صفحات العالم

تطورات الموقف الروسي من الأزمة السورية –مجموعة مقالات-

 

هنا موسكو/ سميح صعب

فرضت روسيا نفسها ممراً الزامياً لحل الازمة السورية. ويظهر ذلك في حركة الاتصالات التي تقودها موسكو سواء مع وفود المعارضة السورية على اختلاف مشاربها الى اللقاءات المنتظمة مع المسؤولين الاميركيين والعرب ولا سيما منهم الخليجيين الذين كانوا يرفضون عند نشوب الازمة السورية مجرد الحديث عن أي دور روسي في الحل.

لا شك في أن أميركا ودول الخليج وتركيا كانت تعتقد انه لا حاجة الى دور روسي لتجاوز الازمة في سوريا لأن هؤلاء الاطراف اعتقدوا ان في الامكان حسم الامور لمصلحتها وان روسيا في طريقها للخروج نهائياً من سوريا والشرق الاوسط بمجرد ان يسقط نظام الرئيس بشار الاسد. لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أظهر عزماً لا يلين على الوقوف الى جانب دمشق سواء في مجلس الامن باستخدام الفيتو لمنع تكرار التجربة الليبية أو بالدعم العسكري للجيش السوري.

ومع مرور السنوات على الازمة السورية وبروز التنظيمات الجهادية وضمور المعارضة السورية التي رعاها الخليج واميركا، بدأ التبدل في مواقف الاطراف وخصوصاً بعدما صار خطر “داعش” على الابواب، وسقطت مقولة ان الجهاديين هم من اختراع النظام السوري نفسه كي يبرر استخدامه القوة لقمع المعارضة، بعدما تبين ان المشروع الجهادي تخطى سوريا الى العراق ومصر وليبيا وتونس واليمن ونيجيريا وان دولا اوروبية تعجز عن منعه من شن هجمات ارهابية على اراضيها.

هذا الصعود الجهادي لم يكن في امكان الولايات المتحدة ان تواجهه من غير ان تدخل تعديلاً على جوهر سياستها المتعلقة بسوريا والعراق. كما ان دولا في المنطقة مثل مصر عبد الفتاح السيسي وجدت ان استجابة موسكو لمساعدتها في الحرب على الارهاب اسرع بكثير من استجابة الولايات المتحدة ودول اوروربية لا تزال تبدي تحفظا عن اطاحة حكم محمد مرسي.

وليست أميركا وحدها من غيّر اقتناعاته، بل ان السعودية هي أيضا رأت ان تقاربها مع موسكو ضروري لمواجهة التحديات في المنطقة فضلاً عن رغبتها في عدم ترك ايران تستأثر وحدها بعلاقات وطيدة مع الكرملين، وكذلك حال سائر دول مجلس التعاون الخليجي.

وبذلك أضحت روسيا بوابة لاعادة ترتيب الاولويات في المنطقة والتخلي عن الكثير من الاقتناعات التي برزت في السنوات الاربع الاخيرة والتي لم تسفر سوى عن بروز المشروع الجهادي. ولهذا تشكل روسيا اليوم تقاطعاً لكل الدول الراغبة في مواجهة هذا الخطر . ومن هنا التسليم الاميركي وتالياً الخليجي بالدور الروسي المتعاظم لايجاد حل للازمة السورية.

النهار

 

 

 

استعادة النفوذ الروسي في الشرق الأوسط/ راغدة درغام

القاسم المشترك بين ما تريده روسيا من الدول العربية التي يزورها قادتها على أعلى المستويات وبين ما تريده هذه الدول من موسكو هو أولاً، الرغبة في تطوير علاقات عربية – روسية تقفز على حواجز العلاقة الروسية – الإيرانية التي أثارت الشكوك العربية، وثانياً، الاستعداد لملء الفراغ الذي خلّفته سياسات الرئيس باراك أوباما في الساحة الخليجية ومع مصر، والتي أثارت الفتور في العلاقة العربية – الأميركية. هذا لا يعني أن الدول الخليجية ومصر والأردن قررت الاستغناء تماماً عن الولايات المتحدة واستبدال العلاقة الأمنية معها باللاعب الروسي. وزيارة العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الأسبوع المقبل واشنطن ستؤكد استمرارية العلاقات الأميركية – الخليجية إثر الشراكة الأميركية – الإيرانية الجديدة التي أطلقها الاتفاق النووي مع طهران، وإن كان بحلّة مختلفة لا تخفي ما أصاب هذه العلاقات من تشقق. لن يكفي رقص التانغو بين القيادات العربية والقيادة الروسية لإشعار واشنطن بأن جديداً كسَرَ إيقاع العلاقة العربية – الأميركية وأن البديل متاح في العلاقة مع روسيا. ولن يكفي الإيحاء بالارتياح المصطنع إلى الشراكة الأميركية – الإيرانية وإضفاء أدوات القيادة الإقليمية على طهران. الضروري هو التوجه العربي إلى واشنطن وموسكو بمطالب واضحة ومواقف صارمة تمتد من العناوين الكبرى في موضوع اليمن الذي يتعلق بالأمن القومي السعودي والخليجي بصورة مباشرة، إلى العناوين «الأصغر» مثل انزلاق لبنان إلى الهاوية بقرار إيراني – انتقاماً من اليمن. لا الانفتاح الروسي ولا الانغلاق الأميركي سيغيّر درب المنطقة العربية ما لم تأخذ القيادات العربية قرارات نوعية وتستدرك ما ارتكبته من أخطاء وتسير في خطوات مرسومة. ومن المفيد ما يحدث حالياً وما يسمى «البراغماتية» العملية التي تسلكها قيادات عربية إزاء ما يسمى «الواقعية السياسية» للعلاقة الإيرانية المتميزة لدى كل من موسكو وواشنطن وبقية العواصم الغربية. الزيارات العربية المهمة هذا الأسبوع إلى موسكو – وما سبقها وسيليها – مؤشر إلى أحاديث بلغة مختلفة يجب أن تبقى منطقية مهما كانت ضرورية. ونقطة الانطلاق هي فهم ما تريده موسكو من انفتاحها على منطقة الخليج مع احتفاظها بتحالفها مع إيران.

بعض ما يريده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ووزير خارجيته المخضرم سيرغي لافروف ينطلق من تثبيت إعادة الاعتبار والمكانة لروسيا في الأذهان العربية. فهذه علاقة كانت دافئة جداً أثناء العهد السوفياتي مثل العلاقة المصرية – السوفياتية، وتطورت إلى علاقة تصادمية تعدّت مجرد الفتور والاستياء بسبب المواقف الروسية من سورية، بل دخلت خانة التشكيك بأهداف روسيا وراء تحالفها مع إيران ونزاعها مع العرب.

روسيا اليوم في عهد بوتين تريد استعادة نفوذها في منطقة الشرق الأوسط عبر مفاتيح جديدة وليس عبر رعاية حل النزاع العربي – الإسرائيلي الذي ابتعدت عنه عمداً. اختارت موسكو أن تكون طهران البوابة الرئيسة لها لدخول منطقة الخليج. وبينما اختارت الولايات المتحدة الخروج من تقليدية علاقاتها مع الدول الخليجية عبر البوابة الإيرانية، اختارت روسيا الدخول إلى علاقات جديدة نوعياً مع الدول العربية الخليجية عبر البوابة الإيرانية.

إذاً، إن العلاقة الروسية – الإيرانية ستبقى ثابتة مهما حل بالعلاقات الروسية – العربية. وهذا ما أقرته القيادات العربية وهي تتوجه إلى موسكو للبحث في بناء علاقات جديدة. فلقد توقف نمط المحاولات السابقة لاستقطاب روسيا عبر ترغيبها بمختلف الوسائل بالتحوّل بعيداً من طهران لتقترب من العواصم العربية. اصطدمت أحلام العرب بكسر التحالف بين روسيا وإيران بواقع تحالفهما كخيار استراتيجي.

القيادات العربية التي توجهت إلى موسكو في الآونة الأخيرة يبدو أنها استنتجت أموراً مهمة بينها: أولاً، إن العلاقة الأميركية – الروسية أعمق مما توحي به الخلافات في شأن أوكرانيا أو ما زُعِمَ من اختلاف في شأن سورية. ثانياً، إن كلاً من واشنطن وموسكو مستفيدة من الصفحة الجديدة مع طهران نتيجة تفاهمهما على الاتفاق النووي وكلاهما له مصالحه الاقتصادية والسياسية والنفطية والغازية والتسلحية من هذا الاتفاق. ثالثاً، لا تنافس بينهما على إدارة ملفات النزاعات الإقليمية ولا مانع لدى واشنطن من أن تتصدر موسكو جهود الحل في سورية أو أن تتفاهم مع طهران حول أدوارها في العراق ولبنان. رابعاً، إن سحق «داعش» بات القاسم المشترك الأول في الطموحات الأميركية – الروسية مهما بدا ذلك الطموح حقيقياً أو مصطنعاً.

لعل موضوع مصر هو الذي تصدّر أولويات المحادثات هذا الأسبوع في موسكو، لا سيما أن دولة الإمارات عازمة مع المملكة السعودية على دعم مصر لتسترد قواها الاقتصادية ومكانتها الإقليمية وقدراتها العسكرية بما فيها تمويل صفقات الأسلحة الروسية لمصر. فهذا يأتي في إطار موازين العلاقات بين الدول الكبرى والدول الإقليمية. وبالتالي، تستفيد موسكو من العنصر المصري على أصعدة عدة، نفوذاً وسلاحاً ومالاً وعلاقات استراتيجية مع دول فائقة الأهمية في منطقة الخليج ومع مصر بالدرجة الأولى.

فمصر في طليعة محاربة تفشي «الإخوان المسلمين» في الحكم في كامل المنطقة العربية، وهذا يتلاءم مع المواقف الروسية الأساسية المعارضة لصعود الإسلام السياسي إلى السلطة، مع أن موسكو لا تعارض الحكم الديني في إيران وتتحالف عملياً مع «حزب الله» في دعم النظام في دمشق. إنما الأمر يختلف تماماً لديها عندما تتعلق الأمور بصعود الإسلاميين إلى السلطة في مصر – والذين دعمت واشنطن في البداية توليهم إياها لدرجة احتكارها. فموسكو تخشى أن يؤدي تمكين أمثال «الإخوان المسلمين» إلى تمتين مواقعهم في الجمهوريات الإسلامية في الجيرة الروسية المباشرة، ومن حيث يمكن تركيا رجب طيب أردوغان الداعم لـ «الإخوان» أن تلعب أوراقاً استراتيجية.

الموضوع الآخر الذي يتخذ عنواناً كبيراً في السياسة الروسية هو مكافحة الإرهاب الإسلامي المتمثل بـ «داعش» و «النصرة» و «القاعدة» وغيرها. إنما تحت هذا العنوان تتعدد الأجندات وتتضارب وتتلاقى في غموض ملفت يشمل مواقف موسكو وواشنطن ولندن وأنقرة وعواصم عربية. ففي ليبيا مثلاً، الحديقة الخلفية لكل من مصر من جهة وأوروبا من جهة أخرى، يبدو القرار الدولي مدهشاً في تركه الساحة الليبية مفتوحة على إنماء حركات التطرف والإرهاب بلا قلق ملحوظ وبلا إجراءات لضبط الأمر.

فلقد بات واضحاً مثلاً أن هناك لا مبالاة بالحدث اللبناني، بل هناك تملص ملحوظ وانسحاب فعلي من الاهتمام بمصير هذا البلد، على رغم خطورة تدميره وإفرازات هذا التدمير على الدول الخليجية. هناك دول خليجية تعي أخطار التراجع عن العلاقات التقليدية المميزة مع لبنان، لذلك يقوم ديبلوماسيوها بالتحرك في الساحة اللبنانية درءاً لفراغ خليجي يترك المجال مفتوحاً أمام ايران بشق الصقور فيها وليس بشق الحمائم.

هذا لا ينفي ولا يخفف مسؤولية الدول الفاعلة تقليدياً في لبنان إزاء مصير هذا البلد. فمن المفيد أن يتطرق الحديث الأميركي – السعودي في واشنطن الأسبوع المقبل إلى ضرورة إثبات حسن النيات الإيرانية فعلياً في الساحة اللبنانية وإثبات العزم الأميركي والسعودي على تسيير هذا البلد في اتجاه بناء المؤسسات وإصلاح الطبقة السياسية المتسلطة بمختلف توجهاتها وهويتها. فالفساد بات وصمة عار على أكثرية الطبقة السياسية وشعار «طلعت ريحتكم» أصاب حقاً بأكثر من فضائح ملف النفايات. ومن الخطأ الفادح أن تتعالى الدول الكبرى الدولية والإقليمية عن ملف لبنان. فهو الآن في حالة حرجة تتطلب أدواراً أميركية وروسية للتأثير في القرار الإيراني في شأن لبنان، وتتطلب انشغالاً عربياً حقيقياً جدياً بحدث هذا البلد، وليس فقط سورية.

الحدث السوري يستولي على أولويات الرياض والقاهرة وعمان والدوحة وأبو ظبي، لذلك تحمل هذه القيادات الملف السوري إلى موسكو – وإلى واشنطن أيضاً – باحثة عن وسائل للتفاهمات. وموسكو منفتحة على إخراج علاقاتها من التوتر والقطيعة مع الدول الخليجية بسبب سورية إلى البناء مع هذه الدول في مجال التعاون التجاري والعسكري إلى جانب الاستثمارات المشتركة في ميدان الطاقة النووية وغيرها.

موسكو منفتحة ليس فقط بسبب أولوياتها الجيوسياسية والفرص الاقتصادية والعسكرية وتلك التي تدخل في خانة النفوذ السياسي. فالسبب الآخر هو ما أحسن الزميل رائد جبر مندوب «الحياة» في موسكو، نقله عن محللين سياسيين أن تحركات روسيا تقوم على خطين متوازيين، الأول يتمسك بدور فاعل لموسكو في الأزمات الإقليمية وأبرزها حالياً سورية، والثاني «محاولة ترتيب الأجندة الروسية في المنطقة، وفتح آفاق جديدة تحسباً لخسارة محتملة في سورية، واستجابة لضرورات الواقع الجديد وتوقعاته بعد توقيع الاتفاق النووي مع طهران».

أجواء «الواقعية السياسية» تشق طريقها إلى شتى العواصم من باب حسابات الخسائر والأرباح. المهم ألا يستمر نمط اللامبالاة بما يؤدي إلى تدمير بلاد عربية إضافية بعد الانتهاء من تدمير مرعب في سورية وليبيا واليمن والعراق. هكذا فقط، يمكن إثبات حسن تفكير وحسن نيات الواقعية السياسية الجديدة.

الحياة

 

 

 

خيارات روسية تُغني عن التهديدات العسكرية/ بيار عقيقي

لروسيا هموم داخلية كثيرة في الفترة الحالية، لكنها تسعى للخروج منها عبر تحقيق مكاسبٍ خارجية، سياسية وعسكرية. ويُمكن فهم الحراك الروسي المستجدّ من جزر الكوريل في أقصى الشرق إلى كالينينغراد في أقصى الغرب، على أنه حراك خارجي للتغطية على التراجع الداخلي.

حتى الآن يوحي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يملك أعصاباً فولاذية، لكن الوضع الداخلي بات أكثر سخونة عما كان عليه في السابق. العملة المحلية الروبل، تواصل تراجعها، وفقدت أكثر من نصف قيمتها خلال أربعة أشهر، منذ مايو/أيار الماضي، حين استعرضت روسيا قواتها العسكرية في “يوم النصر” الـ70. وكشفت أرقام يوم الاثنين 24 أغسطس/آب الحالي، عن تراجع مخيف في العملة، على وقع تراجع أسعار النفط العالمية، إلى ما دون الـ40 دولاراً للبرميل. حاول الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، طمأنة الروس، موحياً بأن “الوضع استثنائي”، في كلامه عن أن “أسعار النفط باتت في أدنى مستوياتها للمرة الأولى من 30 أو 40 عاماً”. غير أنه حاول ضخّ الثقة بمواطنيه، قائلاً: “لا أستبعد تدخّل المصرف المركزي الروسي، كالسابق، للمحافظة على قيمة الروبل”. كما رجّح وزير التنمية الاقتصادية أليكسيس أوليوكايف لوكالة “انترفاكس”، ألا “يستمر الانخفاض في أسعار النفط إلاّ لفترة قصيرة”.

” الفترة القصيرة التي يتحدث عنها أوليوكايف، هي تلك المحطة الزمنية الحالية التي تسبق موسم الشتاء الأوروبي، والذي تعوّل عليه روسيا، لزيادة مدخولها، ولو بأسعار منخفضة. تدرك روسيا أن حاجة الاتحاد الأوروبي للغاز، باتت أكبر من ذي قبل، بسبب تدفق اللاجئين الهاربين من الشرق الأوسط وافريقيا إلى القارة العجوز. وقد أظهرت التقارير الأوروبية، الهادفة إلى بناء مصانع لتشغيل اللاجئين في الشرق الأوروبي، عن واقع ازدياد الطلب على الطاقة مستقبلاً. وارتفعت حظوظ إقامة مثل تلك المصانع، بفعل ازدياد الزحف البري للاجئين من جهة تركيا واليونان ومقدونيا وبلغاريا والمجر، أي الدول التي تقع ضمن مخطط “السيل الجنوبي” (السيل التركي)، أو على تخومه، والذي تُجهّزه روسيا ليكون بديلاً من خط الأنابيب العابر لأوكرانيا. ولا تكتفي روسيا بذلك، بل إن البلقان قد يكون “حليفاً طبيعياً”، بفعل وجود صربيا، كشريك لروسيا، في بقعة تسخن كل فترة.

وفي وقتٍ تنتظر فيه روسيا أن تأتي إليها أوروبا قريباً، حاولت تسريع ميكانيكية الخطوة الأوروبية المتوقعة، عبر نشر 50 ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا، وفقاً للرئيس الأوكراني بيترو بوروشينكو. وهو ما يزيد عن العدد السابق وهو 30 ألف جندي. كما قامت البحرية الروسية بمناورات بالذخيرة الحية في بحر البلطيق بمشاركة منظومة المدفعية التابعة للأسطول الروسي في كالينينغراد. ودائماً ما تعمل موسكو على إجراء مناورات ميدانية، كي تحقق أرباحاً سياسية، ولا يُستبعد في هذا السياق، أن تقوم طائراتها العسكرية باختراق المجال الجوي لدول البلطيق أو اسكندنافيا قريباً لمزيد من الضغط على أوروبا.

الهموم الروسية غرباً، لا تدعها تشيح بنظرها عن جزر الكوريل (مقاطعة ساخالين بالنسبة للروس) شرقاً. جزر الكوريل شكّلت، ولا تزال، نقطة خلاف كبيرة مع اليابان، رغم العلاقات الجيدة بين البلدين. غير أن لروسيا أهدافاً أبعد من مجرّد “الردّ على اليابان” أو “تعزيز الشعور بالقومية الروسية”. تعلم روسيا أن الساحة الآسيوية، تحديداً جنوب شرق آسيا، من بحر العرب في المحيط الهندي إلى الشواطئ اليابانية، وما بينهما من بحري الصين الجنوبي والشرقي، ستكون مركزاً لصراعٍ اقتصادي مستقبلي، أهم حتى من منطقة وسط آسيا. وقد بدأ الأميركيون التجهيز للصراع عبر إبداءهم المزيد من الاهتمام في تلك المنطقة من العالم، كما أن الصينيين زادوا من وتيرة عملياتهم الاقتصادية والميدانية المرافقة لتلك العمليات، في محاولة لقطع الطريق أمام الأميركيين. وهو ما جعل الروس يتخلون عن “حذرهم” في موضوع جزر الكوريل، ولو خسروا اليابان (وهو ما لن يحصل)، بسبب متانة حلفهم الاقتصادي مع الصين. مع العلم أن جزر الكوريل تقع على المقلب الآخر من المحيط الهادئ المُواجه للسواحل الأميركية الممتدة من كاليفورنيا إلى سياتل، صعوداً إلى ولاية ألاسكا، فضلاً عن أنها ليست بعيدة عن جزر هاواي، إحدى الولايات الأميركية.

الاهتمام الروسي على رقعة تغطي 11 منطقة زمنية (سعة المساحة)، لم تجعل روسيا تتجاهل الوضع الشرق أوسطي، الذي حصرت اهتمامها فيه بين إتمام بيع منظومة “أس 300” لإيران، التي ماطلت فيها كثيراً، لدرجة أن الإيرانيين سبق أن رفعوا دعوة قضائية على الروس في عام 2010 بسبب عدم تسليمهم المنظومة، قبل أن يعلنوا أنهم سيتراجعون عنها قريباً. “كارما” منظومة “اس 300″، انتقلت إلى الروس بالذات، بعد تعليق فرنسا العمل في بناء سفينتي “ميسترال” الروسيتين.

” وأيضاً في الشرق الأوسط، وعد الروس ببناء محطات نووية في السعودية ومصر، كما وسّعوا حيّز مشاركتهم في الملف السوري، بعد استقبالهم وفدا من “الائتلاف” المعارض في موسكو. ورغم أن المسافة لا تزال بعيدة بين الروس والأميركيين في شأن الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أن الروس باتوا يملكون خيارات أكبر في المستقبل، في حال سقط الأسد، تبدأ من الداخل السوري وتنتهي في دول الجوار.

على أن التفصيل الأهم يظهر في الاستعدادات الروسية لاستضافة كأس العالم 2018، ومن المفترض أنه بدءاً من العام المقبل، سيخفت “الخطر” الروسي عسكرياً على دول الجوار. بالتالي سينصرف الكرملين إلى التحضير لإنجاح كأس العالم، الذي سيُرفد الخزينة الروسية بالأموال اللازمة، التي من المتوقع أن تُنجد الاقتصاد الروسي، خصوصاً أن بوتين سبق له أن أكد أن كل زائر لروسيا في زمن كأس العالم (14 يونيو/حزيران ـ 15 يوليو/تموز 2018)، سيدخل البلاد من دون تأشيرة دخول. ولن تعمد روسيا، مع استمرار أعمال تشييد وتأهيل الملاعب التي ستحتضن المنافسات الكروية، إلى تجاوز إطار التهديد الكلامي والتهويل، ولن تُنفّذ أياً من تهديداتها. مع العلم أن “الجنون” الروسي عسكرياً، قد يحصل في حال أدت التحقيقات في شأن استضافة كأس العالم، إلى أن روسيا “اشترت” الاستضافة.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى