعوديون أن «الدولة الإسلامية» يمكن أن تساعد على تحقيق هذا الهدف، ولكن هذه الخطة انقلبت بنتائج عكسية على السعودية. كما أنه يجب الآن على المملكة التعامل مع التهديدات من كل من «الدولة الإسلامية» وتنظيم القاعدة. ومع ذلك، لا تزال المملكة العربية السعودية تقدم الدعم لغيرهم من المسلحين السنة في سوريا الذين يقاتلون ضد القوات الموالية للنظام. وذلك، جنبا إلى جنب مع الأردن، التي يقال أنها تقوم بتوفير الأسلحة للقبائل السنية التي تقاتل في العراق.

وعلى عكس كل من تركيا وإيران، فإن المملكة العربية السعودية ليس لديها أي مشكلة آنية مع الأكراد وقد رصدت «ستراتفور» دلائل على وجود مساعدات يقدمها آل سعود للعناصر الكردية النشطة عسكريا في العراق. ويبدو غير واضح إلى أي مدى سيطور السعوديون استراتيجيتهم في دعم الفصائل الكردية. لكن الإيرانيين يحاولون بالفعل لإثارة الأقليات في المملكة العربية السعودية، وبالتالي فإن السعوديين من المرجح أن يقوموا بمحاولة تشجيع قيام الحكم الذاتي لكردستان للتأثير على القضايا الاقتصادية والأمنية الإقليمية، على الرغم من دعم الأكراد سوف يفسد علاقة الرياض مع أنقرة. وعلى الرغم من أن كلتيهما تصنفان كقوة سنية، فإن المملكة العربية السعودية لا ترى أي مصلحة تقريبا في رؤية تركيا تهمين على الشرق الأوسط كما هو الحال مع إيران.

وفي عام 2014، حاولت المملكة العربية السعودية بدء حوار دبلوماسي مع إيران، ولكن هذه الجهود تدهورت بسرعة مع بداية الصراع في اليمن. ومع تركيز الرياض على محاربة الشيعة و«الدولة الإسلامية» في بقية المنطقة، فإنها أخذت على حين غرة حينما حقق المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران مكاسب عسكرية كبيرة في اليمن، إلى درجة بلغ حد قيامهم بالسيطرة على العاصمة صنعاء. شاركت السعودية منذ ذلك الحين بضرباتها الجوية ثم بقوات برية في الصراع. وبحلول إبريل/ نيسان 2015 كان المد قد بدأ في الانحسار. ومنذ أن توصلت القوى العالمية الست لاتفاق نووي مع إيران، فقد حققت قوات مكافحة الحوثي المدعومة من السعودية في اليمن انتصارات كبيرة في خليج عدن. هذه الأنواع من الصراعات هي بالفعل القاعدة السائدة في جميع أنحاء المنطقة، وإعادة تأهيل صورة إيران الدولية إلى جانب رغبات طهران في توسيع مجال النفوذ الخاص بها سوف يؤدي حتما إلى المزيد من الصراعات.

مصر

مصر، شأنها شأن السعودية، تصنف كقوة عربية سنية. ولكن قدرتها على الفعل أكثر تقييدا بكثير من كل من السعودية وتركيا. لا تزال القاهرة تشكل جزءا هاما من ميزان القوى الذي تحاول الولايات المتحدة تشكيله في الشرق الأوسط، ويتضح ذلك من فقدان الذاكرة المفاجئ الذي أصاب واشنطن بشأن الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس المنتخب ديمقراطيا «محمد مرسي» والمنتمي لجماعة الإخوان المسلمين.

بالإضافة إلى ذلك، ومن وجهة نظر الولايات المتحدة، فإن معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 لا تزال واحدة من السمات المميزة للمنطقة. وإلى الآن، لا تزال مصر تواجه تحديات داخلية متزايدة في محاولاتها لتخفيض نظام الدعم وانتخاب برلمان جديد واحتواء الاضطرابات المتزايدة. إضافة إلى إدارة التهديدات الجهادية المتعددة في البلاد بما في ذلك الهجمات المتعددة والمقلقة في القاهرة وشبه جزيرة سيناء. على الرغم من هذا، فإن القوات المصرية تنشط في اليمن، وكان الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» في روسيا هذا الأسبوع لمناقشة العلاقات الاقتصادية والوضع في سوريا مع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين». وزاد التعاون بين كل من مصر والسعودية في الأشهر الأخيرة بما في ذلك محاولة تجميع مواردهما لحماية معاقل العرب في الشرق الأوسط. قوة الدفاع العربي المشترك قيد التطوير يمكن أن تصبح بسهولة جزءا من هذه الخطة وهي واحدة من طرق القاهرة من محاولة للحفاظ على دور بارز لها في المعادلة الإقليمية.

وبشكل عام، فإن الاتفاق النووي مع إيران لن يعني معدلات أقل للعنف أو الحرب. ولكنه يعني على النقيض معدلات متزايدة منهما. خلقت الانتفاضات في العالم العربي في عام 2011 فراغا في السلطة في جميع أنحاء المنطقة. وكلاء بدعم من قوى خارجية، فضلا عن الميليشيات والجماعات المحلية، والتي وجدت مساحة جديدة للعمل. والصراع في المنطقة أصبح يدور على نحو متزايد بين تركيا وإيران والسعودية ومصر مستخدمين مختلف المجموعات للتنافس ضد بعضهم البعض. مستفيدين من مجموعة الدول الفاشلة لإقامة إقطاعيات صغيرة من السلطة والنفوذ لأنفسهم.

ستراتفور

 

 

 

مقابلة المنار مع «الأسد» .. وصاية الحزب على الرئيس!/ ياسر الزعاترة

تلك من أغرب المقابلات التي استمعت إليها شخصيا مع بشار الأسد، أعني مقابلته مع قناة المنار الناطقة بلسان حزب الله. فقد كشفت بفجاجة طبيعة الوصاية التي يمارسها الحلف الإيراني؛ وحزب الله أحد أدواته، على سوريا وعلى قائدها المقاوم العنيد!! في الشكل كان الإجهاد باديا على بشار، كأنما استيقظ من نومه للتو، وارتدى قميصا كانت ياقته معوجة من أحد جانبيها.

وقد يرى البعض أنه يخوض معركة ومن الطبيعي أن يكون هذا حاله (لم يكن كذلك في المقابلات السابقة)، لكن واقع الحال أن إيران هي من تخوض المعركة، وحزب الله هو من يستقبل الجثث، وهو من عليه أن يبرر كل يوم بطرق شتى مشروعية هذه المعركة التي يخوضها إلى جانب يزيد وهو يرفع راية الحسين!!! الجانب الكاريكاتوري في المقابلة، وهو الذي بدأنا به يتمثل في أن حزب الله أرسل أحد مذيعي قناته (المصري عمرو ناصف) كي يأخذ من الأسد تصريحات مبرمجة تعدل أخطاءً يرى الحزب أنها صدرت عن “الرئيس” في آخر خطاباته قبل أسابيع، والذي اعترف فيه بالإنهاك الذي يعانيه جيشه.

ولأن الهزيمة كانت سافرة في الخطاب المذكور، كما شمل أخطاءً أخرى، فقد كان على المنار أن تأخذ من بشار أقوالا جديدة تعدل الموقف. بدأ ذلك بالحديث عن تفاؤله بالنصر، وهو منحها شيئا من ذلك، قائلا إن الصمود كان أولا بسبب دعم الشعب، وثانيا بدعم الأصدقاء، فيما يعرف الجميع أنه لولا إيران تحديدا لانهار نظامه منذ زمن، من دون أن ينكر أحد أن أقلية طائفية لا زالت تقاتل إلى جانبه، وإن بدا دورها هامشيا في المراحل الأخيرة (لم يتذكر المذيع أن الرئيس الذي يجلس قبالته لا يسيطر سوى على خمس مساحة التراب السوري).

وحين أراد المذيع أن يزيد جرعة التفاؤل بالحديث عن ربع الساعة الأخيرة في الأزمة؛ ليس استنادا بالطبع إلى معطيات عسكرية، بل إلى أخرى سياسية تتمثل في الجهود الروسية وبعض المواقف العربية المساندة.. حين أراد المذيع ذلك، لم يحصل على المطلوب، فهنا كان بشار واقعيا بربطه ذلك بوقف الدعم الخارجي للإرهابيين كما يسميهم!! بعد ذلك حاول المذيع أن يأخذ من بشار ردا “ثوريا” على الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، وذكّره بقصة تغيير قواعد الاشتباك التي تحدث عنها نصر الله، لكن بشار خذله هنا، حيث أكد على أن حرب الإرهابيين هي الأولوية، وأنهم عملاء إسرائيل، ومن الضروري محاربتهم قبل حرب إسرائيل.

وحين قال له المذيع إن هذا الكلام قد يجرّئ العدو على مزيد من الاعتداءات، عاد يكرر نفس الكلام، ولم ينطق بكلمة تهديد ضد الصهاينة، ولو من باب مجاملة المذيع وجبر خاطره (تذكرون تهديده قبل حوالي عام)!! من جانب آخر أراد المذيع (مشغلوه بتعبير أدق) أن يأخذوا من بشار كلاما ينسخ ما ذكره في الخطاب السابق عن إنهاك الجيش، وهنا جاء رده بين بين، حيث أكد بعد إلحاح المذيع أنه قال ذلك لتحفيز الشباب على الالتحاق بالجيش، أي أنه لم يغير، لكنه لم يؤكد من جديد حالة الإنهاك.

وتستمر الوصاية من المذيع (مشغلوه مرة أخرى)، فيذهب نحو ذلك الكلام المفاجئ (معروف بالنسبة إلينا) في الخطاب الماضي، حين قال إن سوريا ليست للسوريين، وإنما لمن يدافع عنها، وهنا حصل المذيع أو الحزب على تصحيح فلسفي لم يكن كافيا، فاضطر إلى وضع الكلمة في فم بشار بالقول، تقصد من السوريين، فقال نعم من السوريين، مع أن الكلام السابق كان فضائحيا، لأن قال ليست للسوريين فقط، بل لمن يدافعون عنها، أي أنها في النتيجة لإيران وأتباعها، أو لمشروع طائفي بتعبير أدق.

بعد ذلك، حصل المذيع، بحسب طلب من أرسلوه على تأكيد جديد من بشار بأن الموقف الروسي لن يتغير، مع مديح طويل عريض عن “مبدأية الموقف الروسي”، مع أن عاقلا لا يقول ذلك بحال (ماذا عن موقف بوتين في اليمن لو سألنا نصر الله؟!)، وكان الحديث عن روسيا في سياق الاستجداء، بما في ذلك القبول بحوارها مع معارضين سوريين كانوا بتصنيف بشار تابعين لقوىً معادية، وليسوا وطنيين كما هو حال الائتلاف السوري!! حصل المذيع أيضا (إلى جانب وجبة تبجيل لإيران ونصر الله) على وجبة هجاء للسعودية والأردن وكذلك لأردوغان (السلطان الإخواني أو الإخونجي حسب تعبيره)، الخلاصة أننا كنا إزاء مقابلة جديدها هو الجانب الكاريكاتوري ممثلا في وصاية حزب الله، بالوكالة عن السيد الإيراني على بشار، وصولا إلى وضع الكلام في فمه حتى لا يسبب إحراجا للسادة الذين يحتلون البلد، وقال هو شخصيا في الخطاب السابق إنها لهم، طبعا لأنهم من يدافعون عنها!!!

الدستور

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى