باسل العوداتصفحات الناس

تعدد الرايات في سوريا تقسيم ناعم/ باسل العودات

 

الحواجز والأعلام تتواتر بين خضراء وسوداء وصفراء وحمراء وبيضاء وهي أعلام لم يحفظها بعد كل السوريين ولكن التمييز بينها هو وسيلة النجاة الوحيدة.

تنطلق السيارة من مدينة الحسكة، شمال شرق سوريا، متجهة إلى العاصمة دمشق، وتمر بسلسلة من الطرق والدروب المليئة بالمغامرات أحيانا وبالكثير من المخاطر أحيانا أخرى، وتجتاز مناطق تخضع لسيطرة قوى عسكرية مختلفة، يعرفها الركاب من شكل ولون العلم المرفوع على الحواجز وعلى الأبنية الحكومية وكثير من الجدران غير الحكومية، وتلك الأعلام هي شكل من أشكال إفرازات الحرب السورية.

يحاول ركّاب السيارة التأقلم مع كل منطقة وفقا لأيديولوجيا حاكميها، فخلال مسافة مئة كيلو متر تعبر السيارة العديد من البلدات التي تتموضع بينها حواجز عسكرية و”دشم” لحمايتها من مقاتلي البلدة التي سبقتها، والتي تليها، ويرتفع على كل حاجز علم يدلّ على القوة العسكرية التي تسيطر عليها والتي على الركاب تحضير أنفسهم للتعامل بما يرضي المقاتلين على تلك الحواجز ويضمن سلامة مرور السيارة.

في أحياء الحسكة تتموضع حواجز لقوات النظام، وأخرى لميليشيات كردية تحمل اسم وحدات حماية الشعب الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، في الأولى يرتفع العلم السوري الرسمي بنجومه الخضراء، وفي الثانية يرتفع علم وحدات الحماية الكردية بنجمته الحمراء وحروفه الثلاثة الدالة على اسم الحزب، أو علم قوات الأسايش الكردية الأزرق الذي يتوسطه نسر تحيط به ورقتا غار، وأحيانا أخرى يرتفع دون مُبرّر علم (كردستان) بشمسه الصفراء وألوانه الثلاثة، على الرغم من أن كل أكراد سوريا يدّعون أنهم غير انفصاليين وسيبقون جزءا من الدولة السورية.

بعد ذلك يقابل الركاب حواجز لقوات مسيحية آشورية (السوتورو) أو مكتب الحماية السرياني، ترفع علما يتوسطه نسر أزرق وذهبي وأسفله كلمات بالسريانية، أو ترفع العلم السرياني الأبيض الذي تتوسطه شمس الإله (شمشا) الزرقاء وتنطلق منها أربعة أشعة متصالبة ملونة.

بين الحسكة وحلب تتموضع حواجز عديدة لتنظيم الدولة الإسلامية، ترتفع عليها الأعلام السوداء وعليها البسملة باللون الأبيض ومحمد رسول الله ضمن دائرة بيضاء، والتي باتت ماركة مسجّلة لكل التنظيمات المتشددة.

ومن أطراف حلب إلى أطراف حمص تتتالى حواجز الكتائب الثورية المسلحة المعارضة، يرتفع على بعضها علم الجيش الحر بنجومه الحمراء وخطوطه الخضراء، أو أعلام الفصائل المسلحة الإسلامية، كعلم أحرار الشام والجبهة الإسلامية وغيرها.

بين هذا وذاك تتموضع حواجز لجبهة النصرة، وهي ترفع للتأكيد على هويتها علم القاعدة المعروف بلونه الأسود ووسطه الشهادة باللون الأبيض وللتمييز يوضع اسم الجبهة أسفله، وفي القلمون قبيل دمشق يصادف الركاب حواجز لميليشيات حزب الله اللبناني، وهي ترفع بفخر علم الحزب.

على حواجز النظام التي ترفع العلم السوري الرسمي يصمت ركاب السيارة، ينظرون لصور الرئيس وأسرته بابتسامة ظاهرة، ويتجنبون التدقيق في بعض العبارات الطائفية المؤيدة للنظام، ثم يُقدّمون بهدوء بطاقاتهم الشخصية للشخص الواقف على الحاجز، وهم على استعداد للتنازل عن أي شيء يُعجبه موضوع في صندوق السيارة، بل وسيشكرونه على أخذه.

وعلى الحواجز الكردية يطلب المقاتل من أصحاب السيارة الوقوف، وينظر الجميع له وهو يستهزئ بالعرب والعروبة، ويجاملونه بشتم البعث، ويُجهدون ذاكرتهم لتذكّر كلمة كردية يحيّونه بها، عسى أن تكون جواز مرور لهم. على حواجز تنظيم الدولة الإسلامية، تسارع السيدة لوضع نقاب يحجب وجهها، ويحضّر الزوج ما يُثبت أنها قرينته على سنّة الله ورسوله، ويتحضّر الجميع لرد التحية على (الأخ) أو (الحاج) بطريقة إسلامية، ويُجهّزون أنفسهم لمدح التنظيم والتزامه الديني بل وتشدده وقسوته ضد هذا الشعب “الكافر”، والجميع ينتظر لحظة إعلان هذا المقاتل براءتهم من الزندقة ليُكملوا طريقهم.

أما على حواجز الكتائب الثورية المسلحة فالأمر أسهل، وشد الأعصاب أقل، فالمطلوب التأكد بأن ركاب السيارة ليسوا من أنصار الأسد ونظامه، ولا يحملون أسلحة.

يعود القلق من جديد عندما تصل السيارة لحواجز جبهة النصرة، فهؤلاء سلفيون متشددون، لدرجة أن البعض صدّق بأنهم سيسألون العابرين عن عدد الركعات وعن بعض السور القرآنية وأسباب نزولها، لكن لا مجال للمزاح هنا، فالمطلوب رمي السجائر قبل الوصول للحاجز بمسافة، وإطفاء الراديو، ومن الضروري أن ينزع الراكب أي ساعة أو سوار يُزيّن به معصمه، وتضع السيدة حجابها، ويُقطّب الجميع حواجبهم للدلالة على أنهم منزعجون من تفاهة المجتمع وانجرافه نحو ملذات الحياة، وهو ما سيُسهّل المرور.

يستمر هذا القلق على حواجز حزب الله، وفي غالبيتها ترفع إلى جانب الأعلام شعارات طائفية لم يعرفها الشيعة السوريون من قبل، ويتحضر الجميع لسماع إهانة أو مصادرة شيء ما يثير إعجاب ذاك المقاتل.

تتواتر الحواجز والأعلام، بين خضراء وسوداء وصفراء وحمراء وبيضاء، أعلام لم يحفظها بعد كل السوريين، ويحفظها عن ظهر قلب كل من تضطرّه حياته للمرور المتكرر بينها، فالتمييز بينها هو وسيلة النجاة الوحيدة، وحسن التعامل مع العلم ورافعيه هو جواز المرور، لكن الخطر هو أن لا يرفع الحاجز علما يدلّ على مرجعيته، عندها سيكون على ركاب السيارة الاستسلام لحدسهم وتقديرهم الشخصي والاستسلام لمصير مجهول ينتظرهم.

العرب

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى