صفحات سوريةعلي العبدالله

تقاطع نيران حول سورية

علي العبدالله *

عكست التحركات السياسية، الإقليمية والدولية، حول الملف السوري، من لقاء مجموعة الثماني إلى الاجتماع الوزاري الخاص بسورية في الدوحة، مروراً بلقاءات كاميرون- بوتين، وأوباما- ميركل، وبوتين- ميركل، والقرارات والمواقف التي صدرت عنها، حالة لَيّ ذراع شديدة. فالدول التي تتقاطع في عدد من النقاط حول الملف السوري مثل: الحل السياسي، ورفض استخدام الأسلحة الكيماوية، وإغاثة النازحين واللاجئين، ومحاربة التطرف، لم تستطع الاتفاق على خطة خريطة طريق واضحة ومحددة للحل بسبب ربطها الحل بالاتفاق على حلول لقضايا خلافية بينها، قضايا كثيرة ومتنوعة تمتد من التوازن الإستراتيجي إلى الأدوار والمصالح في مناطق عدة من العالم، وصولاً إلى الموقف من أنظمة الحكم والسياسات الداخلية لبعضها، ما قادها إلى عدم تحديد موعد عقد المؤتمر الدولي حول سورية أو «جنيف2» ودفعه إلى أجل غير مسمى.

لقد كان الملف السوري على الطاولة في هذه اللقاءات لكن البحث فيه كان مناسبة للتصويب على أهداف أخرى. فعلى رغم التعويل الكبير على لقاء أوباما- بوتين لتحقيق اختراق في الملف السوري، فإن تركيزهما كان على خفض مستوى التسلح النووي بين الطرفين وتباين وجهات نظرهما بين موقف أميركي يريد تخفيض عدد الرؤوس النووية من 1500 إلى 1000 رأس، وروسي يعطي الأولوية لتموضع وانتشار هذه الرؤوس. ففي مواجهة الفارق التقني في التوجيه والتصويب يمنح العدد روسيا الثقة للتغلب على عدم دقة صواريخها في مواجهة صواريخ أميركية دقيقة، لذا فهي تركز على سحب الصواريخ الأميركية من أوروبا ووقف نشر الدرع الصاروخية ريثما تُطوِّر أجيالاً جديدة أكثر دقة، كما أعلن بوتين خلال زيارته لمعامل الأسلحة الروسية بعد عودته من قمة الثمانية، هذا من دون أن نغفل القضايا الأخرى: الوجود الأميركي في آسيا الوسطى، قضية جورجيا، ملف النفط والغاز، الملف النووي الإيراني، والملفات الأهم بالنسبة الى بوتين (التشكيك الأميركي بشرعيته، بسبب ما تعتبره واشنطن تزويراً وإكراهاً في الانتخابات، التدخل الأميركي في الشؤون الداخلية الروسية ودعمها لمنظمات المجتمع المدني) التي دفعته إلى التصلب إلى درجة الانتحار بالانزلاق إلى سباق تسلح في ظل أزمة اقتصادية خانقة.

صحيح أن الاجتماع الوزاري الخاص بسورية، الذي عقدته 11 دولة من أصدقاء سورية في الدوحة، أطلق وعداً بدعم الثورة السورية بالسلاح، لكنه ترك لكل دولة حرية التقدير والتصرف، ما يعني أنه أعطى شرعية لتقديم السلاح من دون أن يلتزم بخطة وبرنامج محدد، وترك التنفيذ لاعتبارات ومصالح كل دولة ومدى الضرر الذي يلحق بها وبمصالحها نتيجة تطورات الصراع في سورية. وهذا سيلقي الثقل الأكبر على دول عربية بعينها، بينما ستبقى أميركا والدول الأوروبية سوقاً للسلاح ليس إلا، وما يعنيه ذلك من تسعير للقتال الداخلي والتمديد في عمر الأزمة عبر ضخ السلاح لطرفي النزاع، والنزف العربي والإقليمي والتوتر المذهبي والشحن الطائفي والانزلاق إلى بيئة إقليمية هشة وقابلة للانفجار.

انتهت الاجتماعات، وعادت الأطراف إلى إطلاق المواقف تعبيراً عن عدم رضاها عما تم وسعيها لجمع أوراق قوة جديدة للضغط على الطرف الآخر، وبقي الشعب السوري يواجه القتل والتدمير والنزوح واللجوء مع مصاعب توفير الأمن ولقمة العيش والعلاج للمرضى والجرحى وكبار السن، مع مزيد من الضغوط من «الأصدقاء» والأعداء الذين اتفقوا على نقاط تتعلق بمصالحهم من دون اعتبار لمصالحه وطموحاته ومطالبه التي خرج من أجلها: الحرية والكرامة. فهذا رئيس فرنسا يحدد للثوار أولوياتهم (استعادة المناطق الخاضعة لسيطرة المتشددين الإسلاميين)، ويريد منهم أن يقاتلوا حلفاءهم قبل أعدائهم (النظام وحلفاؤه). وسيد البيت الأبيض يواصل معركة بوش الابن ضد السنّة، على خلفية دورهم في هجمات 11 أيلول، ويرفض الوقوف إلى جانبهم باعتبارهم العدو الأول لأميركا، وهذه نقطة تقاطع كبيرة مع بوتين، مع اضطراره لدعمهم لأن هزيمتهم ستعني هزيمته أمام روسيا وإيران و «حزب الله»، وتضر بمصالح اميركا وتضع قيوداً على قدراتها في التعاطي مع ملفات أخرى، بخاصة الملف النووي الايراني وأمن اسرائيل. كاميرون المهدَّد من منافسه داخل حزبه يبدل الموجة إلى البحث عن جنرال يقوم بانقلاب عسكري ينهي حكم الأسد… في وقت تضخ فيه إيران الأسلحة والمقاتلين والمال لتثبيت النظام، ويرسل «حزب الله» وفداً كبيراً (55 من قادته) إلى النجف للمشاركة في الاحتفال السنوي بذكرى ميلاد المهدي ولحضّ الشيعة على «الجهاد» في سورية.

لقد أصبح الشعب السوري وثورته أسيرين لمعادلة إقليمية ودولية، وبات في موقع تقاطع نيران، تحيط به شاخصات تحاول التحكم بمسيره وتوجهاته كي تحدد له في النهاية، وبتجاهل تام لتضحياته وما لحق به على أيدي النظام وحلفائه، سقف مطالبه. لكن هيهات أن يرضى بعد كل ما حصل بالتنازل عن مطالبه بالحرية والكرامة.

* كاتب سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى