صفحات الثقافةممدوح عزام

تقنيات بلا أوطان/ ممدوح عزام

 

 

في كتابه “الحبّ والغرب”، يقول دينيس دي روغمون إنّ “غيوم ده بواتييه وتلاميذه استعاروا صيغ وتقفية شعر الحب العذري العربي لتكون هذه الاستعارة بداية لنشأة شعر التروبادور في الغرب كله”.

لا تخضع التقنيات لقوانين الرقابة على السفر. وفي الغالب، فإن الأمر لا يقتصر على تقنيات الصناعة وحدها، بل يتجاوز ذلك إلى أي شكل أو صيغة من أشكال وصيغ العمل التقني في جميع حقول المعرفة اليدوية والذهنية للبشر.

بل إن الناس أنفسهم يعملون على ترحيل التقنيات، أو تسهيل وصولها من بلد إلى آخر بكافة الوسائل. ومن المعروف أن معظم الإمبراطوريات في عهود التوسع تعمد إلى اعتقال وأسر الفنيين والتقنيين من بين مواطني الشعوب المغلوبة للاستفادة من خبراتهم التقنية في مختلف حقول المعرفة.

ولا تتذمر الشعوب في العادة من تلك الانتقالات التي تتخطى التخوم القومية، باستثناء تذمرها من انتقال وهجرة أصحاب التقنيات أنفسهم، فلا ترى أحداً يشكو اليوم، ولم يشكُ في أي يوم، حسب علمي، من أن اسم المحراث القديم الذي كان يستخدمه آباؤنا (وثمة من لا يزال يستخدمه) هو: المحراث الروماني، وقد أثبت الزمن أنه كان الابتكار المثالي أو النموذجي الذي استقرت عنده تقنيات الإبداع الإنساني في مجال حراثة التربة من أجل الزراعة.

فهل تختلف تقنيات الآداب والفنون عن غيرها في ميلها إلى عدم الاعتراف بالحدود الجغرافية أو الاجتماعية أو العرقية؟

أعتقد أن فن الرواية، مثل أي فن آخر، سليل الوراثة والانتقالات الجغرافية والتهريب عبر الحدود وكسر الحواجز الأممية، ذلك أن تقنيات الكتابة والفن سرعان ما تأخذ سمات ثقافية ذات طابع عالمي بعد اكتشافها، أو ابتكارها من قبل هذا الفنان أو هذا الكاتب، في بلد من بلدان العالم. وهو ما يمكن متابعته في السياق العالمي لكل الفنون الكتابية والبصرية، وبوسع فن السينما أن يتقدم للشهادة في شأن الانتقالات الجغرافية الحرة، وهو الأكثر وضوحاً دون غيره من الفنون، فقد تسللت تقنيات هذا الفن إلى جميع أرجاء العالم دون أن يتقدم أي سينمائي باعتراض التنقل، أو يتوجس أي محلي من “شرعية” هذا الانتقال أو أصالته.

كما يمكن للأدب المقارن، أن يتدخل في هذا الشأن لتقديم الكثير من البيانات عن انتقالات الفنون والآداب بين الشعوب والثقافات.

وفي الغالب، فإن الاعتراضات على نقل التقنيات تتم في نطاق الحقول الإنسانية، وربما تكون تقنيات الكتابة الروائية واحدة من البؤر التي تتجمع فيها المقاصد التي تنتج سلالة من المفردات الخاصة بالهوية الوطنية والأصالة والشخصية المحلية، وغير ذلك من العبارات التي تفصح عن التبرم والضيق بالجديد من تلك التقنيات التي تقتحم السائد والمستقر في الذاكرة.

وفي هذا الباب، يمكن القول إن التقنيات تفتقر للطابع الوطني، وهي في الغالب ذات طبيعة عالمية، وأنا أفضّل هنا صفة الأممية، ولهذا فإنه بوسع جميع التقنيات الأدبية والفنية، أن تستوطن أي جغرافيا، فيما يكون من مهام الكتاب والفنانين تأمين المولود المشبع بالروح المحلية.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى