صفحات الرأيطيب تيزيني

تفكيك جذور الإرهاب/ طيب تيزيني

 

 

صار الحديث عن «الإرهاب» خطاً ناظماً للإعلام العربي والدولي، مع اهتمام بقدر ما، بالجذور الكامنة وراء ذلك.

ولكننا نرى أن تلك الجذور بدأت في التكون والتبلور والتجسد في المراحل التي كان الغرب فيها يودّع العصور الوسطى، ويتجه نحو العصور الحديثة، ولنقل إنه مع القرن السابع عشر كانت إرهاصات من محاولات وعمليات التغيير تغذّ السير باتجاه مجتمعات تُخلف البنى الإقطاعية وراءها، لتدخل غمار مجتمعات رأسمالية طامحة إلى إعادة البناء في داخلها وكذلك خارجها، وهذا راح يظهر لاحقاً: لقد حلّت شيئاً فشيئاً غبن رأس المال على أنقاض غبن الأرض، مع ظهور حيثيات اجتماعية واقتصادية وثقافية وضعت التفاوتات الجديدة، واحتمالات مواجهتها في أُطر تاريخية مفتوحة وقابلة للكفاح والتغيير، إضافة إلى تكون صيغ جديدة فعالة من الوعي بما يحدث، وبكيفية مواجهته في مجتمع جديد، هو المجتمع المدني.

ونحن إذ وضعنا يدنا على بدايات الانقلاب المجتمعي التاريخي، فإننا نلاحظ أن ذلك راح يأخذ مسارات قوية في مواجهة «الاستغلال الجديد»، خصوصاً أن هذا الاستغلال اكتسب طابع الشمولية، بعد أن كان يتلبّس الحياة الاقتصادية الرأسمالية، بنحو خاص.

وتحول ذلك بصيغة جامحة إلى حالة من الوجود المجتمعي النازف، بحيث راحت «حقوق الإنسان» تتكسر تحت ضربات الرأسمال والعلاقات المجتمعية، وجاء الرد على ذلك، خصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية، بحيث نجحت الدعوة فيها، وفي العالم أجمع في تأسيس رادع عالمي لذلك.

فكان نشوء «بيان حقوق الإنسان» عام 1948 وبعد حربين عالميتين ماحقتين، وإذا كان الاستغلال الاقتصادي والعنف (الإرهاب) السياسي قد تابعا تعاظمهما في البلدان الكبرى والمزدحمة بمشكلات العنف والقتل ضمن بنيات سكانية متصارعة إثنياً وطائفياً وعرقياً، كما كان الأمر في الولايات المتحدة الأميركية، فقد كان من الممكن أن تقوم هذه الأخيرة بمجازر عرقية داخلها وخارجها، بطرق إجرامية مرعبة.

كان بيان حقوق الإنسان ذاك رداً ساحقاً على ما جرى، حين «هدمت سلطات الولايات المتحدة..

حقوق المجموعات غير المحصّنة»، إن ذلك الحدث الأميركي بما جسّده من «منهج مرعب»، يأتي متقاطعاً مع ما حدث ويحدث من أحداث إجرامية في العالم الغربي، هو الذي كان من وراء نشوء «البيان» والمادة الأولى فيه: «لا يجوز تعريض أي إنسان للتعذيب بكيفية وحشية فاحشة»، وعلينا أن نضيف أن تلك الأحداث المماثلة سابقاً ولاحقاً في الغرب كانت وما تزال أرضاً حاضنة لإرهاب إجرامي في فلسطين وفي بلدان عربية وعالم ثالثية، يروح ضحايا له مئات ألوف القتلى من أطفال ونساء ورجال.

ومن إشكاليات الموقف أن الإرهاب «الداعشي» الراهن الذي يستمد من تلك الأحداث في الغرب والشرق سابقاً ولاحقاً، ما يستطيع استقطاب الكثير من الشباب في العالم، بحيث يتحولون من قتلة إلى ضحايا.

وهذا ما أعلنته صحيفة «التايمز اللندنية» بتاريخ 12/19 من هذا الشهر ديسمبر من عام 2014، حين كتبت: «إن داعش يستقطب الشباب البريطاني من عمر 20 إلى 35 سنة، ليس في سبيل المال والزواج فقط..نعم ليس فقط»! وكما نلاحظ، لا يضيع شيء مما حدث في التاريخ الغربي الحديث، ومما حدث ويحدث في البلدان العربية والإسلامية حيال مُضطهدي ومظلومي وكادحي العالم وخصوصاً العربي والإسلامي.

إن كل شيء يشير إلى دفع الثمن، الذي يضع العوالم أمام مصائر واحتمالات تاريخية «مناسبة». إن «داعش» في وحشيته ظاهرة مثيرة للفزع، ومواجهته بجذوره الاقتصادية والسياسية والثقافية الدينية والأخلاقية أكثر ضرورية وشرعية، وقد يبدأ ذلك بإسقاط الاستبداد.

الاتحاد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى