أكرم البنيصفحات سورية

تفاقم أوجاع السوريين في شهر رمضان/ أكرم البني

 

 

…والبداية، تنامي توجس السوريين ومخاوفهم من تصاعد العنف في هذا الشهر الفضيل، وهم الذين خبروا أن شهر رمضان لم يمر عادياً في مسار الصراع السوري، بل حمل في كل عام مزيداً من الفتك والتنكيل، ويدركون أنهم من سيدفع ثمن تجميد مفاوضات جنيف وانهيار هدنة وقف الأعمال العدائية.

«هي صرخة في واد، فمن يسمع ومن يستجيب؟!»، كلمات تطلق بأشكال مختلفة من بعض السوريين كتعليق على دعوة الائتلاف المعارض ومن ثم الأمين العام للأمم المتحدة، إلى وقف العنف طيلة شهر رمضان، ويضيف هؤلاء أن هذه الدعوات تكررت قبل كل رمضان ولم تجد آذاناً صاغية، ليس فقط لأن أصحابها لا يملكون قوة مؤثرة على الأرض ويفتقدون الدعم والمساندة الدوليين، وإنما أساساً لأن الأطراف المعنية بتنفيذها لا تزال تتغنى بمنطق المكاسرة والغلبة ولا يرضيها، مهما حصل من خراب أو أريق من الدماء، سوى الحسم العسكري وسحق الآخر.

وفي مقابل دأب الجماعات الجهادية والمعارضة الإسلامية المسلحة على استثمار شعائر شهر رمضان وطقوسه الجمعية كي تعزز الحشد والتعبئة وتصعد هجماتها، ثابر النظام على توسيع عملياته الأمنية والعسكرية وتشديدها في الشهر الفضيل، كمحاولة استباقية، لقطع الطريق على مرامي تلك الجماعات! فمن ينسى الحملة الواسعة التي تعرضت لها مدينة حماة في رمضان 2011 ودمرت صورة لا تنسى للجموع المحتشدة سلمياً في ساحة العاصي، ثم التصعيد المتبادل للصراع الدموي في درعا وحمص والأرياف الدمشقية في شهور رمضان خلال السنوات المنصرمة؟! أولا يصح إدراج ما نشهده اليوم من تتابع العمليات الحربية في أرياف حلب وإدلب والرقة في الخانة ذاتها، وقراءته كمحاولة من جانب السلطة وحلفائها لاستعادة بعض النقاط المفصلية التي تؤهلهم للتعاطي من موقع القوة مع المبادرات السياسية، وإظهار عجز المعارضة عن إحداث تبدل نوعي في موازين القوى؟!.

عن أي رمضان نتحدث؟! سؤال يعترضك من أحدهم ساخراً من التذكير بطقوس وتقاليد هذا الشهر المبارك. ويستدرك قائلاً، شهر رمضان الذي نعرفه انتهى، لم يعد من مكان لرمضان الاحتفالات والمباهج، أمام رمضان يكتظ بالضحايا والدمار والتشرد والعوز الشديد! ويسأل آخر، كيف يحتفى برمضان وقلوب مئات ألوف السوريين يعتصرهم ألم ممض على ضحاياهم وقد غيبتها الأنقاض، ومثلهم من لا يزالون يبحثون عن أبنائهم المعتقلين أو المفقودين، وقد خاب أملهم من تحريك هذا الملف الإنساني؟! وكيف نعيش رمضان حين يتصاعد العنف من كل حدب وصوب، والبلاد تستباح وتغدو ميداناً لتصفية الحسابات الإقليمة والدولية، أو حين ترتفع الرايات السود، منذرة بتسعير حروب طائفية طاحنة لا أفق لها، وتتنامى المعارك الدموية بين الكتائب الإسلاموية في سعي كل منها إلى السيطرة على مناطق الأخرى، من دون اعتبار لمصالح الناس وحيواتهم؟! وكيف يبتهج برمضان والحصار لا يترك لقمة لجائع كي يسد رمقه، بينما بات نصف السوريين بلا أمل ولا مأوى، إما في مخيمات اللجوء، وإما يعانون الآمرين في بلاد الغربة، وإما هاربين نزوحاً داخلياً إلى أماكن أقل عنفاً ويكابدون حالة قهر وفقر شديدين بعد أن فقدوا كل ما يملكون أو يدخرون؟!.

وما يزيد المشهد قتامة وقهراً ظواهر مقصودة تصطنع الفرح وتبالغ في إظهار سعادتها بحلول الشهر المبارك، بالموائد الرمـــضانية العامرة بالأطباق والحلوى الشهــــية، من دون اكتراث بما وصلت إليه أوضــــاعنا، أو بالحالة المعيشية والإنسانية المريعة لأخوة لهم في الوطن، يفترشون زوايا الطرقات لحظة الإفطار لتتقاسم ما استجدوه من طعام، يكابدون الحصار والجوع وغياب الحد الأدنى من الحاجات المعيشية، من القصف اليومي والعشوائي وما يخلفه من ضحايا ودمار، ومن استبداد إسلاموي لا يردعه رادع في إرهاب البشر وإرغامهم على اتباع نمطه في الحياة.

ويفاقم الصورة المأساوية تزايد خشية المواطنين مع حلول الشهر الكريم من تفشي غلاء فاحش لا ضابط له، من ازدياد جشع التجار، من ارتفاع أسعار السلع الأساسية وصعوبة حصولهم عليهم، من تراجع شديد في قدرتهم الشرائية، ربطاً بالتدهور المتواتر وغير المسبوق لليرة السورية أمام الدولار وغيره من العملات الأجنبية، الأمر الذي لا يفقد المواطنين الفقراء القدرة على اقتناء الحد الأدنى من متطلبات الإفطار الرمضاني، وإنما طاول فئات متوسطة بدأت مدخراتها تنفد، وأيضاً صغار التجار، وقد باتت رؤوس أموالهم البسيطة تتآكل، نتيجة بيع سلعهم بسعر لا يمكّنهم، مع الاستمرار في تراجع قيمة الليرة، من إعادة اقتنائها.

يعيـــش السوريون رمضان هذا العام وهـــــم يزدادون تحسراً على ما حل بحيـــواتهم، والأمر لا يتعلق فقط بفظاعة الفتك والتدمير والتردي المريع في الأمن وشروط الحياة، أو بالتشوهات والانقسامات التي تفعل فعلها في المجتمع، فتذكي العصبيات المذهبية والطائفية، وتشجع روح التنابذ والنزاع والانشطار إلى هويات ممزقة وإلى صراعات من طبيعة إقصائية تترك أثاراً خطيرة في وحدة البلاد والدولة والشعب، وإنما أساساً ببقاء جرحهم مفتوحاً من دون اهتمام جدي بأحوالهم وما يكابدونه. ففي الوقت الذي تعترف به الأمم المتحدة بأن ما يحصل في سورية هو من أكبر الكوارث التي واجهتها خلال تاريخها، يبدو المجتمع الدولي عاجزاً حتى اللحظة عن وقف العنف وحقن الدماء، فكيف بفرض حل سياسي عادل ينصف السوريين ويلبي حقوقهم!.

«كفى، أما آن لهذه المأساة أن تنتهي»، هو رجاء البشر في هذا الشهر الفضيل، هي صرخة اعتراض الموجوعين على استمرار العنف المفرط أياً تكن الدوافع والمسوغات، وعلى هذا الاستهتار البغيض بأرواحهم وممتلكاتهم ومستقبلهم، هي صرخة استغاثة لتخفيف أوجاعهم الإنسانية، والأهم لكسر عناد الأطراف المتصارعة وأنانيتها، كي ترضخ أخيراً وتقتنع بأن طريق العنف عبثية ومسدودة وأنها باتت عنواناً فقط، لمزيد من التفكك والألم والضحايا والخراب.

الحياة

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى