صفحات العالم

تعاون تركي مع إيران وجفاء مع «الأطلسي»/ مراد يتكن

 

 

 

قبل زيارته الأردن، أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان أن تركيا وإيران ستشنان، قريباً، عمليات عسكرية مشتركة ضد «تنظيمات ارهابية» في العراق في إشارة الى داعش و «حزب العمال الكردستاني». وملاحظة أردوغان تتزامن مع اشادة رئيس الوزراء بن علي يلدريم بإنزال بلاده «أكبر الأضرار» بداعش، وقتلها 4600 مقاتل داعشي في سورية والعراق. وإثر زيارة رئيس الأركان الإيراني، الجنرال محمد باقري، أنقرة وإعلانه «تعاون عملاني» بين البلدين، سُئل أردوغان عن التعاون مع ايران في سنجار وقنديل حيث ينشط «العمال الكردستاني».

وجبال قنديل- وهي تقع في منطقة حكومة كردستان الإقليمية وعلى رأسها مسعود بارزاني، على مقربة من الحدود التركية والإيرانية- كانت مقر «الكردستاني» طوال ما يزيد عن عقدين. وجبال سنجار على مقربة من الحدود العراقية مع تركيا وسورية، أنقذتها قوات إقليم كردستان من احتلال داعش، ولكن «الكردستاني» أحكم عليها الطوق ووقعت في قبضته. وتنظر تركيا وإيران بعين القلق الى ممر يربط قنديل بسنجار، ويوفر تكاملاً برياً بين مناطق «الكردستاني»، واليوم المناطق هذه في حماية الأميركيين. ومضى وقت طويل على بدء طهران قتال الفرع الإيراني من «الكردستاني»، ويزعجها ان فرعه السوري، حزب «الاتحاد الديموقراطي»، يقوم بدور القوات البرية التي تأتمر بأمر القيادة الأميركية الوسطى في قتال داعش.

ولا شك في أن مشهد التحالفات التركية بالغ التعقيد. فتركيا وأميركا حلفاء في الناتو، وكلاهما تصفان «الكردستاني» بالتنظيم الإرهابي (والاستخبارات المركزية الأميركية ساعدت تركيا على اعتقال زعيم «الكردستاني»، عبدالله أوجلان، إثر مغادرته السفارة اليونانية في كينيا في 1999). ولكن واشنطن اختارت التعاون مع «الكردستاني» في وجه داعش. واليوم، تسعى أنقرة الى التعاون مع طهران، التي تجبه جولة جديدة من العقوبات الأميركية في عهد دونالد ترامب. وثمة تناقض مماثل يبرز في علاقات تركيا وألمانيا، وهذه كذلك شريك «أطلسي». وترى أنقرة ان ثمة مسألتي خلاف مع برلين: ضعف التعاون على جبه «الكردستاني» وعلى ملاحقة المشتبه بهم في شبكة فتح الله غولن، وهو داعية تركي مقيم في اميركا متهم بالوقوف وراء محاولة الانقلاب في 15 تموز (يوليو) 2016. ولا تستسيغ المستشارة الألمانية رمي عدد من الألمان في سجون تركيا، واعتقالهم بموجب قانون الطوارئ الذي أعلن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم سريانه، اثر محاولة الانقلاب. وتنتقد مركل تراجع احترام الحريات في تركيا، وهي تقود سعي الاتحاد الأوروبي الى عقوبات اقتصادية على أنقرة. وتؤيد المستشارة الألمانية تعليق العمل بالاتفاق الجمركي المبرم بين بروكسيل وأنقرة، وهي تدرك أن رؤساء اوروبا لن يخالفوها الرأي في هذه المسألة في مثل هذه الظروف.

ويرى اردوغان ان خطوات مركل تندرج في سياق حملتها الانتخابية، ولكن سياستها هذه قد تسري كذلك بعد الانتخابات في 24 ايلول (سبتمبر) المقبل. وإذا بقي توتر العلاقات على حاله مع ألمانيا، قد يواصل أردوغان التعاون العسكري والاستخباراتي مع شركاء غير أطلسيين مثل إيران وروسيا. وفي ظروف عادية، لم تكن أنقرة لتبرم تحالفات إستراتيجية مع روسيا ولا مع إيران. ولكن تركيا ترى ان «الكردستاني» وشبكة غولن هما خطران وجوديان. لذا، اختار اردوغان التعاون مع موسكو وطهران. وقد يبدو ان هذا التعاون في مقياس المبادئ لا يختلف عن شراكة اميركا مع «الكردستاني». ولكن مثل هذه الخطوات تغامر بانفراط عقد مشروع ترومن 1947، وهو ربط تركيا بالتحالف الغربي ضد التوسع السوفياتي. والغرب قد يتذوق مرارة خسارة حليف مثل تركيا، والأخيرة قد تتذوق مرارة أن تلفظ خارج الحلف الغربي. والتاريخ حافل بانعطافات في غير محلها يُلجأ إليها نزولاً على ضرورة إثر إضطرار وحشر في الزاوية أو إقصاء. لذا، حريّ بحكومات تركيا وأميركا وألمانيا التأني في البحث في الأخطار الناجمة عن سياساتها.

* كاتب، عن «حرييات» التركية، 22/8/2017، إعداد منال نحاس

الحياة

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى