صفحات العالم

تكبير حجر التهديدات في الجوار السوري ضغط للتفاوض أم نذير حرب إقليمية؟


    روزانا بومنصف

مع انطلاق الثورة في سوريا في آذار 2011 سادت تحليلات ان النظام السوري ربما يلجأ الى محاولة نقل المواجهة الى الحدود مع اسرائيل في شكل اساسي باعتبار ان الخلاف مع تركيا لم يكن قد دخل على المشهد السياسي بعد، وذلك من اجل تخفيف الضغط عليه في الداخل. وسادت في الوقت نفسه وعلى اثر محاولة النظام دفع عناصر فلسطينية نحو الجولان من اجل افتعال ازمة هناك ثم انطلاقا من الجنوب اللبناني ان ايران قد لا تكون في وارد توريط “حزب الله” في مسألة من هذا النوع ولا في حرب مع اسرائيل لمصلحة النظام السوري حماية منها للحزب وعدم رغبتها في التفريط به. ولعل هذه المعطيات لا تزال قائمة في هذا العامل الاخير. الا ان التطورات التي طرأت على المشهد السياسي المتعلق بسوريا ومعها ايران في الاسابيع الاخيرة تدفع ببعض الاسئلة الى الواجهة في رأي سياسيين مطلعين. اذ ان انتقال المشهد المتعلق بسوريا من المعارك في المدن السورية من حلب الى حمص ودمشق الى الحدود مع تركيا من جهة والى الحدود مع لبنان من جهة اخرى مع مقتل عناصر من “حزب الله” في الداخل السوري قد لا يكون محض مصادفة لا بل يمكن ربطه ايضا في السياق الاقليمي لمسار الامور مع طائرة الاستطلاع في الاجواء الاسرائيلية. ومن ابرز هذه الاسئلة هو: هل ان ايران وصلت ومعها “حزب الله” والنظام السوري الى حدود تكبير المشكلة في المنطقة من اجل دفع الدول الغربية الى التفاوض بناء على الاستنفار الذي احدثه النظام على الحدود مع تركيا من جهة وبناء على تورط “حزب الله” في مهمات جهادية الى جانب النظام وما يمكن ان يعنيه ذلك، فضلا عن طائرة الاستطلاع التي قالت اسرائيل انها اسقطتها وهي من صنع ايراني من دون الجزم باطلاقها من لبنان؟

فالعوامل المحفزة لهذا السؤال المهم تكمن في مجموعة عوامل لعل اهمها ان ايران هي تحت ضغوط كبيرة جدا تشكل تهديدا حقيقيا لها من الداخل، من خلال انهيار عملتها الوطنية التي تترك اثارا لا يمكن تجنبها على الواقع الانساني والاجتماعي على رغم اطمئنانها الى عدم احتمال توجيه ضربة عسكرية لمنشآتها النووية. فالسياسيون المطلعون المعنيون وبناء على اتصالات واسعة مع مسؤولين غربيين اجريت اخيرا تأكد لهم ان الخيار العسكري ضد ايران غير وارد اطلاقا لا بل ان الهجوم العسكري على منشآتها النووية ليس خيارا اميركيا او غربيا. كما اظهر العرض الكاريكاتوري الذي قدمه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في الجمعية العمومية للامم المتحدة عدم قدرته على توجيه ضربة الى ايران اقله ليس قبل الربيع من السنة المقبلة. اضف الى ذلك اتضاح حقائق جديدة لايران في شأن الوضع السوري بعد ضخ اموال ضخمة لمساعدة النظام وهي ان هذا الاخير لم يعد في امكانه الامساك بالوضع السوري او استعادة السيطرة عليه ولن يكون قادرا تبعا لذلك على انهاء الثورة السورية او وضع حد لها حتى لو ان هذه الاخيرة لا تستطيع في المقابل ان تنهي النظام. لكن الاستنزاف الحاصل في سوريا في ظل الضغوط الداخلية التي باتت تواجهها ايران نتيجة الضغوط الخارجية بسبب العقوبات الدولية بات يظهر ان الامور لن تكون لصالح ايران. وازاء المواقف الغربية التي تبدو انها تترك الوضع السوري في وضع استنقاع حتى يتعب الافرقاء وتحديدا النظام ويقبل بالمرحلة الانتقالية التي يطمح الغرب الى الوصول اليها، فان هذا الوضع قد يغدو مؤذيا اكثر لايران. ولذلك، فإن هناك تكهنات او تساؤلات اذا كانت ايران وصلت الى اقتناع بان من مصلحتها ومصلحة النظام و” حزب الله” معهما تكبير المشكلة من خلال توسيعها اولا في اتجاه تركيا، علما ان تركيا لن تدخل في مخاطرة مكلفة جدا بالنسبة اليها خارجيا وداخليا ايضا مع رفض قسم كبير من الاتراك دخول حرب مع سوريا او ضد النظام السوري. وثانيا في اتجاه لبنان مع ما يحمله تدخل الحزب الى جانب النظام من حساسيات واحتمالات خطيرة في الداخل اللبناني على رغم تمسك الجميع باستقرار لبنان. وثالثا في اتجاه اسرائيل مع طائرة الاستطلاع التي قالت اسرائيل انها تستهدف مفاعل ديمونا النووي في رسالة تحمل مغاز كثيرة لا يمكن اغفالها في السياق الاقليمي القائم. وهذه الاسئلة تكتسب ابعادها الجدية نظرا الى ان المخاوف الدولية كبيرة جدا على استقرار المنطقة من انعكاسات الحرب السورية والشكوك تبقى كبيرة في احتمال اهتزاز هذا الاستقرار على رغم المعطيات التي تفيد بعدم وجود ارادة او مصلحة في حرب اقليمية. وتاليا، فإن السؤال هو: هل الهدف من لعبة التهديدات بتوسيع الحرب او اقلمتها من جانب ايران والنظام السوري تكمن في مصلحة هذين الطرفين في دفع الغرب الى التخلي عن وضع الانتظار الذي يقف فيه، وحضه على الدخول في مفاوضات من خلال ضغط مضاد على الارض يحاول خلق توازن لمصلحة احداث تغيير في المواقف الغربية راهنا؟

ويقول السياسيون المعنيون انه قد يكون صعبا الاجابة عن هذه الاسئلة او التأكد من صوابيتها، لكن هذه الرسائل لا يجوز اغفال البحث في ما اذا كانت تحمل مضمونا في هذا الاتجاه ام تحمل مخاطر حرب اقليمية على وقع الرهانات الكبرى في الوضع السوري.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى