صفحات مميزةميشيل كيلو

تقسيم سورية خرافة أم حقيقة؟/ ميشيل كيلو

يضع سوريون كثيرون في حسبانهم مخاطر تقسيم وطنهم، ويتخذون مواقف مختلفة من احتمالاته، فيذهب بعضهم إلى حد القول بضرورة إيقاف المطالبة بإسقاط النظام، لأنه قد يقسّم سورية، بينما يعلن آخرون أن النظام قسّم الشعب والدولة، ولا مجال لمنعه من تقسيم الوطن والأرض، بغير التخلص منه، مهما كان الثمن.

يثور سؤال التقسيم مع كل معركةٍ، تتصل بالطريق السريع بين دمشق واللاذقية، وبالمدن القريبة منه أو الواقعة عليه، حتى عندما تدور في منطقةٍ، تبعد نيفاً وأربعين كيلومتر عنه. ويطرح السؤال نفسه اليوم، مع ما يسمى “معركة الساحل”، والتي قيل إنها بدأت باحتلال كسب وقسطل المعاف والشريط البحري الضيق المحاذي للحدود مع تركيا، والذي يرجح أن يقدم، من الآن فصاعداً، بوابةً تصل المناطق المحررة بالعالم الخارجي، من غير الضروري للسيطرة عليها احتلال المنطقة الساحلية، أو أية مدينة من مدنها الشاطئية، فالمعركة يمكن أن تتوقف هنا، والحديث عن الذهاب إلى اللاذقية ليس غير كلمات حماسيةٍ، من الصعب حتى الاستحالة ترجمتها إلى واقعٍ في ظل موازين القوى الراهنة، علماً أَن تحقيقها لن يكون ضرورياً في حال انحسر وجود النظام، أو ظله الثقيل عن بقية مناطق سورية.

لا أعتقد أنه ستكون هناك “معركة ساحل”، إلا إذا كان النظام قد قرر إشعال حرب طائفية فيه، وقودها من بقوا أحياء من شبابه الذين قتلت معظمهم حماقات قلة فاسدة/ مفسدة، زجَّتهم في معركةٍ غير متكافئة، لا تعرف، إلى اليوم، أية حدود زمانية أو مكانية، ويتصاعد عنفها باضطراد، لكونها بنيت على فرضيةٍ لم يعد يوجد أي قبول شعبي لها، تخير الناس بين الموت بالقنابل أو ذلاً وقمعاً. بما أن السوريين ذاقوا بعض طعم الحرية، فإنهم يفضلون الموت دفاعاً عن أنفسهم، وعن رهان الحرية على الموت ذلاً وقهراً، مهما كانت موازين القوى في غير صالحهم. ويزيد من تصميمهم على هذا الخيار أن النظام لا يترك لهم منفذاً يتيح لهم العودة إلى حالهم السابقة، بعدما صارت من الماضي، وصار من المحال استعادتها: أَولاً، لأن الشعب لم يعد اليوم ما كان عليه أمس، عددياً أو جغرافياً وسياسياً.  وثانياً، لأن النظام يهدد بإبادة أعداد كبيرة منه، في عمليات تطهير، سينتج بواسطتها وضعاً يضمن استمراره واستقراره، يخلو من هذا الذي يسمونه الشعب.

هل غيرت “معركة الساحل” رهان النظام، القائم على استعادة كل شبرٍ من سورية، وإفراغها من القسم الأكبر من مواطنيها الذين سيُمنعون من العودة إلى منازلهم وأماكن عيشهم؟ لا أعتقد أن “معركة الساحل” بدلت هذا الرهان الذي يفرض منطقه علينا جميعاً، ويجعل التقسيم أقرب إلى الخرافة منه إلى الحقيقة، لأن إخضاع الشعب، والسيطرة على سورية، الخالية من سكانها، سيجعلان من غير الضروري تقسيم البلاد. أما الفشل في كسر شوكة الشعب، فسيجعل التقسيم مستحيلاً بدوره، لأن المبادرين إليه، والذين سيكونون قد منوا بالهزيمة في بقية مناطق بلادنا لن يمتلكوا القوة الكافية للشروع فيه، فضلا عن إنجاحه.

ليس التقسيم هو الخطر الداهم الذي يهددنا اليوم، بل الحرب الأهلية، طائفية الطابع، التي ستنشب حتماً إذا لم تنجح المعارضة السياسية، والمسلحة، في تفويت فرصة جرّنا إليها، بعدما  شرع النظام يحشد لخوضها من بقوا أحياء من شباب المنطقة الساحلية، حيث بلغ تحريضه الطائفي والمذهبي ذروة لم يبلغها من قبل، ويستخدم لغةً وشعاراتٍ تنذر بتدمير كل ما بقي قائماً إلى الآن، في وطننا ومجتمعنا!

التقسيم مشروع بعيد الاحتمال، أما الحرب الأهلية فاحتمال جدّ وشيك، إنْ لم نحبطه بكل ما في نفوسنا من وطنيةٍ وتصميمٍ على وحدة شعبنا وحريته!

العربي الجديد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى