صفحات سورية

تطوير الموت


عدنان فرزات

لم يعد السؤال اليوم في سوريا: هل قُتل الشخص أم لم يقتل؟ بل أصبح السؤال: كيف قُتل؟! فهناك اليوم أساليب عدة للموت، منها على سبيل المثال لا الحصر: الموت قصفاً، وفي هذه الحالة يكون القاتل ليس لديه وقت، وعلى عجلة من أمره، فيقصف شوارع عن بكرة مرافقها، وينزل عمارات بأكملها. وهناك الموت رشاً، وفيه يطلق القاتل الرصاص على طريقة رامبو، متسلحاً بأكبر قدر ممكن من العضلات، وبأقل قدر من العقل، وتستخدم هذه الطريقة في الإعدامات الميدانية، كتلك التي راح ضحيتها الأديب إبراهيم الخريط ونجلاه. ومن بضاعة القتل في سوريا أيضاً، لدينا القتل نحراً، وآخره حدث قبل أيام، وقضت بهذه الطريقة عائلة شبه كاملة، بأطفالها في دير الزور تدعى عائلة الصليبي. وفي جعبتنا أيضاً الموت تحت التعذيب، ثم الموت قهراً. أما الطرق التقليدية للموت، كحوادث السير، والأزمات القلبية، والفشل الكلوي، وجنون البقر، وقلاع الأغنام، والانتحار، فقد أصبحت من طرق الموت التقليدية التي نترفع عن الموت بسببها.

ويظل هذا الموت، على بشاعته، أرحم مما يتعرض له النازحون. ووفق احصائية مفوضية اللاجئين في الأمم المتحدة، فإن سوريا سيكون فيها أكبر عدد نازحين خلال هذا القرن، بعدد قد يصل الى 700 ألف نازح! هل تعرفون ماذا يعني هذا الرقم المخزي لبلد استقبل الملايين – نعم الملايين – من الشعوب العربية، التي وجدت سريراً دافئاً وحماماً نظيفاً، وليس خياما تقتلعها الرياح؟ والذي أستحضره في ذاكرتي من مبدعين وعظماء مسحت دمشق على رؤوسهم بحنان: الأمير الشاعر عبدالقادر الجزائري، والشاعر محمد مهدي الجواهري، ومظفر النواب وعبدالوهاب البياتي والشاعر أحمد فؤاد نجم، في الثمانينات عندما جاء هرباً من سجن السادات، كما فتحت أبوابها للاخوة في فلسطين وفي لبنان خلال الأزمات التي مرت بهم، ولكن لا أحمّل أحداً مسؤولية هؤلاء النازحين سوى النظام، الذي بدا وكأنه «مبسوط» على ان يترك الناس بيوتهم وأراضيهم، ليخلو له الجو، فهو لا يحكم الآن الا نوعين من الرعية، اما أموات في القبور، واما مشروع أموات.

هذا الوضع جعل النظام منبوذاً حتى في محيطه الاجتماعي الضيق، فقد شهدت القرداحة، مسقط رأس عائلة النظام، نزاعات حادة مع النظام، يعلن قسم من أهلها بشكل أو بآخر عن براءتهم مما يقترفه النظام، وهذه الخطوة التي اتخذها العقلاء مهمة جداً في حقن الأفكار الانتقامية من كل الأطراف بعد سقوط النظام. وهو ما يعزز فكرة ان الثورة لن تنحرف طائفياً كما يريد لها النظام من خلال محاولته اللعب على وتر الأقليات.

كل ما أخشاه أن يصل الغرور والصمم بالنظام إلى الدرجة التي يخرج فيها إلى الساحات والمدن الخاوية ليخاطب نفسه: «لمن الملك اليوم؟».. أستغفر الله!

***

• الحرية إذا جاعت، خبزت لها أمهات الشهداء قرص الشمس، كي تولد الحياة من جديد..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى