صفحات العالم

تعثـر ثـوري


ساطع نور الدين

الثورات الشعبية العربية تتعثر. هذا الاعتراف ضروري لتجنب العثرات، وتحديد المسؤوليات، وإكمال الطريق الشاق الذي لم يكن أحد يتوهم انه سيكون مفروشا بالورود، لكن كثيرين تصوروا انه سيكون مفتوحا على الحتمية التاريخية التي تزيل أنظمة انتهت فترة صلاحيتها، وتحرر شعوبا تتوق الى العدالة والديموقراطية.. من دون ان تصطدم بقوى داخلية وخارجية تتواطأ في ما بينها على رفض التسليم بأن وقت التغيير العربي قد حان.

ليس هناك بطء أو تأخر في تحويل الثورة التي نجحت في تونس ومصر الى دولة. هناك ما هو أخطر من ذلك بكثير. وليس هناك تردد أو تقلب في دفع الثورة التي تمضي قدما في ليبيا واليمن وسوريا. هناك ما هو أسوأ من ذلك بكثير. وليس هناك أمل في ان تعم تلك الموجة الثورية بقية أنحاء الوطن العربي التي كانت تتابع الاخبار التونسية والمصرية بعطف شديد وشغف أشد.. وكانت تتوقع ان يأتي دورها قريبا.

لم يكن أحد يتوقع ان تحقق تلك الثورات منجزاتها في غضون أسابيع أو أشهر، لكن أحدا لم يكن يتوقع ان تقاوم أجهزة الانظمة التي سقطت أو المهددة بالسقوط، طوال هذه المدة وبمثل هذه الضراوة، وان تثبت كل يوم تقريبا أنها لا تزال أقوى وأفعل من ذلك الجيل الشاب الذي أطلق صرخة غضب مدوية، هزت أركان العالم كله.. لكنها لا تزال عاجزة عن إزاحة رموز النظام في تونس لا من المؤسسات ولا حتى من الشارع، أو تنظيم الانقسام بين تياريه الليبرالي والاسلامي وتقنينه، كما لا تزال عاجزة عن إطاحة فلول النظام في مصر التي لا تزال تنظم الاحتجاجات في ميدان التحرير في وسط القاهرة، وتحيل بقية الميادين المصرية الى مساحات للفراغ والفوضى، بينما ينهمك الثوار الشباب في رأب الصدوع بين صفوفهم وفي تهدئة المخاوف في ما بينهم.

أما حال بقية الثورات العربية التي استلهمت التجربة التونسية والمصرية فهو لا يسر أحدا، ولا يوحي بأن النهاية السعيدة باتت وشيكة. فالحكام الذين شهدوا فاجعة زميليهم زين العابدين بن علي وحسني مبارك، وبؤس الثوار الذين أطاحهما، تعلموا من الأخطاء، وصاروا أشد تمسكا بالسلطة وأكثر اقتناعا بقدرتهم على البقاء، وعلى تفادي الخطأ الكبير الذي ارتكبه الرئيسان التونسي والمصري في عدم استخدام الجيش والامن والاستخبارات الى الحد الاقصى، بغض النظر عن الحصاد الدموي، الذي يبدو حتى الآن مروعا ومعطلا لفرصة التغيير السلمي المنشود.

الثورات تتعثر، لان موازين القوى الداخلية، العسكرية والامنية، كانت ولا تزال تميل لمصلحة الأنظمة المستهدفة، التي لا تتمتع بالقدرة على إعادة أي طاغية الى الحكم، لكنها لا تزال مؤهلة لخوض حروب أهلية يمكن أن تمتد عشرات الاشهر بل الاعوام.. ويمكن أن تجعل حياة الشعوب الثائرة جحيما لا يطاق، وان تجعل من التغيير مطلبا لا يلبى إلا بالكثير من الدمار والدم.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى