صفحات الثقافة

تعالوا نضحك مع علي فرزات


عيسى مخلوف

تعالوا ننظر إلى رسوم علي فرزات ونضحك… لحظة يبلغ العنف حدوده القصوى، تأتي تلك الرسوم لتزيح الغيمة السوداء الكبيرة عن الصدور. تفتح منفَذاً حين تُغلَق جميع المنافذ، وتكسر حدّة المناخ المأساوي الذي يريده الجلاّد سماءً ثانية. تأتي لتكشف أنّ الذي يملك القدرة على القتل ليس الأقوى بالضرورة.
القادر على انتزاع ابتسامة وعلى إثارة الضحك في قلب الأهوال يعرف أنّ الطاغية مثير للسخرية حتى لو كانت في يده آلة القمع، وأنّ الملثَّم هو الخائف الذي يتحرك في الظلام، يحوك الدسائس ويتلاعب بالبشر من وراء الأقنعة. تعالوا نضحك من عشّاق التوريات النافلة والسجع الركيك، يعتدون عليك ويحثّونك على تقديم دعوى قضائية ضدّ من اعتدى عليك. إنهم مع تطبيق القانون، وثمة قوانين ترعى الظلم وتحمي الظالم. يعيّنون لصاً في موقع مدير مصرف، وأمياً مديراً لجامعة، ويختارون مجرمي الحرب ليكونوا مسؤولين عن حماية المعوّقين. الذين يستعملون أياديهم للضرب، وأقدامهم للرفس، وأدمغتهم للتآمر، يسمّمون الحياة ولا يريدون لأحد أن يفرح. الفرح، بالنسبة إليهم، تهديد للأمن القومي. المتسلّط متجهِّم عَبوس، يريدنا أن نصدّقه ونخاف! تعالوا نتحالف فقط مع الإله الذي، مثلنا، يحبّ أن يغنّي ويضحك. الضحك، هنا، سلاح إنساني سلمي في مواجهة السلاح الهمجي القاتل. في فيلم “الديكتاتور” لشارلي شابلن تطالعنا شخصية هنكل الذي يمثّل هتلر ومن خلاله كل الطغاة في التاريخ. في أحد المشاهد الرائعة، نرى هنكل وهو يراقص الكرةَ الأرضية. يلاعبها ويقذفها بيديه وقدميه. ويشعر أنها ملكه يفعل بها ما يشاء. فائض السلطة يؤدي إلى جنون المتسلّط. يفصله عن الواقع من حوله ويخلخل علاقته به. تعالوا نضحك من غباء الطاغية الذي اعتقد أنه سيظلّ حاكماً إلى الأبد، أي أنه من طينة الآلهة، أبديّ سرمدي. يتعاطى مع البشر بصفتهم عبيداً له ولأبنائه من بعده. له المجد وللشعوب الصفع والحذاء الثقيل فوق الرقاب. تعالوا نضحك على الظلم الذي حلّ بالأمة العربية منذ نصف قرن حتى اليوم وأخرج العالم العربي من الزمن الحديث. نضحك من صور الطاغية وتماثيله الشاهقة تملأ الشوارع والساحات العامّة، يراها ويتوهّم أنه لا يُقهَر. يرفع يده ملوّحاً للمصفّقين له، اللاهثين وراء غبار سرابه، ويرفعها تارةً أخرى ليعطي الأوامر بإطلاق النار على رؤوس الذين رفضوا المذلّة. الذين لم يجدوا خبزاً ليأكلوا ولا مدارس ليتعلّموا. كأنه يقتلهم مرّات عدّة قبل القتل الأخير. تعالوا نضحك من الذين يتجسسون على أحلامنا ويحاصرونها ظنّاً منهم أنهم قادرون على الإمساك بها وتصفيتها. أولئك الذين ينادون بالعلمانية والمجتمع المدني وفي الوقت نفسه بؤجّجون الطائفية ويعملون على تكريسها. تعالوا نضحك من الذين يعتبرون أنّ قتل الشعب قرار استراتيجي يحشر العدوّ في الزاوية ويصبّ في صالح البلد. الرصاص يخترق القلب الفتيّ ولا يعرف أنّ هذا القلب الواحد ينبض في ملايين القلوب. تظنّ اليد العابثة المتوحّشة أنّها تحكم قبضتها على العالم. تجزّ الحنجرة التي تغنّي، تدمي اليد التي ترسم، وتفجّر الرأس الذي يفكّر. تحاول المسّ بكل ما يرتقي بالإنسان ويميّزه. تريد اليد العابثة المتوحّشة أن تدمّر من يفضح حقيقة وجودها، وهو أيضاً فضح للجانب المظلم للإنسان على مرّ العصور. أما يدكَ يا علي، فستنهض من جديد. ستهزأ من الملثّمين وتنزع الأقنعة عن وجوههم. ستقول لنا رسومك إنّ العنف سلاح الضعفاء وإنّ الذي يجسّد الظلم والطغيان أكثر هشاشة مما يمكن المرء أن يتصوّر.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى